دور الإسناد الجيوثقافي في الحضور المصري بالصومال

حاتم الجوهرى
2024 / 8 / 29

(تختلف حروب القرن الحادي والعشرين ونزاعاته المعقدة والمركبة عن مثيلتها في القرن الماضي، وسيكون الانتصار حليفا للأكثر قدرة على مواكبة التطور والتكيف مع مستجدات العصر)


سنطرح في هذه المقالة مفهوما جديدا حيويا لمواكبة التطورات الحاصلة في القرن الحادي والعشرين، وهو ومفهوم "الإسناد الجيوثقافي" في النزاعات الإقليمية والعالمية تطبيقا على الحضور المصري في الصومال، فقد تكون حرب غزة والصراع لفرض السيادة على فلسطين وبسطها للمشروع الصهيوني بوصفه ممثلا للغرب، هي مركز الصراع في المنطقة، لكنها ليست التمثل الوحيد للصراع إنما تُصحب بعدة مظاهر أخرى لإضعاف الحاضنة العربية، ومراكزها ذات الثقل التاريخي وفي القلب منها مصر.

حيث تشهد المنطقة العربية وتخومها عدة تغيرات في موزاين القوى الحاكمة إقليميا ودوليا مع قرب حلول نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وبعد فترة طويلة من سياسات التفكيك وإعادة التركيب إلى هويات فرعية متناحرة عرقيا ومذهبيا ولغويا وقبائليا وطائفيا، لتناسب مفهوم الشرق الأوسط الأمريكي القائم على إزاحة المركز الجيوثقافي الصلب للمنطقة القائم على الحضارة العربية الإسلامية وعناصرها المجمعة ورموزها البارزة.
وتأتي منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا بتغيراتها على رأس تلك التخوم المجاورة للمنطقة العربية، ذات التأثير الكبير عليها، لدورها في التجارة العالمية ومشروع طريق الحرير الجديد (الحزام والطريق)، ولإطلالها على باب المندب الذي أصبح مهددا بعمليات القرصنة أو الاستهداف العسكري، وكذلك بسبب تداخل ملفات القرن الأفريقي مع ملفات حوض النيل وحالة الاستقطاب والاستعداء التي تفجرها أثيوبيا وسعيها للسيطرة على نهر النيل في مواجهة حقوق الشعب المصري التاريخية.
من ضمن التغيرات الدولية بالقرن الأفريقي؛ شهدت المنطقة عودة سياسة "المبعوث السياسي" كما فعلت أمريكا واليابان وبريطانيا والصين، وشهدت أيضا التمدد الروسي العسكري واتفاقياته في ظل سياسة "الأوراسية الجديدة" التي وضعها "ألكسندر دوجين"، والتي تعتمد على التمدد الجغرافي في مناطق النفوذ الغربي.
أما التغيرات الإقليمية بالقرن الأفريقي، فأهمها تطلع دول عدة للتمدد الجغرافي وتغيير جيوبولوتيك المنطقة، وعلى رأسها أثيوبيا التي بعد نجاحها في تنفيذ مخطط السيطرة على نهر النيل من خلال سد النهضة، والسعي لتمرير اتفاقية عنتيبي لإزاحة الحقوق التاريخية للشعب المصري في المصدر الرئيسي للمياه، اتجهت للحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، من خلال تفجير التناقضات داخل الصومال بين الحكومة المركزية و"صومالي لاند"، وتوقيع اتفاق مع الأخيرة يسمح لأثيوبيا بالوصول لمنفذ بحري.
وفي غضون انشغال مصر بالحدود الشمالية الشرقية وحرب غزة ووصولها مباشرة إلى حدودها في عملية رفح العسكرية وتبعاتها، سعت أثيوبيا للتقدم استغلالا لحالة الاستهداف والضغوط الأمريكية الغربية التي تعرضت لها مصر لتمرير أهداف أمريكا و"إسرائيل" والغرب من عملية رفح العسكرية.
ليأتي رد مصر المهم والحيوي بعقد اتفاقية دفاعية مع الصومال ووصول قوات مصرية للصومال في إطار أفريقي وفي إطار منفرد حسبما ذكرت المصادر الإعلامية.. مع ظهور رد فعل أثيوبي إعلامي عنيف رسمي وغير رسمي مهددا ومتوعدا الحضور المصري في الصومال والقرن الأفريقي، بما ينذر بان الخطوة المصرية لن تمر مرور الكرام.
وبيت القصيد هنا هو الإشارة لأهمية رد الفعل والاستجابة المصرية للتمدد الأثيوبي -في ظل حرب غزة- باتجاه البحر الأحمر، مع الإشارة لعدة محددات يكون من الحصافة والأهمية بمكان مراعاتها انطلاقا من الوعي بمفهوم "النموذج الجيوثقافي"، أو النظرية الجيوثقافية في السياسات الخارجية التي أرى أنها المحور ومصدر التفوق أو التراجع المصري والعربي، في مواجهة المشاريع الإقليمية (الأفروسنتريزم- السردية الشيعية المذهبية- العثمانية الجديدة- الصهيونية الإبراهمية)، وفي مواجهة المشاريع الدولية (تمدد الحزام والطريق- حضور الأوراسية الجديدة- تمثلات الصدام الحضاري).

وتتمثل هذا المحددات الجيوثقافية الرئيسية أو الضوابط الجيوثقافية للحضور المصري في الصومال في ثلاثة نقاط أو عناوين كبيرة يندرج تحتها الكثير من التفاصيل الممكنة، فيما يلي:

- الاستفادة من تجربة الحضور المصري العسكري في السودان:
دراسة التواجد العسكري المصري إبان الحرب الأهلية المندلعة حاليا في السودان، وكيف أن غياب الرواية الجيوثقافية الداعمة له والتي تمثل الغطاء الاستراتيجي الحقيقي له، أدت لعزلة هذا الحضور وغياب القبول الشعبي السوداني الحاضن له بدرجة كبيرة، نظرا لانتشار السردية الجيوثقافية الأثيوبية التي تروج للمكون العرقي العنصري الأفريقي ومشروع "الأفروسنتريزم"، والتي تقدم مصر والعرب والإسلام بوصفهم قوى استعمارية دخيلة على القارة السمراء، حيث فوجئت القوة الصلية المصرية ومواردها (الحضور العسكري) بغياب القوة الناعمة وسرديتها الداعمة لوجودها في الجغرافيا السودانية وفق المشترك الثقافي أو الجيوثقافي، مما أدى في النهاية إلى أن غياب القوة الناعمة الحاضنة للقوة الصلبة أدى إلى لفظ الجيوثقافية السودانية، لحضور القوة الصلبة الخاصة بالجيوثقافية المصرية، وتعذر القيام بمهمتها.
- سرعة دعم الحضور العسكري المصري الصلب في الصومال بالغطاء الناعم:
بناء سردية جيوثقافية تؤكد على المشترك الثقافي في القوة الناعمة بين البلدين، وأن تكون هناك تمثلات فعلية وواقعية لـ"مركز إدارة" لهذه السردية الجيوثقافية في القرن الأفريقي وفي أثيوبيا، لا تقل أهمية عن "مركز الإدارة والسيطرة" للقوة المصرية العسكرية بالصومال، فالحضور الصلب المصري سياتي في مواجهة سردية الأفروسنتريزم، وتمدد فرق الدين السياسي ومشروعها بالصومال، وكذلك حضور الثقافة الغربية والمسألة الأوربية المركزية التي تهمش من المشترك الثقافي الإقليمي أو المحلي، لصالح النمط الثقافي الغربي الذي طرحته العولمة، كل هذا التحديات تواجهها السردية الجيوثقافية المصرية الناعمة المطلوبة في الصومال، التي دونها سيواجه الحضور العسكري الصلب أزمة هيكيلية في قدرته على أداء دوره.
- مبدأ الهزيمة أو الانتصار ولا يوجد بينهما
سبق السيف العزل، وحسبت في السجل خطوة الحضور الصلب لقوات المصرية في الصومال، فلا يمكن التعامل معها وكأنها نزهة عسكرية أو تدريب مشترك، بل ستكون إما انتصارا للجماعة المصرية في محاولة استرداد ما لها وتفعيل مكونات "مستودع هويتها"، أو ستحسب هزيمة ومزيدا من التآكل في الحضور المصري في فضائه الجيوثقافي التاريخي.

خاتمة:
الإسناد الجيوثقافي بوصفه المقوم الأساسي
للقوة الصلبة وحضورها في القرن الحادي والعشرين

تحتاج الجماعة المصرية -والاستراتيجة المصرية ومؤسساتها- ونظرياتها العاملة في السياسات الخارجية إلى الكثير من العمل، لتردم الهوة بين القوة الصلبة والقوة الناعمة، النظرية الجيوثقافية في القرن الحادي والعشرين –التي أرى أنها لب التفوق فيه- تقوم على أن المكون الثقافي هو أساس الحضور الصلب في الفضاء الجغرافي لأي جماعة بشرية ويسبقه ويصاحبه.
حيث تعمل الثقافة والمكون المكون الجيوثقافي دور المشترك العام الجامع للأمم في لحظات الارتباك التاريخي والتحولات المفصلية للشعوب، وكلما تأخر وعي الجماعة المصرية – في فواعلها الرسمية وفواعلها الأهلية غير الرسمية- بأهمية تجسير الفجوة بين المكون الصلب والناعم، كلما زادات الاستقطابات والتناقضات الداخلية، وأصبحت سيناريوهات الحركة متأخرة ورد فعل دائما، بما قد يؤشر بمزيد من التآكل والهزيمة والخذلان.
الحضور العسكري في الصومال تجربة شديدة الدلالة والأهمية، إما سيتعامل معها البعض بطريقة البروباجندا العادية إرث القرن العشرين، وأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، أو سيعتبرها المخلصون محطة جديدة حرجة للجماعة المصرية ستخرج بعدها منتصرة بنقطة تمفصل محورية فاعلة لسردية مصرية جيوثقافية جديدة، قد تتحول إلى هزيمة وتآكل جديد إذا لم يتم رفد القوة الصلبة بالغطاء الجيوثقافي الناعم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي