|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
فوز حمزة
2024 / 7 / 27
أغلقتُ حاسبتي والكتابَ الذي كنت أقرأ فيه وذهبتُ للنوم بعد تجاوز الليل منتصفه. بينما الأفكار كانتْ تتجاذبني، سمعتُ همسًا قادمًا من الصّالة. بدأ يعلو قليلًا. تركتُ سريري وخرجتُ من الغرفة لاستراق السمع، يؤازرني الظّلام فيما عزمتُ على فعله.
كان يبدو واثقًا من كلامه عندما تناهتْ إلى مسلمعي كلماته: لا تظني أبدًا أنكِ ستنجحينَ في إقصائي وإبعادي عنها. لطالما أفصحتْ عن راحتها معي، لن تستطيعي مهما بلغتِ من قوة، أنْ تحلي محل ذكرياتي معها. أنا الذي تلقفتها بين ذراعيّ هاتين وهي لم تزلْ طفلة. فأين كنتِ من كل هذا؟!.
صدرت منها ضحكة استهزاء قصيرة قبل أن تقول له: الغرور سيقتلكَ بعد أن أعمى بصيرتك!. لا أنكر أن سطوتكَ في الماضي كانت محكمة عليها ليس بسبب قوتك، بل لأنها لم تكن تعرف غيرك، أما الآن، عليك الاعتراف بتغير الزمن، عليكَ أنْ تطأطئ رأسكَ لرياحي التي غيرت المسار وستحمل كل ما هو قديم وترميه خارج الزمن. وجودكَ معي الآن لا يعني مساواتك لي.
صمتتْ برهة ثم قالت وكأنها تذكرت شيئًا: ثم عن أي ذكريات تتحدث؟!. إنها ذكريات من ورق!.
بحماس غير معتاد قال: لقد شاركتها الذكريات في كلِ ركنٍ من أركانِ المنزل، بل كانتْ لا تنام إلّا وهي إلى جانبي، لا أتركها إلّا بعد أن تأخذها الأحلام مني .
بتهكم أجابت: هي الآن لا تفارقني ليل نهار. تسألني عن كل صغيرة وكبيرة. الأمر وصل حدًا أبعد من ذلك حينما أصبحتُ أرافقها حتى في السّفر، اعترفْ بنجاحي في سحبِ البساط من تحتكِ
ساد صمت قصيرة بينهما قبل أسمعه يقول: ما رأيكِ في ترك أمر الاختيار لها؟.
قالت على مضض: أنا أيضًا أرى ذلك، علينا بحسم الأمر وإنهاء هذا الجدل العقيم.
جلستُ على الأرض مغتمة من حديثهما الذي يتخلله الكثير من الانفعال. أفكر هل حقًا لزامًا عليّ اختيار أحدهما. حياتي تستقيم مع الاثنين. عليهما إدراك ذلك!.
بخطواتٍ هادئة، ذهبتُ لأجلس بينهما. أخذتُ نفسًا عميقًا قبل أنْ يخرج على شكل تنهيدة طويلة. قلت له بينما يدي تمسد أعلى جبهته:
لم أعشْ مراهقة طائشة، ولم يعرف الملل طريقه إلى روحي، حصل ذلك بفضلك!. معك كنت أكبر كل يوم عامًا كاملًا. زرتُ معك عوالم كانت موغلة في القدم وأحلامي لم تعد تتسع لها ثياب الواقع، من خلال عينيك نظرت إلى الكون الفسيح وأحببته.
لبستُ نظارتي وقلت لها بحنان بينما يدي تستشعر ملمسها الناعم:
أما أنتِ، يكفي أنْ أصفكِ بالمعجزة.
ثم وأنا احتضنهما معًا قلت: هل حقًا تنتظران مني الاختيار بينكما؟!. كيف يمكن للمرء الفصل بين ماضيه وحاضره؟ ها .. أجيباني!.
نهضت من مكاني بينما الضّياء السّاطع بدأ يغمرُ المكان. نظرت إلى كتابي والحاسبة. أرسلت لهما قبلة في الهواء قبل أنْ أغيب داخل فراشي.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |