|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد رضا عباس
2024 / 8 / 17
تعرف العالم على مدينة الفلوجة العراقية من خلال المعارك الثلاث التي خاضها المتشددون مع الحكومة العراقية الجديدة . الأولى والثانية كانت مع عناصر القاعدة في ربيع و خريف عام 2004 , والثالثة عندما احتلها تنظيم داعش في كانون الثاني 2014 وتم تحريرها على يد القوات المسلحة العراقية عام 2016.
في حينها دبج الاعلام المعادي الكلمات الرنانة و القصائد العصماء و التبجيل للمقاتلين وللمدينة حتى اعتبرها البعض ان معركة الفلوجة سوف تقرر مستقبل " الإسلام الحقيقي" وان صمود الفلوجة مثله كمثل صمود المسلمون في وجه كفار قريش في " معركة احد ". لم ينطق الاعلام المعادي يومها عن محنة اهل الفلوجة ولا عن مستقبل أولاد الفلوجة في ظل هذه الحروب . الاعلام المعادي تحدث كثيرا عن بطولات اهل الفلوجة وعن قرب انتصارهم على " الصليبيين واليهود والروافض و الصفويين " , ولكن هذا الاعلام المعادي لم يصرف من وقته دقيقة واحدة وهو يتحدث عن معاناة اهل الفلوجة , حيث أقفلت الاعمال واضطر أهلها , اغلبهم , العيش خارج المدينة , قتل ابناءها , وتخريب بيوتها . لم يتحدث عن ذلك , وانما كان همه " الانتصار" و ان " كل شيء من اجل المعركة ". لم يكن حبهم لأهل الفلوجة وانما كرها بالتحول الجديد في العراق. سلمان العودة يدعو الله , بالقول " يا خير الناصرين , يا قوي يا عزيز , يا حي يا قيوم , انصرهم واخذل اعداءهم واطعمهم وأمن خوفهم " , وكانه يدعو على جيش ليس ابناءه من العراقيين . وهذا عبد الله الظفيري , يدعو ربه " اللهم سلم الفلوجة وحلب وبلاد المسلمين . واقصم ظهور الشيعة والفرس المعتدين . اللهم ان امهلتهم بحكمتك فلا تهملهم بنقمتك". والغريب ان العراقيون وبمساعدة الامريكان من حرر الفلوجة , ولا دخل للفرس في التحرير.
رجعت الفلوجة الى أحضان العراق , ولكن الاعلام المعادي لم يتحدث كيف رجعت الفلوجة الى أحضان الوطن وكيف تعامل أهلها مع الواقع بعد تحريرها ورجوع أهلها اليها . لقد مات الاعلام موت أصحاب القبور , وشخصيا, لم اعثر على مقال واحد من الاعلام الذي كان يمجد " الثوار" يتحدث عن حال الفلوجة بعد رجوعها الى حضن البلد . لقد مات الاعلام المعادي , ولكن اهل الفلوجة صمدوا ورجعوا الى مدينتهم التي احبتهم واحبوها .
الفلوجة جميلة بارضها وسماءها وابناءها . الفلوجة ليست كما وصفها الاعلام المعادي أيام الحرب . قبائل لا تعرف من الحياة الا القتال و ابناءها من أصحاب المكانس العريضة . الاعلام المعادي تناسى ان للفلوجة تاريخ حافل منذ القدم , أطول من تاريخ البلدان الذي خرجت منها مقالات التحريض . قبل الإسلام كانت الفلوجة نقطة مرور القوات الغازية الى وجهتها . و بعد الإسلام كانت تشكل حلقة الوصل بين بغداد وتركيا والشام . وأصبحت مكان راحة واستجمام كبار ولاة بغداد العثمانيون . المصادر تحدثت عن اعتدال هواء الفلوجة , ومراعيها الجميلة . فقد أشار احد الكتاب العثمانيين الى ذلك فقال " خرج الوالي الى الفلوجة للراحة والنزهة " , ويستمر بالقول " الفلوجة تقع غربي بغداد , على نهر الفرات , وذات هواء لطيف وهي تسع ساعات , وكان الوزير يتنقل من جانب الى اخر متمتعا بمناظرها الخلابة ولم ينسى ان يتخذ اهبته للصيد من وقت الى اخر".
الفلوجة تخرج منها الساسة و المثقفين وأساتذة الجامعات , وفوق كل هذا فان أبناء البلدة معروفون بطيب قلوبهم و حبهم للأخرين . شخصيا زرت الفلوجة واكلت في مطعم الحاج حسين , فرأيت المطعم مكتظا بالزبائن الذين يحبون الحديث مع زوار المدينة . كانت الشوارع نظيفة والأسواق مكتظة بالمتبضعين , خاصة الشارع الذي يؤدي الى العاصمة , بغداد . ابناءها وضعوا ماسي المعارك التي تورطوا بها خلف ظهورهم وفتحوا صفحة نحو الحياة والخير.
والحقيقة , لا الوم ولاة بغداد من اتخاذ مدينة الفلوجة مكان راحتهم , ولو كان الخيار لي لسكنت فيها . انها جميلة , وسوف يذهلك جمالها وانت تسير على الكورنيش شاطئ نهر الفرات . اثرياء الفلوجة يخسرون فرصة استثمارية هائلة بعدم استخدام ثروتهم في قطاع السياحة فيها . الفلوجة جميلة ومن السهولة ان تكون منتجع البغداديين وقد تكون مدينة تنافس إقليم كردستان في الشتاء اذا دخل الاستثمار لها . ومع توفر الفنادق و الأماكن الترفيهية من السهل ان تكون مزار العوائل البغدادية والمدن القريبة منها في أيام العطل الرسمية وعطل نهاية الأسبوع.
والحقيقة , ان ما يقال عن مدينة الفلوجة , يمكن ان يقال أيضا عن مدن عراقية كثيرة في وسط وجنوب العراق لان تكون مكان للراحة والاستجمام . في ديالى , الحلة , العمارة , الناصرية , و الكوت مواقع تاريخية و حضارية ودينية كثيرة و لا بد ان تستثمر من اجل جلب الزائرين لها . اعتقد ان من يزور مدينة الخالص من محافظة ديالى يعرف ما اعنيه . منطقة ساحرة مكتظة بالأشجار من كل نوع , ولا تحتاج الا الى استثمار واعلام يشجع العراقيين زيارتها . هذا ينطبق على مدينة الجبايش في الناصرية , الحويجة في كركوك , الحمزة والشامية في الديوانية , حديثة وراوه في الانبار , الرميثة في السماوة , الهاشمية في بابل , عين تمر في كربلاء , و المشخاب في النجف الاشرف.
على حضرات المحافظين لهذه المحافظات التحرك من اجل انعاش مناطقهم , و عدم انتظار صدقات الحكومة المركزية . ان الاستثمار في القطاع السياحي في العراق , يغني المحافظات الاستجداء من الحكومة المركزية , وربما تصبح هي من يوفر المال للحكومة المركزية . ان انعاش قطاع السياحة في الفلوجة وغيرها من المدن العراقية يعد طريقا لبث الروح الوطنية عند الشباب العراقي , يزيد من تماسك اللحمة بين العراقيين , مصدر عيش لألاف الشباب , وفوق كل شيء يعد انجازا وطنيا سوف يستذكره أبناء المدن للذين عملوا على تطويرها .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |