في وصف الخذلان

سامح قاسم
2024 / 9 / 19

في جوهره، ينبع الخذلان من صدمة التوقعات التي لا تتحقق، ومن انتظار ما لا يأتي، ومن الرغبة في نفي ما هو مؤكد، أو تأكيد ما هو منفي، حيث يُبنى جسر الثقة على أمل هشّ، وما إن يخيب، يتهاوى كل شيء. فيكتور هوجو يقول: "ليس هناك ما هو أكثر بؤسًا من قلب يشعر بالخذلان، إنه كطائر فقد جناحيه في منتصف السماء." هذه الصورة تجسد الوحدة والضياع حين تنهار الثقة وينسحب كل شيء للوراء.
أما بابلو نيرودا، فيعبّر عن خيبة الأمل قائلاً: "أحببتك كمن يغرق في حلم طويل، وعندما صحوت، لم أجدك سوى ظل في رمال الصحراء." في هذا التصوير المؤلم، نجد كيف يتحول الحلم إلى سراب، وكيف يصبح الخذلان شبحاً يطارد الروح.
من أشد أنواع الخذلان وأقساها هو ذاك الذي يحدث حين يتحول من اعتقدناه سنداً إلى مصدر الألم. جبران خليل جبران يقول: "كم هو مؤلم أن تكتشف أن من كان يضيء حياتك، لم يكن إلا شعلة تحرق قلبك." هذا الانقلاب في الأدوار يكشف عمق الصدمة والخذلان، حيث يصبح الحبيب أو الصديق عدوًّا للطمأنينة.
خذلان الذات لا يقل مرارة عن خذلان الآخرين، فهو الانكسار أمام طموحات لم تتحقق، أو وعود لم نتمكن من الوفاء بها لأنفسنا. في هذا السياق، يقول نيتشه: "الخذلان الأكبر هو أن تجد نفسك في النهاية خالي اليدين بعد أن بذلت كل شيء." إنها لحظة مواجهة الحقيقة حين تتبخر الأحلام تحت ثقل الواقع القاسي.
ورغم الألم العميق الذي يسببه الخذلان، يمكن أن يكون ردهة نحو فهم أعمق للحياة ولأنفسنا. دوستويفسكي يرى أن "في الخذلان، يتعلم المرء القوة، وفي القوة يتعلم الحكمة." ما قاله دوستويفسكي يحمل في طياته فلسفة ترى في الخذلان درساً في الصبر والتأمل، وفرصة لإعادة بناء الذات على نحو أفضل وأكثر صلابة.
الخذلان ليس مجرد حالة مؤقتة، بل هو فصل من فصول الحياة التي لا مفر منها. إنه يُعلمنا التقبل أمام تقلبات القدر، ويدفعنا لإعادة النظر في كل ما مضى وكل ما سيأتي. كما يقول روبرت فروست: "الحياة مليئة بالحجارة الصغيرة التي نتعثر بها، لكنها الحجارة نفسها التي نبني منها الجسور." الخذلان إذًا يمكن أن يكون حجراً نضعه في بناء نضجنا الشخصي.
لا يمكن الهروب من الخذلان، لكننا نستطيع تحويله إلى نقطة انطلاق جديدة. مارسيل بروست يقول: "لن تعرف قوة نفسك إلا عندما تواجه خيبة الأمل الكبرى." التصالح مع الخذلان يتطلب شجاعة، لكن في تجاوزه نجد فرصًا لاكتشاف جوانب جديدة من أنفسنا وحياتنا.
إن الخذلان، رغم قسوته، يمكن أن يكون نافذة تُفتح على أفق أوسع، حيث تتجدد الروح وتتخطى جراحها. في إدراكنا لهذه الحقيقة، نتحرر من قيود الألم، ونمضي في الحياة بنضج أكبر وعزيمة أعمق. في النهاية، الخذلان ليس نهاية، بل بداية لرحلة جديدة، وحكمة تُضاء بها الطريق الذي لم تنتهِ بعد

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي