مراجة ودراسة لشخصيات أنمي -Monster-.

رابعة خضر الخطيب
2024 / 9 / 5

الفكرة الأساسية لأنمي monster برأيي هي ليست تتمحور بشكل أساسي حول العدمية والعبثية ونزعات التدمير والقسوة وعدم التعاطف، بل يتمحور الأنميشن بشكل أساسي حول فكرة التربية أو دور التربية في خلق الأشخاص وطرق التربية المعتمدة في الطفولة أو الصدمات التي يعاني منها الأشخاص في طفولتهم، والتي يمكن لها أن تخلق منهم وحوش، بلا تعاطف، أشخاص لا يعترفون بالقيم الاجتماعية السائدة.
يعالج هذا الأنميشن الكثير من المسائل الأخلاقية، مشروعية القتل،العدالة والمساواة، الحياة والموت، الطفولة والأبوة، العهر، الطبقات الاجتماعية، أخلاقيات الطبيب، وأهم شيء التطرق بشكل مكرر للحدود الفاصلة بين الخير والشر والأهم من كل ذلك التطرق لمسألة الهوية لأن هوية الانسان مرتبطة ارتباط وثيق بفكرة وجوده ومن جهة ثانية الأمر المرتبط بشكل وثيق بالهوية والذي هو الاسم، هل يمكن أن يوجد شخص في الحياة الانسانية والاجتماعية من دون اسم، أم سيظل مجرد شبح هامشي غير موجود؟

سأتحدث عن أهم الشخصيات في الأنميشن بالتدريج:

شخصية يوهان، هي شخصية الوحش الذي أرهب ألمانيا بأكملها ودول الجوار.
يوهان في أغلب اللقطات التي ظهر فيها كان صامتًا، يوهان هو الوحش الذي بلا اسم الذي في قصة وحش بلا اسم والتي ألّفها فرانز بونابارتا.
بسبب كون الهدف من وجود يوهان وأخته التوأم نينا/أنّا هو تجربة غير أخلاقية قام بها مجموعة من السياسيين والباحثين حيث يقومون بجمع الأطفال وممارسة العنف والقسوة عليهم مع محاولتهم غسل أدمغتهم وتلقينهم أفكار تدميرية وعدمية هادفين من ذلك على حسب تعبيرهم صناعة "انسان متفوق".
وعندما اكتشفت والدة التوأمين أن أطفالها في خطر ابتعدت عن الأنظار واختبأت وصارت تجعل يوهان يلبس من ملابس أخته التوأم نينا بالاضافة إلى وضعه لباروكة مثل شعر أخته، وربت الأثنين كشخص واحد وهو نينا، لذلك لم يكن يوهان يشعر بهويته، كان متماهيا تمامًا مع أنا، كان يشعر أنه هي. في آخر الحلقات نكتشف أن آنا هي التي اختيرت من قبل بونابارتا وخضعت للتجربة وعندما عادت للمنزل قصت كل شيء على أخوها يوهان، أما بالنسبة ليوهان فقد احتفظ بتلك الذكريات كأنه هو من أجريت عليه التجربة، حتى أن آنا جرحت يدها بالشوك وكان هو يشعر بألم الشوك. يوهان الشخص الذي بلا اسم تم تربيته على أنه آنا وهو ليس آنا.
فيما بعد عاش يوهان في ميتم كيندرهايم ٥١١ والذي أنشأه بونابارتا حيث يتم فيه معاملة الأطفال بقسوة وجعلهم وحوش بلا رحمة، ما أدى إلى قتل جميع من في الميتم لبعضهم البعض بما في ذلك الأطفال والعاملين فيه.
على عكس ما وصف يوهان بأنه شخص هادئ ومثالي أنا أراه شخصية مضطربة، وتعاني من الغضب والصدمة من قسوة العالم واستدللت على ذلك من خلال عدة مشاهد، مشهد الصراخ وفقدانه الوعي بعد وقوع قصة بونابارتا بالمصادفة بين يديه، وعندما بكى لسماعه قصة أبن أحد أثرياء ألمانيا الذي لا يعرف اسمه الحقيقي وعاش متنقلا كيوهان من الميتم إلى عدة عائلات في التبتي.
ومشهد اخبار يوهان للطفل ميلوش كلمات لأكبر من سنه، سائلا أيه هل أتيت لأن أحد ما يريدك، ألا تتساءل أنهم لا يردونك وقد تخلو عنك، وكأنه في هذه الكلمات يتحدث مع نفسه وإلى نفسه، حيث ظهر في الحلقة الأخيرة من الأنمي أن أم التوأمين قد وافقت على التخلي عن أحد التوأمين لاجراء التجارب عليه، وفي ذاك اليوم كان التوأمين متشابهين لأن يوهان كان يلبس باروكة وملابس نينا، والسؤال المطروح أي التوأمين الذي قررت الأم التخلي عنه، هل أخطأت عندما أعطتهم آنا أم أعطتهم آنا ظنًا منها أنها يوهان، وهذا ربما أحد أكبر أسباب الصراع الداخلي، هل يشعر يوهان بالذنب لأن أخته التي تم اختيارها أم بالحقد على والدته لأنها قد تكون أرادت التخلي عنه هو؟
هل يوهان خالٍ من التعاطف حقًا وبشكل قطعي؟
لماذا قتل المحقق ريتشارد بعد كشفه لحقيقة أم المحقق هذا قد أعدم مجرم متسلسل لا يتجاوز عمره السابعة عشرة وهو احد أطفال ميتم كيندرهايم؟ ألا يتعاطف مع الطفل خصوصا الحوار في المشهد كان عن حقوق الطفل المتفق عليها عالميا.
حتى أنمي شعرت أن يوهان لم يرغب بقتل غريمر لو لم يراه، وكان قد ساعد روبيرت وجعله مساعد له.
لم تظهر الحلقة الأخيرة نهاية واضحة ليوهان، انتهى الأنميشن مع سرير فارغ في المستشفى فهل عاد يوهان للحياة بعد أن أخبره تينما أنه يملك أسمًا وبالتالي شخصية يوهان تلاشت واضمحلت لأنها من الأصل غير موجودة، لذلك السرير الفارغ يعني أن يوهان قد مات وأن هنالك شخص آخر الآن موجود وباسم آخر؟

ثاني شخصية هي تينما والذي يعد الشخصية الثانية بعد يوهان بالشخصيات الرئيسية إلا أنه الأكثر ظهورا وارتباطا بيوهان.
تينما شخص محب للعدالة ومخلص لمهتنه من الناحية العملية والأخلاقية إذ أنه يؤمن بقيم معينة ويطبقها، ويقوم بمعاملة المرضى وفقًا لأخلاقيات الطبيب التي درسها.
تبدأ حياة الطبيب تينما بالتغير منذ أن تفاجأ بمرأة تركية تضربه لأن المشفى أعطى الأولية لأحد الأشخاص ذوي السلطة والنفوذ وتركهم زوجها ليموت.
وثاني حدث وهو الأهم حين يتم إعطاء الأولوية لعمدة البلدة على طفل في حالة حرجة ويحتاج تدخل سريع، وذلك الطفل هو يوهان.
تينما يؤمن بأن حيوات الناس متساوية لكن منذ اللحظة التي اكتشف فيها أنه قد أنقذ الوحش بدأ تينما يعاني من الصراع حول قيمه التي يؤمن بها.
هل من الصحيح أن يشعر بالندم لأنقاذه قاتل متسلسل بلا رحمة؟ مما يجعله يعيد السؤال هل على الطبيب عندما يأتي إليه المريض أن يعالجه كون طيب أم شرير، على الطبيب أن يسأل قبل أن يعالج مرضاه عن كونهم أخيارًا أم أشرارًا. فإذا كان يؤمن أن حيوات الناس متساوية في هذع الحال قتله ليوهان سيثبت نظرية يوهان في تساوي الناس في الموت وسيدحض ما يؤمن هو به أن الجميع يستحقون العيش، لأن إذا قتل الوحش ثيثبت أن هنالك أناس لا يجب معالجتهم وأن هنالك أناس يجب أن يموتوا ولا يستحقون الحياة.
لكن في نهاية الأنميشن يعود تينما لمساعدة يوهان ولا يقوم بقتله هل المخرج يريد اخبارنا أن جميع الناس يستحقون العيش؟

الآن سأتحدث عن شخصية غريمر وهو أحد العينات في ميتم كيندرهايم ٥١١، يبدو للجميع كشخص مسالم يبتسم دائما ويحب الأطفال لكن كل ذلك كان محاولة لتعويض عدم حزنه على ولده الذي مات، لأن خريجين ميتم كيندرهايم أشخاص بلا مشاعر فقدو القدرة على السعادة والحزن والحب والتواصل.
لنكتشف أن ابتسامته مصطنعة.
أجمل مقطعين برأيي ظهرت فيهما شخصية غريمر المقطع الذي ظهر فيه وهو ينقذ الطفل ميلوش من الانتحار فراح يبكي خائفًا إذ كانت أول خطوة لاستعادة مشاعره التي فقدها، أما المقطع الآخر وهو المشهد الذي كان يحتضر فيقول للدكتور تينما أنه حزين وحزنه ذاك يجعله سعيدًا، لم يكن يشعر بانسانيته بدون مشاعره، قدرته على الحزن جعلته يرتاح.
يعاني غريمر من الشيزوفرينيا إذ أنه قد يتحول إلى وحش عند غضبه أو شعوره بالخطر وهذا كله مرتبط بأحداث طفولته ومشاهدته للمدهش ستاينر على التفاز في الميتم.

شخصية "لونغي" وهو المحقق في قضية جرائم القتل المتسلسلة التي تظهر وجود مجرم واحد يرتكبها. لونغي محقق مهووس بعمله كمحقق لدرجة أنه يهمل زوجته وابنته مما اضطرهما لتركه. لونغي كان دائما ينجح في كشف المجرمين لدرجة أنه أفضل محقق لحل أكثر الجرائم تعقيدًا، لذلك عندما أخطأ هذه المرة واتهم الشخص الخاطئ بالجريمة لم يسأل نفسه فيما إذا كان مخطئًا أم لا، هل أصيب بجنون العظمة؟
لكن في نهايات الأنميشن بدأ يكتشف الحقائق بالتدريج ليعتذر من الدكتور تينما لأنه عرف أنه كان على خطأ.
الذي جذبني في شخصية المحقق لونغي هو طريقته في دراسة حيثيات الجريمة، لأنها طريقة غير تقليدية إذ لا يعتمد فقط على الوقائع المادية للجريمة وإنما على الحالة النفسية للمجرم وطريقة تفكيره. كان يضع نفسه مكان المجرم متماهيا مع شخصيته حتى يساعده ذلك في استكشاف ما الخطوات القادمة التي سيخطوها المجرم، وأيضًا يساعده تقمص دور المجرم في معرفة فيما إذا كانت جريمة مرتبطة بجريمة أخرى.
لقد استخدم دوافعه الاجرامية في كشف المجرمين وتحقيق العدالة.

آخر شخصية سأتحدث عنها هي شخصية فرانز بونابارتا، والذي يملك عدة أسماء وهو عبارة عن شاعر قصصي للاطفال وهو المسؤول عن تنظيم مؤسسة لتصنيع الظلام وتجارب غسيل الأدمغة على الكثير من الأطفال الذين قد انتحر بعضهم وبعضهم الآخر قتلوا بعضهم البعض بالاضافة إلى تحول البعض الآخر لمجرمين.
الجميع في نهاية الأنمي من يوهان حتى تينما ولونغي وغريمر يتوقعون حين يلتقون بفرانز بونابارتا أنهم سيتواجهون مع وحش عنيف قاس ومجرم بلا رحمة ليكتشفوا في النهاية أنه شخص ضعيف، نادم، وأنه بشري يميل ويتغير.
لكن أهداف بونابارتا كانت استكشاف النفس البشرية، ومعرفة ما يمكن أن يحصل في حال إزالة الحدود الفاصلة بين الخير والشر. ومعرفة مدى تأثير صدمات الطفولة في خلق لا وعي الأشخاص وربما لهذا السبب تم رسم بونابارتا بشكل مطابق لصور المحلل النفسي سيغموند فرويد.

حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت