مدام سوسو

خالد محمد جوشن
2024 / 7 / 23

ست جميلة وعايقة جدا ، تقترب من الخمسة واربعون عاما ولكنها تبدوا اصغر من ذلك بكثير ، بالمقارنة بالسيدات جيرانها المدهولين ، هى تبدوا ملكة جمال .

تعتقد معظم النساء فى حارتنا ومعظم حارات وشوارع مصر ، ان اهتمام الانثى بنفسها وان تبدوا دائما فى ابهى زينة ، هو رفاهية ينبغى الترفع عنها لو تزوجت ، وعلى هذا كانت نساء الحارة تنظر الي سيدتنا الجميلة بنوع من الحسد الدفين والريبة فى مسلكها .

كانت السيدة اصلا من بلدة ريفية ولكن من أعيانها ، و تربت بشكل استقلالى نوعا ما وتزوجت وكيل محامى ، وهى مهنة كان لها شأن فيما مضى ، وكانت السيدة لها ايراد شهرى من سوق للمواشى تمتلك حصة فيه ميراثا من عائلتها .

السيدة لها اربع بنات غاية فى الجمال وخصوصا الكبرى ، وولدين اكبر من البنات ، ولكنهما عديمى الشخصية واقرب لاخلاق البنات من حيث الطراوة والنعومة ، ويبدوا ان شخصية امهم الجميلة القوية وتربيتهم وسط اخواتهم البنات كان له تاثير كبير عليهم .

السيدة كانت تعيش فى جو حُر ربما بسبب الغربة عن بلدتها ، وكان بيتها شبه مفتوح ، هو مزارا للاقارب والجيران ، واصدقاء ابنائها الذين كان وجودهم سببه الرئيسى القرب من بناتها الجميلات .

لا اذكر ابدا اننى وجدت باب شقتهم مغلق ، دائما الشقة مترعة بضيوف وجيران واصدقاء ، يتصرفون بكل اريحية وكانهم فى ناد ، أو بيتهم ، وقد ترى احدهم منفردا باحدى فتياتها الجميلات فى حديث هامس ، ولكن جميع ما يدور كان على الملاء وتراه ربة البيت الجميلة .

السيدة دائما تبدوا فى ابهى زينة وتجالس بكل اريحية كل الاقارب والضيوف والاصدقاء ، وخصوصا فتى وسيم كان محامى حديث وقد اتى مرة يتهادى مرتديا روب المحاماه الاسود من اول الشارع ، كان الفتى المبهر يأتى دائما لزيارتهم ويمضى الساعات فى شقتهم ، ونال البعض من سيرة السيدة الجميلة وان الفتى قد شغفها حبا .

كما العادة لم يكن هذا الجو المفتوح مثار حسد الجيران ، مرحبا به منهم ، وان كن يتمنينه فى قرارة انفسهم .

تزوجت البنات الاربع زيجات جميلة ، اقارب لهم ، وكنت اطمح فى الزواج باحداهما ونشات بيننا قصة حب عميق لن انساها ولكن حالت امور كثيرة بينى وبين زواجها .

فجاة داهم السيدة الجميلة مرض السكر ولكنها تعاملت معه بكل استهتار ففتك بها سريعا ، ولاانسى اننى رايتها تضع روج ومكياج على احسن ما تكون وهى فى اوج محنتها الصحية ، كانت عاشقة ومحبة للحياة .

مدام سوسو علمت حارتنا ، نسائها ورجالها الاساليب الحديثة فى اللبس والمكياج ،وفى الظهور دائما بالمظهر اللائق حتى لو كانوا داخل بيوتهم .

كانت وبناتها عقب فراغهن من عمل الببت ولوازم اليوم ومشاويره ، بعد العصر تقريبا ، يتحممن ويتعطرن ويرتدين لبس اخر غير ما كن يرتديينه والتسريحة الانيقة ومجلة الموعد اللبنانية فى يد الكبرى ، والاخريات ومنهم فتاتى الجميلة على سطح العقار المرتب ، الذى كان ملتقى لنا ، كما كان الشباك المطل على الشارع
موعدا للحضور .
كان لبيت السيدة الجميلة المفتوح دائما ، اثر غير عادى ، من خلال تصرفاتها وسلوك بناتها الجميلات وطريقة لبسهم واكلهم وتنظيمهم لبيتهم ونظافته وتصرفاتهم الشخصية واختلاط الكل به اثر كبير فى تغيير النمط العام الجلف لاهل حارتنا .

رحم الله مدام سوسو وطيب ثراها .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي