ضرورة نشر التوعية الاقتصادية في المجتمع العربي

محمد رضا عباس
2024 / 9 / 9

أتذكر ابان الوحدة العربية التي تشكلت بين مصر وسوريا , ان شكري القوتلي , الرئيس السوري آنذاك , قال لجمال عبد الناصر , رئيس مصر, اني سأعطيك شعب حتى كناسه سياسي . شكري كان محقا , لقد اثبت التاريخ ان العرب مولعون بالسياسة , ولكن مع قليل في فهم الاقتصاد. منذ الخمسينيات القرن الماضي خرجت تظاهرات شعبية لا تعد ولا تحصى في الوطن العربي , اغلبها كانت تحمل شعارات سياسية ومن النادر تتطرق الى الاقتصاد الذي يؤثر على دقائق حياتهم اليومية.
ولو درسنا اسباب جميع التظاهرات التي خرجت الى الساحة العربية لوجدت ان أساسها هو اقتصادي. حتى الانقلابات العسكرية التي ظهرت في الوطن العربي كان اغلب قادتها يدعون انهم جاءوا من اجل الإصلاح الاقتصادي واسعاد وترفيه المواطن الفقير.
ما أهمية التوعية الاقتصادية للمواطن ؟ كثيرة جدا . الاقتصاد يؤثر على المواطن من ساعة ولادته الى ساعة وفاته , ومن ساعة استيقاظه من النوم حتى ذهابه الى فراش نومه. ولو فهم المواطن العربي أهمية الاقتصاد له لما قبل بأغلب حكامه الذين خذلوه . فهم الاقتصاد يعني للعائلة أي مدرسة جيدة لهم ولأطفالهم , ويعني للطالب أي نوع من الملابس يطالب والديه بشرائها , ويعني للطالب أي اختصاص سيختاره عندما يتخرج من الإعدادية . والاقتصاد يعني للعامل أي قطاع سيعمل به بدون خوف من التسريح من العمل , وللصناعي ما نوع الصناعة التي سوف تجد سوقا رائجة لمنتجاته وما هو مستقبلها ؟ والاقتصاد للفلاح يعني نوع المحصول الذي سينتجه في الموسم القادم . والاقتصاد يعطي مؤشر لعامة الشعب عن المستوى المعاشي الحاضر والمستقبل لهم , وحالة الاقتصاد تأشر مدى نجاح القادة السياسيين في إدارة البلد . القائمة تطول , ولكن الحقيقة ان الاقتصاد هو كل شيء في حياة الوطن والمجتمع . فعندما كبلت الأمم المتحدة العراق بالحصار الاقتصادي بعد احتلاله دولة الكويت مات اطفاله وكبار سنه من الجوع او قلة الدواء , وتدهورت قيمة الدينار العراقي , وارتفع التضخم المالي الى نسبة لم تشهده المنطقة من قبل , و تبخرت فرص العمل امام مواطنيه .
اذن , فهم الاقتصاد اصبح ملزما لكل الأمم حتى لا يقع أبنائها في محنة 12 عاما كما حدث للعراق. هذا وان الحصار الاقتصادي الذي ضرب على العراق ودمر شعبه يجب فهمه من قبل الشعوب العربية او الشعوب التي يعتمد اقتصادها على بيع سلعة معينة , وفي الوطن العربي النفط . ان شعوب هذه البضاعة يجب ان تفهم وتتعرف ليس على حجم اقتصادها المحلي وانما فهم الاقتصاد العالمي ايضا, لان تراجع اقتصادي في الدول المستوردة للنفط يعني تراجع استيرادها من هذه البضاعة , وبالتالي تأثر سلبا على الاقتصاد المحلي. هذه الحالة مرت بالدول النفطية في منتصف عام 2014 عندما تراجع سعر برميل النفط الى اقل من عشرة دولارات , الامر الذي أدى ببعض الدول المصدرة للنفط الاقتراض من اجل دفع رواتب عمالها وموظفيها.
حصلت الدول العربية على استقلالها على سنوات متفاوتة , ولكن مجتمعها على الاجمال كان فقيرا ولم تظهر عوائل غنية كبيرة , واذا وجدت مثل هذه العوائل فان اغلبها كانت تتعامل في التجارة الخارجية , الامر الذي دعا الحكومات الى الاستثمار في البنى التحتية مثل المطارات , الموانئ , الجسور, الطرق العامة , المستشفيات , الجامعات والمعاهد العلمية , وحتى الدخول في الإنتاج الزراعي والصناعي . هذه الحالة شاهدها العراق وسوريا ومصر والجزائر تحت عنوان الاشتراكية .
امام الضغط الاقتصادي ( فشل المشاريع الاقتصادية) خرجت جميع الدول من الاشتراكية تحت عنوان " الخصخصة", أي بيع المشاريع غير استراتيجية الى المواطنين وغير المواطنين , مما خلق موجة غضب من بعض انصار " الاشتراكية". وبالحقيقة ان ما شاهدته الدول العربية لم يكن " نظام اشتراكي", وانما " اشتراكية دولة " اقتضت السياسة في وقتها الى تبنيها . على كل حال , اعتبر التحول الى الخصخصة نوع من زيادة الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء , حيث من خلال هذا التوجه سيكون الغني اكثر ثروة والفقير اكثر تعسا.
احد أعمدة النظام الرأسمالي , النظام المعتمد الان في معظم الدول العربية , هو تعظيم الأرباح ( Profit Maximization) . لقد فهم المواطن العربي (بفضل محاضرات القوى اليسارية ) ان تعظيم أرباح الشركات يأتي على حساب المواطن . أي افقار الطبقة العاملة من اجل زيادة أرباح رجل الاعمال , وهذا غير صحيح. ان مفهوم تعاظم الأرباح في المفهوم الرأسمالي ليس على حساب الطبقة العاملة ولا على حساب المستهلكين ( المشترين) , وانما يعني استخدام امثل طرق الإنتاج لتقليص كلفة انتاجه وزيادة ربح الشركة . هذا هو السبب في اجتهاد الشركات العالمية في تحديث وسائل الإنتاج والانتاج نفسه الى درجة تجد سلع جديدة مطروحة في الأسواق كل عام . هناك منافسة في الأسعار ومن لم يستطع المنافسة يخرج من السوق مدحورا .
مبدئ تعاظم الأرباح يشمل جميع المرافق الاقتصادية حتى التي كانت تحت إدارة الدولة . ولكن عندما أصبح العائد من هذه المشاريع اقل كلفها , اضطرت الحكومات الى بيعها الى المستثمرين الداخل والخارج . ليس هذا فحسب وانما ظهرت شركات عالمية مختصة في إدارة الموانئ والمطارة والمستشفيات والخزن والنقل والزراعة والصناعة , وان هذه الشركات على الاستعداد من تحويل المشاريع الفاشلة او المتلكئة الى مشاريع ناجحة قادرة على المنافسة . وسوف لن ندهش ان تقوم شركة هندية بإدارة ميناء في الولايات المتحدة الامريكية او سكك حديدية في شيلي . مثال اخر وهو ان شركة ساباك السعودية اصبح عملها خارج السعودية اكبر من عملها في داخلها , حيث ان الشركة استحوذت على قطاع البتروكيمياويات في شركة DMSفي اروبا وهي شركة تملك مواقع صناعية في هولندا وألمانيا والمملكة المتحدة. الشركة استحوذت على شركة هانتسمان بتركيميكالز في المملكة المتحدة وامتلكت قطاع الصناعات البلاستيكية التابعة لشركة جنرال موتورز الامريكية .
هذا ينطبق على جمهورية مصر العربية التي سمحت للكثير من الشركات العالمية ( عربية واجنبية) بإدارة الكثير من المرافق الاقتصادية فيه . وطبعا , وحسب الطريقة العربية , لم يجني عبد الفتاح السيسي من هذا التوجه الا السب والشتم لأنه يبيع بلده في " سوق الخردة " .
وبالحقيقة ان الاثنين على خطا , الحكومة المصرية و منتقدي السيد السيسي . تذكر ان التحولات " الاشتراكية " في الدول العربية صاحبتها دعاية إعلامية طالت 30 عاما. الإذاعة والتلفزيون يتحدثان عن أهميتها , الجامعات وضعت مناهجها الاقتصادية وفق الفهم الاشتراكي ,وخرجت الملايين من الطلاب لا يفهمون الا ان الدولة يجب ان تسيير الاقتصاد الوطني , والأحزاب اليسارية ( كرها بالرأسمالية ) تثقف أنصارها على ان الاشتراكية الطريق الوحيد نحو السعادة وارفاه . عندما انتقلت " اشتراكية الدولة " الى " الخصخصة" لم يصاحبها نفس قوة الاعلام الذي صاحب الأول , وبذلك ظهرت حالة من القلق بين أبناء الشعب و تصف عمل الشركات العالمية في بلدانها بانها حالة خيانة للامة و بيع الوطن للأجنبي .
هذا ما يجري الان في العراق , حيث ان الكثير من اللغط ظهر على مواقع غير رسمية تتهم الحكومة العراقية بيع الموانئ العراقية الى دولة الامارات العربية , والحقيقة هي ليس بيعا وانما إدارة بعض المرافق من قبل إدارة غير عراقية لهذه المؤسسة العريقة . اعتقد ان الحكومة العراقية حسنا فعلت بإدخال الشركات غير عراقية من اجل إدارة بعض المشاريع , حيث يبدوا ان بعض مدراء هذه المشاريع لا يحسنون إدارة مدرسة ابتدائية . السوق فرض على الأمم ان يكون الدولار فوق سيادتها , فما كان خط احمر في السنوات القليلة الماضية تحول الى خط اخضر من اجل الدولار .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي