|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعيد مضيه
2024 / 8 / 14
"من المرجح أن المخططين الأمريكيين يريدون أن تظل مقاومة حماس قوة عسكرية سرية، بغض النظر عما إذ كانت الدولة الفلسطينية قد تحققت أم لا، بحيث أنه في حالة وجود تهديدات مستقبلية من غزة، يمكن للإسرائيليين ممارسة خيار’ جز العشب‘ كما يسمونه. . مع استمرار الاحتلال وبناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية، مع زيادة التوسع في أوقات ’الصراع‘ الكبير بين إسرائيل وفلسطين".تلك هي سيرورة تهويد فلسطين على مراحل بدعم مباشر من الامبريالية الدولية، والأميركية على وجه الخصوص، كما يراها الباحث الاستراتيجي الأميركي ، غرانت إنسكيب. في مقالته "أمريكا، إسرائيل – فلسطين واهداف الامبراطورية. يتنبأ ، مع غياب الضغوط الكافية على إسرائيل، بنزوح جماعي’اختياري‘ على دفعات تحت وطأة الإفقار والتهميش. كل ذلك بتواطؤ اميركي.
أميركا ترفض الدولة الفلسطينية
غيرت "الحرب" بين إسرائيل وحماس بشكل كبير مسار الشؤون الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث لم يعد السائد، منذ أيام اتفاقيات أوسلو الفاشلة في تسعينات القرن الماضي، الحديث عن دولة فلسطينية. أدى هجوم حماس، والرد اللاحق من جانب القوات الإسرائيلية بتدميرها لغزة، إلى خلق نافذة من الفرص السياسية، فضلاً عن الضرورة المحتملة، لبعض الجهات الفاعلة في المنطقة. لكل حكومة أهدافها الإستراتيجية الخاصة بها؛ إما أن تعمل على استغلال الفرص السانحة لتحقيقها أو تعمل على خلق مثل هذه الفرص لاستغلالها. من المرجح أن تظهر أهداف حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) أنها قادرة على ضرب إسرائيل بهجوم مباشر مدمر، مما يحرج جيش الدفاع الإسرائيلي عسكرياً، فضلاً عن احتجاز الرهائن من أجل إطلاق سراح السجناء المهمين المحتجزين في إسرائيل.
كانت لدى حماس أيضاً دوافع خفية للفوز في حرب دعاية من خلال معاملة رهائنها بشكل يمكن التحقق منه بشكل جيد، في حين أن القوات الإسرائيلية معروفة جيداً بمعاملتها الوحشية للسجناء الفلسطينيين. إذا تمكنت حماس من النجاة من الحرب، فسوف تفعل ذلك (تزعم إسرائيل أنها قتلت حوالي 12 ألفًا من مقاتلي حماس، ويقدر الخبراء العدد الحقيقي بما يتراوح بين 6 و7 آلاف، وكان لدى حماس أكثر من 40 ألف جندي قبل هذه الحرب، ويوجد الآن عدد أكبر بكثير من الشباب الغاضبين، لرجال تحولوا إلى التطرف بسبب خطط الحرب الإسرائيلية وإرهابها وانضموا لقضيتهم) . نظرا لكون القضاء على مجموعة كهذه أقرب إلى المستحيل، فمن ثم سوف يعلنون النصر بغض النظر عن النتيجة. ومن وجهة نظر معينة، كذلك، إذا أدت هذه الحرب في النهاية إلى إنشاء دولة فلسطينية، ولحماس مقعد على الطاولة في غزة/فلسطين (عرضوا نزع سلاحهم إذا تم تنفيذ حل الدولتين، تنازل ضخم )، وهو أمر غير مضمون ولا حتى محتملا بأي حال (تريد الولايات المتحدة وإسرائيل سلطة فلسطينية أجريت عليها إصلاحات تقود غزة) لكنه ممكن مع ذلك، وبعد ذلك سيُنظر إليه أيضًا انتصارًا استراتيجيًا كبيرًا نظرًا لواقع القيود الصارمة والجهود الأمريكية والإسرائيلية لمنع قيام مثل هذه الدولة مع الاستمرار في صراع عسكري دائم وتطهير عرقي بطيء الحركة على أمل سرقة جميع الأراضي الفلسطينية في يوم من الأيام.
تصفيةعلى مراحل ، مثل السكان الأصليين في أميركا
فقرتان استخلص بهما الكاتب استراتيجيا التحالف الامبريالي بالمنطقة وكشفه للعموم. يؤخذ عليه بناء استنتاجه على فرضية استمرار الانفراد الأميركي في السيطرة على المنطقة ، ويغفل بذلك دور الدول الطامحة لفرض تظام دولي جديد وموقف الجنوب العالمي المؤيد بحرارة لقضية الشعب الفلسطيني. يحذر الكاتب من الوقوع ثانية في شرك الوساطة الأميركية والحلول "المؤقتة" الأميركية ، فيقول الكانب :
احتمال يناقشه مسؤولون من واشنطن ولندن إلى القاهرة والدوحة، وهو قوة "حفظ سلام" دولية (المعروفة أيضاً بالاحتلال) في غزة، مقدمة من الدول العربية المدعومة من الغرب/إسرائيل مثل البحرين والأردن والمغرب وغيرها. مما لا شك فيه أن الفلسطينيين سوف ينظرون إلى هذه القوى على أنها مرتزقة أميركيون وإسرائيليون، مثلما يُنظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها دمية غربية. سوف تنمو المقاومة وتقوى، وسوف نعود إلى ما كنا عليه قبل انسحاب الاستيطان الإسرائيلي عام 2005 وسيطرة حماس على غزة في الفترة من 2006 إلى 2007. حيث تحتل إسرائيل غزة بشكل مباشر عبر وكلاء على الأرض، وليس بشكل غير مباشر كما رأينا في العقدين الماضيين. سنعود بعد ذلك مباشرة إلى ما نحن عليه الآن في غضون بضع سنوات أخرى إلى عقد أو عقدين حيث تذبح دولة اسرائيل غزة وتشرد سكانها بكميات أعظم، والاستيلاء على المزيد من الأراضي ذات القيمة النفيسة في نظرهم ومعهم نظام الاحتكارات الأمريكية. من المرجح أن المخططين الأمريكيين يريدون أن تظل مقاومة حماس قوة عسكرية سرية، بغض النظر عما إذا كانت الدولة الفلسطينية قد تحققت أم لا، بحيث أنه في حالة وجود تهديدات مستقبلية من غزة، يمكن للإسرائيليين ممارسة خيار "جز العشب" كما يسمونه، مع استمرار الاحتلال وبناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية، مع زيادة التوسع في أوقات "الصراع" الكبير بين إسرائيل وفلسطين .
ليس المقصود من التطهير العرقي والإبادة الجماعية للفلسطينيين أن تكون عملية واحدة وحدثا أوحد كبيرا مثل الإبادة الجماعية النازية الألمانية لليهود والغجر والأقليات العرقية وغيرهم، التي ارتكبها هتلر ، ولكنها أقرب إلى حروب أمريكا ضد الهنود الحمر منذ أوائل القرن السابع عشر والتي استمرت قرابة ثلاثة قرون. حيث يتصاعد العنف خلال الصراعات الكبرى (حروب الشيروكي، حروب سيمينول، حروب نافاجو، حروب أباتشي، وحرب 1812 في أمريكا ، الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، حرب الأيام الستة، حروب لبنان، وحروب غزة في إسرائيل وفلسطين، وجميعها أمثلة تحتذيها إسرائيل بدعم امبريالي) . وفي أوقات أخرى من العنف البطيء والتطهير العرقي عندما لا تكون هناك حروب كبرى. ما يفضي للمزيد من سلب الأراضي والموارد المتاحة للسكان الأصليين، الذين تم تهجيرهم وعزلهم في جيوب صغيرة ضئيلة القيمة ، محاطة بمنشآت عسكرية معادية ومستوطنات مع سيطرة ضئيلة أو معدومة على ما لديهم من موارد قليلة، وحيث لا يملكون أي شيء حقيقي. الحرية أو تقرير المصير، في غياب تحول دولي يفرض حل الدولتين، فإن هذا لن يكون ممكنا إلا إذا كانت المزيد من الدول مستعدة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الإسرائيليين (ليست القوى الغربية فقط هي التي ترفض محاسبة إسرائيل، بل أيضا القوى الشرقية في الصين وروسيا والهند التي ترفض جميعا محاسبة إسرائيل، حفاظا على العلاقات في التجارة والأمن والسياحة وما إلى ذلك)، والذي لا يمكن أن يأتي إلا بعصيان مدني سلمي والعمل المباشر من المواطنين المعنيين لإحداث تغيير في سياسات حكوماتهم. فأنا أخشى من عدم تحفيز أمريكا أبدًا، سواء محليًا أو دوليًا، على إنهاء الغزو الإسرائيلي لفلسطين. إنها مأساة ذات أبعاد هائلة شهد عليها آباؤنا وأجدادنا، والتي نلاحظها في الوقت الحقيقي، وسوف تتساءل الأجيال القادمة عما كنا نفعله – إن كان هناك أي شيء – لمحاولة إيقافها.
7اكنوبر منع التطبيع
أطلقت حماس في نهاية المطاف يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) - ومن المرجح أن الضوء الأخضر الإيراني قد أُعطي –[ الأخبار غير الصديقة أفادت ان حكام إيران بوغتوا في 7 أكتوبر بعملية حماس-المترجم] لمنع النظام الأمريكي ونظام نتنياهو من تجاوز رؤوس الفلسطينيين من خلال التطبيع مع السعوديين حتى بدون تسوية "للصراع" الإسرائيلي- الفلسطيني. كان المناخ الإقليمي بعد موجات التطبيع في السنوات الأخيرة (الإمارات العربية المتحدة والمغرب والبحرين والسودان في اتفاقيات أبراهام التي أبرمها ترامب) ملائما لإقامة علاقات دبلوماسية- سعودية حتى مع بقاء الأراضي المحتلة تحت السيطرة الإسرائيلية. غيرت الحرب بين إسرائيل وحماس ذلك تماما؛ حيث أصبحت المشاعر المعادية لإسرائيل قوية للغاية على المستوى الإقليمي لدرجة أن السعوديين لا يستطيعون أن يسوّقوا لشعبهم التطبيع مع الإسرائيليين دون إقامة دولة فلسطينية في هذه العملية. تقاسمت إيران ووكيلها في حركة حماس الأهداف مع 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ وإذا قام السعوديون والإسرائيليون بالتطبيع من دون إنشاء دولة فلسطينية، فإن حماس ستبقى معزولة في غزة، مع عدم وجود نهاية للاحتلال في الأفق، في حين سيحقق الإسرائيليون والسعوديون فوزا جيوسياسيا هائلا من خلال تحقيق التطبيع؛ الأمر الذي يجعل المنطقة أكثر عدائية للمصالح الجيوسياسية الإيرانية طويلة المدى، وتفضل الغرب. ولهذا السبب اندلعت الحرب في 7 أكتوبر.-على الرغم من خطابات الملك الفعلي لإيران – علي خامنئي – الذي يقلل من إمكانية تطبيع إسرائيل مع المملكة العربية السعودية، ما يعني أن ذلك لن يحل الأزمة، وهذا صحيح؛ إذ بدون إ قامة دولة فلسطينية، فالتطبيع بين الإسرائيليين والسعوديين سيكون في الواقع خطوة مهمة، ضربة استراتيجية لطهران، بغض النظر إن أقيمت الدولة الفلسطينية نتيجة لها أم لا- . تتمثل الأهداف الجيوسياسية للمخططين في طهران في منع التطبيع الإسرائيلي السعودي والعمل على إضعاف المكانة الأمريكية في المنطقة عبر شبكات وكلائهم ونفوذهم المتزايد في( المستعمرات) الغربية مثل العراق. إذا لم يمنعوا ذلك وحققت واشنطن فوزًا دبلوماسيًا من خلال تحقيق التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية - الدولة الأكثر أهمية في الشرق الأوسط - فستكون هذه خسارة جيوسياسية للإمبراطورية الإيرانية، على الرغم من إعادة إقامة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعوديين في العام الماضي؛ وهذا أثار الكثير من القلق في واشنطن. لا يزال هناك انعدام ثقة عميق الجذور بين الرياض وطهران، فضلاً عن الرغبة في أن تكون أقوى قوة في المنطقة، ويمكن المراهنة على أن واشنطن ستبذل كل ما في وسعها لاستغلال ذلك.
التطبيع لتمكين السيطرة
هذا يضعنا امام أهداف نظام الاحتكارات الأمريكي وعملائه في إسرائيل: تطبيع إسرائيل مع المملكة العربية السعودية، وكذلك الدول الأخرى بالمنطقة المدعومة من حكومات الغرب [ الامبريالية] والتي على علاقة جيدة مع الإسرائيليين، يحتوي توسع القوة الإيرانية؛ وهو ما يعني على الدوام المزيد من النفوذ الصيني والروسي من خلال التوسع؛[ كيف إذن تدمج روسيا والصين ضمن الدول المستنكفة عن محاسبة إسرائيل؟! –المترجم] وهذا من شأنه أن يتيح لواشنطن دورا شاملا وسيطرة على الشرق الأوسط الكبير على الأقل في المستقبل المنظور. مع تبدل للمشهد الجيوسياسي بالمنطقة، يبدو أن المخططين في واشنطن يحاولون استخدام الأزمة لتسريع عملية التطبيع الإسرائيلي مع السعوديين، والتي ظلت معلقة منذ 13 أكتوبر مع استمرار الحملة الحالية للجيش الإسرائيلي. ولم يكن السعوديون على وشك التطبيع مع إسرائيل بينما كانت غالبية العالم العربي في حالة اضطراب بسبب الحرب الجديدة على غزة. ومع مرور الوقت واعتياد الناس أكثر على الحقائق الجديدة، انفتحت النافذة مرة أخرى، حيث عمل بلينكن وكبار الدبلوماسيين الأمريكيين لوقت إضافي للقاء السعوديين والإسرائيليين ودول إقليمية أخرى في الأشهر الأخيرة على أمل تحقيق التطبيع. وهو ما بدا مستحيلاً في هذه المرحلة دون التنازل الإسرائيلي لإقامة دولة فلسطينية.
دولة إسرائيل لا تريد أكثر من اجتثاث الفلسطينيين من كل أراضيهم، وذلك ما يريده المخططون في واشنطن، إن أمكن تحقيق ذلك. ليس للإسرائيليين موقف معتدل في هذا الشأن؛ فلدى الجميع، من الفاشيين اليمينيين المتطرفين إلى العناصر الأكثر وسطية في السياسة الإسرائيلية، نظرة جوهرية لفلسطين جزءًا من إسرائيل. لكن على الرغم من أن الإسرائيليين يريدون ذبح الفلسطين كافة أو تهجيرهم قسراً، إلا أن إسرائيل دولة صغيرة إلى حد ما نعتمد إلى حد كبير على علاقاتها مع الغرب من أجل تعزيز قدراتها. وفي غياب المساعدات الغربية (الأميركية في الأغلب) والحماية السياسية، لا يمكن لإسرائيل أن توجد كدولة فاعلة، وقادتها السياسيون يفهمون ذلك. لذا عليهم أن يعملوا ضمن القيود التي يخضعون لها، كما يفعل سادتهم في أمريكا.
مبدا بايدن تسعير الحرب الباردة
ببساطة لا يمكن للإمبراطوريات أن تهجّر أو تبيد علانية مئات الآلاف إلى الملايين من الناس، كما حدث عبر التاريخ حتى حوالي 80 عامًا خلت؛ لذا يتعين على الإمبراطورية الأمريكية - عبر وكلاء إسرائيليين - أن تناور بين الرواية الكاذبة المتمثلة في رغبتها بالسلام مع الفلسطينيين، مع الحفاظ على المجابهة العسكرية الدائمة وجعل الظروف لا تطاق في فلسطين لدرجة أن السكان الأصليين يهربون إلى البلدان المجاورة لإفساح المجال أمام مستوطنات إسرائيلية جديدة. كما ذكر سالقا غيرت الحرب بين إسرائيل وحماس، بشكل جذري، الوقت الحقيقي لحسابات المخططين بواشنطن. في الأشهر الأخيرة، كتب كاهن الدولة الفكرية والكاتب في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان - وهو أقرب صوت للإمبراطورية والذي عرف بعلاقاته الوثيقة مع الحزب الديمقرطي - مقالًا أوضح فيه رؤيته لمخطَّط "مبدأ بايدن" رهن التشكل. يقول فريدمان إنه يرى أن إدارة بايدن تتبع هذا المخطط في سعيها للتحقق من المصالح الصينية والروسية والإيرانية، ما يؤدي بدوره إلى ترسيخ التفوق الأمريكي في الشرق الأوسط، وهي منطقة تُعرف بأنها المصدر الرئيسي للقوة الاستراتيجية نظرًا لأنها توفر الكثير (أكثر من 1/ 3) مصدر طاقة العالم وتحتوي على ممرات ملاحية حيوية للتجارة العالمية. يتضمن المخطط 3 خطوات:
أولاً، اتخاذ موقف حازم تجاه إيران ووكلائها، بما في ذلك العمل العسكري الأمريكي ضد هذه القوى ( رأينا ذلك من اليمن إلى العراق وسوريا)؛ ثانياً، مبادرة دبلوماسية جادة لإقامة الدولة الفلسطينية؛ ويقترح فريدمان نزع السلاح حتى لا تتمكن فلسطين من إيذاء إسرائيل مرة أخرى. وبطبيعة الحال، ببساطة يصعب التفكير في دولة إسرائيل منزوعة السلاح لايمكنها إلحاق الضرر بفلسطين أو أي مكان آخر؛ لكننا ربما نشهد المراحل الأولية من هذه المبادرة الدبلوماسية مع تزايد تعبير المسئولين رفيعي المستوى حول الحاجة الملحة لحل الدولتين في الأسابيع الأخيرة. والخطوة الثالثة والأخيرة تحالف موسع، أمني واقتصادي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ونحن في الوقت الراهن شهود هذه الجهود، مع مسارين مختلفين يتبعهما الأمريكيون والسعوديون. في البداية، سيتم فصل أي صفقة أمريكية سعودية عن الأحداث الجارية في إسرائيل والأراضي المحتلة؛ لكن سيتم تقديم عرض رسمي للإسرائيليين بمقايضة التطبيع مع السعودية بخطوات "لا رجعة فيها"نحو إنشاء دولة فلسطينية.[ دولة بمثابة التابع لإسرائيل تمارس في أرجائه التخريب والاغتيال والحرب الإعلامية والنفسية بالتعاون مع لمخابرات الغرب الامبربالي - المترجم].
لكن إذا كانت هذه الحرب قد سلطت الضوء على أي شيء لطلبة الجغرافيا السياسية، فذلك يجب ان يكون الأهمية القصوى للتحالف الأمريكي- السعودي بالنسبة للمخططين الأمريكيين. عليهم أن يسيروا على حبل مشدود كي يتمكنوا من التحدث مع الرياض. بينما يمكنهم ممارسة قدر هائل من الضغط على المملكة العربية السعودية، التي تعتمد بشكل شبه حصري على أمريكا لتأمين السيادة؛ وفي ذات الوقت يحرصون على الحفاظ على المصداقية الإمبراطورية وهم ينجزون مهمتهم- يدركون بالطبع عواقب ونتائج فقدان دعم المملكة السعودية للولايات المتحدة . البترودولارات هي في الأساس دولارات أمريكية. تسويات الدول المصدرة للنفط تُدفع إلى الدولة المصدرة للنفط. فهي المصدر الرئيسي للإيرادات لمعظم دول أوبك، والتي تعد المملكة العربية السعودية قائدها الفعلي، بالإضافة إلى مصدري النفط الآخرين. يقوم مصدرو النفط بتسوية مبيعاتهم بالدولار الأمريكي لأن الدولار هو العملة الأكثر استخداما على نطاق واسع، مما يسهل عليهم استثمار عائدات التصدير.
يدرك السعوديون قيمتهم الاستراتيجية في الإمبراطورية الأمريكية، وفي عهد محمد بن سلمان، مارسوا استقلالية أكبر بكثير في شؤونهم الخارجية أكثر من أي فترة أخرى منذ أن أصبحوا مستعمرة أمريكية بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية. ونحن نرى ذلك مع رغبة الرياض في أن تكون على الأقل على قدم المساواة مع المستعمرات الأمريكية في الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان - باستثناء ضمان المادة 5 من الناتو - ولكن مع التزام أكثر صرامة ورسمية بالدفاع عن المملكة السعودية. في الوقت الحالي، يكتفي السعوديون باللعب على كلا الجانبين في الحرب الباردة الجديدة، وتوسيع العلاقات مع الصينيين والروس أيضًا، لكنهم يظلون رسميًا في المعسكر الأمريكي والغربي. وتتمثل أهدافهم في بناء المملكة العربية السعودية لتصبح قوة إقليمية قادرة في يوم من الأيام على ممارسة هيمنتها على الشرق الأوسط. وهذا ممكن فقط من خلال المزيد من الاستقلال الاستراتيجي، والذي سيستمر في النمو على المدى الطويل على الرغم من التقدم الأمريكي الجاد على المدى القصير في إعادة تأكيد التزام الرياض بالإمبراطورية.
شخصياً أعتقد أننا بدأنا نفهم بالضبط ما هي عقيدة بايدن. بالنسبة لأولئك غير المطلعين ، يميل الرؤساء الأمريكيون إلى اتباع مبادئ توجه سياستهم الخارجية تجاه الإمبراطورية في سعيها للهيمنة العالمية. ومن ثم تصبح هذه المبادئ مذاهب دينية أصولية في الواقع، لكي تمضي الإدارات المستقبلية قدمًا بها. [مرشحو الرئاسة عبروا اختبار الاحنكارات والدولة العميقة الموالية-المترجم] . بعض المبادئ السابقة ذات الأهمية القصوى هي مبدأ مونرو الذي ألزم الولايات المتحدة بمنع تدخل اي دولة في شئون الأمريكيتين (يعني الهيمنة على نصف الكرة الغربي). مبدأ روزفيلت (بالنتيجة) وسّع مبدأ مونرو بالسماح للولايات المتحدة التدخل في اللشئون الداخلية لكل دولة في أميركا اللاتينية تخرج عن الخط ؛ ثم مبدأ ترومان ألزم الولايات المتحدة بالدفاع عن الديمقراطيات الليبرالية (أي "العالم الغربي" ضد الشياطين "الشيوعيين")؛ ومبدأ أيزنهاورالزم الولايات المتحدة بالدفاع عن أي بلد بالشرق الأوسط تطلب مساعدتها بوجه "التهديد السوفييتي" (استخدم ببساطة لتعزيز النفوذ الأمريكي/الغربي في جميع أنحاء المنطقة وهزيمة القومية العربية الناصرية التي هددت إمدادات النفط الغربية)؛ ومبدأ كينيدي وجونسون الذي وسع خطة أيزنهاور من خلال إلزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أمريكا اللاتينية ضد "الشيوعية الدولية" (أي الدفاع عن مصالح الاحتكارات الأمريكية في سرقة الموارد التي كانت مهددة بالمثال الثوري لكاسترو في كوبا، والتي يمكن أن تتسع لتشمل بلدانا أخرى بالمنطقة ممن قد يحملون أفكارا مماثلة ) . ينص مبدأ نيكسون على أن الحلفاء (المستعمرات) سيكونون مسؤولين عن أمنهم الخاص، ولكن يمكن للولايات المتحدة أن تعمل كمظلة دفاعية عند الطلب؛ بعد عقد من الزمن، ألزم مبدأ كارتر الجيش الأمريكي رسميًا بالدفاع عن ممرات الشحن وإمدادات النفط للشركات الأمريكية في الشرق الأوسط؛ في حين ألزم مبدأ ريجان الولايات المتحدة بتقديم الدعم العلني والسري للمتمردين والميليشيات المناهضة للشيوعية في حرب عصابات مناهضة للشيوعية. محاولة زعزعة استقرار الدول الحليفة للاتحاد السوفييتي والحكومات المناهضة للغرب للفوز بالحرب الباردة. مزيد من المبادئ الأحدث التي توجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مبدأ كلينتون الذي نص في الأساس على أن الولايات المتحدة سوف تتصرف بالتعاون مع أطراف عدة عندما تستطيع ذلك، ولكن يجب عليها أن تلجأ إلى تدابير أحادية عندما تكون مصالحها الرئيسية على المحك. توسعت عقيدة بوش الثاني في الجوانب الأحادية لمذهب كلنتون وكارتر، ما أعطى الولايات المتحدة فعلياً القدرة على التصرف بشكل أحادي الجانب وحتى شن حروب استباقية، كما رأينا في حربي أفغانستان والعراق، فضلاً عن القرار أحادي الجانب بسحب أمريكا من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، التي وسعت إلى حد كبير الحرب الباردة الجديدة التي لم يكن أحد يعرفها أو يهتم بها في ذلك الحين. وكان مبدأ أوباما في الأساس عبارة عن إعادة صياغة لعقيدة كلينتون، حيث أكد الحاجة لدبلوماسية في التعامل مع التهديدات غير المباشرة والأزمات الإنسانية، مع الحفاظ على اللجوء أحادي الجانب إلى القوة إذا لزم الأمر لتحقيق مصالح رئيسية. إن عقيدة ترامب، إن وجدت، هي في الأساس فكرة وضع مصالح الشركات الأمريكية في المقام الأول، قبل كل شيء، بغض النظر عن الزمان أو المكان، الأمر الذي يتعارض مع المبادئ الأخرى تعقّد الأهداف الاستراتيجية للحكومة الأمريكية (“هل أمريكا هي الأكثر أهمية في جميع الأوقات، ولا تهتم إلا بمصالحها؟ تلك هي الفكرة التي تجعلنا أقوى ام انها تنطوي على اهمية جوهرية للامبراطورية حيث تقبع اوروبا وحلفاء آخرين في زاويتنا ؟" حقيقة النقاشات الجارية بواشنطون في الوقت الراهن).
هذه المبادئ لعبت جزءًا كبيرًا من أسباب رؤيتنا للكثير من الاستمرارية من كل إدارة - ليبرالية أو محافظة - فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. إنها ببساطة تواصل من حيث توقف ما قبلها ؛ ونحن نرى هذا بوضوح مع قيام بايدن بتوسيع حرب ترامب التجارية مع الصين، على الرغم من خطابه الأكثر ليونة من نظرائه من المحافظين الجدد، ومواصلة سياسات تهدف إلى الصدام مع الإمبراطورية الصينية التوسعية. في رأيي، تتمحور عقيدة بايدن حول إعادة تأكيد القيادة العالمية للولايات المتحدة وإلزام أمريكا رسميًا باحتواء الخصوم في المناطق التي لا غنى عنها للإمبراطورية – أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا – وذلك من خلال تعزيز العلاقات مع الحلفاء الأساسيين (المستعمرات)، كما فعل بالفعل. وفي أوروبا مع توسع حلف شمال الأطلسي وتعزيز مستويات القوات الأمريكية لمكافحة التقدم الروسي، وكذلك في آسيا مع توسيع الشراكات الأمنية والاقتصادية مع الفلبين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان لاحتواء الصين. ومن خلال تعميق التكامل الأمني والاقتصادي مع السعوديين والإماراتيين والإسرائيليين لاحتواء التوسع الإيراني، فإنه يعتمد بشكل أساسي على عقيدة كارتر في الدفاع عن المصالح الرئيسية (ممرات النفط / الشحن) في الشرق الأوسط، ولكنه يجعلها عالمية بشكل فعال من خلال سياسات متشددة ضد الصين وروسيا، في حال لم يكن الأمر واضحًا؛ لكن عقيدة بايدن هي في الأساس التزام غير معلن بالحرب الباردة الجديدة، ما يدفعنا جميعًا أقرب إلى الحرب العالمية الثالثة.
الأمر الذي يحجم عنه المسئولون الأميركيون
في نهاية المطاف، يبدو أن نظام ا الاحتكارات الأمريكي يلجأ الى الحرب بقصد المحاولة والمصارعة من جديد لاستعادة بعض حسن النية الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى المستوى الدولي؛ في حين يبيد بالمطلق القليل المتبقي في ذات الوقت. إنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر، لكن أمريكا تجبر نفسها على اتباعها من خلال الالتزام بديانة الدولة المتمثلة في توسيع السوق للاحتكارات الأمريكية. وبينما يستطيع بايدن إنهاء الحرب في غزة، بايدن يمكن أن ينهي بمكالمة هاتفية الحرب على غزة ، إلا أن هذا ليس بالأمر الذي هو أو أي زعيم أمريكي على استعداد للقيام به . وإلى جانب جميع الفوائد المادية التي تعود على الاحتكارات الأمريكية من مستعمرتها الإسرائيلية، فإن إحداث تحول بالسياسية في غير صالحها أمر لا يريد المخططون بواشنطون ان ينظر اليهم يُملون أوامرهم على حلفائهم. يريدون من كل حليف (مستعمرة) في الإمبراطورية الاعتقاد بأنه حقًا شريك في الاختيار وبدون إكراه ؛ علاقة تماثل تمامًا العلاقة بين المالك والعامل. ومن ثم، فإنهم لا يستطيعون فعلاً أن يملوا أوامرهم على إسرائيل ويخاطرون بالظهور وكأنهم لا يدعمونها دون احتمال إلحاق الضرر بذلك بالعلاقات مع آخرين، قد يثور قلقهم من ان تلحقهم نفس المعاملة . بعد هذا كله ، أميركا أكثر التزاماً بالدفاع عن إسرائيل من أي مكان آخر باستثناء ربما أوروبا وأميركا الشمالية. وإذا لم يدافعوا عن إسرائيل حتى النهاية، فذلك قد يؤدي إلى إضعاف مصداقية الولايات المتحدة لدى حلفائها في المناطق الحيوية استراتيجيًا مثل منطقة المحيط الهادئ والهندي،فهي بأمس الحاجة لاحتواء التوسع الصيني. لهذا السبب حكومة الولايات المتحدة مضطرة للحذر بصدد كيفية تعاملها مع هذا الأمر من وجهة نظرها.
يبدو أن هناك قلقاً حقيقياً في واشنطن من فشل الولايات المتحدة وإسرائيل في توصيل سرديتهما بشكل فعال وخسرا حرب الدعاية أمام إيران وحماس ومحور المقاومة بأكمله (وكلاء طهران). ناهيك عن قيام كولومبيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. وحيث كانت في السابق أفضل أصدقاء إسرائيل في أمريكا اللاتينية، مع تعمق التعاون التجاري والعسكري والتكنولوجي الثنائي في السنوات الأخيرة، فإن التطور الأخير قد أثارت الدهشة بواشنطن. أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، على غرار تلك التي صدرت بحق فلاديمير بوتين، مما اضطر أميركا إلى تهديد المحكمة نفسها بالعقوبات. بل إن المصريين – أقدم حليف لإسرائيل بالمنطقة – انضموا إلى قضية الإبادة الجماعية في جنوب أفريقيا ضد نظام نتنياهو، وتعاظمت باضطراد حدة انتقاداتهم للعمليات العسكرية الإسرائيلية على حدودهم، العمليات التي أدت إلى مقتل جندي مصري وإصابته بالرصاص الإسرائيلي، زاد من توتير العلاقات. ولا يأخذ المخططون الأمريكيون أياً من هذه الأمور باستخفاف، يبدو أنهم عقدوا الرهان على أمل تحقيق شيء ملموس للخروج من هذه الفوضى التي صنعوها بأنفسهم.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |