قبل البداية

فوز حمزة
2024 / 8 / 18

استدارتْ الدكتورة إيمان نحو اللوح لتكتب عبارة :
ماذا قبل البداية؟.
تداركتْ بمنديل كان في يدها دمعتين سقطتا من عينيها. التفتتْ ببطء نحو الطلبة كمحاولة للخروج من حالة عدم التوازن التي شعرت بها قبل دخولها القاعة..
سألتهم بصوتٍ متحشرجٍ عن اسم الفيلسوف الذي من المقرر مناقشة أفكاره اليوم. لم تنتظر الإجابة، بل استدارتْ ثانية لتكتبَ تحت العبارة الأولى :
إيمانويل كانت.
ثم وضعت خطين تحت الاسم.
طاقة الحزن التي تملكتها استحوذتْ على ملامحها بشكل جعل الطلبة يتهامسون.
أغمضتْ عينيها ورفعت رأسها نحو السّقف لتسترجع ما حدث مساء البارحة مع زوجها أستاذ الرّياضيات وهو يحدثها بكل هدوء بأمر الانفصال!.
كان مهذبًا وهو يخبرها برغبته في بدء حياة جديدة مع امرأة تحولتْ عواطفه نحوها راجيًا لها السعادة مع رجل غيره!.
نظراته وهو يحدثها حفرت خندقًا حول قلبها:
لم أعد قادرًا، الأمر أكبر من طاقتي!.
بهذه الكلمات أنهى حديثه ليتجه إلى مكتبه تاركًا إياها تحاول استيعاب اللحظة التي قصمت ظهر الزمن.
بدت حجته سخيفة وهو يخبرها أن ردود أفعالها المتروية هي من شجعه على البوح بمكنونات نفسه،
ليست نهاية العالم انفصال اثنين فدائمًا في مكان ما ثمة بداية!.
سمعت صوتًا من آخر القاعة يسألها :
- عن أية بداية تقصدين دكتورة؟!. فكل شيء له بداية .. الليل له بداية .. البحر له بداية .. الحب له بداية .. الإنسان له بداية!.
لم تحاول وقف الهمهمة التي سرتْ بين الطلاب، أجابته :
- بداية هذا العالم، العلة الأولى.
تذكرتْ زوجها ليلة البارحة حينما أمسك يدها، بدا لطيفًا كعادته. أخبرها أنها إنسانة مميزة، لكن للقلب قوانين لا تخضع للمنطق، لهذا فضل الصّراحة لأنها أقصر الطّرق للوصول لأية نقطة.
استمعتْ إليه لتجد نفسها وسط دائرة مغلقة تشابكتْ نهايتها مع البداية.
لم ترَ الطالب المتحدث، فقط أومأتْ برأسها علامة الموافقة حين سمعته يقول:
- البداية كانت انفجارًا كونيًا عظيمًا، الحياة كانت إحدى نتائجه.
تذكرتْ حديث زوجها وهو يجيب عن سؤالها لماذا الآن اختار الانفصال، وليس قبل عام أو شهر أو ربما بعد أسبوع ؟. شعرت كأنه يتحدث في محاضرة حينما ردّ :
- في الزمن، لا فرق بين لحظة وأخرى، نحن من قسمناه لنلقي على عاتقه ما نفعل!.
حركتْ خاتم الزواج في إصبعها وتذكرت ردَّ زوجها حين سألته عن المرأة الأخرى :
- كم من الوقت مضى على علاقتكَ بها؟.
أجاب بعد فترة صمت حاول خلالها التّملص من الرّد :
- البداية قبل عامين.
- ماذا قبل البداية؟!.
- هناك أسئلة من العبث طرحها لأنها لن تنتهي ولن تكون مجدية، ستكون مضيعة للوقت ولن تغير من النّتائج شيئًا.
صوت ناعم من طالبة تجلس في الصّف الأمامي تقول :
- الخيال لايقف عند حد، لا يمكننا تجاهل سؤال آخر يطرحه العقل وهو ماذا قبل البداية ؟.
صوت طالب جاء من طرف اليمين ليكمل حديث زميلته حينما قال :
- بهذا وصف إيمانويل كانت العقل. إنه لا نهائي .. دائم البحث عن عوالم جديدة في داخلها عوالم أخرى، لا يرضى بالسكون، متيقن أنّ كل بداية تسبقها بداية!.
خرجتْ الدكتور من القاعة مسرعة، لم تستطع هذه المرة وقف شلال الدموع المنهمرة من عينيها حينما تذكرتْ آخر كلمة له بصوت واثق :
- ليس مهمًا معرفة كيف كانت البدايات، النّهايات ما يجب التّوقف عندها!.
تحتَ عراء كلماته،استسلمت للنهاية ••

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي