|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
الطايع الهراغي
2024 / 7 / 19
"أرانب غير أنّهم ملوك// مفتّحة عيونهم نيام"
(المتنبّــي)
"ذهبنا جميعا إلى الانتخاب
ولم ينتخب أحد من نجح"
(أولاد أحمد)
" إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة"
(سورة النّمل/ الآية 34)
01/ ومن التّوهّم ما يقتل
رحم الله شاعر البذاءة المساويّة لنفسها، مظفّر النّوّاب. كان تيقّن منذ أمد بعيد أنّ الحكّام العرب ليس لهم موعد إلاّ مع الخراب والتّخريب وأنّ الشّتائم الجميلة أرقى من أن تليق بدفاتر فظائعهم ، ففي ذلك اعتداء على قداسة اللّغة وحطّ من قيمة الهجاء كغرض شعريّ أصيل في المدوّنة الشّعريّة العربيّة، فكان أن أطلق صيحته الفاجعيّة" اللّهمّ اِبـدأْ التخريب الآن /فإنّ خرابا بالحقّ/بناء بالحقّ".
وقبله كان الشّاعر الفلسطينيّ يوسف الخطيب قد سكنه الشّكّ في انتماء هذه الأمّة لعالم العروبة "أكاد أومن، من شكّ ومن عجب// هذي الملايين ليس أمّة العرب".
الموعد المرتقب في "تونس السّكرانة"(عنوان عمل أدبيّ لحسن بن عثمان)تلفّه ضبابيّة مرعبة وتوجّس أكثر من مشروع منذ فقد حكّامها ونخبها الصّواب.موعد(كان من المفروض أن يكون استحقاقا شعبيّا بامتياز)تحفّ به مخاطر مرعبة، مركّبة ومتشابكة ستظلّ تهدّد مستقبل تونس وتاريخها لسنوات وتطبع السّاحة السّياسيّة ردحا من الزّمن بوابل من الأعاصير.مشهد حكمت عليه جملة من المعطيات الموضوعيّة (والذّاتيّة أيضا )بأن يكون مقرفا منذ 2011، ازداد تعفّنا بعد تمكّن تعبيرة من تعبيرات اليمين الحاكم من الاستفراد بالسّلطة وإقصاء من تقاسم معه الحكم في زواج متعة أقرب إلى تنكيد الضّرائر، استبدال طاقم حاكم استحال فيه التّعايش بين مكوّناته بطاقم جنيس من صلبه ومن نفس دائرة تفكيره ومعارفه، مسكون بعقليّة التّآمر الخرافيّة،يفترض وجود المؤامرة إن لم تكون موجودة ويعتمدها شمّاعة عليها يعلقّ كلّ مظاهر ومجالات فشله وفي كلّ الميادين( حتّى في ما يتعلّق بتسيير الشّأن اليوميّ العاديّ) ويوظّفها بمكر ودهاء سياسيّ مقصود في إرباك سائر الفاعلين من منظّمات وأحزاب وهيئات وأصحاب رأي لتركيع من يسهل تطويعه وتعطيل أنشطة من يصعب احتواؤه.
تلك هي اللّوحة المرسومة في تونس المريضة بعلل كثيرة عشيّة الانتخابت العجائبيّة، لعلّها انتقام التّاريخ ممّن تسكنه الأوهام فيسلّم مقاليد أموره لمن ليس منه :
++ حاكم مزهوّ ببطولاته الدّونكيشوتيّة حيث العدّاد ما ينفكّ يشتغل وبالسّرعة القصوى والنّتيجة كما هو منتظر مفزعة،حاكم تسكنه النّقمة على تاريخ بلد لم يساهم في شؤونه ولم يكن معنيّا بمخاضه حتّى بمجرّد المتابعة الباهتة–لا بالإيجاب ولا حتّى بالسّلب-. فما العمل والحال على ما هي عليه لمن وجد نفسه في أعلى هرم السّلطة وبتلك المواصفات؟؟ لا حلّ إلاّ أن يقبر تاريخا كاملا بما له وما عليه،بما فيه من نجاحات وخيبات، انتصارات وانتكاسات، تضحيات وتعثّر، تشكّل مجتمعة تاريخ تونس والتّونسيّين، ليتخيّل تاريخا مخالفا،افتراضيّا،غير موجود إلاّ في مخيّلة من توهّم وجوده حتّى صرعه التّوهّم فغلبه فصدّقه.عقليّة كهذه إذا وقع تمثّلها تملي وجوبا استعداء الجميع وتتبّعهم سياسيّا بتوظيف رخيص ومفضوح للمؤسّسة القضائيّة.الاعتماد على أسهل الحلول -الحلول الأمنيّة- ليس إلاّ استنساخا لتمشّ اعتمدته الأنظمة العربيّة المنغلقة على ذاتها وأعلاه بن علي طيلة فترات حكمه إلى مقام الحلّ السحريّ فكان على البلاد وبالا وتصحيرا. يكفي فقط استحضار مآلات سياسات نظام 07 نوفمبر1987.فقد مكّنت الإسلام السّياسيّ من أجنحة كم كانت قياداته بحاجة إليها و عجزت عن اجتثاثه على خلاف ما كانت تتوهّم. ولم تنجح إلاّ في إنعاش عقليّة زبونيّة سيضع أصحابها أنفسهم على ذمّة كلّ مريد من حكّام ما بعد 2011 بدءا بالنّهضة ومرورا بنداء الباجي والاتّحاد الوطنيّ الحرّ لصاحبه سليم الرّياحي وانتهاء بنظام قيس سعيّد ذاته الذي أعليَ بفضل حنكة الأنصار والأتباع في التّذلّل إلى مرتبة المهدي المنتظر . .
++إعلام دخل بسرعة- إلاّ من رحم ربّك- منطقة الحضر الأمنيّ وولج بيت الطّاعة صاغرا ذلولا متذلّلا، لبس جبّة الهوان واستكان إلى التّدجين واعتمد التّسطيح والتّهريج الممنهج وبقصديّة في هجوم غير مسبوق، منفلت من كلّ عقال على كلّ من أبت عليه نفسه الحجّ إلى سقيفة قصر قرطاج وأحواز دارالضّيافة، مع تعمّد الخلط بين "الفشـل" السّياسيّ-كاحتمال يظلّ دوما واردا- ولا جدوى السّياسة وعبثيّتها، حتّى باتت السّياسة( ولي س فقط تعاطي السّياسة) تهمة وجريمة ووصمة عار. ذلك هو مدلول الشّعار الفجّ المفرغ من كلّ دلالة والمشبع بكلّ ما تجود به قواميس اللّغات من مترادفات الحقد والكراهيّة والتّرذيل والتّشفّي= ضدّ الأحزاب والمنظّمات والمؤسّسات ورجال الفكر والفنّ ومع تونس فقط. شعار يتفنّن رهط آخر من الأكثر تمرّسا في فنّ التّزويق والحذلقة اللّغويّة في إخراجه في صياغة برّاقةـ تقول كلّ شيء لكي لا تقول شيئا محدّدا، خطاب ظاهره هيام بحبّ تونس حدّ الكفر وباطنه جلد السياسة بسيل من اللّعنات وتشييعها إلى أرذل ركن في متحف الكائنات المندثرة. ذلك هو جوهر الشّعار= لا ولاء إلاّ لتونس .
++ نخب رضيت بالهوان ،استطابت الإضراب عن التفكير، خدّرتها حبوب الهلوسة فتعطّلت أفهامها وسكنها الهذيان. جزء منها أسكره تهاطل الوحي ليلة الفاتح من25 جويلية.دمغه الوعي وباغته الإلهام فسكنه الحلم بتحويل"لحظة 25جويلية" إلى مسار يحيي استحقاقات ثورة 17ديسمبر/14جانفي المغدورة كما يرّوّج لذلك الرّئيس. توهّم خلاصا من الإسلام السّياسيّ منافسه وغريمه في آن. وصدّق بكثير من اليقينيّة أنّ ساعة الإنقاذ قد حلّت وأنّ المنقذ من الضّلال اهتدى إلى ما لم يهتد إليه أحد. في غمرة الانتشاء وتحت وقع التّخميرة تناست مجاميع التّهليل والتّكبير والمساندات النّقديّة( تحوّلت في ما بعد إلى مناشدات) ما كانت تلهج به من ضرورة الحذر والتّباين مع اليمين بوجهيه الدّينيّ والمدنيّ وبمختلف تعبيراته وراحت تنبش في إرثها( على افتراض أنّها متمثّلة لمرجعيّتها) لتطوّعه وتلوي عنقه حتّى يستجيب لما هو مطلوب من تراجعات تمّ تسويقها على أنّها مراجعات وتحيين ونقد ذاتيّ واستجابة لمقتضيات المرحلة.
02/"تونـس المريضـة حسّـا ومعنـى"
تطبيقا لما ورد في فصول الدّستور الطّغرانيّ- الذي كتبه قيس سعيّد (بذات نفسه) في زمن قياسيّ ومن موقع الرّئاسة كدليل على تمكّنه من فقه الدّستور- والتزّاما بالفلسفة التي تحكّمت في مقاصده وأطّرتها وتكريسا لما من شأنه أن يضمن غلق كلّ المنافذ أمام أيّة إمكانيّة للتّنافس،حتّى ما كان منه شكليّا،على إدارة الشّأن السّياسيّ في البلاد لم يتأخّر سيادته عن تحدّي منافسيه وخصومه على حدّ السّواء ومنازلتهم أفرادا وجماعات،أحزابا ومنظّمات بروح وبخطاب حربيّ ثأريّ استفزازيّ يحيل بالضّرورة إلى مرجعيّته المعشّشة في خبايا الذّهن" وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل، ترهبون بها عدوّ الله وعدّوكم"( سورة الأنفال / الآية60 ). يجعل من الجميع أعداء، وبالتّصريح -علنا وبكلّ مكابرة وبدون مواربة،في جملة جزميّة مساويّة لنفسها لا تترك أيّ مجال لتأويل أو فتوى- برغبته الشّبقيّة(رغبة استبدّت بصاحبها وتمكّنت منه ففرّخت قرارا وتناسلت فرمانات سلطانيّة)في الاستئثار بالحكم والاستفراد بتشكيل المشهد السّياسيّ على هواه والتّحكّم في مصائر التّونسيّيين عمدا وتعنّتا :" لن أسلّم وطني لمن لا وطنيّة له "( الرّئيس قيس سعيّد بمناسبة إحياء ذكرى وفاة الحبيب بورقيبة / أفريل 2023). هل يستقيم بعد تصريح كهذا مشبع بالأنويّة وتضخيم الذّات ولاستفزاز الحديث عن انتخابات أصلا؟؟ وهل يمكن تصوّر لوحة انتخابيّة في ظلّ رغبة مفضوحة في تصحير كلّ مناحي الحياة الفكريّة والسّياسيّة بعقليّة انتقاميّة ممّن أثّثوا المشهد لسنوات-سلبا وإيجابا-؟؟. بذلك نطق أبو الهول ليثلج صدور منافسيه وخصومه بما كان يعتمل في مخيّلته منذ سحرته السّلطة فاستطاب المقام في الباب العالي، قصر السّلطان .تلك هي ضريبة الهوس بتأبيد الإقامة في سقيقة قصر قرطاج .ذلك هو شعار الرّئيس،هاجسه وحلمه في آن .وبذلك يكون أمر الانتخابات الرّئاسيّة(هذا إذا افترضنا إمكانيّة تخيّلها) قد حسم نهائيّا،إلى الأبد وقبل الأوان تجنّبا لأيّ طارئ.لم يبق إلاّ انتظار النّتيجة دون توقّع لأدنى مفأجأة والتّفنّن في الإخراج والاحتفال بالإجراءات التي تضمن عدم تسرّب غير الوطنيّين[ وما أكثرهم في سرديّات وخطب رئيس الدّولة] لمجرّد التّفكير في التّرشّح ناهيك عن التّنافس. الإجراءات "الثّوريّة" - شأنها شأن أيّ قرار مصيريّ- استجابة لمتطلّبات اللّحظة،لا مجال فيها للتّردّد والتّلكّؤ والخضوع لما تمليه الاعتبارات الأخلاقوية- بدعة من بدع أمّك صنّافة كما يحلو للرّئيس التّندّر بذلك وحلم أرعن من أحلام العاجزين-. احترام أبجديّات التّعامل السّياسيّ خرافة أكل عليها الدّهر وشرب ونبت الرّبيع على دمنتها على حدّ قول الهمذاني في مقاماته السّاخرة. ذاك خطاب الضّعفاء والمستضعفين. أليست الضّرورات(في قضيّة الحال تخليص"شعب تونس العظيم" من المؤامرات والمتآمرين) خير موجب لإباحة كلّ المحظورات، ولِمَ لا اعتمادها قاعدة أبديّة؟؟ الحدث الذي يفرض نفسه في السّاحة التّونسيّة فرضا هو الانتخابات الرّئاسية المبرمجة ليوم 06 اكتوبر2024 طبقا لقرار أستصدره رئيس الدّولة المعنيّ الأوّل- وربّما الوحيد- بها كاستحقاق كان يُفترض أن يشكّل منعرجا في بلد لم تعد الانتخابات غريبة عنه منذ نجاح شعبها في إزاحة بن علي وفرض تنافس على الرئاسة بتوفّـر الحدّ الأدنى المطلوب في أيّة انتخابات. غير أنّ كلّ الدّلائل والاحتياطات التي تدبّرها الرّئيس تجزم ما قبليّا بالتّصريح العلنيّ وليس بمجرّد الإيحاء أو التّلميح باحتمال وحيد يتيم: تمكّن الرّئيس الحاليّ من مصادرة عهدة ثانية وتأميمها بكثير من اليسر. دعنا من تلك الجوقة التي تردّد بلا كلل ولا ملل وبشكل ببّغائيّ:المهمّ المشاركة لقطع الطّريق على أعداء الوطن،فهي تتعامى بوعي عن مطبّات ومنزلقات جعلت وستجعل الانتخابات مفرغة من أيّة دلاللة،خالية من أيّ تنافس حتّى في بعده الشّكليّ. ودعنا من تلك الاسطوانة المشروخة حول تجنيب الشّعب التّونسيّ ويلات حكم أعدائه وتخليصه من غول الإسلام السّياسيّ. فتلك شمّاعة استنفذت مدّة صلوحيّتها. فموّال كهذا استُهلِك حتّى بات مقزّزا. الرّهان منعدم ما دام الماسك بالحكم أملى ويملي شروطه على الجميع.
الانتخابات في أيّ مكان في العالم تتطلّب مناخا انتخابيّا سليما واحتراما لقوانين اللّعبة ومستلزمات التّنافس وتحفّز سائر العائلات السّياسيّة والفاعلين السّياسيّيين على تأثيث مشهد سياسيّ في حجم الانتظارات،في غياب ذلك تتحوّل العمليّة الانتخابيّة برمّتها إلى مسخ ويصبح الموسم الانتخابيّ مأتما وفعاليّاته جنازة.
انتخب،ينتخب،انتحابا(وليس انتخابا).في بلدان المتوسّط - بلدان الأقبية الصّفراء تستفحل غريزة الرّغبة في استقبال الموت على كرسيّ الحكم فيتمّ الانتقام من الفكرعلى قارعة الطّريق بالاعتداء عليه بالفاحشة وبالاغتصاب بصلبه على قفاه ليصرّح بما ليس منه وما ليس فيه- بين الانتخاب والانتحاب علاقة حميميّة. وبين الحاكم وعالم الانتخابات في بلدان العرب العاربة سوء تفاهم مؤبّد يعادل ما بين الأنوار والظّلمات من ودّ وتقارب لا يتأخّر في الإعلان عن نفسه كعداوة.الانتخابات بدعة البدع ( بكلّ ما في مفهوم البدعة عند الفقهاء من حمولة سّلبيّة من حيث هي مروق وزندقة وخطيئة الخطايا).
في بلدان العجائب- وتونس أريد لها أن تكون حوزة ونموذجا- يصل الحاكم اللّيل بالنّهار ليحصي عدد المؤامرات الافتراضيّة التي تُدبّر له في ظلمات اللّيل إذا عسعس وفي عزّ الهجيرة عندما تبلغ الحرارة أوجها، ويستجدي جيش العرّافين - وخاصّة العرّافات- أن يستقرئوا له ميولات الرّأي العامّ بالشّكل الذي يروق لسيادته أن يتخيّله وليجعل من مواسم الانتخابات مشهدا جنائزيّا وموعد شؤم.
دعكم من06 أكتوبر 1973. فتلك خرافة قبرها الزّمان ولفّها النّسيان وتتالت عليها الخطوب، نصـرٌ غير متوقّع شاء له الرّئيس المؤمن محمّد أنور السّادات أن يكون مدخلا لعصر التّطبيع وتحوّل الخيانة إلى وجهة نظر. واحفظوا جيّدا هذا التّاريخ:06 أكتوبر 2024. انتقام ممّن فرّط في نصر مبين ليسلك مسلك السّلام المشين. وقعه سيضاهي وقع الباكالوريا ويزيد متابعة وانتظارا واحتفالا واكتواء بلحظات الانتظار. سيكون له شأن وأيّ شأن.إنّه العبور الكبير من عصر الظلمات إلى عصر الأنوار، هديّة الرئيس -المنتهية ولايته- لتونس وللعالم وللإنسانية جمعاء . حلّل يا دويري ومن المسافة الصّفر وخرّف يا العروي (إحالة إلى حكايايات عبد العزيز العروي) وهلّلي يا صوفيّة بما يجب من صدق" في بلد الأمان، يحيا هنا الإنسان، سعيد من عايش العهد السّعيد".طلّقي يا حليمة عاداتك القديمة والتحقي بركب القافلة وهي في المسير تحث الخطى. هي مناشدة -على عظمة قدرها وجلالتها- لا تستدعي جهدا ولا مالا ولا بنونا. تستدعي فقط وفاء لمن كلّما وعد وفى. وعدكم بدستور تاريخيّ فكان. وعدكم بعلوّ شاهق فكانعلوّا متشاهقا متسامقا.آمنكم من خوف وأطعمكم من جوع.
كلّ عام وتونسنا بخير/ وكلّ موسم وانتخاباتنا ترتع في الخير.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |