غروب صديق

خالد محمد جوشن
2024 / 7 / 18

ترجل الفارس عن صهوة جواده وانتقل الى رحمة مولاه م ، ح ، عن عمر يناهز الخامسة والستون عاما ، دفعها من عمره فى مهنة المحاماة ، التى لم يحقق فيها شهرة ما ، ولكنه كان محامى امين ومجتهد ، وكان ينغمس فى قضاياه بشكل مرعب ، ويتحول الى نفس شخص موكله ويدافع عنه بكل شراسة ، وكانه هو صاحب الدعوى بشحمه ولحمه و ذلك كلفه خسارة العديد من الزملاء .

ولكنه كان شخص ظريف فى المُجمل ويتخذ سمت فقهاء القانون بشعره الابيض وحواجبه التى غمرها البياض وبدلته المزررة باحكام ويتدخل فى النقاشات ويدلى برأى اكثر من حكيم .

كنا وزميل اخر يدعى ه، خ ، يطلق علينا احد قدامى الكتبة فى المحكمة الفرسان الثلاثة ، اثناء رواحنا وغدوانا معا ، ولتصاريف القدر توترت علاقته ب الزميل ه، خ، قليلا اثر قبوله قضية ضده كان يعتقد فيه وجه الصواب وكنت ومازلت على يقين ان زميلنا هذا زج به فيها، ودارت الايام ورحل ه، خ، وبقيت انا وهو . ولكن ذهبت بى الايام بعيد على بلدتى الصغيرة زفتى وقلت لقاءاتنا ، الا صدفة عندما اذهب الى محكمة زفتى.

تعاونت معه خلال مسيرتى فى المحاماه ، فى بعض قضاياه ولكنى لم اتقاضى منه جنيه واحد ، وهو لم يعرض عليا ، عكس ما فعلت انا حيث طلبت معاونته وافدته منها ماليا بقدر الجزء الذى تقاضيته كأتعاب .

كان يتسم بالهدوء المطلق ومواظبا على الصلاة وكنت احسده على صلاته وانتظامه فيها عكس ما افعل انا ، ولكنه قال ، لا ياخالد انت اقرب الى الله منى ، مش بالصلاة ، ماحدش عارف الخير فين .

كان غير اجتماعى بالمرة ولا اعلم ان كان ذلك يعود له شخصيا ام لزوجته ولكنى اذكر اننى زرت اسرته وزوجتى اكثر من مرة ، وحتى خلال زيارته للحج وهو لم يجاملنى على الاطلاق ، حتى اننى عاتبته فالقى اللوم على زوجته وانه لاتحب الزيارات والاختلاط .

قصة زواجه تنبىء بقدر كبير عن قضية القسمة والنصيب ، حيث انه قابلها فى قطار وكانت قد فقدت تذكرة الركوب وتبكى ، اثر طلب الكمسارى لها الا انه تدخل وحل المشكلة وتعرف عليها وتزوجها لاحقا .

كانت فتاة جميلة نسبيا ذات بشرة بيضاء مشربة بحمرة ، ولكنها كانت تفتقر الى الدبلوماسية تماما ، قروية لم تتعلم شيئا من حياة الجامعة ولم يكن هو يساعدها على التغيير وربما كان عازفا ومستمتعا بذلك .

استطاع من خلال عمله فى المحاماه ان يعيش مستورا وبنى منزلا فخما وقد استعان فى بناءه ببيع قطعة ارض كان احد اقرباءه الذى لم ينجب قد وهبها له . ولكنه استمر يعانى من صعوبات الحياة وان دخله يوم بيوم .

كان يتمنى الاحالة للمعاش فى اخريات ايامه وكلفنى باعتبارى مقيم بالقاهرة ان اسال له عن الشروط والاجراءات ، ولكنه اكتشف ان المعاش لن يستطيع ان يقيم اود حياته واسرته ، رغم انه زوج ابنته فى وقت باكر فعدل عن فكرة المعاش .

والغريب اننا لم نلتقى كخصوم على مدار معرفتنا التى استمرت فوق الثلاثين عام ، الا انه فى اخريات ايامه وُكل فى قضية كنت فيها خصمه ويبدوا انه كان واثقا من كسبه لها ، لان الموكل لم يطلعه على كافة المعلومات او ان ظروفه الصحية لم تسعفه فى دراستها جيدا فاعتقد انه سوف يكسبها .

ولكنه خسرها لاننى كنت على علم وافى وافى بطريقة كسبها ، والغريب اننى قابلته يومها فى الشارع ، وكان ذلك فى اخريات ايامه بعد الجلطة الاولى ، وكان فى طريقه الى المحكمة لحضورها وسلمت عليه، ولكن رده كان فاترا ، وهذا يعود كما ذكرت الى شخصيته التى تندمج مع الموكل ، ولا تفرق بين الواجب كمحامى واصول الزمالة واننا زملاء اولا واخرا ، ولكنى لم اهتم للامر .

وقبل وفاته بثلاثة اشهر تقريبا اصيب ب جلطة اخرى فى القلب، تداعى على اثرها رغم مقاومته ،و انزوى فى بيته.

كنت عازما على زيارته وكان لنا صديق يحثنى على ذلك ، ولكنى كنت متردد للغاية لان الموقف اصعب على من احتماله، فضلا عن بعد المسافة

كان الصديق يوالينى باخباره اولا باول ، وكلما كان يتصل بى كنت اتوقع سماع الاسوء ، ولم يستمر الامر كثيرا حتى ابلغنى هذا الصديق ان ، م ، ح ، انتقل الى الرفيق الاعلى

رحم الله الزميل العزيز م ، ح ، واحسن مثواه ، وجعل مرضه شفيعا له يوم القيامة

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي