الدعم الامريكي السري لإنقلاب 8 شباط 1963 الدموي في العراق، وثائق وحقائق

عماد عباس
2024 / 9 / 20

هذه دراسة مترجمة عنوانها الأصلي هو " إدارة كينيدي، مكافحة التمرد والنظام البعثي الأول في العراق "
للأستاذ ويلدون سي ماثيوز، أستاذ مشارك في قسم التاريخ، جامعة أوكلاند، روتشستر، ميشيغان. مأخوذ عن المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، المجلد 43 العدد 4، مطبعة جامعة كامبريدج 2011


خلاصة
يستكشف هذا المقال العلاقة بين إدارة الرئيس جون كينيدي وأول نظام حكم لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق من شباط إلى تشرين الثاني 1963. اعتمد مسؤولو إدارة كينيدي نموذجاً للتحديث يمكن من خلاله حسب اعتقادهم أن تحقق البلدان التي تم إنهاء الاستعمار فيها مؤخرًا اقتصادات عالية الاستهلاك بواسطة حكومات ديمقراطية. ولأن هذه العملية بدت مهددة من قبل حركات تمرد يدعمها الشيوعيون، فقد طورت الإدارة عقيدة مكافحة التمرد، التي تستلزم دعم القدرات القمعية للدول النامية. واعتبر مسؤولو الإدارة حزب البعث العراقي حركة مكافحة تمرد تمثل عنصراً لتحديث العراق ولمناهضة الشيوعية. وبالتالي أقاموا علاقات داعمة مع المسؤولين البعثيين وقادة الشرطة وأعضاء الميليشيا الحزبية، وذلك على الرغم من انتهاكات النظام واسعة النطاق لحقوق الإنسان. وقد بدأت العلاقة الأمريكية مع أعضاء الميليشيات قبل الانقلاب الذي جاء بالبعثيين إلى السلطة، وتم تدريب قادة الشرطة البعثيين المشاركين في الانقلاب في الولايات المتحدة.

لقد أنتج مؤرخو الحرب الباردة مجموعة مهمة من الأبحاث الاستقصائية بحثت في كيف أقامت الولايات المتحدة علاقات عمل مع الأنظمة المعادية للشيوعية لكنها غير ليبرالية. 1 ونقترح في كتابتنا هذه للتاريخ مقاربة تفسر تورط إدارة جون ف. كينيدي مع النظام الأول لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق الذي استمر من 8 شباط 1963 حتى سقوطه على يد ضباط الجيش العراقي في 18 تشرين الثاني من نفس العام.

قبل استيلائه على السلطة، كان الفرع العراقي من حزب البعث العربي عبارة عن منظمة سرية تتكون في المقام الأول من الشباب المتعلمين المدنيين وعدد أقل من ذلك بكثير من العسكريين. وبوجود أقل من 1000 عضو كامل العضوية ومع قاعدة ضيقة من الدعم الشعبي، لم يكن بإمكان الحزب الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها إلا بدعم من ضباط الجيش من غير البعثيين. وكانت الصلة الأهم لحزب البعث بالجيش العراقي عبر الضابط الناصري المتقاعد عبد السلام عارف. لذلك سمح له البعثيون بالعمل كرئيس إسمي للدولة. وشغل الضابط السابق الآخر أحمد حسن البكر – وهو بعثي – منصب رئيس الوزراء. وكان كلاهما من أعضاء المجلس الوطني السري لقيادة الثورة الذي مارس السلطة المطلقة على الحكومة والذي كان يهيمن عليه البعثيون. لجأ النظام في حربه ضد المتمردين الأكراد وحملته للقضاء على الحزب الشيوعي العراقي إلى مستوى غير اعتيادي من العنف والفظاظة بمعايير الحكومات العراقية السابقة. 2

أن المصادر الأرشيفية حول علاقة الولايات المتحدة بهذا النظام مقيدة للغاية. ومازالت العديد من سجلات عمليات وكالة المخابرات المركزية وإدارة الدفاع حول هذه الفترة سرية، وبعض السجلات التي رفعت عنها السرية لم يتم نقلها إلى الأرشيف الوطني أو فهرستها. 3 ولذلك لابد من ان تعتمد مراجعة تورط الولايات المتحدة بدعم نظام البعث العراقي الأول الى حد كبير على سجلات مجلس الأمن الوطني ووزارة الخارجية. وحتى من بين هذه السجلات الأخيرة، تم تصنيف عدد كبير منها كوثائق سرية أو جرى تقييدها بطريقة أخرى. ومع ذلك، فإن المصادر الأرشيفية المتوفرة، مكملة بالمذكرات، وبمنشورات الحكومة العراقية، والصحافة العراقية، جعلت من الممكن استعادة جوانب مهمة من سياسات إدارة كينيدي تجاه نظام البعث.
كان مسؤولو إدارة كينيدي ينظرون إلى حزب البعث العراقي كحركة معادية للشيوعية تعتبر عامل تحديث - وحتى دمقرطة – للبلاد. واعتبروا ان صعود حزب البعث إلى السلطة يخدم بشكل عام المصالح الاستراتيجية الأمريكية وتنمية العراق.
لقد تبنى مسؤولو الإدارة نموذجًا للتنمية يفترض ان البلدان التي تحررت مؤخراً من الاستعمار يمكنها أن تحقق في نهاية المطاف اقتصادات عالية الاستهلاك من خلال حكومات ديمقراطية. واعتبر صناع السياسات الأميركيون أن التهديد المباشر لهذا النهج التنموي سيأتي من الحركات الشيوعية المحلية ومن الفوضى السياسية التي يمكن للشيوعيين استغلالها. ولأنها نظرت الى هذه التهديدات على أنها "مشاكل تنمية"، فقد طورت إدارة كينيدي استجابة سياسية لها تسمى "مكافحة التمرد". ونظر مسؤولو الإدارة إلى حزب البعث العراقي في عام 1963 على أنه عنصر مكافحة تمرد موجه ضد الشيوعيين العراقيين، فنسجوا علاقات داعمة مع مسؤولي البعث وقادة الشرطة وأعضاء ميليشيا حزب البعث. وكانت العلاقات الأمريكية مع أفراد الميليشيات وكبار قادة الشرطة قد بدأت حتى قبل انقلاب شباط، حيث جرى تدريب قادة الشرطة المشاركين في الانقلاب في الولايات المتحدة.
وصار المسؤولون في إدارة كينيدي يعرفون بقيام النظام، خلال سعيه لسحق الحزب الشيوعي العراقي، باعتقال الآلاف من العراقيين دون محاكمة، وبإعدام بعضهم بإجراءات مختصرة. كما كان لدى المسؤولين الأمريكيين سبب وجيه للاعتقاد بأن البعثيين قاموا بتعذيب المعتقلين بانتظام. ولم يكن الأمريكيون في تطبيقهم لسياسة مكافحة التمرد، مهتمين بالتقارير عن انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، بل حتى أنهم وفروا له الحماية.

تحديث ومكافحة تمرد
هناك إجماع في الأدبيات المتعلقة بإدارة كينيدي على أن سياستها الخارجية كانت تحت تأثير بناء فكري أصبح يسمى بنظرية التحديث4. والتي من الأفضل النظر اليها كأيديولوجية أو خطاب وليس كنظرية موحدة. وتوضح الدراسات الحديثة الحالات التي اختلف فيها صناع السياسات بشكل حاد حول تطبيقها5. ومع ذلك، يمكن القول أن مجموعة من المفاهيم المتداخلة حول التقدم التاريخي، بناء الدولة، علم النفس الاجتماعي، والتصنيع شكلت النموذج السائد في سياسة الإدارة تجاه العالم النامي. إن سمات هذا النموذج معروفة جيداً: فقد قام على ثنائية تحليلية وضعت حالة التقليد tradition بالضد من حالة الحداثة؛ لقد صورت التاريخ كعملية تطورية قابلة للتكرار وأحادية الاتجاه وصلت من خلالها المجتمعات (الدول القومية) الى الحداثة؛ وقد ساوت بين الحداثة وصورة مثالية لأميركا الديمقراطية، المصنعة وعالية الاستهلاك.6 شكلت نظرية التحديث بعدًا فكرياً وثقافياً للمشروع لأمريكي لاحتواء الشيوعية. واقترح منظرو وممارسو التحديث أن تدعم الولايات المتحدة وان تسرع التحول الاقتصادي والإداري لدول العالم الثالث لكي تمنع التطرف لدى طبقاتها الدنيا ولكي تنافس رؤية موسكو للتنمية. وقد تجسدت هذه السياسة في برنامج إدارة كينيدي للمساعدات التنموية لأمريكا اللاتينية "التحالف من أجل التقدم". وقد سعى مسؤولو الإدارة إلى دعم ما سماه المؤرخ نيلز جلمان "بالنوع الصحيح من الثورة" - وهي ثورة تحديثية غير شيوعية، ثورة تقودها طبقة وسطى ليبرالية. 7
ووصف مساعد كينيدي الخاص، آرثر شليزنجر الهدف بأنه "ثورة للطبقة الوسطى حيث تحمل عمليات التحديث الاقتصادي الطبقة الوسطى الحضرية الجديدة إلى السلطة، وتخلق الى جانبها، ضرورات المجتمع التقني الحديث مثل الحكومة الدستورية، الإدارة العامة النزيهة، نظاماً رشيداً للأراضي، نظاماً فعالا للضرائب، تعليماً شاملاً، حراكاً اجتماعياً وما إلى ذلك. وحذر من أنه " إذا جعلت الطبقات المالكة في أمريكا اللاتينية ثورة الطبقة الوسطى مستحيلة، فإنها ستجعل ثورة "العمال والفلاحين" حتمية الوقوع. . .". 8
بدت مثل هذه الثورات غير الشيوعية للطبقة الوسطى مهددة على الفور بإعلان رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف في يناير 1961 عن دعم حروب التحرير الوطني سواء منها تلك الجارية في لاوس وفيتنام أو التي اكتملت مؤخرًا في كوبا. وردت إدارة كينيدي بالتعهد بتأمين حكومات التحديث ضد حركات التمرد التي يدعمها الشيوعيون. ومن خلال إنشاءها مجموعة من السياسات تحت عنوان مكافحة التمرد، قامت الإدارة بتمويل وتدريب وتجهيز الجيوش النظامية والمليشيات شبه العسكرية ووكالات المخابرات والشرطة في الدول النامية. ولمساعدتهم في مكافحة التمرد، أمر كينيدي بتوسيع القوات الخاصة للجيش الأمريكي وافتتاح مدرسة الحرب الخاصة في فورت براج، كارولاينا الشمالية. وباختصار، استلزمت مكافحة التمرد دعم الولايات المتحدة للدول النامية في تعزيز قدراتها القمعية. 9

كان المؤرخ الاقتصادي والت روستو، الذي دخل إدارة كينيدي كمساعد خاص لمستشار الأمن القومي ماك جورج بندي، مسؤولاً بشكل خاص عن إدخال مصطلح نظرية التحديث في الإدارة وتوضيح استراتيجياتها في الحرب الباردة. 10 وفي كتابه الصادر عام 1960 بعنوان "مراحل النمو الاقتصادي"، وصف روستو الشيوعية بأنها "نوع من المرض الذي يمكن أن يصيب أي مجتمع انتقالي [أي نامي] إذا فشل في ان ينظم في داخله بشكل فعال تلك العناصر الضرورية لمواصلة عملية التحديث."11 لقد اعتبر روستو مكافحة التمرد أحد عناصر إدارة أعمال التحديث وكان واحداً من أكثر المدافعين عن سياسات مكافحة التمرد في الإدارة، خاصة بالنسبة الى جنوب فيتنام.12 وفي خطابه الى دفعة خريجي مدرسة الحرب الخاصة للجيش الأمريكي في عام 1961، تحدث عن "العملية الثورية العظيمة الماضية قدمًا في النصف الجنوبي من العالم، " هناك حيث، "المجتمعات القديمة تغير أساليبها من أجل خلق شخصية وطنية والحفاظ عليها .... ولكي تمنح شعوبها الفوائد التي يمكن أن تقدمها التكنولوجيا الحديثة. وحذر قائلاً: “كما هو الحال مع كل الثورات، فإن ثورة الحداثة مثيرة للقلق" لأنها تنتج انزياحا اجتماعيا وتقوم بتقويض المصادر التقليدية للسلطة. وهكذا سيجد الشيوعيون "وهم كنّاسو عملية التحديث" – "فرصتهم عندما تكون الحكومات الانتقالية ضعيفة خلال عملية التحديث فيهاجمونها بشدة بالتخريب وبحرب العصابات."13
كان تحديد روستو لأسباب التمرد خلال أزمات التحديث متوافقًا مع دراسة مؤثرة أجراها عام 1956 زميله السابق في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، لوسيان باي، عن المتمردين الشيوعيين في المالايو. 14 وفي بداية الستينيات، اعتبر باي وغيره من منظري التحديث البارزين مثل دانيال ليرنر أن جيوش العالم النامي، التي أقحمت نفسها في السياسة، هي عناصر للتحديث وحامية للنظام أيضا. لقد تقبل علماء الاجتماع هؤلاء حقيقة أن الولايات المتحدة قد تضطر إلى العمل مع الأنظمة الاستبدادية عندما تمر مجتمعاتها بمرحلة انتقالية هشة، قد يمكن بعدها أن تظهر الديمقراطية.15 وأعلن روستو للجنود في فورت براج، “نحن كذلك ندعم الاعتقاد بأن هذه العملية الثورية للتحديث يجب أن يسمح لها بالمضي قدماً باستقلالية، مع درجات متزايدة من الحرية الإنسانية .... وبهذا الشكل تكون مهمتنا المركزية في المناطق المتخلفة .... هي حماية استقلال العملية الثورية التي تمضي الآن قدماً."16

وفي سبيل تعليم المسؤولين المدنيين الأمريكيين تقنيات مكافحة التمرد، أمر كينيدي بإقامة دورة دراسية مشتركة بين الإدارات حول مشاكل التنمية والدفاع الداخلي، مدتها خمسة أسابيع في معهد الخدمة الخارجية.17 جرى افتتاح الدورة في جزيران 1962 وقامت شخصيات بارزة بتدريس نظرية التنمية والتخريب المضاد، بما في ذلك روستو و بي ومن وزارة الخارجية روجر هيلسمان، وهو من المحاربين القدامى في حرب العصابات ضد الجيش الياباني في بورما.18 وكان كينيدي قد أوجد في وقت سابق من ذلك العام، مجموعة عمل مشتركة بين الإدارات تسمى المجموعة الخاصة لمكافحة التمرد، يُشار إليها عادةً باسم " المجموعة الخاصة ( CI ) " وكلفها بالإشراف على وتنسيق جميع برامج مكافحة التمرد التي تنفذها القوات المسلحة والوكالات الحكومية المدنية العاملة في الخارج. وقامت المجموعة الخاصة (CI) بتطوير عقيدة مكافحة التمرد في وثيقة بعنوان "سياسة الدفاع الداخلي للولايات المتحدة في الخارج (OIDP) ". وقد صادق عليها كينيدي في مذكرة إجراءات الأمن القومي (NSAM) رقم 182 في أغسطس 19.1962

مثلت وثيقة OIDP خطاب التحديث. واعتبرت التخريب والتمرد نتائج لـ "ثورة اجتماعية واقتصادية" في العالم الثالث: " في مجرى عملية خلق المؤسسات المطلوبة للتحديث .... فإن هذه الثورة تثير ضغوطاً وقلقاً وآمالاً ستبدو وكأنها تبرر أفعال العنف." ولذلك، فإن على الولايات المتحدة، بالإضافة إلى دعمها التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أن "تساعد في إنشاء أو تقوية الاستخبارات [الأجنبية] ومنظمات الأمن الداخلي" و"مساعدة الحكومات التي تتعرض للهجوم بالوسائل العسكرية وغير العسكرية لهزيمة التمرد التخريبي في البلدان المهددة". أسندت ال OIDP لرئيس البعثة (السفير أو القائم بالأعمال) في كل بلد مهمة " تنسيق جميع برامج مكافحة التمرد الأمريكية" وتطوير خطة دفاع داخلي بالتعاون مع المجموعة الخاصة (CI) في واشنطن.20

وبعد زمن طويل سيتذكر تشارلز مايشلينج، مساعد وزارة الخارجية الذي كان منسباً للمجموعة والذي ساعد في صياغة البرنامج، " الغياب الملحوظ لأي ذكر لحقوق الإنسان في برنامج OIDP .... وان المحاولات المتكررة الرامية إلى إدراج حقوق الإنسان رفضت كلها على الرغم من السجل الهمجي لقوات الأمن في العالم الثالث."21

وفيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة بشأن العراق، من المهم الاشارة الى أن برنامج تطوير العمليات الخارجية (OIDP) فرض على الولايات المتحدة القيام "بتعزيز قدرة الشرطة والمنظمات شبه العسكرية على التصدي لأي تخريب أو تمرد يستلهم الشيوعية أو يستغل من قبلها "22
وفي حزيران 1961 أصدر الرئيس كينيدي القرار NSAM 56 الذي دعا وزارة الدفاع بالاشتراك مع وكالة المخابرات المركزية، "للنظر في مختلف الأماكن في العالم التي يتم فيها تنفيذ برامجنا، والتي قد تتطلب السياسة فيها وجود قوات شبه عسكرية محلية، وان تتوصل بالتالي إلى تحديد الأهداف التي يجب أن نضعها في هذا المجال." 23 وبدأت المجموعة الخاصة (CI) مناقشة تقييم وزارة الدفاع في أيار 1962، وأخذت وكالة المخابرات المركزية تسلم بشكل تدريجي مسؤوليتها الأساسية عن العمليات شبه العسكرية السرية إلى وزارة الدفاع قبل شهرين من انقلاب البعث العراقي.24

صعود البعث العراقي إلى السلطة
في الوقت الذي تولى كينيدي منصبه، كان يبدو أن العراق يسير في الطريق الخاطئ للتحديث. فمنذ ثورة 1958، كانت البلاد تحت ديكتاتورية الزعيم عبد الكريم قاسم.25 والذي لم يكن شيوعياً، لكنه كان قد سمح للحزب الشيوعي العراقي حتى أواخر عام 1959 بأن يكون له تأثير غير مسبوق على الحكومة وعلى الجمعيات التي ترعاها الحكومة.26 وعلى الرغم من أن قاسم حد بشكل كبير من حرية عمل الحزب بحلول الوقت الذي تولى فيه كينيدي منصبه، فأنه واصل تحدي السيطرة الأنجلو-أمريكية في الخليج الفارسي. وخلق أزمة في حزيران 1961، عندما ادعى أن الكويت كانت محافظة تابعة للعراق. وصادر في نهاية العام منطقة الامتياز غير المستخدمة من شركة نفط العراق، وهي اتحاد شركات أجنبي تهيمن عليه شركات النفط البريطانية والأمريكية.

بدا أن قاسم، وخاصة بعد أن استخدم الاتحاد السوفييتي حق النقض (الفيتو) ضد انضمام الكويت إلى الأمم المتحدة، كان يحرك العراق “بشكل متزايد نحو الكتلة السوفييتية في إدارة شؤونه السياسية والاقتصادية وفي دعايته”.27 وفي نهاية عام 1962 كان هناك حوالي 1200 مستشار عسكري وفني سوفييتي في العراق.28 ولكل ذلك رحب مسؤولو إدارة كينيدي بانقلاب 8 شباط 1963.
يعتقد أن احتجاجات الطلاب البعثيين والقوميين العرب في جامعة بغداد في أواخر كانون الأول 1962 كانت بمثابة مرحلة أولى من الانقلاب. فبعد أن قام قاسم بتطهير الجيش من عدد من المشتبه بهم في أوائل شباط، استولى ضباط معارضون من القوة الجوية والجيش على محطة الإذاعة والقواعد العسكرية الرئيسية في بغداد صباح يوم 8 شباط وثم هاجموا مقر قاسم في وزارة الدفاع. استسلم قاسم بعد أقل من أربع وعشرين ساعة، وتم إعدامه بسرعة مع ثلاثة من مساعديه. قاتل الشيوعيون وأنصار قاسم بشراسة في أجزاء قليلة من بغداد والبصرة، ولكن وحدات الجيش والشرطة المتمردة وميليشيا حزب البعث قمعت معظم المقاومة بحلول نهار 12 شباط.29
وقبل أن يتوقف القتال، كتب القائم بالأعمال الأمريكي في بغداد روي ملبورن: " [في العراق] حيث التفكير الاستنتاجي أكثر شيوعا من التفكير الاستقرائي، يعتقد الناس على نطاق واسع أن الولايات المتحدة تقف بطريقة أو بأخرى وراء هذا الانقلاب ويحاول الشيوعيون بالفعل استغلال ذلك لتوجيه الاتهام إلى الحكومة الجديدة بأنها أداة بيد الولايات المتحدة"30

لا تقيم هذه المقالة مدى التورط الأمريكي في الانقلاب، لكن من الملائم الإشارة الى ان المسؤولين الأمريكيين كانوا يتوقعون الانقلاب، رغم أنه لا يبدو أنهم كانوا على علم بوقت حصوله بالضبط.31 وعشية الانقلاب، أشار ملبورن الى إحالة الضباط على التقاعد ولاحظ أنه “بسبب هذا التقلص للقدرات القومية-البعثية فإن احتمالات نجاح انقلاب عسكري ضد قاسم في المستقبل القريب تقلصت كثيراً".32 ومع ذلك، فهناك في وزارة الخارجية مجموعة من ملفات السيرة الذاتية غير المؤرخة للبعثيين كتبت قبل 20 كانون الأول 1962 {ملاحظة المترجم: في الهامش رقم 33 نجد ان هناك وثائق لكل من حامد خلخال، حازم جواد، علي صالح السعدي، طالب حسين شبيب وغيرهم} وتدل على أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يتوقعون استيلاء البعثيين على السلطة في ذلك التاريخ وكانوا على علم بخطط سابقة للحزب للقيام بانقلاب في تشرين الثاني1961 وتموز 1962. وتثبت الوثائق كذلك أن المسؤولين الأمريكان تم إبلاغهم قبل استيلاء الحزب على السلطة بالأسماء المقررة لعضوية الحكومة التي سيهيمن عليها البعث.33

وعلمت المخابرات الأمريكية قبل الانقلاب أيضاً بأسماء أعضاء المجلس الوطني لقيادة الثورة التي كانت سرية. وفي 20 شباط، كتب روجر هيلسمان، مراسل مكتب الاستخبارات والأبحاث التابع لوزارة الخارجية (INR): “إذا ظلت أسماء الاعضاء على ما كانت عليه قبل الانقلاب، فإن المجلس الوطني لقيادة الثورة يضم سبعة وزراء. . "34
أدرك مسؤولو الإدارة أن النظام الجديد في بغداد قد غيّر توازن القوة في الشرق الأوسط – لصالح الولايات المتحدة – على مستوى التنافس الأمريكي السوفييتي وكذلك على مستوى العلاقات العربية البينية. واعتبروا حزب البعث علاوة على ذلك، أداة لثورة غير شيوعية مسيطر عليها، وليس هذا فحسب بل هو مؤيد أيضاً لقيام حكومة ليبرالية.

كانت المملكتان السعودية والأردنية الهاشمية أقرب المعتمدين العرب للحكومة الأمريكية في ذلك الوقت . كما واصلت إدارة كينيدي التقارب مع نظام الرئيس جمال عبد الناصر في الجمهورية العربية المتحدة . كان نظام عبد الناصر، ورغم كونه تهديدا للأنظمة الملكية، يجسد نوع الثورة غير الشيوعية للطبقة الوسطى التي يمكن لإدارة كينيدي أن تدعمها؛ وكان عبد الناصر يقتني كتاب روستو "مراحل النمو الاقتصادي" مترجما إلى العربية.35 ورغم جهود الإدارة لإقامة علاقات جيدة مع عبد الناصر، فإن الحرب التي كان يشنها آنذاك ضد الملكيين المدعومين من السعودية في اليمن هددت بإجبار الولايات المتحدة على الانضمام بشكل كامل إلى المعسكر السعودي. وقد وصف مساعد بندي، روبرت كومر هذه المعضلة بقوله "أن الدفاع عن السعودية ضد العدوان شيء، وأن نعلن اننا ندعم الملوك بالضد من الكتلة الأكبر من العالم العربي هو شيء آخر؛ فستكون هذه طريقة مضمونة لخسارة نفطنا".36 لكن صعود البعث قدم للأمريكيين فرصاً جديدة. وحسب كومر: "كانت تتشكل في الواقع، منافسة طريفة خلف الكواليس بين العراق والجمهورية العربية المتحدة على القيادة العربية (ونحن نستفيد من اللعب على الطرفين)".37

في تقرير لـمكتب الاستخبارات والابحاث (INR) ذكر هيلسمان أن النظام الجديد كان يواجه عددًا من التحديات، بما في ذلك مشاعر الغيرة بين قادة الحزب واحتمال كبير لنشوب صراع مدني-عسكري. وعلاوة على ذلك، لم يكن العراقيون يكنون سوى القليل من الاحترام لحزب البعث، حيث اعتبروه "حركة من تلاميذ المدارس المتهورين". ورغم ذلك، توقع التقرير أن النظام ربما يستطيع النجاة من هذه التحديات “ولابد أن يحصل العراق على إدارة أكثر فعالية مما كانت لديه منذ عدة سنوات." وفوق هذا، فإن “السمة الرئيسية لحركة البعث هو أنها تؤيد قيام حكومة تمثيلية مع غطاء دستوري كامل ، واجراء الانتخابات، والمنافسة الحزبية”، رغم أنه أشار إلى أن من المرجح أن تتصادم هذه الخاصية مع ميل الحزب نحو المؤامرة وارتباطاته بضباط الجيش".38

وبينما كان انقلاب شباط جاريا، كتب القائم بالأعمال ملبورن في تقريره: " نعتقد أن النظام الجديد يمكن أن تكون له أهمية كبيرة بالنسبة للعراق، وأن يكون نموذجاً للمنطقة العربية. فبفضل جهوده، أصبح لدى العراق الآن حكومة مستقلة مناهضة للشيوعية سببت انتكاسة للتهديد السوفيتي .... وبهذا الصدد تتفق السفارة بشكل كامل مع تقارير طاقم العمل السري [Cover Action Staff] CAS المعدة بعناية عن تنظيم البعث وتوجهاته وشخصياته. فالبعث هو الحزب العراقي المنظم الوحيد الذي ينافس الشيوعيين وقد تم اختيار قيادته الحالية بشكل تنافسي الى حد كبير."39 وبعد أسبوع، كتب مساعد وزير الخارجية فيليبس تالبوت إلى وزير الخارجية دين راسك، "يمكننا أن نتوقع .... أن يتم الابتعاد عن السوفييت وعن الشيوعيين المحليين .... وأن يجري تسريع وتيرة التحديث والإصلاح." وأضاف: " أن العراق المجرد من ارتباطاته السابقة بالغرب ومن ما يشبه الانحياز مؤخراً للاتحاد السوفيتي، يمكنه لأول مرة أن يكون قطبا له قوة جذب على الدول العربية المشرقية وأن يقدم بديلا لنفوذ الجمهورية العربية المتحدة. إن حزب البعث، الحزب القومي العربي، الجمهوري، المحايد، والاشتراكي المعتدل يمتلك الآن قاعدة كان يفتقر إليها في السابق وقد يصبح عنصرا ذا أهمية في جميع أنحاء المنطقة.40

لخص روبرت ج. نيومان، وهو عالم سياسي يعمل في مكتب مساعد وزير الدفاع بول نيتز، وجهة نظر الإدارة بشأن موقع حزب البعث في استراتيجية الولايات المتحدة: "ربما شكل التحرك نحو تعزيز الوحدة العربية تطوراً تاريخياً لا يقاوم .... ولذلك حصل عبد الناصر والجمهورية العربية المتحدة على دعم كبير ومتزايد من الولايات المتحدة”. ووازنت الولايات المتحدة النفوذ الإقليمي لعبد الناصر من خلال دعم الملك حسين في الأردن والملك سعود في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فقد تم الاعتراف بأن هذين النظامين الأخيرين .... يمثلان تاريخيا حالات شاذة وان بقائهما على المدى الطويل هو موضع شك. لذلك بقيت ورقتنا الرئيسية هي عبد الناصر والجمهورية العربية المتحدة" . لكن في ظل “عدم الوفاء المتكرر لعبد الناصر بالتزاماته"، فان حزب البعث يقدم للولايات المتحدة فرصا جديدة. ثم أشار إلى أن حزب البعث "المناهض بشدة للشيوعية يجسد حركة أصيلة للقومية والوحدة العربية لكنها تتميز عن نهج عبد الناصر من خلال مناصرتها (وإن بشكل غامض إلى حد ما) للبرلمانية {كذا} ومعارضتها حكم الرجل الواحد." ونظرًا لأن البعثيين كانوا منافسين لعبد الناصر، فقد حظوا بدعم أمريكي يمكن أن يوازن نفوذه "ويظهرنا مع ذلك كمؤيدين ’ للوحدة العربية‘"41
ورغم ذلك، وبعد ما يقرب من سبعة أشهر من حكم البعث، لم يكن جميع المسؤولين الأمريكيين متفائلين على هذا النحو عندما لاحظوا الصراعات بين الأجنحة اليسارية واليمينية في النظام واستياء الجيش من السياسيين المدنيين. وقد كتب أندرو كيلجور من مكتب شؤون العراق- الأردن في وزارة الخارجية: "أشعر بخيبة أمل تجاه حزب البعث، مع إدراكي أن البدائل له ربما تكون أسوأ. ولا يعني ذلك أنني أعترض على ميوله المحايدة، المنطقية من وجهة نظر مصالح العراق في ظل الحرب الباردة والوضع السياسي الداخلي لدينا. بل ان انتقادي الرئيسي له هو إنه يتصرف بطريقة تؤدي في النهاية إلى انقسامه على نفسه. فلم يحافظ البعث على نفسه كل تلك السنوات خارج السلطة دون الإيمان العميق ببعض المُثُل، مثل الوحدة والديموقراطية السياسية".42

تطبيق سياسة مكافحة التمرد
بعد انقلاب شباط مباشرة، صار صناع السياسة في واشنطن ينظرون إلى نظام البعث كمرشح للبرنامج الأمريكي لمكافحة التمرد. وأرادت وزارة الدفاع في شهر آذار ترتيب "جولة توجيهية" لاثنين من المتخصصين في مكافحة التمرد لتوجيه موظفي سفارة بغداد.43 كان أحد المتخصصين هو جورج أ. كارول، مساعد نائب وزير الدفاع روزويل جيلباتريك في المجموعة الخاصة (CI).44 كان كارول ضابطًا سابقًا في وكالة المخابرات المركزية، وقد ساعد تحت غطاء دبلوماسي في طهران في تخطيط وتنفيذ الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق قبل عشر سنوات.45 وكان المتخصص الآخر هو كابتن البحرية إريك و. بولارد الذي حصل على الثناء في العام التالي لعمله مع الحكومة الإيرانية على تطوير قدراتها على مكافحة التمرد.46 وأثناء عمله كملحق بحري أمريكي في طهران، شارك بولارد أيضًا في انقلاب عام 1953 في إيران كما فعل ملبورن في منصبه السابق ككبير للمسؤولين السياسيين في سفارة طهران.47
نصح روبرت سترونج، المسؤول في مكتب شؤون العراق-الأردن التابع لوزارة الخارجية، بإلغاء زيارة كارول و بولارد لبغداد لأنها "يمكن أن تصب الماء في طاحونة" الشائعات بأن الولايات المتحدة كانت وراء انقلاب شباط.48 ويبدو أن كارول وبولارد لم يقوما بهذه الرحلة. لكن جوردون ماتيسون، ضابط وزارة الخارجية المسؤول عن حلقة دراسية للوكالات حول الدفاع الداخلي، دعا السفارة في وقت ما من ذلك الربيع للدفع قدما ببرنامج مكافحة التمرد، وفي شهر أيار أضافت المجموعة الخاصة (CI) العراق إلى مسؤوليتها تحسبا على ما يبدو لتجدد التمرد الكردي.49

كان منفذو مكافحة التمرد الأمريكيون منجذبين إلى نظام البعث العراقي جزئياً لأنه كلف ميليشياته، الحرس القومي، بمهمة اعتقال واستجواب وإعدام الشيوعيين ومن يشتبه بكونه من أنصارهم وبالتالي خلق التوترات في العلاقات العراقية السوفييتية.50 وكان الحرس القومي، الذي ضم في البداية عددًا كبيرًا من طلاب الجامعة، قد قام سراً بالتدريب على دوره في انقلاب شباط خلال الإضراب الطلابي في كانون الأول 1962. وعندما تحركت وحدات الجيش ضد قاسم، سيطر أفراد الحرس، الذين كانوا يحملون شارات على الأذرع ويتسلحون بأسلحة خفيفة مختلفة، على شوارع المدن العراقية الكبرى وأقاموا نقاط التفتيش.51

بعد انقلاب شباط مباشرة، قامت قيادة حزب البعث العراقي بتأسيس لجنة للتحقيق داخل الحرس القومي. وكانت مهمة اللجنة هي استجواب من يشك بكونهم شيوعيين، وقد تعرض هؤلاء الى انتهاكات مروعة من قبل أفراد الحرس. كان مقر اللجنة الرئيسي في بغداد، كما قامت العديد من لجان الحرس القومي الأخرى بإجراء استجوابات في جميع أنحاء البلاد. وبعد أشهر من الإطاحة بالبعثيين المدنيين في تشرين الثاني 1963، نشر نظام عبد السلام عارف الذي خلفهم كتابا يفضح جرائم الحرس القومي بعنوان (المنحرفون من الحرس القومي في المد الشعوبي). احتوى إلى جانب الصور المروعة للجثث وأجهزة التعذيب على وثائق حكومية وشكاوى للمواطنين من إساءة استخدام الحرس القومي للموارد الحكومية وسرقة الممتلكات الخاصة والابتزاز والقتل والاغتصاب وغيرها من أعمال الترويع.52

يعتقد الكثيرون منذ ذلك الحين أن وكالة المخابرات المركزية ساعدت بشكل مباشر في بطش البعث بالشيوعيين العراقيين، خاصة وأن العاهل الأردني الملك حسين ادعى ذلك في مقابلة، تكرر اقتباسها كثيرا، مع مسؤول دعاية عبد الناصر، محمد حسنين هيكل.53 ومع ذلك، فقد كانت لكل من الملك حسين وعبد الناصر أسبابهما في ذلك الوقت لتشويه سمعة البعثيين العراقيين، ولهذا لا ينبغي أن تؤخذ الادعاءات على علاتها. وسواء كان ادعاء الملك حسين كاذبًا أم لا، فإن المصادر الأرشيفية الأمريكية توثق بوضوح ذلك التفاعل بين المسؤولين الأمريكيين والحرس القومي وتظهر بأن وزارة الخارجية كانت على علم تام بأن الحكومة العراقية كانت تحتجز عددا كبيرا من مواطنيها. وقد قدم طالب شبيب، وزير خارجية البعث وعدا لملبورن في شباط بأنه لن يقام حمام من الدم للشيوعيين، موضحًا أنه سيُطلب فقط من "الأعضاء الصغار" التوقيع على افادات قانونية ثم يمنحون شكلاً من أشكال "الإفراج المشروط"، في حين سيتم بالتأكيد محاكمة قادة الحزب بتهمة الخيانة وليس لمجرد كونهم شيوعيين.55 وبعد خمسة أسابيع، أبلغ شبيب ملبورن بان هناك 14 ألف عراقي رهن الاحتجاز، ادعى شبيب أن 10 آلاف منهم كانوا أعضاء في الحزب أو مرتبطين به بشكل غير مباشر.56

كان لدى موظفي السفارة الأمريكية اتصالات مع أعضاء في الحرس القومي حتى قبل ظهور هذه الميليشيا للعلن لأول مرة في شباط. ومباشرة بعد الإطاحة بقاسم، أبلغ مسؤول بسفارة الولايات المتحدة راسك أن "من المهم التأكيد على أهمية الإضراب الطلابي الذي كان يهيمن عليه البعثيون والقوميون والذي كانت له مساهمة مباشرة في الإطاحة بقاسم. فقد أظهر [الاضراب] فعالية منظمة البعث [كذا] والضعف النسبي للشيوعيين في مواجهة البعثيين والعناصر القومية الأخرى".57
هذا التأكيد الرسمي على أهمية الإضراب الطلابي يلفت النظر كثيرا في ضوء وثيقة لوزارة الخارجية تعود الى شهر آذار 1964 تشير إلى "المنظمة الطلابية البعثية، التي أطلقت ثورة 8 شباط 1963 من خلال رعاية الإضراب الطلابي الناجح في جامعة بغداد والذي حرص ضباطنا على دعمه بشكل جدي [التأكيد مضاف من الكاتب]." وتشير الوثيقة أيضًا إلى أن سفارة بغداد "استفادت بشكل غير مباشر" من حقيقة أن "برنامج تدريس اللغة الإنجليزية" (المعهد الأمريكي للغات) كان يحظى بتقدير كبير لدى طلابه، “الذين تبين أن العديد منهم كانوا أعضاء في الحرس القومي الذي لعب دورا مهما في الإطاحة بقاسم”.58 والأهم من ذلك، أن موظفي السفارة الأمريكية ظلوا بعد الانقلاب على اتصال مباشر مع أعضاء الحرس القومي، بما فيهم المحققين. وأفاد السكرتير الأول ويليام ليكلاند في نيسان أنه كان على اتصال مع محقق بعثي يدعى حازم مشتاق، وصفه بأنه "مثقف قومي يتمتع بمؤهلات ثورية جيدة". وأضاف ليكلاند أن مشتاق كان مدرسا لعلم النفس العسكري في الكلية العسكرية العراقية وللفلسفة في جامعة بغداد وأن شقيقه باسم كان شيوعيا. كما ادعى ليكلاند أن الشيوعيين الذين أجبروا على الاعتراف على شاشة التلفزيون الحكومي نادرا ما تعرضوا للضرب، لكنهم حُرموا من النوم.59 وبحلول تشرين الأول، كان ليكلاند على علاقة حميمة بما فيه الكفاية مع الحرس القومي بحيث أبلغه بعض أعضائه أن المنظمة تهدف إلى تحقيق قدر أكبر من الانضباط والفعالية من خلال طرد غير البعثيين من صفوفها وإنشاء "خدمة سرية" بداخل الحرس "لاختراق الجماعات المناهضة للحكومة والإبلاغ عنها".60

وفي البصرة، تعرف قنصل الولايات المتحدة تشارلز و. هينبري على الآمر المحلي للحرس القومي فتحي حسين الذي كان يبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا. كان ابن صانع أحذية إيراني، وقد تخرج من جامعة بغداد، وعمل محاسباً، ثم خدم في الجيش برتبة ملازم. ووصفه هنبري بعد ان زاره في مكتبه القذر، بأنه كان يمازح أتباعه من أفراد الحرس القومي الشباب، لكنه أظهر ذات مرة "نظرة صارمة فطرد أتباعه و اختفت أجواء المرح". وشهد هينبري قيام الحرس بإحضار "شاب سيئ الحظ بالبيجامة"، قام حسين "بتعنيفه" وأمر بأخذه بعيداً.61 ويظهر اسم فتحي حسين أيضاً في كتاب "المنحرفون" الذي يحتوي على مذكرة موجهة بتاريخ 12 آذار من آمر القاعدة العسكرية في البصرة الى رئيس الأركان يشكو له فيها من “الأفعال الإرهابية” للحرس، وخاصة دور "قائد الحرس القومي المدعو «فتحي» الذي هو من أصل إيراني." واتهم آمر القاعدة الحرس بـالقيام” باعتقالات تعسفية وتفتيش المساكن الخاصة دون أمر من المحكمة، " فضلا عن تجاهل السلطات المدنية والشرطة والسلطات العسكرية. وتضيف مذكرته: "تزايدت شكاوى المواطنين تجاه حوادث الاعتداء الجنسي من قبل الحرس القومي على الفتيات في منطقة البصرة الى مستوى مؤسف للغاية (وخاصة داخل لجان التحقيق )."62 وفي نفس الجزء ترد مذكرة رسمية بتاريخ 18 حزيران من ضابط المخابرات العسكرية في البصرة إلى آمر حامية الجيش في المدينة يحذر فيها من ان “جميع أهالي مدينة البصرة يتحدثون عن الفضيحة الكبرى” المتمثلة في الاعتداء الجنسي على سيدتين معتقلتين من قبل عناصر من الحرس القومي في المدينة. وطلب الضابط من الآمر "إبلاغ الجهات المسؤولة لكي تضع حدا للسلوك غير القانوني والأعمال الإجرامية من قبل أفراد الحرس القومي وعلى رأسهم قائد الحرس القومي المدعو فتحي".63

لم يكن من المتوقع أن يعرف مسؤولو السفارة الأمريكية كل ما حدث في مراكز الاحتجاز التابعة للحرس القومي. ولكن بعد أقل من شهرين من إزاحة حكومة البعث، ذكر ليكلاند، أن حزب البعث أصبح هدفًا لاشمئزاز واسع النطاق من قبل الشعب العراقي بسبب الأعمال الوحشية التي ارتكبها. وأقر بأن “شائعات” عن ذلك وصلت إلى موظفي السفارة “بعد الثورة [شباط] مباشرة تقريبًا”،” لكن الدبلوماسيين كانوا متشككين بسبب “الميل العربي المعروف إلى المبالغة”، ولأن الشائعات كان ينشرها المعارضون للبعث، ولأنه “لم يتحدث أي موظف في السفارة مع أي شخص تعرض بنفسه للتعذيب، أو حتى يعرف شخصاً تعرض للتعذيب”. لكن الوضع تغير بعد سقوط حكومة البعث وإطلاق سراح المعتقلين من السجن: " ان ضباط السفارة .... تحدثوا الى أشخاص تعرضوا بأنفسهم للتعذيب أو ممن كان لديهم أصدقاء أو أقارب تعرضوا للتعذيب. لقد استنتجنا أن النفور الشعبي ضد البعث .... كان له ما يبرره إلى حد كبير، وبالتالي سيكون له تأثير دائم إلى حد ما على التطورات السياسية في البلاد، وخاصة على احتمالات إعادة إحياء البعث. ونقل ليكلاند سلسلة من روايات التعذيب: "كثيراً ما كان الرجال يُجردون من ملابسهم، ويتم تقييد أيديهم خلف ظهورهم وتعليقهم من مراوح سقفية تظل تدور بهم لساعات أو أيام .... ويتم إغراق بعض السجناء في بالوعة أو سرداب مغمور بالمياه، وتقطيع أجزاء من أجساد البعض الآخر، وتعرضت النساء للاغتصاب. وبحسب شقيقه البعثي، فان باسم مشتاق "فقد إحدى عينيه، وقلعت أظافره، وتعرض لوضع مكواة ساخنة على بطنه”، وان "إحدى الفتيات (لينا مطر)”. . . تم تجريدها من ملابسها وربطها وجهاً لوجه مع جثة عارية متحللة لمدة اثنتي عشرة ساعة. وقد فقدت عقلها، على الأقل مؤقتًا."64
وفي واشنطن، صار أندرو كيلجور يشعر بالقلق لأن منظمة تدعى جمعية الطلبة العراقيين في الولايات المتحدة قامت بتوزيع مواد عبر البريد تفضح انتهاكات النظام لحقوق الإنسان تعود الى اللجنة البريطانية للدفاع عن حقوق الإنسان في العراق وهي برئاسة سياسي من حزب العمال هو روبرت كورلي. هب كيلجور للدفاع عن النظام البعثي وأبلغ مكتب الأمن التابع لوزارة الخارجية بان المواد تضمنت على الأرجح أسماء “شخصيات بريطانية بارزة لا يمكن ان تكون مرتبطة بمثل هذه المنظمة”. ونتيجة لذلك، ادعى كيلجور أن جمعية الطلبة العراقيين "ربما استخدمت بريد الولايات المتحدة بشكل غير لائق."65 أبلغ مكتب التحري والبحث INR التابع لوزارة الخارجية كيلجور أن المواد تم تجميعها لجمعية الطلبة العراقيين من قبل عبد الجبار علوان من شيكاغو، الذي كان من أنصار قاسم وكانت زوجته الأميركية “مشتبهاً بكونها” من أعضاء الحزب الشيوعي الأمريكي."66 وتحتوي ملفات وزارة الخارجية على رسالة كتبها علوان إلى مكاتب الأمم المتحدة ينبههم فيها إلى “حملة وحشية ومنسقة [في العراق] ضد المواطنين من جميع المشارب” ويطلب في رسالته من الأمم المتحدة إرسال بعثة لتقصي الحقائق ويزعم أن الشهادات التي قدمها أجانب وعراقيون تشهد على وجود “أعداد هائلة” من المعتقلين في السجون ومعسكرات الاعتقال وعلى إعدامات دون محاكمة وتعذيب وفصل من العمل ومصادرة للممتلكات”. والى جانب الرسالة كانت هناك نشرة من لجنة كورلي، وتصريحات لناشطين احتجاجا على تعذيب النساء والأطفال، ومقالات صحفية توثق انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، ورسالة إلى الأمم المتحدة من أب عراقي يروي تفاصيل تعذيب وقتل ابنه.67

من الصعب معرفة نوع العلاقة التي أقامتها وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية مع الحرس القومي، لكن طاقم العمل السري الأمريكي (CAS) كان على اتصال بالحرس بحلول المرحلة الأخيرة من الانقلاب. وهذا واضح من برقية السفارة بتاريخ 12 شباط، التي ورد فيها أن "مصدرا موثوقا به في CAS [أفاد] بأنه تم وضع 2400 شيوعي رهن الاحتجاز في بغداد."68 ومن المؤكد أن CAS كانت ترعى أيضا عملية في العراق ينفذها موظفون غير أمريكيين. وهذا واضح من حقيقة أن سياسة الدفاع الداخلي في الخارج لعام 1962 عرّفت العمل السري ليس على أنه جمع معلومات استخباراتية بل على أنه على وجه التحديد "العمليات التي يتم التخطيط لها وتنفيذها بشكل يخفي هوية الراعي sponsor أو التي تسمح للراعي بالإنكار المعقول. وهي تختلف عن العمليات السرية العادية في التركيز على إخفاء هوية الراعي بدلاً من إنكار وجود العمليات.69
علاوة على ذلك، يشير تقرير لهيئة الأركان المشتركة إلى أن الهيئة قامت بحلول آب بتصنيف الحرس القومي باعتباره أحد "قوات مكافحة التمرد المحلية" في العراق. ويوحي هذا بأن الحرس الثوري ربما أصبح أداة لسياسة مكافحة التمرد الامريكية، رغم أن التقرير لا يزودنا بكثير من المعرفة عن هيكلية الحرس ولا يصف برنامج الدعم له.70 لكن في تشرين الأول، أرسل رئيس هيئة الأركان المشتركة، ماكسويل تايلور مذكرة إلى المجموعة الخاصة (CI) تشير إلى أن “وجود وحدات شبه عسكرية، غير القوات المسلحة، وتوظيفها غير اللائق وتطويرها بدعم من الولايات المتحدة” قد استفز جيش هندوراس ليقوم مؤخرًا بانقلاب على الحكومة المدنية في البلاد. ولذلك يوصي بمراجعة برامج مكافحة التمرد الأمريكية في البلدان الأخرى "لتحديد ما إذا كانت هناك مواقف خطيرة مماثلة محتملة" وتجميع "قائمة حرجة" من مثل هذه البلدان.71 وكاستجابة لذلك، تم تشكيل مجموعة مراجعة مخصصة مكونة من مسؤولين من وزارة الخارجية والدفاع ووكالة المخابرات المركزية خرجت بقائمة من أربعة عشر دولة قد تشكل فيها القوات شبه العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة تحديا للقوات المسلحة النظامية؛ وكان العراق من بينها.72 وبرغم ان المصادر المتوفرة لا تشير إلى ما إذا كان الحرس القومي مستفيدًا من برنامج الدعم الامريكي، ألا انه قد يكون هناك توثيق للدعم الأمريكي لقوات شبه عسكرية عراقية أخرى. والمقصود هنا هو الشرطة العراقية.


قوة الشرطة العراقية في سياسة مكافحة التمرد للولايات المتحدة
كان هناك برنامج للتدريب وتقديم المشورة لقوات الشرطة الأجنبية خلال عهد إدارة أيزنهاور ضمن وكالة المساعدات الخارجية التابعة لوزارة الخارجية، هو برنامج إدارة التعاون الدولي(ICA). لكن إدارة كينيدي منحت البرنامج المزيد من الاهتمام.73 وقامت لجنة مشتركة بين الإدارات برئاسة الكسيس جونسون من المجموعة الخاصة (CI) بإلحاق البرنامج بالوكالة التي خلفت ICA، وهي وكالة التنمية الدولية (AID)، وصادق الرئيس كينيدي على برنامج بعنوان مكتب السلامة العامة (OPS)، في الأمرNSAM 177 الصادر في أغسطس 1962. ورغم ان هذا الأمر كلف وكالة AID بالإشراف على برنامج OPS، الا ان الوثيقة أبقت على دور واضح لـوزارة الدفاع.74

ان من الصعوبة بمكان تمييز مشاركة وكالة المخابرات المركزية في برنامج الشرطة لكن نائب مدير وكالة المخابرات المركزية في ذلك الوقت، روبرت أموري، ذكر لاحقًا أنه كان لدى الوكالة في عام 1961 ثلاثة وثلاثون موظفًا في برامج الشرطة في اثنتي عشرة دولة. وأشار إلى أن "العقول المدبرة" لبرنامج الشرطة كانت في وكالة المخابرات المركزية، ثم نقلت في عام 1962 من وكالة المخابرات المركزية إلى برنامج المساعدات الإنسانية في شخص مدير مكتب السلامة العامة OPS، بايرون إنجل.75 وفي مذكرة إلى بوندي وتايلور في عام1962، يأتي كومر على ذكر "رجال الشرطة [الأمريكيين] الذين جندتهم وكالة التنمية الدولية ووكالة المخابرات المركزية" ويطلق تسمية " برنامج CIA-AID " على برنامج تدريب الشرطة ومساعدتها. 76
في أواخر عام 1963، افتتحت الإدارة أكاديمية الشرطة الدولية في العاصمة واشنطن، لتدريب ضباط الشرطة الأجانب.77 وكان المقصود من مناهجها التأكيد ليس فقط على "التلقين الصارم للإنفاذ enforcement طبقا لمفاهيم العلاقات الإنسانية الأنجلو-سكسونية" وإنما أيضا على “الأمن الداخلي وجوانب مكافحة اعمال التخريب ومكافحة التمرد في عمليات الشرطة الأجنبية".78

وفي العراق، كان بإمكان إدارة كينيدي أن تبني على مبادرة لإدارة أيزنهاور كانت قد أقامت هناك في عام1957 برنامجًا لتدريب الشرطة تابعا لوكالة التعاون الدولي ICA. وقبل أن يلغي عبد الكريم قاسم البرنامج عام 1958، كان قد تم تدريب حوالي خمسين شرطياً عراقياً.79 ولأن نظام قاسم سعى ربما إلى موازنة النفوذ السوفييتي فقد جرى إحياء البرنامج بشكل متواضع بحلول عام1961. فتلقى حوالي عشرة ضباط شرطة عراقيين آخرين التدريب في الولايات المتحدة في ذلك العام. وتشير برقيات ICA إلى السفارة في بغداد إلى ان اثنين منهم على الأقل – وهما الضابطان القرغولي والراوي – تلقيا دورة تدريبية لمدة ثمانية أسابيع في شركة خدمات البوليس الدولية، (Inc. INPOLSE) وهي شركة خاصة ظاهرياً مقرها في واشنطن العاصمة.80

في عام 1976، قامت لجنة في الكونغرس مختارة خصيصا حول الاستخبارات، برئاسة أوتيس بايك من نيويورك، بتعريف INPOLSE على أنها شركة تابعة لوكالة المخابرات المركزية كانت تخدم "الغرض المزدوج المتمثل في تحسين الأمن الداخلي للحلفاء وتقييم المتدربين الأجانب من حيث ميول التأييد للولايات المتحدة التي قد تمكّن وكالة المخابرات المركزية لاحقًا من تجنيدهم كأصول استخباراتية"81
وفي عام 1962 طلبت الحكومة العراقية أن يتلقى متدربان آخران على الأقل تدريبا في الولايات المتحدة "في مجالات الاستخبارات ومكافحة التخريب والأنشطة المساعدة".82 وبعد الإطاحة بحكم قاسم، أفاد خبير بالشرطة في AID أن ضباط الشرطة الذين دربتهم الولايات المتحدة "ترقوا جيدًا بشكل عام في المؤسسة [الشرطة] في عهد نظام البعث.83 وهذا التصريح اقل كثيرا من الحقيقة. فالمدير العام الجديد للشرطة اللواء أحمد أمين (محمود)، كان قد تدرب في الولايات المتحدة عام1961، وشارك في تدريبات مع أقسام الشرطة في شيكاغو ولويز فيل.84 ويشير المراقبون إلى أنه كان مديراً للشرطة في منطقة الكاظمية ببغداد قبل انقلاب 8 شباط، لكن عضويته في حزب البعث فتحت أمامه الطريق إلى أعلى منصب في الشرطة العراقية بعد ذلك85 و وفقاً لمقابلة أجراها مع صحيفة الجماهير البعثية في شباط 1963 كان أمين من بين المتآمرين ضد قاسم قبل أن يسجنه النظام، في نيسان 1962 على ما يبدو.86
كما ان فاضل السامرائي الذي كان رائد شرطة قبل الانقلاب، تدرب هو الآخر في الولايات المتحدة عام 1961 مع تطبيق في أقسام الشرطة في رالي، ماكون، موبايل، ودالاس. وفي عام 1963 حصل على منصب قائد الشرطة السيارة شبه العسكرية وبرتبة عميد بسبب عضويته في حزب البعث.87 وهنالك ضابط ثالث لم تذكر الوثيقة اسمه تدرب في فورت براغ عام 1961 وأصبح مساعد مدير الأمن العام مع صعود البعثيين.88
في أوائل تموز1963، طلب أمين والسامرائي من مسؤولي سفارة الولايات المتحدة تدريب وتجهيز قوات الشرطة الوطنية العراقية وأن يأتي متخصص أمريكي إلى العراق لتفقد إدارة الشرطة فيه. وفعلا وصل في 19 آب المستشار المطلوب إدوارد سي. كينيلي إلى بغداد .89 كان كينيلي في عام1957 مسؤولاً عن الإشراف على برنامج الشرطة السابق في العراق بصفته رئيس قسم ICA للأمن العام.90 ولهذا كان يعرف العديد من مسؤولي الشرطة العراقية الذين التقوا به عند وصوله من خلال مشاركتهم في "تدريبات [AID أوICA] في الولايات المتحدة".91 وتمت الموافقة على طلب أمين والسامرائي بتدريب المزيد من رجال الشرطة في الولايات المتحدة. وكان الرائدان في الشرطة العراقية، صبيح د. السامرائي وعبد الموجود عبد اللطيف من بين الدفعة الأولى التي تخرجت في شباط 1964 من أكاديمية شرطة واشنطن الدولية.92 ولا تكشف المصادر المتوفرة شيئا عن السامرائي، ولكن من الواضح أن عبد اللطيف دخل أكاديمية الشرطة الدولية مع أوراق اعتماد قوية في مكافحة التمرد. وقال لمراسل الجماهير إنه كان من بين مجموعة من ضباط الشرطة الدارسين في أكاديمية الشرطة العراقية وضباط الجيش الذين تآمروا ضد نظام قاسم وسجنوا قبل الإطاحة به. وقد أخرجه زملاؤه من رجال الشرطة من السجن أثناء الانقلاب، وشارك في القتال العنيف ضد الشيوعيين في منطقة الكاظمية ببغداد.93


خطة الدفاع الداخلي للعراق
قبل أحد عشر يومًا من إيفاد كينيلي إلى قوات الشرطة العراقية، أذنت المجموعة الخاصة لموظفي سفارة بغداد بإعداد خطة دفاعية داخلية للعراق، حسبما نصت OIDP عليها.94 تم إرسال الخطة إلى واشنطن في تشرين الثاني وفي الخامس عشر من الشهر تقرر ان يجري عرض الخطة خلال اجتماع 27 شباط 1964 للمجموعة.95 لكن قبل أربعة أيام فقط من اجتماع المجموعة الخاصة (CI) في 15 تشرين الثاني 1963 طردت مجموعة من البعثيين المدنيين والضباط العسكريين الكتلة اليسارية من المؤتمر القطري للبعث العراقي، فنزل الحرس القومي إلى الشوارع احتجاجا. وفي 18 تشرين الثاني أمر الرئيس عارف ضباط الجيش الموالين بأن تقوم وحداتهم بتطهير الشوارع من الحرس القومي ونزع سلاحه. قام الضباط بطرد البعثيين المدنيين من السلطة، وبحلول نهاية ذلك اليوم كانت الدولة تحت سيطرة عارف والجيش. وخلال الأشهر القليلة اللاحقة أخرج عارف ما تبقى من ضباط الجيش البعثيين الكبار من الحكومة.96 وبسبب الاضطرابات في بغداد، أجلت المجموعة الخاصة (CI) مراجعة خطة الدفاع الداخلي للعراق حتى اجتماع المجموعة في 6 آذار 1964 والذي تمت خلاله الموافقة على الخطة.97
بالإضافة إلى التوصية بأن تقوم الوكالات الأمريكية بتعزيز الاتصالات مع المنظمات الشبابية والعمالية العراقية، نصحت الخطة بمواصلة برنامج المساعدات العسكرية الصغيرة بتمويل يصل إلى 200.000 دولار سنويًا وأن على الولايات المتحدة "أن تكون مستعدة لكي ترسل بناء على طلب الحكومة العراقية فرق تدريب متنقلة [قوات خاصة ] وفرق عمل مدني إلى العراق، وإذا ما تم حل القضية كردية أن يجري النظر في تدريب الجيش العراقي على مكافحة التمرد". وعلى ذات المنوال، يجب على الولايات المتحدة، إذا طلبت الحكومة العراقية، أن تقدم "المساعدة في تحسين وضع الشرطة العراقية وقوات الأمن الداخلي، بما في ذلك التدريب المكثف في الولايات المتحدة".98
لقد كان البعثيون مهمين بما فيه الكفاية بالنسبة للسياسة الأمريكية، بحيث استلزم سقوطهم إعادة كتابة خطة الدفاع الداخلي التي قدمتها السفارة في بغداد في البداية إلى المجموعة الخاصة (CI). وبعد شهر من انقلاب عارف، كتب مدير البرامج الإقليمية للشرق الأدنى وجنوب آسيا في وزارة الخارجية، جاي أ. لي: "نظراً لأن الخطة كانت مكتوبة قبل التغيير الأخير للحكومة، فمن الضروري تحديث ومراجعة أجزاء من الخطة."99 وفي عام1965 كتب لي أيضاً "تم تقديم خطة في تشرين الثاني [1963] ولكن الانقلاب تطلب خطة منقحة، جرى تقديمها في شباط 1964 .100

نقل رجل أعمال عراقي، كان قد التقى بعارف في صيف عام 1964، الى روبرت سترونج، سفير الولايات المتحدة منذ تموز 1963 "كان عارف يشعر بأن حكومة الولايات المتحدة كانت تدعم البعثيين، وأن المساعدات التي قدمتها حكومة الولايات المتحدة للنظام البعثي كانت أكبر بكثير من تلك التي قدمت منذ 18 تشرين الثاني، وأن الحكومة الأمريكية كانت ضد [حكومة عارف ] " . 101 وكشف سترونج نفسه رأيه بالتوقعات الأمريكية عن البعثيين ( ومعتقداته الخاصة عن العرب) معربا عن خيبة أمله منهم بعد وقت قصير من الانقلاب. وكتب الى واشنطن، "لقد أثبتت الأدلة على الطموح الشخصي وعدم الانضباط أن البعثيين [ما زالوا عرباً]. أما أسطورة البنية المتجانسة للبعث فقد تم تدميرها." 102


الاستنتاجات
خلال الأيام الأربعة المتبقية من حياة كينيدي وإدارته بعد ان وضع الجيش العراقي نهاية لحكم البعث، ليس هناك ما يشير إلى أن كبار صناع السياسة الأمريكيين كانوا يشعرون بقلق خاص إزاء الأحداث التي شهدتها بغداد. لقد كانوا منشغلين بدلاً من ذلك بـانقلاب عسكري في سايغون أطاح بالرئيس نغو دينه ديم وعجل بالانهيار السريع لمشروع مكافحة التمرد وبناء الدولة الأمريكي في جنوب فيتنام. أصبحت تلك الأزمة أزمة الرئيس جونسون، وكان العراق أيضاً قضية ثانوية بالنسبة للإدارة الجديدة، التي لم تجد أي سبب مباشر لصياغة بديل لسياسة مكافحة التمرد في البلاد. وينطبق الشيء نفسه على سياسة الولايات المتحدة خلال نظام البعث. فلم يكن هناك حينها أي تحدٍ في العراق بالحجم الذي واجهته الولايات المتحدة مؤخراً في برلين أو كوبا أو لاوس. وفي الواقع، سارت الأمور بشكل جيد عموما بالنسبة للولايات المتحدة في عراق البعث: لم تنقطع علاقات العراق مع الاتحاد السوفييتي، لكنها توترت عندما قام البعثيون باعتقال وتشتيت وقتل أعضاء الحزب الشيوعي العراقي؛ ولم يصبح العراق دولة عميلة لأميركا، لكن السياسة الخارجية للبعث بدت للأميركيين أكثر أصالة في التزامها بعدم الانحياز من سياسة قاسم. وبالتالي، لم يكن هناك حافز كبير للمسؤولين الأمريكيين لفعل أي شيء آخر سوى ان يطبقوا على العراق سياسة مكافحة التمرد التي طورتها الإدارة خلال العامين السابقين وعملت على تثبيتها في أذهان البيروقراطيين والضباط العسكريين الأمريكيين.
لقد عكست هذه السياسة الافتراض بأن الدول "الانتقالية" تواجه في كل مكان في العالم أزمات تنموية يمكن للشيوعيين استغلالها. وواجهت سياسة مكافحة التمرد هذه الأزمات بشكل مباشر من خلال تعزيز القدرات القمعية لدى الدولة. وهكذا، طور المسؤولون الأمريكيون، حتى قبل انقلاب شباط، العلاقات الرسمية وغير الرسمية مع أعضاء الحرس القومي ومع قادة الشرطة البعثيين العراقيين.
ربما كان التصور بأن الدول سترد حتماً بالقمع العنيف على الأزمات التي تواجهها في طريقها إلى الحداثة هو الذي يفسر انعدام الفضول لدى المسؤولين الأمريكيين تجاه التقارير عن استخدام الحكومة العراقية التعسفي للعنف والاعتقال. ولا تسجل الوثائق أي تردد لدى هؤلاء المسؤولين أثناء قيامهم بتنمية العلاقات مع الأفراد والمؤسسات العراقية التي ارتكبت أعمال العنف. ولا تشير الوثائق إلى أن المسؤولين الأمريكيين أثاروا مع المسؤولين العراقيين مسألة التجاوزات التي ارتكبوها خلال سعيهم لتدمير الحزب الشيوعي العراقي.

تكشف المصادر بوضوح أن هناك مسؤولاً أميركياً واحداً على الأقل حاول الدفاع عن النظام ضد منتقدي انتهاكاته لحقوق الإنسان. لكن إدارة كينيدي اضطرت في عام 1963 إلى التسامح مع عميلها في فيتنام الجنوبية الذي قام بمداهمة المعابد وضرب الرهبان البوذيين ومع عميلها في إيران، الذي قام بمضايقة الملالي وأردى أتباعهم قتلى في الشوارع. فليس من المستغرب إذن أن لا تكون الإدارة حساسة بشكل خاص تجاه نظام البعث المحايد في العلن إذا قام بكنس بعض الأبرياء خلال إبادته للشيوعيين.
ويبدو أنه خلال البحث عن عناصر مستعدة "لمواصلة أعمال التحديث"، اعتقد مسؤولو إدارة كينيدي أنهم وجدوهم في البعثيين العراقيين. وبعد مرور أكثر من عام على إزاحتهم من السلطة، كان القنصل الأمريكي في البصرة، تشارلز هينبري، مازال متمسكا بالأمل بالنسبة لهم. وكتب يقول: "لقد كنا بالطبع منزعجين من الدولة البوليسية غير الفعالة التي أقامها البعثيون بشكل عشوائي .... وعلى أية حال، فقد كانوا غير أكفاء وغير محظوظين في العراق. وقد يكونون في المرة القادمة أكثر نجاحا". 103


ملاحظة المؤلف: أشكر بيث بارون، وسارة بورسلي، وثلاثة مراجعين مجهولين على اقتراحاتهم وتصحيحاتهم وكذلك جامعة أوكلاند على تقديم منحة بحثية، مما جعل هذه المقالة ممكنة.


الهوامش
1David F. Schmitz, Thank God They’re On Our Side: The United States & Right-Wing Dictatorships, 1921–1965 (Chapel Hill, N.C.: University of North Carolina Press, 1999) Steven M. Streeter, Managing the Counterrevolution: the United States and Guatemala 1954–1961 (Athens, Ohio: Ohio University Center for International Studies, 2000) Roland Popp, “An Application of Modernization Theory during the Cold War? The Case of Pahlavi Iran,” The International History Review 30 (2008): 76–98 Nathan Citino, From Arab Nationalism to OPEC: Eisenhower, King Saud, and the Making of U.S.–Saudi Relations, 2nd ed. (Bloomington, Ind.: Indiana University Press, 2010).

2Hanna Batatu, The Old Social Classes and the Revolutionary Movements of Iraq: A Study of Iraq’s Old Landed and Commercial Classes and of its Communists, Bathists, and Free Officers (Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1978), 966–94, 1003–1026. Space does not permit an examination of the Kurdish insurrection here.

3James David, “Two Steps Forward, One Step Back: Mixed Progress Under the Automatic/Systematic Declassification Review Program,” The American Archivist 70 (2007): 242–44.

4Schmitz, Thank God They’re On Our Side, 239–44 Michael E. Latham, Modernization as Ideology: American Social Science and “Nation Building” in the Kennedy Era (Chapel Hill, N.C.: University of North Carolina Press, 2000) Douglas Little, American Orientalism: The United States and the Middle East Since 1945 (Chapel Hill, N.C.: University of North Carolina Press, 2002), 193–227 Michael H. Hunt, The American Ascendancy: How the United States Gained and Wielded Global Dominance (Chapel Hill, N.C.: University of North Carolina Press, 2007), 208–209, 212–13.

5Popp, “An Application of Modernization Theory” Bradley Simpson, Economists with Guns: Authoritarian Development and U.S.–Indonesian Relations, 1960–1968 (Stanford, Calif.: Stanford University Press,

2008), 40–43 Jefferson P. Marquis, “The Other Warriors: American Social Scientists and Nation Building in Vietnam,” Diplomatic History 24 (2000): 79–104.

6Nick Cullather, “Modernization Theory,” in Explaining the History of American Foreign Relations, 2nd ed., ed. Michael J. Hogan and Thomas G. Paterson (New York: Cambridge University Press, 2004), 212–40

Nils Gilman, Mandarins of the Future:Modernization Theory in the ColdWar (Baltimore, Md.: Johns Hopkins University Press, 2003), 138–202.

7Gilman, Mandarins of the Future, 11–12 Michael Latham, The Right Kind of Revolution: Modernization, Development, and U.S. Foreign Policy from the Cold War to the Present (Ithaca, N.Y.: The Cornell University Press, 2011), 36–92, 123–56.

8Arthur Schlesinger, Jr., “Report to the President on Latin American Mission, February 12–March 3, 1961,” 10March 1961, in Foreign Relations of the United States 1961–1963, vol. 12, The American Republics

(Washington, D.C.: U. S. Government ---print---ing Office, 1996), 11. Italics in original.

9Douglas S. Blaufarb, The Counterinsurgency Era: U.S. Doctrine and Performance (New York: The Free Press, 1977), 52–88 D. Michael Shafer, Deadly Paradigms: The Failure of Counterinsurgency Policy

(Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1988), 79–132 Michael McClintock, Instruments of Statecraft: U.S. Guerrilla Warfare, Counterinsurgency, and Counterterrorism: 1940–1990 (New York: Pantheon Books, 1992), 161–239 Lawrence Freedman, Kennedy’s Wars: Berlin, Laos, Cuba and Vietnam (New York: Oxford University Press, 2000), 287–92 William Rosenau, “The Kennedy Administration, U.S. Foreign Internal Security Assistance and the Challenge of ‘Subterranean War,’ 1961–1963,” Small Wars and Insurgencies 14 (2003): 65–99 Stephen M. Streeter, “Nation-Building in the Land of Eternal Counter-Insurgency: Guatemala and the Contradictions of the Alliance for Progress,” Third World Quarterly 17 (2006): 57–68.

10Mark H. Haefele, “Walt Rostow’s Stages of Economic Growth: Ideas and Action,” in Staging Growth: Modernization, Development, and the Global Cold War, ed. David C. Engerman et al. (Amherst and Boston, Mass.: University of Massachusetts, 2003), 81–103.

11W. W. Rostow, The Stages of Economic Growth: A Non-Communist Manifesto (New York: Cambridge University Press, 1960), 164.

12DavidMilne, America’s Rasputin: Walt Rostow and the Vietnam War (New York: Hill andWang, 2008), 87–88 Freedman, Kennedy’s Wars, 306–39.

13W. W. Rostow, “Guerrilla Warfare in the Underdeveloped Areas,” Department of State Bulletin, 7 August, 1961, 234.

14Lucian Pye, Guerrilla Communism in Malaya: Its Social and Political Meaning (Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1956), 344–46.

15Gilman, Mandarins of the Future, 180–90 Simpson, Economists with Guns, 67–73.

16Rostow, “Guerrilla Warfare,” 235.

17Memorandum for the President, “Senior Interdepartmental Counter-Insurgency School,” 20 April 1962, National Security Files (herafter NSF),Meetings andMemoranda, box 319, Special Group (CI) 4/6/61–6/7/62,

John F. Kennedy Library (hereafter JFKL).

18Dean Rusk,Department of State circular (AID/W), “Inter-Agency Seminar on Problems ofDevelopment and InternalDefense,” 8/1/62 (1 August 1962), NSF, box 413, Counterinsurgency, Police Program, 1961–1963,

folder 3, JFKL Shafer, Deadly Paradigms, 114–15.

19McGeorge Bundy, “National Security ActionMemorandum No. 182,” 24 August 1962, NSF, Meetings, and Memoranda, box 319, Special Group (CI), 7/62–11/63, JFKL.

20“United States Overseas Internal Defense Policy,” 3, 11, 20, enclosure to circular airgram to U.S. embassies, 6 July 1962, NSF, Meetings, and Memoranda, box 319, Special Group (CI), 7/62–11/63, JFKL.

21Charles Maechling, “Camelot, RobertKennedy andCounter-Insurgency:AMemoir,” Virginia Quarterly Review (1999): 446.

22“Overseas Internal Defense Policy,” 27.

23Bundy to MacNamara, “National Security ActionMemorandum No. 56,” 28 June 1961,RG286 (records of the United States Agency for International Development), USAID, Office of Public Safety, Office of the ---dir---ector, box 5, IPS, National Security Council, National Archives College Park (hereafter NACP).

24Minutes of the Meeting of the Special Group, 20 December 1962, RG 286, USAID, OPS, Office of the ---dir---ector, box 5, IPS, Special Group Meetings, December 1962, NACP.

25Uriel Dann, Iraq Under Qassem: A Political History, 1958–1963 (New York: Praeger, 1969).

26Tareq Y. Ismael, The Rise and Fall of the Communist Party of Iraq (New York: Cambridge University Press, 2008), 79–102.

27Phillips Talbot, “Situation Developing in Iraq,” 16 December 1961, NSF, White House Memoranda, Robert W. Komer, box 426, Iraq 1961–1963, JFKL.

28RG 263 (records of the CIA), National Intelligence Surveys, 1948–1971, IRAQ, “Subversion,” vol. 25, 1 September 1965: 26, NACP.

29Batatu, The Old Social Classes, 971–82.

30Melbourne to Rusk, 11 February 1963, RG 59, box 3946, POL 26, NACP.

31For accusations by leading Bathists of the period that their colleagues had secretly conspired with the United States in the coup and for a denial, see Dr. Ali Karim Said, Iraq 8 Shubat 1963: Min Hiwar al- Mafahim ila Hiwar al-Dam, Murajaat fi Dhakirat Talib Shabib (Iraq of 8 February 1963: From the Dialogue of Concepts to the Dialogue of Blood, Re-examinations of the Recollection of Talib Shabib) (Damascus: Dar al-Kunuz al-Adabiyya, 1999), 271, 291n1 Hani al-Fukayki, Awkar al-Hazima: Tajribati fi Hizb al-Bath (The Dins of Defeat: My Experience in the Bath Party) (London: Riad el-Rayyes Books, 1993), 269–70.

32Melbourne to State Department, 7 February 1963, box 3727, DEF IRAQ, NACP.

33“Hamid Khalkhal,” “Hazim Jawad, ” “SADI,Ali Salih,” “Talib Husayn SHABIB,” and other documents in RG 59, Lot File 66 D 470, box 1, POL–POL15–2, NACP Batatu, The Old Social Classes, 1004–1007. See

also Melbourne to Rusk, 8 February 1963, NSF, box 117A, IRAQ 1/63–2/63, JFKL.

34Roger Hilsman, “The Outlook for the Iraqi Coup Regime of February 8 1963,” RG 59, Undersecretary for Political Affairs, Subject Files 1961–1963, box 5, Iraq, NACP.

35Warren Bass, Support any Friend: Kennedy’s Middle East and the Making of the U.S.–Israel Alliance (New York: Oxford University Press, 2003), 63–143.

36Komer to Bundy, 6 March 1963, NSF, Records and Memoranda, box 322, Robert Komer, 3/63–5/63, JFKL.

37Komer to Bundy, 14 February 1963, NSF, White House Memoranda, Robert W. Komer, box 426, Iraq 1961–1963, JFKL.

38Hilsman, “The Outlook for the Iraqi Coup Regime.”

39Melbourne to Rusk, 9 February 1963, RG 59, box 3946, POL IRAQ-U.S., NACP.

40Talbot to Rusk, “Implications of the Second Iraqi Revolution,” 15 February 1963, box 3945, RG 59, POL 26 IRAQ, NACP.

41Robert G. Neumann, “Toward a New Balance in the Middle East. Aspects of Economic and Military Aid,” 1 May 1963, NSF, Robert W. Komer, box 436, Middle East 1/61–11/63, folder 3, JFKL.

42Killgore to Strong, 20 September 1963, RG 59, Lot File 66 D 470, box 1, POL 12, NACP.

43Julius Holmes (Tehran) to Rusk, 13 March 1963, RG 59, box 3727, DEF IRAQ, NACP Memorandum for the Secretary of State, “Counterinsurgency Orientation Program,” undated, NSF, box 279, Department of Defense (B), Subjects, Special Warfare 1962–1963, JFKL Rusk to Tehran Embassy, 15 March 1963, RG 59, box 3727, DEF IRAQ, NACP Melbourne to Rusk, 16 March 1963, RG 59, box 3727, DEF IRAQ, NACP.

44“Memorandum for the Special Group CI Assistants,” 2 August 1962, NSF, Meetings and Memoranda, box 319, Special Group (CI) 7/62–11/63.

45Donald N. Wilber, Regime Change in Iran: Overthrow of Premier Mossadeq of Iran, November 1952– August 1953 (Nottingham, U.K.: Spokesman Books, 2006), 24, 28–29, 34, 38, 41, 48, 54, 57, 91–99.

46“Memorandum for the secretary of the Navy and Joint Chiefs of Staff,” unsigned and undated (written between 1 May and 30 June 1965) and “Security Reappraisals for the Forward Defense Countries (In This

Case Iran and Pakistan) for U. S. Policy Purposes for the 1970s,” early 1965, EricW. Pollard Papers, collection no. 565, Manu---script--- Collection, J. Y. Joyner Library, East Carolina University, Greenville, N.C.

47Wilber, Regime Change in Iran, 20, 34 Roy Melbourne, Conflict and Crisis: A Foreign Service Story, rev. ed. (Lanham, Md.: University Press of America, 1997), 151–59.

48Strong to Melbourne, 1 March 1963, RG 59, Lot File 66 D 470, box 1, POL 7, NACP.

49Melbourne, Conflict and Crisis, 228 Memorandum by Michael V. Forrestal to Averell Harriman, 20 May 1963, NSF, Meetings and Memoranda, box 319, Special Group (CI) 7/61–11/63, JFKL minutes of the

Special Group (CI), 16 May 1963, RG 286, OPS, Office of the ---dir---ector, box 6, IPS 7–2, Special Group (CI) Meetings May 1963, NACP.

50Oles M. Smolansky, The Soviet ---union--- and the Arab East under Khrushchev (Lewisburg, Pa.: Bucknell University Press, 1974), 227–40.

51U.S. Army Attach´e (Baghdad embassy) to Secretary of State, 10 February 1963, RG 59, box 3943, POL 2–4 IRAQ, NACP Dann, Iraq Under Qassem, 364, 367, 369 Said, Iraq 8 Shubat, 51n1, 165–167, 171–72.

52Al-Munharifun min al-Haris al-Qawmi fi al-Madd al-Shuubi: Taht Ashiat 18 Tishrin al-Thani 1963 (The Deviationists among the National Guard in the Anti-Arab Nationalist Deluge: Under the Rays of 18 November 1963) (Baghdad: Haiat al-Dalil al-Dawli, 1964).

53Translation of Hassanayn Haykal, “A Meeting in Paris,” enclosure to airgram of Donald Bergus (Cairo embassy) to Department of State, 2 October 1963, RG 59, box 3690, POL 15–1 JORDAN, box 3690, NACP.

Husayn claimed that the interview was “an outrageous distortion” of his remarks, which he had understood to be confidential. William Macomber (Amman) to Department of State, 9 October 1963, RG 59, box 3690,

POL 2 JORDAN, NACP.

54Macomber to Department of State, 1 May 1963, RG 59, POL 2 Jordan, box 3690, NACP. On inter-Arab tensions, see Malcom Kerr, The Arab Cold War: 1958–1967: A Study of Ideology in Politics, 2nd ed. (New

York: Oxford University Press, 1967), 54–125.

55Melbourne to Rusk, 20 February 1963, NSF, box 117 A, IRAQ, 1/63–2/63, JFKL.

56Melbourne to State Department, 27 March 1963, NSF, box 117, IRAQ 3/63–5/63, JFKL.

57Embassy to Rusk, 11 February 1963, RG 59, box 3946, POL 26, NACP.

58B. H. Selcke, 10 March 1964, “USIS Youth Activities—Iraq,” RG 59, Lot file 66 D 470, box 3, EDX-12, NACP.

59Lakeland to State Department, 23 April 1963, RG 59, box 3946, POL 29 IRAQ, NACP. On Basim, see al-Kitab al-Aswad: Itirafat al-Shiyuiyin (The Black Book: Confessions of the Communists) (Baghdad: Wizarat al-Irshad, 1963), 66–71, 102–103 Batatu, The Old Social Classes, 984.

60Lakeland to Department of State, 15 October 1963, RG 59, box 3727, DEF IRAQ, NACP.

61Henebry to Department of State, 10 July 1963, RG 59, box 3945, POL REBELLION, COUPS, INSURGENCY, IRAQ, NACP Henebry to State Department, 25 June 1963, RG 59, box 3727, DEF IRAQ, NACP

Basra consulate to State Department, 10 July 1963, RG 59, box 3945, POL 26 IRAQ, NACP.

62Al-Munharifun, 142.

63Ibid., 122.

64Lakeland to Department of State, 4 and 7 January 1964, RG 59, box 2338, POL 12 IRAQ, NACP.

65Killgore to W-alter-E. Jessop, 1 July 1963, RG 59, Lot File 66 D 470, box 1, POL 13–2, NACP.

66John E. MacDonald to Killgore, 16 July 1963, RG 59 Lot File 66 D 470, box 1, POL 13–2, NACP.

67Alwan to U Thant, et al. and attachments, 17 August 1963, RG 59, Lot File 66 D 470, box 1, POL 13–2, NACP.

68Embassy (Baghdad) to Rusk, 12 February 1963, RG 59, box 3690, CSM IRAQ, NACP.

69“Overseas Internal Defense Policy,” Annex B, 1.

70“Status of Military Counterinsurgency Programs (U)”, V-75, NSF, Departments and Agencies, Department of Defense (B), box 279, Status of Military Counterinsurgency Programs 9/18/63, JFKL.

71Taylor memorandum for the Special Group (CI), “U. S. Support of Foreign Paramilitary Forces,” 15 October 1963, RG 286, USAID, Office of Public Safety, Office of the ---dir---ector, box 5, IPS 7–2, Special Group

(CI) GENERAL, NACP.

72Byron Engle memorandum for Joseph Taylor, 9 December 1963, RG 286, USAID, OPS, Office of the ---dir---ector, box 5, IPS 7–2, Special Group (CI), GENERAL, NACP.

73Jeremy Kuzmarov, “Modernizing Repression: Police Training, Political Violence, and Nation-Building in the ‘American Century,’” Diplomatic History 33 (2009): 191–221 Martha K. Huggins, Political Policing:

The United States and Latin America (Durham, N.C.: Duke University Press, 1998), 79–116 A. J. Langguth, Hidden Terrors: The Truth About U.S. Police Operations in Latin America (New York: Pantheon Books, 1978),

47–54 Rosenau, “The Kennedy Administration,” 79–90.

74National Security Action Memorandum No. 177, 7 August 1962, NSF, Robert W. Komer, box 413, Counterinsurgency, Police Program 1961–1963, Folder 3, JFKL Rosenau, “The Kennedy Administration,” 82–84, 97n128, 97n129.

75Quoted in Robert H. Holden, Armies without Nations: Public Violence and State Formation in Central America, 1821–1960 (New York: Oxford University Press, 2004), 117.

76Komer memorandum for Bundy and Taylor, “Should Police Programs Be Transferred to DOD?” 18 April 1962, NSF, Meetings and Memoranda, box 319, Special Group (CI) 4/6/61–6/7/62, JFKL.

77Memorandum for the Special Group for meeting 11 June 1964, RG 59, Lot File 68 D 541, box 5, Special Group (CI), 5/28/64–7/10/64, NACP.

78Arthur M. Thurston, Survey of Training Activities of the A.I.D. Police Assistance Program (n.p.: Department of State: Agency for International Development, Office of Public Safety, November 1962), 42–48 (quoted passage at 48), in NSF, Robert W. Komer, box 413, Police Program, 1961–1963, folder 3, JFKL.

79“Fact Sheet on Iraq,” 4 March 1964, attachment to Byron Engle, “Iraq Internal Defense Plan: the ---dir---ectorate of Police,” 5 March 1964, RG 59, Lot File 66 D 470, box 2, POL 23–2, NACP Edward C. Kennelly, “Iraq—Inquiry from the New York Herald Tribune,” 20 August 1958, RG 286 (records of AID), Operations Division, Africa, Near East, South Asia, Subject File, box 62, IRAQ–IPS, NACP.

80Riddleberger (ICA, Washington) to Baghdad embassy 9 and 16 February 1961, and Labouisse (ICA, Washington) to Baghdad Embassy, 3 March 1961, RG 286, Operations Division, Africa, Near East, South

Asia, Subject File, box 62, IRAQ–IPS, NACP. See also other airgams in this file for names of additional officers trained in the U.S. in 1961.

81House of Representatives Committee on Standards of Official Conduct, Investigation of Publication of Committee on Intelligence Report, 94th Cong., 2nd Sess., 1976, 675. See also Phillip Agee, Inside the

Company: CIA Diary (New York: Bantam Books, 1975), 474, 478, 492, 633 Huggins, Political Policing, 88–90.

82Melbourne to AID, 27 September 1962, RG 286, AID Operations Division, Africa, Near East, South Asia, Subject File, box 62, IRAQ–IPS, NACP.

83“Fact Sheet on Iraq.”

84Riddleberger to Baghdad embassy, 11 February 1961, RG 286, Operations Division Africa Near East South Asia, Subject File, box 62, IRAQ–IPS, NACP F. Gulick, “IRAQ—Western-Trained Officials,” 9 April

1963, RG 59, Lot File 66 D 470, box 1, AID 10, NACP.

85Al-Munharifun, 169. See also Said, Iraq 8 Shubat, 145.

86“Al-Shurta Amalat maa al-Thawra qabla Inbithaqiha” (The Police Worked with the Revolution before Its Outbreak), al-Jamahir 10, 22 February 1963, 3. For more on his arrest and its date, see al-Fukayki, Awkar al-Hazima, 190–91 “Hazim Jawad” (undated), RG 59, Lot File 66 D 470, box 1, POL–POL15–2, NACP. The ---dir---ector general is referred to by Said and in al-Munharifun as Ahmad Amin Mahmud and by Fukayki and in

al-Jamahir as Ahmad Amin. These all certainly refer to the same person. Riddleberger refers to a “Mahmood,” who may be the same person, in his airgram to the Baghdad embassy, 11 February 1961, RG 286, Operations

Division, Africa, Near East, South Asia, Subject File, box 62, IRAQ–IPS, NACP.

87Al-Munharifun, 169 F. Gulick, “IRAQ—Western-Trained Officials” Riddleberger to Baghdad embassy, 11 February 1961, RG 286, Operations Division Africa Near East South Asia, Subject File, box 62, IRAQ–IPS,

NACP “Fact Sheet on Iraq.”

88F. Gulick, “IRAQ—Western-Trained Officials.”

89Embassy to Department of State, 10 September 1961 (sic,misdated), andNorthropH.Kirk toDepartment of State, 9 July 1963 and enclosure dated 6 July 1963, RG 59, box 3945, POL 23, NACP.

90Kennelly to Mr. and Mrs. Clyde Phelps, 8 July 1958, RG 286, Operations Division, Africa, Near East, South Asia, Subject File, box 62, IRAQ–IPS, NACP.

91Embassy to State Department, 10 September 1961 (sic, misdated), box 3945, POL 23 IRAQ, NACP.

92Department of State, Agency for International Development, Class Book: Senior Class, International Police Academy, December 1, 1963–February 28, 1964, 13, RG 59, Lot File 68 D 541, box 5, Special Group (CI), 5/28/64–7/10/64, NACP.

93“Kifah Shurtat al-Najada didd Aida al-Thawra” (Struggle of the Emergency Police against Enemies of the Revolution), al-Jamahir 12, 24 February 1963, 3.

94Minutes of the Meeting of the Special Group (CI), 8 August 1963, RG 286, OPS, Office of the ---dir---ector, 7–2, Special Group (CI) Meetings August 1963, NACP.

95“Tentative Agenda Items for Future Special Group (CI) Meetings,” 15 November 1963, NSF, RobertW. Komer, box 414, Counterinsurgency Special Group 7/62–11/63, JFKL Guy A. Lee to Maechling, 20 January

1964, RG 59, Lot File 66 D 470, box 2, POL 23, NACP memorandum for Governor Harriman, 9 October 1963, RG 59, Lot File 68 D 451, box 3, Special Group (CI) 8/8/63–10/31/63, NACP Philips Talbot to the Special Group (CI), (undated), RG 59, Lot File 68 D 451, box 3, Special Group (CI) 8/8/63–10/31/63, NACP.

96Batatu, The Old Social Classes, 1018–1031.

97Minutes of the Meeting of the Special Group (CI), 6 March 1964, RG 286, OPS, Office of the ---dir---ector, box 6, IPS 7–2 Special Group CI Meetings March 1964, NACP.

98John D. Jernegan, “Iraq Internal Defense Plan,” 3 March 1964, RG 59, box 2340, POL 23–1 IRAQ, NACP.

99Guy A. Lee to Roger Davies et al., 24 December 1963, RG 59, Lot File 66 D 470, box 1, POL 32, NACP.

100Lee to Raymond Hare, 6 October 1965, RG 59, Lot File 75 D 175, box 1, U.S. Policy— Counterinsurgency Task Force—2, NACP.

101“Businessman’s Discussion with President on U.S. Role in Iraq,” 30 June 1964, RG 59, Lot 66 D 470, box 3, POL IRAQ-U.S., NACP.

102Strong to State Department, 3 December 1963, RG 59, box 3955, POL 12 IRAQ, NACP.

103Henebry to the State Department, 1 April 1965, RG 59, box 2338, POL 13 IRAQ, NACP.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي