|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
فوز حمزة
2024 / 7 / 24
خرجتُ مسرعة في ذلك الصباح الذي بدا رطبًا بينما حقيبتي السّوداء تطوق معصمي،
وقد احتل هاتفي يدي بالكامل..
أغلقته في التو على رسالة مفادها: السائق في انتظارك..
شاحتْ عينيَّ هنا وهناك في محاولة بحث عن سيارة صفراء تنتهي لوحة مفاتحيها بالرقم 265، لكني لم أشاهدها!.
انعطفتُ نحو زقاق آخر لعلي أجدها فيه.. لكن دون جدوى..
عدتُ أدراجي وقد باتْ في النية إلغاء مشواري لذلك اليوم، خاصة وأن حرارة الجو أخذت تلهب كالسياط، لكن ما إن لاحت مني نظرة نحو جهة يساري حتى رأيت شابًا يقبع في سيارة حمراء وهو يلوح لي بيده وهي تحمل هاتفه.
أدركت لا بد وأن يكون هو، وبالفعل كان هو..
قلت في امتعاض بعد صعودي السيارة: هذه المرة الأرقام واللون مختلفين!.
أجاب السائق وهو يبدو شابًا ملتحيًا في العشرين من عمره تبرق عينيه بالغرور: أي هذه اشتريتها جديدة..
قلت في هدوء: بس ما يصير، المسج يخبرني برقم وتجيني سيارة برقم آخر!.
فرد بشيء من الاستخفاف: أي حجية مو آني أشرتلج ودكيتلج هورن، بس إنتي لا سمعتيني ولا شفتيني..
فقلت مبتلعة كلمته العصماء(حجية) بشيء من الغيض: يعني هسه آني الغلطانة!
رد بشيء قريب من الوقاحة: حجية ترى إنتي مكبرة الموضوع. هسه ما صار شيء. هاي إنتي صاعدة وهسه أوصلج وتدللين!.
وهنا أخذت تتناسل بين عينيَّ سحب سوداء، بينما غصة متوغلة بدأت تجد طريقها إلى صدري..
وقد تزاحمت في فكري كل تلك الفوارق في الثقافات..
هل أبدو كحجية؟
أم أنه كلمة يطلقها في العموم كتعبير عن الاحترام..
فقلت كأني أحدث نفسي بصوت بلغ مسامعه: والله ما أدري..
وإذا به وهو ينظر صوب المرآة كأنه يرصد ردة فعلي: خير حجية، ماكو شيء، أشو أشوفج ضايجة؟.
ثلاث ضربات متتالية..
قلت: انظر طريقك وانتبه لسياقتك..
هو: وجهتج لـگهوة وكتاب؟ .
- أي..
ثم بدأ وكأنه يود قول شيء ما، بعد أن أشعرته بعدم رغبتي في الحديث..
كان لا بد والمحافظة على اتزاني ومظهر هيبتي..
لحظات وكان قد توقف أمام باب المقهى..
حين ترجلت وأغلقتُ الباب من خلفي وبعد تخطي قدمي بخطوتين، صاح من خلفي: حجية، الگروة..
فعدتُ ودنوتُ إليه عبر النافذة: انزل وتفضل معي إلى الداخل لأعطيك أجرتك..
وقد برقتْ عينيه بلمعة حادة..
فسار خلفي وكأني به كرجل من الحماية..
قلت في نفسي: لعله ينفع أن يكون ممثلاً بارعًا!.
طلبت إليه الانضمام لطاولتي بعد أن طلبت له فنجان قهوة..
فقال مبتسمًا بغرور: لا جاي، جاي..
فقلت: طيب، جاي، جاي أدلل..
حتى طغتْ البهجة وافترشت كل ملامحه..
أفهم جيدًا هذا النوع من الشباب..
بعد أقل من ثلاث دقائق كأنها ثلاث سنين من الأعصاب.. خفتَ بريقه وأسدل ستاره وأصفر وجهه وهو يقول بعد أن أطرق رأسه: أنا آسف ست.. صحيح اللي يجهلك ما يعرفك..
بعد أن شاهد وسمع في تلك الثلاث دقائق ما رأه وسمعه..
وعاشت الحجية..
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |