|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
حسام الدين فياض
2024 / 9 / 17
يشير مفهوم الثقافة إلى أسلوب حياة نمطي مشترك بين مجموعة من الأفراد، حيث تشمل الثقافة كل ما يملكه البشر ويفعلونه لإنتاج علاقات مع بعضهم البعض والتكيف مع البيئة المادية. بالإضافة إلى المبادئ المتفق عليها للوجود البشري (القيم والمعايير والعقوبات) فضلاً عن تقنيات البقاء (التكنولوجيا). والثقافة هي أيضاً ذلك الجانب من وجودنا الذي يجعلنا مشابهين لبعض الناس، ومع ذلك مختلفين عن غالبية الناس في العالم. إنها أسلوب الحياة المشترك لمجموعة من الناس، ومجموعة من المعتقدات والمواقف، والتفاهمات المشتركة وأنماط السلوك التي تسمح لهؤلاء الناس بالعيش معاً في تفاهم ووئام نسبي، ولكنها تميزهم عن الشعوب الأخرى.
بذلك تشكل الثقافة المدخرات التراكمية من المعرفة والخبرة والمعتقدات والقيم والمواقف والمعاني والتسلسلات الهرمية والقيم الدينية والاجتماعية ومفاهيم إدراك الزمن والمكان ورؤيتنا لأنفسنا وللآخر والعالم الخارجي التي اكتسبتها مجموعة من الأفراد على مدى عدة أجيال من خلال العمل والعيش المشترك. ومن التعاريف الفرعية نذكر ما يلي:
- تُعرف اليونسكو الثقافة بأنها " مجموعة السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية المميزة للمجتمع أو المجموعة الاجتماعية، والتي لا تشمل الفن والأدب فحسب، بل وأساليب الحياة، وطرق العيش معاً، وأنظمة القيم، والتقاليد والمعتقدات " (اليونسكو، 2001).
وغالباً ما يتم تعريف الثقافة من خلال الجوانب الموضوعية، تلك التي يمكننا رؤيتها والشعور بها ولمسها وتذوقها. ويشمل ذلك الفن والطعام والمهرجانات والأنظمة السياسية والتعليمية، فعندما نتحدث عن الوعي بين الثقافات فإننا ننظر إلى الجوانب الذاتية للثقافة، التي تشير إلى تجربة جماعة ما في واقعها الاجتماعي عبر المؤسسات المجتمعية. ويتضمن الفهم بين الثقافات القدرة على التعرف على وجهات نظر ثقافية مختلفة وكيف تؤثر على الاتصالات والسلوك والتفاعلات اليومية. ومع تطوير مهاراتنا في التعامل بين الثقافات، نحتاج إلى أن نتذكر باستمرار ليس فقط مدى تعدد أوجه الثقافة وتعقيدها، بل وأيضاً مدى ترسخها في هويتنا وإحساسنا بذاتنا.
- الثقافة هي أنظمة المعرفة المشتركة بين مجموعة كبيرة نسبياً من الناس.
- الثقافة هي التواصل، والتواصل هو الثقافة.
- الثقافة بالمعنى الأوسع هي السلوك المكتسب، أي مجموع الخبرات المكتسبة المتراكمة لدى الشخص التي تنتقل اجتماعياً. أو باختصار هي السلوك من خلال التعلم الاجتماعي.
- الثقافة هي أسلوب حياة لجماعة من الأفراد. أي إنها السلوكيات والمعتقدات والقيم والرموز التي يقبلونها عادة دون التفكير فيها، والتي تنتقل عن طريق التواصل والتقليد من جيل إلى آخر.
- الثقافة عبارة عن تواصل رمزي. وتتضمن بعض رموزها مهارات المجموعة ومعارفها ومواقفها وقيمها ودوافعها. ويتم تعلم معاني الرموز وإدامتها عمداً في المجتمع من خلال مؤسساته.
- تتكون الثقافة من أنماط صريحة وضمنية من السلوك المكتسب والمنتقل من خلال الرموز، والتي تشكل الإنجاز المميز للمجموعات البشرية، بما في ذلك تجسيداتها في المصنوعات اليدوية، ويتكون جوهر الثقافة الأساسي من الأفكار التقليدية وخاصة القيم المرتبطة بها، يمكن اعتبار أنظمة الثقافة، من ناحية، نتاجاً للفعل الإنساني، ومن ناحية أخرى، كتأثيرات تكييفية على الفعل الإنساني.
- الثقافة هي مجموع السلوكيات المكتسبة لمجموعة من الناس والتي تعتبر عموماً تقليداً لذلك الشعب والتي تنتقل من جيل إلى آخر.
- الثقافة هي برمجة جماعية للعقل تميز أعضاء مجموعة أو فئة من الناس عن أخرى.
- غير أن أحد أشهر التعاريف هي تلك التي وضعها" إدوارد تايلور " في كتابه " الثقافة البدائية 1871 " التي قرنها بالحضارة، فقال: " الثقافة أو الحضارة بالمعنى الاثنوجرافي الواسع هي ذلك الكل المركب الذي يشتمل على المعارف والمعتقدات والفن والقانون والأخلاق والتقاليد وكل القابليات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في مجتمع ". وفي كتابه الانثروبولوجيا 1881 أضاف تايلور" أن الثقافة بهذا المفهوم، هي شيء لا يملكه الإنسان ".
1- الحتمية الثقافية: إن المواقف التي يتخذها الناس من أفكار ومعاني ومعتقدات وقيم يتعلمونها كأعضاء في المجتمع تحدد طبيعة الإنسان، فالناس هم ما يتعلمونه ويؤمنون به، حيث لا يضع أصحاب النظرة المتفائلة من الحتمية الثقافية أي حدود لقدرات البشر على القيام بأي شيء يريدونه أو أن يكونوا عليه. ويقترح بعض علماء الانثروبولوجيا أنه لا توجد " طريقة صحيحة " عالمية للوجود البشري. " فالطريقة الصحيحة " هي دائماً " طريقتنا "، وأن " طريقتنا " في مجتمع ما لا تتطابق أبداً تقريباً مع " طريقتنا " في أي مجتمع آخر. ولا يمكن أن يكون الموقف السليم للإنسان المطلع إلا موقف التسامح وتقبل الآخر والتعايش معه، لأن الطبيعة البشرية قابلة للتغيير بشكل لا نهائي، وبالتالي يمكن للإنسان اختيار طرق الحياة التي يفضلها. بالمقابل يعتقد أصحاب النظرة المتشائمة من خلال هذا التفسير أن البشر هم ما تم تربيتهم عليه، وهذا شيء لا يملكون السيطرة عليه. فالبشر كائنات سلبية تفعل كل ما تمليه عليهم ثقافتهم، ويؤدي هذا التفسير إلى ظهور نظرية سلوكية تضع أسباب السلوك البشري في عالم خارج عن سيطرة البشر تماماً.
2- النسبية الثقافية: إن الجماعات الثقافية المختلفة تفكر وتشعر وتتصرف بشكل مختلف. ولا توجد معايير علمية لاعتبار جماعة ما متفوقة أو أدنى جوهرياً من جماعة أخرى. إن دراسة الاختلافات الثقافية بين الجماعات والمجتمعات تفترض موقفاً من النسبية الثقافية. إذ يتطلب الحكم على ثقافة ما مختلفة عن ثقافتنا وجود معلومات مسبقة حول طبيعة الاختلافات الثقافية بين المجتمعات من حيث طرق التفكير والمعاني والمظاهر الثقافية، بغية استيعاب الاختلافات الثقافية وتقريب وجهات النظر بين المجتمعات الإنسانية المختلفة ثقافياً من خلال التأكيد على القواسم المشتركة.
3- المركزية الثقافية العرقية: إن المركزية العرقية هي الاعتقاد بأن ثقافة المرء متفوقة على ثقافات الجماعات الأخرى. وهي شكل من أشكال الاختزالية التي تقلل من أهمية " الطرق المختلفة " للحياة الإنسانية القائمة على التنوع إلى نسخة مشوهة من الذات. فعلى سبيل المثال نجد هذه الحالة موجودة في التعاملات التسويقية في ظل العولمة الثقافية والاقتصادية عندما تسعى شركة اقتصادية ما إلى اعتبار أن الأفكار والمنتجات التي نجحت في وطنها الأم وفق معاييرها الثقافية سوف تنجح أيضاً في كافة المجتمعات الأخرى. وبالتالي يتم تجاهل اختلافات البيئية الثقافية، مما يؤدي إلى تكريس المركزية العرقية فيما يتعلق بالتعاملات التسويقية ذات النظرة الأحادية من خلال فرض منتجات ثقافية معينة مثل أزياء الملابس المنافية للقيم الثقافية السائدة في مجتمع ما عبر ترويجها بواسطة وسائل الإعلام الجماهيرية ومواقع التواصل الاجتماعي.
4- المظاهر الثقافية: تتجلى الاختلافات الثقافية بطرق مختلفة ومستويات متفاوتة من العمق. وتمثل الرموز أكثر مظاهر الثقافة سطحية، بينما تمثل القيم أعمق مظاهر الثقافة، مع الأبطال والطقوس بينهما.
ينظر إلى الرموز باعتبارها كلمات أو إيماءات أو صور أو أشياء تحمل معنى معيناً لا يدركه إلا أولئك الذين يشتركون في ثقافة معينة. تتطور رموز جديدة بسهولة، وتختفي رموز قديمة. يتم نسخ رموز مجموعة معينة بانتظام من قبل الآخرين. ولهذا السبب تمثل الرموز الطبقة الخارجية من الثقافة. فالأبطال هم أشخاص، سواء كانوا في الماضي أو الحاضر، حقيقيين أو خياليين، يتمتعون بخصائص تحظى بتقدير كبير في الوعي الجمعي لثقافة ما. كما أنهم بمثابة نماذج مثالية للسلوك الاجتماعي. كما تعتبر الطقوس أنشطة جماعية، قد تكون غير ضرورية في بعض الأحيان لتحقيق الأهداف المرجوة، ولكنها تعتبر ضرورية اجتماعياً. لذلك يتم تنفيذها في معظم الأحيان من أجل ذاتها (طرق التحية، واحترام الآخرين، والاحتفالات الدينية والاجتماعية، وما إلى ذلك).
إن جوهر أي ثقافة يتكون من القيم. وهي عبارة عن اتجاهات واسعة النطاق نحو تفضيل حالة معينة من الأحوال على غيرها (الخير والشر، والصواب والخطأ، والطبيعي وغير الطبيعي). وتظل العديد من القيم غير واعية بالنسبة لأولئك الذين يعتنقونها. وبالتالي فإنها غالباً ما لا يمكن مناقشتها، ولا يمكن للآخرين ملاحظتها بشكل مباشر. ولا يمكن استنتاج القيم إلا من الطريقة التي يتصرف بها الناس في ظل ظروف مختلفة. إن الرموز والأبطال والطقوس هي الجوانب الملموسة أو المرئية لممارسات ثقافة ما. والمعنى الثقافي الحقيقي للممارسات غير ملموس، لا يتم اكتشافه إلا عندما يفسرها أصحاب الثقافة المعنية من الداخل.
5- طبقات الثقافة: إن الأشخاص الذين يعتقدون بثقافة ما لديهم برمجة عقلية لتصنيف أنفسهم ضمن مفهوم الطبقات الاجتماعية، والدليل على ذلك وجود مستويات طبقية مختلفة في الثقافة الواحدة وهي كالآتي:
- المستوى الوطني: مرتبط بالدولة ككل.
- المستوى الإقليمي: يرتبط بالاختلافات العرقية أو اللغوية أو الدينية الموجودة داخل الأمة.
- المستوى الجنسي: يرتبط بالاختلافات بين الجنسين (أنثى مقابل ذكر).
- مستوى الجيل: يرتبط بالاختلافات بين الأجداد والآباء، والآباء والأبناء.
- المستوى الطبقي الاجتماعي: يرتبط بالمستوى التعليمي والمهني.
- المستوى المؤسسي: يرتبط بالثقافة الخاصة بالمنظمة الذي ينطبق على موظفين مؤسسة أو منظمة ما.
6- قياس الاختلافات الثقافية: يمكن قياس متغير ما إما باستخدام تقنيات القياس المفرد أو المركب. وتعني تقنية القياس المفرد استخدام مؤشر واحد لقياس مجال المفهوم، وتعني تقنية القياس المركب استخدام العديد من المؤشرات لبناء مؤشر للمفهوم بعد أخذ عينة تجريبية من مجال المفهوم. وقد ابتكر هوفستيد Hofstede 1997 تقنية قياس مركبة لقياس الاختلافات الثقافية بين المجتمعات المتباينة:
- مؤشر مسافة السلطة: يقيس هذا المؤشر درجة عدم المساواة الموجودة في مجتمع ما.
- مؤشر تجنب عدم اليقين: يقيس المؤشر مدى شعور المجتمع بالتهديد بسبب المواقف غير المؤكدة أو الغامضة.
- مؤشر الفردية: يقيس هذا المؤشر مدى كون المجتمع فردياً. وتشير الفردية إلى إطار اجتماعي غير متماسك في المجتمع حيث يُفترض أن يهتم الناس بأنفسهم وأسرهم المباشرة فقط. والطرف الآخر من الطيف هو الجماعية التي تحدث عندما يكون هناك إطار اجتماعي محكم يميز فيه الناس بين المجموعات الداخلية والمجموعات الخارجية، فهم يتوقعون من مجموعاتهم الداخلية (الأقارب والعشائر والمنظمات) أن تعتني بهم في مقابل الولاء المطلق.
- مؤشر الذكورة (الإنجاز مقابل العلاقة): يقيس المؤشر مدى سيطرة القيم المتمثلة في الحزم والمال والأشياء (الإنجاز) وعدم الاهتمام بالآخرين أو بجودة الحياة. أما الطرف الآخر الجنس اللطيف فيتمثل في الأنوثة (العلاقة).
7- التوفيق بين الاختلافات الثقافية: ويتم ذلك من خلال دراسة وتحليل القضايا التالية:
* الوعي الثقافي: يُعرف بأنه إدراك وملاحظة ووعي بالتشابهات والاختلافات بين المجموعات الثقافية. قبل الشروع في دراسة كيفية تعميق التسامح والاعتراف بالآخر ربما يكون من الضروري تحديد الاختلافات الثقافية التي قد توجد بين المجتمعات المستهدفة. وفي حالة وجود اختلافات، يجب على المرء أن يقرر ما إذا كان من الممكن تكييف ممارسات المجتمعات المختلفة. وفي أغلب الأحيان لا تكون الاختلافات واضحة أو ملموسة للغاية. وقد يتم تعلم جوانب معينة من الثقافة بوعي (مثل أساليب تحية الناس)، ويتم تعلم بعض الاختلافات الأخرى دون وعي (مثل أساليب حل المشكلات). قد لا يكون بناء الوعي الثقافي مهمة سهلة، ولكن بمجرد إنجازه، فإنه يساعد بالتأكيد على تقريب وجهات النظر بين المجتمعات الثقافية المختلفة.
لا شك أن المناقشات والقراءة عن الثقافات الأخرى تساعد في بناء الوعي الثقافي، ولكن الآراء المقدمة يجب أن تكون مدروسة بعناية. ففي بعض الأحيان قد تمثل هذه الآراء صوراً نمطية غير مبررة، أو تقييماً لمجموعة فرعية فقط من مجموعة معينة من الناس، أو موقفاً خضع منذ ذلك الحين لتغييرات جذرية. ومن الجيد دائماً الحصول على وجهات نظر مختلفة حول نفس الثقافة. وفي النهاية يشكل الوعي الثقافي عنصراً رئيسياً من عناصر الكفاءة الثقافية، وبدونه يستحيل اكتساب المواقف والمهارات والمعرفة الضرورية للكفاءة الثقافية.
* تجميع الثقافات: قد تشترك بعض المجتمعات في العديد من السمات التي تساعد في تشكيل ثقافاتها (قد تكون العوامل المؤثرة هي اللغة أو الدين أو الموقع الجغرافي، وما إلى ذلك). وبناءً على هذه البيانات المستمدة من الدراسات السابقة عبر الثقافات، قد يتم تصنيف المجتمعات حسب أوجه التشابه في القيم والمواقف، وقد نتوقع اختلافات أقل عند الانتقال داخل الجماعة مقارنة بالانتقال من جماعة إلى أخرى.
* تحديد أهمية المشاركة العالمية: لا تحتاج جميع المجتمعات على مستوى العالم إلى نفس الدرجة من الوعي الثقافي، حيث تختلف المجتمعات في فهمها للثقافات العالمية بناءً على تحضرها ومساهمتها في بناء الحضارة الإنسانية، فكلما انغلقت المجتمعات على نفسها، كلما احتاجت إلى فهم أعمق للاختلافات الثقافية القائمة بينها وبين المجتمعات الأخرى بهدف بناء الوعي الثقافي الناضج الذي يمكننا من قبول الآخر والحفاظ على هويتنا.
خلاصة القول، تشكل الثقافة بكل تجلياتها أهمية بالغة لعلماء الاجتماع لأنها تلعب دوراً مهماً في إنتاج النظام الاجتماعي. ويشير النظام الاجتماعي إلى استقرار المجتمع بناءً على الاتفاق الجماعي على القواعد والمعايير التي تسمح لنا بالتعاون والعمل كمجتمع والعيش معاً (بشكل مثالي) في سلام ووئام.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |