النفس في الذات الانسانية / سلطة الضمير (2)

عمر قاسم أسعد
2024 / 7 / 26

عندما يكون الضمير يمثل القيم والاتجاهات الايجابية ( المنظومة الأخلاقية ) فإن سلوك الضمير في الذات الانسانية له دور كبير في تحديد علاقة الذات مع أقانيمها ومع الاخرين ، وعندما تكون الذات هي جهة الرقابة على مدى ما تحقق من سلوك الضمير فإن الشعور بالرضا عن الذات سيأخذ حيزا كبيرا باعتبارها ذات ايجابية .
لا شك أن في كل المجتمعات مجموعة من القوانين والانظمة والتعليمات الناظمة للحياة في مختلف مجالاتها ، وفي المقابل أوجدت المجتمعات سلم من العقوبات لفرضها ــ من خلال سلطة الدولة ــ على كل من ينحرف أو يخرق أيا من القوانين والانظمة والتعليمات الناظمة للحياة ، لأن أي انحراف أو خرق سيكون له تأثير سلبي على الذات وعلى المجتمع وإلا لكان المجتمع أشبه بقطيع والبقاء للأقوى .
والذات الانسانية ــ كأقانيم ــ يمكن تشبيهها بالمجتمع من حيث وجود مجموعة من القيم والاتجاهات والمعايير والعرف والعادات والتقاليد والدين . ... الخ ( الخاصة والعامة ) (( منظومة الوجدانيات )) تحت مسمى المنظومة الأخلاقية والتي تعتبر الناظم لعلاقة الأقانيم ببعضها وأيضا لعلاقتها مع الذوات الأخرى في المجتمع .
هي منظومة أخلاقية من المعلومات والتجارب والخبرات التي اكتسبتها الذات من خلال أقانيمها ومارستها وتمارسها كسلوك متبع .
نسمع كثيرا بعض المقولات ( هذا الانسان ضميره حي ) ( هذا الانسان ضميره نائم ) ( هذا الانسان ضميره ميت ) .
الذات التي ضميرها حي هي التي تسير وفق المنظومة الأخلاقية (( منظومة الوجدانيات )) ــ بكل أشكالها ــ والسلوك هنا هو أداة القياس للقيم التي تمثل الطابع المعنوي وتقاس بالممارسة ، والضمير في هذه الحالة هو الميزان لقياس مدى الرضا من عدمه عن هذ السلوك أو ذاك ومدى ما يحققه السلوك من رضا عن الذات للأقنوم المعني بالسلوك أو رضا الذوات الأخرى عن الذات لممارسة أي عمل ينطوي على ( منظومة الوجدانيات ) .
الضمير هو المحرك تبعا لما اكتسبته الذات من قيم ومشاهدة سلوكات ايجابية تم تخزينها كمرجع ونموذج عند القيام بسلوك مشابه .
على أن هناك خروقات للكثير من القيم وممارسات سلبية تؤذي الذات والمجتمع مع العلم أن الذات كغيرها من الذوات الأخرى اكتسبت القيم والاتجاهات والمعايير الاخلاقية من المجتمع ولكنها انحرفت من خلال ممارسة سلوك لبعض اقانيمها وربما في لحظة ما تتراجع الذات عن ممارسة بعض السلوكات من خلال ( صحوة الضمير ) حيث يشتعل الصراع الداخلي بين اقانيم الذات وتزداد جذوته مما يسبب ( للذات ) الألم والمعاناة على ممارستها لسلوك خارج إطار ( المنظومة الوجدانية ) المتعارف عليها في المجتمع ليكون ذلك محرك للضمير وما ينطبق على الذات القول أنة هذه الذات ( ضميرها نائم ) بمعنى أن هناك فترة مؤقته كانت السلطة لبعض أقانيم الذات على حساب سلطة الضمير وخاصة بما يتعلق بأقنوم الجسد المادي الذي يسعى دائما لاتباع ملذاته الجسدية على حساب باقي الأقانيم .
يصحو الضمير ويبدأ العتاب واللوم والندم ( تأنيب الضمير ) ومسألة حساب الضمير للذات تكون دائما بعد الحدث أو السلوك بغض النظر عن نوع الحدث والسلوك . إذ لا يمكن أن يكون أقنوم الضمير حاضرا قبل أو أثناء الحدث أو السلوك . لأن الذي يمنع السلوك قبل وقوعه هو سلطة الردع ممثلة بسلم العقوبات المتعارف عليها كعقوبة لممارسة سلوك خارج إطار القوانين او المنظومة الاخلاقية ، والذي يمنع استمرارية الحدث إما أن تكون قوة أخرى أقوى من استمرارية الحدث او ان اقنوم العقل كانت له السلطة في المنع قياسا على ما تم تخزينة في اللاوعي وتم استحضاره اثناء ممارسة السلوك أو أن هناك معيق مادي أو معنوي ، أو اي سبب اخر باستثناء سلطة الضمير لأن الالم والمعاناة واللوم والعتاب لا يحدث قبل الفعل ولا اثناء استمراريته .
فمثلا : ( الحب والكره ) قيم تتبع المنظومة الوجدانية والتي لا سلطة عليها للقانون أو لا تندرج تحت سلم العقوبات التي وضعتها السلطة لانها غير قابلة للقياس إلا بالممارسة والسلوك ، وهي قيم تنبع من داخل الذات نحو الأخرين ، قيمتان متضادتان لا تجتمعان في سلوك واحد ، وتكتسب من خلال المنظومة الوجدانية في المجتمع . الحب هو التحول في المشاعر والأحاسيس من (الأنا ) الخاصة إلى (هو ) العامة فإن كان الحب ممارسة سلوك حققت الذات الشعور بالسعادة والتقبل والرضا ، وفي حالة الكره يكون السلوك موجها من الذات إلى الأخرين كممارسات وسلوك يأخذ عدة أشكال لفظيه أو من خلال الحواس كالنظرات أو من خلال الحركات والتعابير الجسدية كالإيماءات او الاشارات . سلوك سلبي تجاه من يجب ان تظهر لهم الذات مشاعر الكره ، ليس هناك ضابط من المجتمع او السلطة او اي قوة خارج اطار الذات لتمنعها من ابراز مشاعر الكره .
تبدأ مشاعر الكره وتستمر ولا وجود للضمير كرادع يمنع هذه السلوك ، قبل الممارسة او حتى أثناء ممارسة السلوك . بعد لحظة ما ( وهي فترة نسبية تختلف من شخص لأخر ) وحسب قوة الصراع بين اقانيم الذات ومدى تقبل أو رفض الاقانيم لممارسة هذا النوع من السلوك ( الكره ) ربما يبدأ الضمير بإظهار سلطته على باقي الأقانيم من خلال بداية الشعور بالألم والمعاناة والندم على إظهار هذا السلوك للغير . سلطة الضمير تشكل رادع للمحاسبة لثني الذات عن الاستمرارية في ممارسة سلوك الكره . والمحاسبة هنا أيضا نسبية وتختلف من ذات لأخرى ، ولكن في المجمل إذا كانت سلطة الضمير قوية نجحت في فرض قوة من الردع لتحييد مشاعر الكره وربما استبدالها ــ لاحقا ــ بمشاعر الحب

حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت