سوء تفاهم طويل

حسان الجودي
2024 / 8 / 1

يبدو لي أن الحياة هي مجموعة سوء تفاهمات طويلة مع الآخرين.
الحياة مسرح كبير، لدينا نصوصنا الخاصة ، نتفاعل مع الجميع ، لكننا نفسر الأحداث والكلمات من خلال العدسة الشخصية الفريدة. المتبلورة من التجارب، والمعتقدات ، والثقافة، والتوقعات. سوء التفاهم ليس مجرد حادث عابر، بل هو جزء جوهري من الوجود الإنساني. إنه نتيجة حتمية لمحدودية إدراكنا وعجزنا عن فهم الآخر بشكل كامل. كل تفاعل هو في الواقع لقاء بين عالمين منفصلين، كل منهما له لغته ومنطقه الخاص.
نستخدم اللغة لإيجاد المعنى ، والمعنى كما يشير دريدا
في جوهره غير مستقر، دائم التحول والتغير. كل كلمة نستخدمها، كل إشارة نرسلها، تحمل في طياتها بذور التأويلات المتعددة.
نحن نعيش في عالم من الاختلافات اللغوية، حيث يكتسب كل تعبير معناه من خلال علاقته بالتعبيرات الأخرى، وليس من خلال جوهر ثابت. وهكذا، فإن كل محاولة للتواصل هي في الواقع دعوة لسلسلة لا نهائية من التفسيرات والتأويلات.
ويبدو أن ما نعتبره سوء تفاهم هو في الحقيقة الحالة الطبيعية للوجود الإنساني، حيث نسعى جاهدين للوصول إلى معنى "نهائي" أو "حقيقي"، بينما هذا المعنى يظل دائمًا مراوغًا، متحولًا، ومؤجلًا. وبهذا المنظور، فإن حياتنا المليئة بسوء التفاهمات ليست إلا انعكاسًا لهذه الطبيعة غير المستقرة للمعنى والتواصل الإنساني.
***
مشهد حفل افتتاح الألعاب الأولمبية وما تبعه هو سوء تفاهم طويل.
هل ظهرت قصدية مخرج العمل بشكل واضح في إظهار المعنى؟
من حدّد المعنى ، غير المشاهد أو المستمع، دون أي اهتمام بالسياق، وهو روح الألعاب الأولمبية المحبة والتسامح والاحتفال بالإنسان؟
وهل هو سياق وحيد؟ ام أنه سياق غير مستقر ومفتوح للتأويل؟
وكيف تداخل مع سياقات أخرى مثل المثلية الجنسية، أو رهاب التجديف للدين المسيحي، وسياق الغرب المنهار…؟
فإذا كان السياق نفسه غير مستقر ومفتوح للتأويل، فإن إمكانية سوء الفهم تصبح جزءًا لا يتجزأ من عملية التواصل ذاتها.
إنه سوء تفاهم طويل ، علينا على الأقل جعله كوميدياً مثل الفيلم المصري "فيلم أمريكي طويل"
***
ليس الجحيم هو الآخرون!
والغثيان الذي يشعر به انطوان روكانتن بطل رواية " الغثيان " لسارتر 1938 ليس بسبب تأملاته السريعة ، وبحثه عن المعنى المفقود، والاحساس بعبثية كل شيء.
بل هو غثيان أقدم من ذلك، كما هو وجود الإنسان أقدم من جوهره!
ربما كان يعيش في المحيط، بين أضلاع صدفة. وقد شعر بالغثيان حين التقطه اله اغريقي، وبدأ يلهو به مع الأصدقاء في لعبة النرد.
لا بل هو امرأة حامل ، عاشت مع قوم لم يكتشفوا الزنجبيل ولا نبات آخر لتهدئة المعدة المضطربة.
ربما هو مصاب بمرض " منيير " في الأذن الداخلية منذ قرون، ولا دواء أو سحر ينفع مع غثيانه.
أو أنه قبل أن يغادر البحر ليلاً، وضعت أمه في الزوادة بحراً ليرافقه في رحلة التطور.
إنه غثيان وجودي طويل ، يزيده شدةً سوء التفاهم الطويل ، وخاصة مع شبكة الدعم الاجتماعي : الأصدقاء

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي