|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
شفيق العبودي
2024 / 7 / 25
لقد بلغ الكذب السياسي أعلى درجاته في عصرنا بحيث تحول الكثير من السياسيين وأذرعهم الإعلامية، الكاذبين، إلى "بينوكيات" عصريّة بأنوف طويلة، كلّما ازدادوا كذبا ازدادت أنوفهم طولا. مشكلة الكاذبين اليوم في السياسة والإعلام، هؤلاء الذين تسمّيهم حنّة أرندت: كاذبو مابعد الحداثة، هو أنّ الكذب لديهم لم يعد إخفاء للحقيقة كما كان يفعل بينوكيو المسكين في رواية الإيطالي كارلو كولودي الذي صار كذبه كذبا "تقليديّا" اليوم وقد تجاوزه الزّمان، بل صار الكذب اليوم تدميرا للحقيقة وإتلافا للمعنى وتعطيلا للعقل ومنعا للتّفكير، وتحطيما للواقع رغم أنفه، فكيف يصدق النواب الأمريكيون هذا المجرم وهو يتحدث عن مظلوميته أمامهم محاولا إرتداء تنورة المتحضر التي تفوقه مقاسا، وبالمقابل التخلي عن بذلة التوحش والبربرية التي فصلها قادته العسكريون خصيا له. هول الأكاذيب والتلفيقات التي ألقاها المجرم ياهو في الكونجرس الأمريكي كادت تعصف بالبناية لهول ما سمعته، لكن عندما نكتشف أن هؤلاء شركاء في الجريمة يزداد هول الصدمة باعتبارهم مجرد ممثلين في مسرحية بئيسة التأليف والاخراج والتمثيل، فهم يعرفون أنه يكذب وهو أيضا يكذب ويعرف أنه يكذب، كما أنه يعرف أنهم يعرفون أنه يكذب ومع ذلك يصفقون لأكاذيبه دون أن يشعروا ب"الخجل" الأخلاقي الذي شعر به "بينوكيو" في الحكاية. مما يعيد طرح السؤال حول علاقة السياسة بالكذب. كيف صار الكذب لصيقا بالسياسة؟ أم ان الكذب مرتبط بشكل وثيق بالسياسة منذ بدايتها؟
لم يكذب الفيلسوف ألكسندر كويري عندما قال: “ إننا لم نكذب قط بالقدر الذي نكذبه اليوم، كما أننا لم نكذب على هذا النحو السّفيه والنّسقي والرّاسخ كما نكذب اليوم"
فجوزيف غوبلز وزير الدعاية النازي السابق له مقولة شهيرة في هذا السياق مفادها “إكذب إكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم إكذب إكذب أكثر حتى تصدق نفسك" الخطاب المهزلة يشير بما لا يدع مجالا للشك اننا نسير على خطى أحد منظري النازية الذّي قال: ” يكفي أن تكرر نفس الأكذوبة مرات عديدة وعلى نحو متواطئ لتتحول إلى حقيقة”؟ أليس هذا ما يسعى إليه ياهو المجرم؟ وذلك بتغيير واقع الإبادة الجماعية والتطهير الذي تمارسه آلة القتل والتقتيل الصهيونية فلسطين المحتلة وخصوصا بغزة.
هكذا فإن لغة السياسة تم تصميمها لجعل الكذب يبدو صادقا والقتل محترما كما قال جورج أوريل، كما أن السياسة فن الكذب وصناعة الوهم، فن التلاعب بعقول الناس، فمن الكذب يعاد صياغة الواقع ووضع المساحيق حوله.لكنّ الجديد اليوم أنّ ثقبا ما قد حدث في جدار البناء الكاذب مع الثورة المعلوماتية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي في كل أسقاع الأرض مما قلب السحر على الساحر، فواقع الارض يعلو هذه المرة على كل السرديات المراد لها ان تسود، لذلك نقول ما قاله أبراهام لينكولن
”تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت ، أو بعض الناس كل الوقت ، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت”، ببساطة لأن ”الكذبة لا تعيش حتى تصبح عجوزا” كما يقول سفولكس.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |