|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
حاتم الجوهرى
2024 / 9 / 11
مع الإعلان عن عمليات عسكرية موسعة لجيش الاحتلال "الإسرائيلي" في الضفة الغربية نهاية أغسطس، واقتحام جنين وطولكرم وطوباس، وتصاعد المواجهات وعمليات المقاومة من جانب الفلسطينيين قرب مستوطنات مدينة الخليل بالجنوب ومخيم جنين نفسه، يتسائل البعض عن المسار الذي يمكن أن تذهب إليه الأمور، فيرشح البعض احتمالات انفجار الضفة مدفوعة برغبة محمومة من اليمين المتطرف، ووزرائه في حكومة الاحتلال بإشعال المزيد من الحرائق، وإيقاظ الدوافع القديمة بضم أرض الضفة الغربية إلى نطاق سلطة الاحتلال.
في البداية يجب الإشارة إلى أن تغير موقف الضفة مؤخرا، يرجع لعدة عوامل منها زيادة هجمات المستوطنين الصهاينة على سكان الضفة من الفلسطينيين، وإلى مطالبة حركة الحماس برفع وتيرة المقاومة وعملياتها في الضفة مع استمرار حرب الإبادة لمدة قاربت العام، وفي الوقت نفسه الذي استنفذ نتانياهو وجيش الاحتلال معظم فرص الحركة على بقية الجبهات، في غزة وفي لبنان وسوريا/ إيران ومصر، بما يجعل الرغبة الصهيونية المحمومة في الانتقام لا تجد لها متنفسا، سوى الجبهة الوحيدة التي ما تزال مفتوحة أمام جيش الاحتلال، أي الضفة الغربية.
وربما لكي نصل إلى فهم أفضل لاحتمالات التصعيد في الضفة الغربية علينا أن ندرس السلوك العسكري أو الجيوعسكري لجيش الاحتلال على الجبهات الأخرى لحرب غزة طيلة الفترة الماضية، ليجد الباحث المدقق أن هناك نمطا واضحا يتكرر بالفعل لجيش الاحتلال على معظم الجبهات التي عمل عليها طوال فترة الحرب.
يقوم هذا النمط على جس النبض والخلخلة السياسية ثم التصعيد العسكري وصولا إلى نقطة التوزان أو حافة الهاوية، ثم تصل الأمور إلى نقطة الهدوء أو تسكين الجبهة وتوازنها، ويمكن أن نجد هذا النمط في جبهة غزة حيث قام جيش الاحتلال بدك الشمال والوسط والجنوب، وحين لم يجد شيئا لقصفه وفشل في تحقيق أهدافه بالجبهة وزادات الضغوط الدولية عليه، بدأت جبهة غزة في الهدوء النسبي، واتجه نتانياهو وجيش الاحتلال في التصعيد على جبهة أخرى.
فمثلا حادث قصف القنصلية في سوريا كان ذروة الاستفزاز للجبهة الإيرانية ودفع إيران للرد في تراشق شهر إبرايل 2024م الشهير، الذي أنتج توازنا محسوبا في قواعد الاشباك بين الطرفين، حتى كسرته "إسرائيل" مجددا باغتيال إسماعيل هنية وجعل إيران تملك حجة مؤجلة وكامنة لضربها وإحداث التوازن مجددا.
والأمر نفسه حدث مع جبهة حزب الله في لبنان وصولا إلى ذروة التصعيد باغتيال فؤاد شكر، ثم تهديد حزب الله بالرد القوي وانتظار "إسرائيل" للرد، وصولا إلى اليوم المنتظر حيث قام جيش الاحتلال بعملية إجهاض لرد حزب الله في يوم 25 أغسطس، ليعلن جيش الاحتلال عن عدم رغبته في المزيد من التصعيد إذا رضى حزب الله بنتيجة رده، لنصل إلى قواعد اشتباك جديدة وردع متبادل ونقطة توزان لجبهة لبنان.
وعلى الجبهة المصرية ومعركة رفح العسكرية ناور نتانياهو كثيرا لينفذ العملية بالقرب من الحدود المصرية، وصولا إلى الصراع للتواجد الدائم على معبر رفح ومحور صلاح الدين/ فيلادلفيا، بما يكسر بروتوكولات اتفاقبة السلام والملاحق التابعة لها، إلى أن قررت مصر حضور رئيس الأركان المصري بنفسه إلى السياج الحدودي من الجانب المصري، مؤكدا على وجهة النظر المصرية ومتفقدا الجاهزية القتالية للقوات المصرية العاملة هناك، وصولا إلى ما يشبه نهاية الشد والجذب المصري مع تواتر الأخبار عن حادث دهس لجنود من جيش الاحتلال على الحدود بين البلدين، فيما يبدو ذروة الجبهة المصرية ومحاولة نتانياهو خلخلتها.
وهكذا يبدو النمط الجيوعسكري لجيش الاحتلال ونتانياهو واضحا في جبهات القتال المتعددة، في غزة مع المقاومة الفلسطينية وحماس، وفي سوريا مع إيران، وفي لبنان مع حزب الله، وفي رفح ومحور صلاح الدين/ فيلادلفيا مع مصر.
من ثم يبدو النمط الجيوعسكري لجيش الاحتلال واضحا، بما يشي أن الأمر نفسه قد يتكرر في جبهة الضفة الغربية ويضغط جيش الاحتلال سعيا لمحاولة الانتقام النفسي و"استرداد المكانة" من خلال التحركات العسكرية في الضفة الغربية، بصفتها الجبهة شبه الوحيدة التي ماتزال متاحة أمام جيش الاحتلال ليتحرك فيها، وصولا لتوزان ما لكن الضفة بطبيعتها الخاصة ستختلف حال انفجارها عن الجبهة المصرية واللبنانية والإيرانية وستكون أقرب لجبهة غزة، بما يوحي أننا قد نشهد مواجهة صعبة على الفلسطينيين في الضفة حتى يمكن الوصول لنقطة توزان بينهم وبين جيش الاحتلال.
من وجهة نظر استراتيجية يماطل نتانياهو على كافة الجبهات تحينا لوصول دونالد ترامب للسلطة في أمريكا، خاصة في ظل تصريح ترامب مؤخرا بأن "مساحة إسرائيل صغيرة وينبغي توسيعها"! في رسالة بأنه ينتصر لسياسات نتانياهو التوسعية وربما يسعى لتنفيذ صفقة القرن في صورتها وتصوراتها الأصلية، التي كان قد طرحها في فترة ولايته الأولى.
لذا يرى بعض المراقبين أن نتانياهو لن يوقع اتفاقية لإتهاء الحرب وعودة الأسرى والمحتجزين، وأن الدور ربما يكون على جبهة الضفة الغربية التي يسعى اليمين المتطرف ووزرائه لإشعالها (خاصة مع التصريحات والممارسات التي تتعلق بالمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي)، وأنه على الدبلوماسية العربية أن تكثف من جهودها وضغوطها عبر المنظمات الدولية لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية (محكمة العدل- المحكمة الجنائية)، وإدانة دولة الاحتلال بوصفها نظاما عنصريا بامتياز.