محاولة تطفل على علم الجمال

عثمان بوتات
2024 / 9 / 11

ألهمتني تأويلات هيغل الاستطيقية وأثارت قلقي للحد الذي جعلني اندفع لمحاولة استفزاز ونقد فلسفته المتطفلة على الفن بصفتي فنان ولست فيلسوف! الحق يقال أشعر أن المثاليين مزعجين ولا يتقنون فن الصمت. رغم أنهم أقرب إلى الحقيقة. إلا أنه تنقصهم حكمة الحياة.
تأويلات هيغل باعتقادي حيال الفن عظيمة إلى أبعد حد. رغم ذلك تزال في حدود علاقة المتلقي مع فن الفنان. بصفة هيغل متلقي كذلك. كل محاولات الفهم والحكم جماليا الخاضعة للتاريخ وبالتالي الزمن والمكان؛ تقف عند حدود المتلقي. لكن علاقة الفنان بفنه فهي مستعصية على المتلقي ومبدي الحكم الجمالي. الفن دوما يفرض جماله، وفي الحقيقة أ ظهر جميلا أم لا، ذلك لا يشغل بال الفنان. الفنان لا يصنع الفن لأجل المتلقي كي يفهمه أو يقدّره، الخ. قد يصنع الفن كي يفهم ذاته لكن الغير ليس في قائمة الاهتمام. ذلك أن حالة صناعة الفن تتجاوز الزمن والمكان، وكل خارجي. إنها تتصل بذات الفنان، بزخمها الروحي الخاص. فيحدث أحيانا، أو في كثير من الأحيان أن ذلك الزخم الروحي الخاص يحصل ويصل للمتلقي بطريقة ما، لا علاقة لمجهود الفنان بها، وإنما لها علاقة بجذب الروحي الخاص بكل فرد في زمن ومكان قد يبتعد أو يقترب إلى شكل فني حسي يحمل ما يكفي من الطاقة الميتافيزيقية في موضوعه قد تصل إلى المتلقي.
إذن فالفن نافدة روحية، لكنها ليست للجميع. هنالك شيء من الروح المطلقة التي تميز الفن الإنساني(أو الجميل) عن الطبيعي- كما عبر هيغل-. على الرغم، تزال هنالك نسبية روحية متجاهلة تخص المتلقي. أي أنه ليس بالضروري ملامسة الروحي في الفن و رغم ذلك يمكن اعتباره جميلا.. كما أنه من الممكن ملامسته بمعزل عن صانع الفن؛ كأن يوقظ الفن في المتلقي شيء روحي أو مشاعري بالصدفة أو من زاوية مختلفة... كما قد يقصد فن الفنان روحانية متلقي استثنائي يصادف أنه والفنان قد شاركا نفس التجربة الروحية أو الفكرية أو الشعورية المعبر عنها، وذلك سواء كان في المرحلة الرمزية أم الكلاسيكية أم الرومنسية.. أم مرحلة لم توجد بعد!

لأجل هذا، فالتبجيل من للمرحلة الرومانسية-المسيحية الموجودة بفلسفة هيغل لا تستحق تقديري. ما يبدو لي شخصيا، أن الفلاسفة الجديين والموضوعيين دوما ما يثبت أنهم عكس ذلك؛ منحازين ويخشون هدم أفكارهم المثالية وأفكار ثقافتهم.. وكل فكرة تبدو ضحمة أو ورائها كدّ فكري. على العكس مع الفلاسفة التي تتسم فلسفتهم بالفن وبالشعر والتناقض والذاتية... أو حكماء الشرق... أ لاحظ دوما أن الحقيقة ليست بكم الأفكار وعناء الوصول لها، خاصة منها التي تطلق الأحكام... بل الحقيقة تتجول بهدوء وبساطة.. تبدو صادقة و ترمي بسهامها للمتلقي المناسب. قد تكون في بساطة طقس ديني ما يردد كلمة ما! أو على شفتي عجوز بطيء النطق!... يجب أن يعلم المثقفون والعلماء الآن خطورة مستواهم الروحي المتدني. يجب أن يفرغ المتلقي كوب الشاي الخاص به حتى يمكن سكب له المزيد، غير ذلك ستحصل فوضى، أو فيضان فكري، لا قيمة له لو أردنا الحكم.
لقد كبرت وأغنية صباح "عالبساطة" عالقة بسمعي منذ الصغر. حكمتها الروحية أثرت فيّ على شكل علاقة فنان بمتلقي صادف حكمة من زاوية مختلفة تماما. لكنها كانت تحوي مضمون يبدو مختلف!.. فعلى الرغم، وأنا اتأمل علاقتي بذلك الفن وكيف لامسني، أجدني أثق في أطروحتي التي أقدم الآن، وأرى فيها الصدق. وذلك أنني لا أنطلق من قراءة التاريخ أو الفلسفة أو حتى الفن... ذلك أنني أعايش حكمتي وحقيقتي قبل أن أثق بها. وهذه حسب ما اتذكر هي الحكمة المستنتجة من أخر خطاب كتبت، والتي لم يلامسها أحد من قرائي بكل أسف؛ أن يعايش المرء قبل أن يحكم.
يبدو لي أن كل مؤمن بروحانية الفن هو يستحق التقدير على محاولة ربما لصناعة شيء روحاني. ذلك أنني بصراحة لست مهتما بتقييم و اعطاء رأي حول من يستحق لقب الفنان. الفن متجاوز لذلك. ومن يلامسني كفنان روحي بوصفي متلقي قد لا يناسب عدد لا يحصى غيري. إذن ميدان الفن ميدان نسبي في حقيقته وجماليته أكثر من غيره من الميادين على ما يبدو. بالتالي ف لقب الفنان الذي لقبت به في المدرسة وأنا أرسم في رؤوس أكبر من أجساد ليس موقف يدعي السخرية. الشيء الوحيد الذي قد أكون تناسيته في طرحي؛ أنه من الممكن أن تلك الصفة التي تجعل من الفنان يرغب لا شعوريا في إنتاج شيء محسوس يعرف أنه يحوي شيء ذاتي وروحي قد يصل إلى المتلقي؛ هي صفة خاصة لنخبة من الناس متمكنين أكثر من غيرهم.
بل أكثر من هذا، لدي حدس، وهو حدس عظيم! وهو أن هؤلاء النخبة متلقين نخبة كذلك. بمعنى أنهم يأخذون من الفن ويلامسهم أكثر من غيرهم، سواء كانوا متدينين أو فلاسفة. لكنه مجرد حدس. أظن أن الإقرار بهذا شيء لا استطيع معرفته لحدود الآن. أو لا زلت لم أعايشه بحكمة. لكن هل بمقدوري معايشته يوما؟ تلك هي المشكل اللاحقة...
رغم محاولة نقدي الفلسفية الضمنية، فإن معرفتي بهذا العلم، أي الإستيطيقا، ليست كبيرا. ربما قد يحتاج دراستها راغب بلقب فنان أو بالفوز في المسابقات أو بدكتورا في علم الجمال، الخ.. من أشكال الحداثة. برأيي هو مبحث صعب ويطرح اسئلة فلسفية متشعبة تنتظر من يجيب عنها. على الرغم، فما يؤول إليه وضع الفن الآن يمكن تشبيهه بالاحتضار. حتى بالنسبة إلى أحدث الفنون، السينما. لأجل هذا ربما قد نحتاج إلى إعادة اعتبار لهذا المجال.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي