|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عمر قاسم أسعد
2024 / 8 / 7
النفس في الذات الانسانية / المعايير ووعي الوجود
إن الذات الانسانية تخضع للكثير من المعايير العامة والتي تتلقفها من المجتمع الذي تعيش فيه ، على أن جزء كبيرا من هذه المعايير أصبحت قابلة للتغير والتبديل والحذف والاضافة ، ومن هذه المعايير ( معايير الاخلاق ، المعاملات ، العلاقة مع الآخرين ، الشرف ، الكرامة . ... الخ )
ولأنها معايير أوجدها المجتمع فهي معايير ضابطة أحدثت تأثيرا في سلوك الذات ونمط تعايشها مع المجتمع ، ويمكن تصنيفها على أنها أسس وقواعد متفق عليها ضمناً لتكون اسلوب حياة ما بين أفراد المجتمع ، إلا أن جزء كبير من هذه المعايير ــ المتفق عليها ــ تعرضت للتغير والتبديل بشكل ملفت للنظر وبوتيرة متسارعه خاصة في السنوات القليلة الماضية ، ولعل الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى التطور في وسائل التواصل نتيجة التطور التكنولوجي الهائل والتطور الذي رافقه في وسائل الانتاج والثورة الصناعية التي لم يعد المجتمع قادرا على ملاحقتها واستيعابها لتسارع تطورها ، وبالدرجة الثانية هي محاولة لانسلاخ الذات عن واقعها الذي تعيش فيه والذي باتت الذات تشعر أنه يزيد من القيود التي تكبل سلوكات قد تطرأ على الذات ولكن الخوف والتردد من خرق المعايير أدى إلى كبت هذه السلوكات ــ مؤقتا ــ لتنتظر الفرصة السانحة لتحريرها من خلال التمرد على معايير سابقة لتحل محلها معايير جديدة تتناسب مع المرحلة الجديدة من حياة الذات والانطلاق نحو واقع جديد أكثر إشراقا وأكثر تحررا ( بنظر الذات ) من خلال البدء في وضع معايير جديدة خاصة بها ، ومع مرور الوقت تترسخ المعايير الجديدة لتحل محل المعايير القديمة ولتصبح فيما بعد نمط حياة يتعارف عليه المجتمع بدون أدنى حرج ، على الرغم من وجود الرفض والنقد السلبي لأن ذلك بنظر المجتمع هو محاولة فرض معايير جديدة وتحدي لمعاير المجتمع السابقة لإحداث تغيير تدريجي وجذري ، والأمثلة كثيرة وخاصة بما يتعلق بمعاييرالمنظومة الاخلاقية والتي حلت محلها معايير التحرر بمختلف أنواعه وأشكاله ومعايير طريقة انتقاء الملابس وارتدائها، ومعايير القيم والعادات وآليات التعامل . .. الخ . ونتيجة لذلك أصبح هناك لبس في أداء الأدوار المنوطة بكل ذات ، إذ ان من المتعارف عليه أن لكل ذات دور رئيس في الحياة بالإضافة لممارسة عدة أدوار اخرى هامشية ، كدور رب الأسرة مثلا هو دور رئيسي في العملية الانتاجية ليتمكن من العيش وإكمال دوره في التنشئة والتربية . ... الخ ، أن ما حدث ــ وما زال ــ من تغيير في المعايير أدى ألى بروز خلل في أداء الادوار الاجتماعية واختلطت الأدوار الرئيسية بالأدوار الهامشية ، ومن خلال تغيير المعايير واختلالها اصبحت المرأة تمتلك أدوار لم تكن لها سابقا من حيث التربية والتنشئة ، ومن حيث الخروج للعمل وممارسة الدور الانتاجي ، من حيث التغيير في معايير ارتداء الملابس وبعض القضايا التي تندرج تحت مسمى ( التحرر ) ( الحرية الشخصية ) ( مواكبة الحداثة والتطور ) ... الخ ، وأيضا حدوث تغيير ـ ربما يكون تغيرا جذريا لدى بعض المجتمعات ــ من حيث ظهور أدوار جديدة لبعض الشباب بما يتعلق بطريقة ارتداء الملابس التي تكاد تتفوق على ارتداء الأناث ـ والطرق الجديدة في إظهار تغييرات للجسد سواء بالتزيين أو استعمال بعض أدوات التجميل او إجراء بعض العمليات الجراحية التي تتعلق بدور الأنثى .
على أن البعض ما زال متمسكا بالمعايير كإرث ثقافي واجتماعي ونبراس لدور كل ذات في المجتمع مع قناعته التامة برفض أي تغيير في هذا الإرث لأن ذلك يؤدي إلى تفسخ المجتمع وبداية الشعور بالغربة من خلال خلق فجوة بين جيل وجيل . وما زال يصر البعض على قولبة المعايير كما هي من جيل لجيل ، وهذا بالطبع يؤدي إلى ترسيخ ضعف المجتمع ــ ليس لأن هناك معايير وقيم وعادات ثابتة وراسخة ــ بل لأن الهوة تتسع ما بين الأجيال في ذات المجتمع ولقناعة الأجيال الجديدة بضرورة التغيير وإحلال معايير تتواكب مع التطور التكنولوجي والتقدم الهائل في عصر ان العالم أصبح قرية صغيرة ، وان ما كان ينطبق على جيل ما لم يعد ينطبق على جيل جديد في ظل واقع جديد ، وان من حق الجيل الجديد أن يفكر خارج الصندوق وأن يتماهى مع التقدم الهائل في كافة مجالات الحياة . هنا يكون الصراع بين الذوات صراعا بين جيل غير قادر على المواكبة والحداثة . وجيل يحاول جاهدا اللحاق بركب التقدم ، وجيل نشأ في خضم الثورة الهائلة في التقدم ـ هو صراع الذوات . صراع بين العقل الوعي الذي يعيش الحدث والعقل الذي ما زال في عالم اللاوعي يجتر من التاريخ الماضي الخطوط العريضة لاستمرارية مسيرة الذات في الحياة . وبين العقل الباطن الذي يقارن واقع اليوم بالماضي السحيق من خلال العيش على اعتاب سنوات قد مضت . ومن هنا تثبت الذات الانسانية وجودها من خلال واقعها وإيجاد لغة مشتركة بينها وبين الأشياء المحيطة من حولها ( حدودها ، معالمها ، كنهتها ، ماهيتها ) وهذا ما يدل على أنه انعكاس لقيمة وجود الذات ضمن هذه الأشياء .
وكلما أثبتت الذات وجودها من خلال خوضها في التجارب والخبرات وايجاد معايير جديدة تنطبق على الواقع الجديد ، ( واقع العقل الواعي ) وبهذا تتم إضافة تجارب وخبرات جديدة لمخزون هائل من مجموعة تجارب وخبرات سابقة ، وكلما أدركت الذات أن وجود الأشياء حول الذات هو أيضا نتيجة تجارب وخبرات سابقة .
الذات موجودة من خلال حيزها المادي في هذا العالم بملامحها وصفاتها وكنهتها المادية .
الذات موجودة من خلال قيمتها المعنوية بما تحويه من مشاعر وأحاسيس وطرق التعامل والتفاعل . الذات موجودة من خلال ما قدمته من أفكار واتجاهات وميول ما زال لها أتباع اليوم وغدا وبعد سنوات طويلة .
الذات موجودة من خلال تفاعلها كذات انسانية تضفي الطابع الانساني والاجتماعي كذات حية ــ لها مكانه وحيز في عالم ( الزمكان ) ــ في الذوات الاخري ، كذات حية قادرة على احداث تغير في صنع الأحداث من خلال الوعي القادر على فهم الأشياء وايجاد صيغ ما للتفاعل مع الأشياء لترسيخ فكرة وجود الذات بكافة أقانيمها .