|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عمر قاسم أسعد
2024 / 7 / 15
ولأن الوجدانيات صفة طبيعية أوجدها الخالق في الذات لذلك فهي لا تنحصر حول موضوع معين أو موقف معين ، بل تمتد لتشمل كافة أقانيم الذات على الرغم من وجود صراع خفي بين الأقانيم إلا أنها تشكل مع باقي الأقانيم الوحدة المتكاملة للذات الانسانية ، ومن هنا على الذات المتكاملة أن تتوافق مع أقانيمها لإيجاد حالة من الوحدة بينهم ، ولعل الأقنوم الأقرب للمنظومة الوجدانية هو أقنوم الجسد الذي يخضع للكثير من الحاجات والمثيرات والغرائز والتي قد تنشأ من داخل الذات أو تؤثر عليها من خارجها .
الجوع مثلا مثير داخلي يختص باقنوم الجسد الذي يحول هذا المثير لأقنوم العقل الذي يثير غريزة الجسد بدفعه إلى الاستجابة للبحث عن الطعام ليعود أقنوم الجسد كما كان عند إشباع حاجة الجوع ، وهكذا قياسا على باقي الحاجات أو الغرائز التي تتعلق بالجسد لإشباع حاجاته الفسيولوجية .
هنا تكون العملية ما بين الجسد والعقل . الجسد الذي يثار بحاجاته وغرائزه الأساسية والعقل الذي يرسل إشارات الاستجابة للجسد لإشباع الرغبات والحاجات والغرائز لأن كل منهما يؤثر ويتأثر بالأخر ، ولكل اقنوم المصلحة في استفرار باقي الأقانيم ، إذ لو أن الجسد في حالة جوع وغير قادر على تلبية هذه الحاجة فهل يستطيع العقل أن يستمر بوظائفه بالشكل الطبيعي !، سيواجه العقل نوعا من الصعوبات تزداد كلما ازدادت حالة الجوع وسرعان ما تبدأ إضرابات العقل بالتزايد وتظهر أعراض مثل عدم التركيز وعدم القدرة على التحكم وقلة الإدراك والاستيعاب ناهيك عن الآثار التي تلامس باقي الأقانيم وخاصة بما يتعلق بمنظومة الوجدانيات التي سرعان ما تظهر عليها المشاعر السلبية والتوتر والعصبية والغضب والانفعالات الوجدانية السلبية ،وعلى الذات أن تدرك أنها جزء من ذوات أخرى تؤثر وتتأثر بها ، وتتعرض الذات للكثير من المثيرات في كل الأمكنة التي تتواجد فيها ، وهذه المثيرات هي نتاج لمثيرات أخرى سابقة أو سبب لمثيرات أخري قادمة ، وعلى الذات أن تدرك أنها تتعامل مع الكل وليس الجزء وعليها أيضا أن تتأمل كل المثيرات التي تمر بها من خلال منظور الزمان والمكان ( الزمكان ) وأن تتفاعل ايجابا مع هذه المثيرات من خلال تضيق المساحة التأملية وتصغيرها الى مساحة تركيز لتحديد نوع المثير الذي يمس الذات مباشرة ، ومن خلال هذا التركيز يسهل على الذات أن تتوافق مع نفسها وأن تبدأ بتجزئة المثير إلى أجزاءه وبذلك يسهل عليها أن تتقبله بشروطها وتأثيرها عليه ، وبهذا ستكون لديها القدرة على أن تتأثر إيجابا بهذا المثير أو ذاك وتتفاعل معه ايجابا بما ينعكس على الذات بشكل إيجابي ولإضافة خبرات جديدة ايجابية تكون مفتاحا لمثير أخر . وهكذا . ...
مثال : في السوق هناك الكثير من المثيرات الخارجية ، بعضها سلبي وبعضها إيجابي ، مثيرات سمعية ، بصرية ، نفسية ، سلوكية . ... الخ ، بضاعة مكدسة ، أصوات الباعة ، موسيقى وأغاني ، مساحات ضيقة ، ضوضاء ، أزمة سير ، كتل بشرية في مساحات صغيرة ،... الخ كل هذه المثيرات وفي معظمها مثيرات سلبية تؤدي إلى استجابات وهو الامر الطبيعي .
في الحالة الأولى : يمكن أن تكون استجابة الذات بأن تغادر المكان وتترك أثر المثيرات خلفها وبالتالي الاستجابة الوحيدة لكل هذه المثيرات تكون استجابة واحدة ( المغادرة ) الهروب إلى الأمام
الحالة الثانية : أن تتوجه الذات إلى هدفها لشراء سلعة ما وان تتعامل مع المثيرات التي تتعلق بالسلعة وفي هذه الحالة سيكون التفاعل من خلال استجابة واحدة لكل المثيرات التي تتعلق بالسلعة
الحالة الثالثة : أن تسير الذات بخطى ثابتة وتتوافق مع كل هذه المثيرات بسلبياتها وإيجابياتها من خلال التوافق في اقانيم الذات إذ يصبح لدى الذات القدرة على إجراء عملية التأمل ( الزمكاني ) وتوزيع المثيرات كل مثير إلى أقنومه الخاص به وأن تبدأ الذات بالتركيز نحو المثيرات التي يجب أن تتعامل معها وإجرء عمليات عزل المثيرات الهامشية التي لا يجب أن تتعامل معها مما يتطلب تهميشها تماما وبهذا تحقق الذات الاستجابة الايجابية التي لا تسبب لها أي نوع من السلبية وأعراضها من توتر وقلق وتعب .
مثال أخر : في لقاء ما مع الأصدقاء في مقهى ، الكثير من المثيرات والذات بين مجموعة من الذوات ، يتبادل الجميع أطراف الحديث ، الذات في حالة الوعي ( الزمكاني ) تتوافق مع اللحظة الحاضرة . فجأة تعزل الذات نفسها من خلال كل أقانيمها باستثناء أقنوم الجسد وتعيش حالة اللاوعي ( الزمكاني ) من خلال العقل الباطن الذي يسيطر على باقي الأقانيم ويقوم بعملية سحب الحواس إلى الداخل لتنطلق الى ( زمكان ) الاوعي ، وعلى الرغم من كل المثيرات التي تحيط في ( الزمكان ) الحاضر من ضوضاء وأصوات وموسيقى . ... إلا أن الذات بحالة اللاوعي استطاعت تهميش وعزل كل المثيرات لأنها خرجت من دائرة ( الزمكان ) الحاضر المقيد لتضع باقي الأقانيم في ( زمكان ) اللاوعي الذي لا يحده ( زمكان ) ، وبهذا أصبحت لدى الذات القدرة على العزل والخروج من مواجهة المثيرات السلبية أو الايجابية ، وبعد بعض الوقت ستعود الذات لواقع ( الزمكان ) بشكل طبيعي أو من خلال مثير أقوى موجه للذات مباشرة لإرجاع الذات إلى واقعها ( الزمكاني ) الحاضر .
ومن هنا نلاحظ أنه كلما كانت لدى الذات القدرة على فهم العلاقة بين الأقانيم كلما كانت لديها القدرة على توحيد الذات بشكلها المتكامل لمواجهة أي نوع من المثيرات التي تهدد وجودها كذات متكاملة