عشْتَارِ الفُصُولِ: 11588 رَأْيٌ غَيْرُ مُلْزِمٍ الْمُنْجَزُ التَّارِيخِيُّ لَا يُمْكِنُ الجَزْمُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَامِلٌ

اسحق قومي
2024 / 7 / 11

فِي السَّنَوَاتِ الْعَشْرِ الْمَاضِيَةِ بَدَأْنَا نَقْرَأُ مَا يُقَلِّبُ الْمُرَسَّخَ مِنَ التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ.
هَلْ جَمْعُ التَّارِيخِ مِنْ أَفْوَاهِ شُهُودِ عَيَانٍ، أَوْ مِمَّنْ يُمَثِّلُونَ الجِيلَ الأَوَّلَ وَالثَّانِي عَمَلٌ تَوْثِيقِيٌّ مُعْتَرَفٌ بِهِ مِنْ خِلَالِ الرَّأْيِ الأَكَادِيمِيِّ؟!!
وكما هوَ مَعْروف أنَّنَا نَجْمَعُ التَّارِيخَ مِنَ المَصَادِرِ التَّالِيَةِ:
1=نَتَائِجُ التَّنْقِيبَاتِ الأَثَرِيَّةِ. 2=مِنْ خِلَالِ مَرَاجِعَ كُتِبَتْ عَنِ المَوْضُوعِ الَّذِي نَبْحَثُ فِيهِ. 3=مِنْ خِلَالِ أَشْخَاصٍ عَاشُوا المَكَانَ وَالزَّمَانَ وَالأَحْدَاثَ (شُهُودُ عَيَانٍ).
فَقَدْ يَتَوَفَّرُ لَنَا حَوْلَ مَوْضُوعٍ تَوْثِيقي مَا كُلُّ هَذِهِ المَحَطَّاتِ . وَقَدْ لَا يَتَوَفَّرُ لَنَا سِوَى مَا نَجْمَعُهُ مِنَ الكِبَارِ فِي السِّنِّ وَمَا يَحْفَظُهُ هَؤُلَاءِ المُهْتَمِّينَ مِنْهُمْ وَنُسَمِّي ذلكَ ب(التَّارِيخِ الشَّفَهِيِّ). والتّاريخُ الشّفهي ذَاكَ الَّذِي لَمْ يَجْمَعْهُ بَاحِثٌ أَوْ مُسْتَشْرِقٌ وَيُصْدِرُ فِي مُجَلَّدٍ أَوْ كِتَابٍ ـ
وَرَغْمَ حَاجَتِنَا لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ أَوْ حُفَّاظٌ ، أوحَفَظَة التاريخ الشفهي لكن عَلَيْنَا التَّنَبُّهُ أَلَّا نَقَعَ فَرِيسَةَ العَاطِفَةِ ـ وَلِهَذَا لَا نَثِقُ بِرِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بِأَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَثَالِثَهَا وتَنْتَهِي مَسْأَلَةُ الشَّكِّ وَهِيَ صَالِحَةٌ لِلبَحْثِ الأَكَادِيمِيِّ. وَلِمَاذَا الثَّالِثَةُ؟ فَالخَيْطُ المَجْدُولُ بِثَلَاثٍ، وَالقِدْرُ لَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ثَلَاثٍ وَنَقُولُ ثَالِثَةَ الأَثَافِي، وَالطَّلَاقُ لَدَى المِصْرِيِّينَ بِالثَّلَاثَةِ، وَالشُّهُودُ الثَّلَاثَةُ خَيْرُ دَلِيلٍ وَإِثْبَاتٍ.
وَلِنَعُودَ وَنَسْأَلَ كَيْفَ جُمِعَ التَّارِيخَ في مَرَاجِعَ وَكُتُبٍ؟ بالحقيقة كُلُّهَا نَتَائِجُ جُهُودٍ مُضْنِيَةٍ قَامَ بِهَا الرَّحَّالَةُ فِي زِيَارَاتٍ وَرَحَلَاتٍ اسْتِكْشَافِيَّةٍ حَيْثُ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي مَضَارِبِ شُيُوخِ القَبَائِلِ وَالعَشَائِرِ وَيُعْرِضُونَ حَاجَتَهُمْ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الشُّيُوخُ يَدْعُونَ لِمَجَالِسِهِمْ كُلَّ الوُجَهَاءِ وَالعَارِفَةِ وَالرُّوَاةِ ثُمَّ يُجِيبُونَ عَلَى أَسْئِلَةِ المُسْتَشْرِقِ أَوْ البَاحِثِ. وَمَا أَكَّدَهُ شَيْخُ القَبِيلَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ أَوْ يُشَكَّ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَحَدِ الحُضُورِ.
وَسُؤَالُنَا هُنَا: هَلْ فِعْلًا كَانَ مَا قَالَهُ ذَاكَ الشَّيْخُ سَلِيمًا وَفِيهِ الحَقِيقَةُ الكَامِلَةُ وَكَانَ كَلَامًا مَوْضُوعِيًّا؟!! وَرَغْمَ هَذَا نَرَى المُسْتَشْرِقِينَ وَالبَاحِثِينَ يَقُومُونَ بِطِبَاعَةِ تِلْكَ الأَقْوَالِ الشَّفَهِيَّةِ فَتَغْدُو مَرَاجِعَ نَقُولُ عَنْهَا أَنَّهَا ذَاتُ مِصْدَاقِيَّةٍ.
وَما نُرِيدُ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الجُزْئِيَّةِ هُوَ أَنَّ مَا نَرَاهُ مِنْ مُجَلَّدَاتٍ فِي التَّارِيخِ كَانَ يَوْمًا يَدُورُ عَلَى شِفَاهِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ. وَنَحْنُ نُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا جَمَعَهُ المُسْتَشْرِقُونَ وَأَغْلَبُ البَاحِثِينَ مِنْ مَادَّتِهِمِ التَّارِيخِيَّةِ كَانَ مِنْ أَفْوَاهِ شُيُوخِ القَبَائِلِ وَالعَشَائِرِ كَوْنَ تِلْكَ المُجْتَمَعَاتِ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهَا تَقَالِيدُ مَكْتُوبَةٍ بَلْ تَعْتَمِدُ عَلَى مَنْ حَفِظُوا فِي صُدُورِهِمْ الشِّعْرَ وَالحَوَادِثَ وَالأَسْمَاءَ وَالتَّوَارِيخَ وَهَذَا مَشْهُودٌ لَهُمْ بِهِ ولهذا نُسَمِّي ذَاكَ المَحْفُوظَ بِالتَّارِيخِ الشَّفَهِيِّ.
وَمِنَ المُؤَكَّدِ أَنَّ الرُّوَاةَ وَالشُّيُوخَ يَنْحَازُونَ لِمَا يَخُصُّهُمْ مِنْ تَارِيخٍ وَهُنَا عَلَى البَاحِثِ أَنْ يَسْأَلَ لِقَبَائِلَ وَعَشَائِرَ أُخْرَى لِيَتَأَكَّدَ مِنْ أَهَمِّ مُرْتَكَزَاتِ مَا جَمَعَه مِنْ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ أَوِتلك الْعَشِيرَةِ مِنْ خِلَالِ مَا يُرْوَى عَنْهُمْ لَدَى الْقَبَائِلِ الْأُخْرَى كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعِيشَ مَعَ الْقَبِيلَةِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ وَيَرَى حَالَتَهَا لِيَسْتَنْتِجَ مِنْ تِلْكَ الْمُشَاهَدَاتِ وَالْاِنْطِبَاعَاتِ مَا يَنْطَبِقُ عَلَى أَقْوَالِ الشَّيْخِ أَوِ الْعَارِفَةِ أَوِ الْمَجْلِسِ الَّذِي شَكَّلَهُ الشَّيْخُ. وَلِهَذَا عَلَيْنَا أَنْ نُخْضِعَ التَّارِيخَ الْمَكْتُوبَ لِقِرَاءَاتٍ نَقْدِيَّةٍ حَدِيثَةٍ. تَسْتَنِيرُ بِمَنَاهِجَ بَحْثِيَّةٍ حَدِيثَةٍ وَيَقُومُ جُزْءٌ مِنْهَا عَلَى ضَوْءِ الْمُكْتَشَفَاتِ التَّنْقِيبِيَّاتِ الْأَثَرِيَّةِ أَوِ الْقِرَاءَاتِ النَّقْدِيَّةِ الَّتِي تَأْتِي مِنْ أَهْلِ الْقَبِيلَةِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ قَبِيلَتِهِمْ وَنَقْدِهِمْ لِسُلُوكِيَّاتِهَا وَتَارِيخِهَا وَبَعْضِ سَلْبِيَّاتِهَا وَإِيجَابِيَّاتِهَا سِيَّمَا الْيَوْمَ نَحْنُ أَمَامَ تَحَوُّلٍ كَبِيرٍ فِي مَا كَانَتْ تَحْرِصُ عَلَيْهِ الْقَبِيلَةُ وَالْعَشِيرَةُ مِنْ اِحْتِرَامٍ كَانَ يَصِلُ حَدَّ التَّقْدِيسِ لِلشَّيْخِ أَوِ الْأَمِيرِ. وَلِهَذَا نُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ الْمُورُوثَ التَّارِيخِيَّ الْمَوْجُودَ فِي الْكُتُبِ كَانَ يَوْمًا مَا فِي الصُّدُورِ أَوْ جَاءَ نَتِيجَةَ التَّنْقِيبَاتِ الْأَثَرِيَّةِ فَلَا ضَيْرَ إِنْ جَمَعْنَا الْيَوْمَ مَا حَفِظَهُ لَنَا الْكِبَارُ شَرِيطَةَ عَرْضِهِ عَلَى مَنَاهِجَ النَّقْدِ الْمَوْضُوعِيِّ وَالْعِلْمِيِّ مَعَ مُرَاعَاتِنَا الْأَكِيدَةِ لِلظُّرُوفِ وَالزَّمَانِ وَالْحَالَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ وَالْأَمْنِيَّةِ وَالْمَعِيشِيَّةِ وَالْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ وَالْقِيَمِ لِتِلْكَ الْمُجْتَمَعَاتِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُسْقِطَ آرَاءَنَا الَّتِي نَحْمِلُهَا الْيَوْمَ وَلَا مُتَطَلَّبَاتِ الْمَنَاهِجِ الْعِلْمِيَّةِ لِلنَّقْدِ عَلَى مَوَاضِيعَ كَانَتْ مِنْ قَبْلِ مِئَةِ عَامٍ. أَمَّا قِرَاءَةُ الْوَثَائِقِ التَّارِيخِيَّةِ، يَلْزَمُهَا الْعَدِيدُ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْمَهَارَاتِ وَالْمَعْرِفَةِ. فَلَيْسَ كُلُّ وَثِيقَةٍ هِيَ حَقِيقِيَّةٌ. فَهُنَاكَ وَثَائِقُ مُزَوَّرَةٌ وَقَدْ أَخَذَهَا الْبَاحِثُونَ الْقُدَامَى عَلَى اِعْتِبَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَقَلَّ خِبْرَةً فِي مَعْرِفَةِ التَّدْقِيقِ وَالتَّمْحِيصِ. وَخَيْرُ الْكَلَامِ مَا قَلَّ وَدَلَّ. مَدِينَةُ الْحَسَكَةِ وَمُدُنُ الْجَزِيرَةِ وَالْفُرَاتِ لِكَوْنِهَا مُدُنًا حَدِيثَةَ الْعَهْدِ ـ نَقْصِدُ مَا هُوَ فَوْقَ الْأَرْضِ ـ فَإِنَّ الْبَاحِثَ الْمَوْضُوعِيَّ لَا يَسْتَعْجِلُ بِأَحْكَامِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ وَقَفَ عَلَى وَثِيقَةٍ مِنَ الْخَارِجِيَّةِ الْفَرَنْسِيَّةِ ـ أَوْ فِي إِسْطَنْبُولَ. فَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْوَثِيقَةُ قَدْ أَخَذَهَا الْكَاتِبُ عَنْ أُنَاسٍ مَغْرِضِينَ غَايَتُهُمْ إِلْغَاءُ الْآخَرِ فَذَكَرَتِ الْوَثِيقَةُ فُلَانًا وَفُلَانًا وَغَيَّبَتْ فُلَانًا. نَحْنُ أَمَامَ عَمَلٍ شَاقٍّ عَلَيْنَا عَدَمُ التَّصْدِيقِ الْفَوْرِيِّ وَعَلَيْنَا التَّرَيُّثُ وَعَدَمُ اِسْتِصْدَارِ آرَاءٍ قَطْعِيَّةٍ لِأَنَّ الْمُنْجَزَ التَّارِيخِيَّ لَا يُمْكِنُ الْبَتُّ النِّهَائِيُّ فِيهِ ـ وَأُرِيدُ أَنْ أُسَجِّلَ هُنَا تَجْرِبَتِي فَمُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ عَامًا وَأَنَا أُنَقِّبُ، وَأَبْحَثُ وَقَدْ قَرَأْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ وَثِيقَةٍ. وَعِنْدَ مُقَارَنَةِ بَعْضِهَا بِمَا حَفِظَتْهُ ذَاكِرَتِي مِنْ قِرَاءَةٍ لِلْكُتُبِ الَّتِي تَمَكَّنْتُ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي هَذَا الْمَجَالِ أَوْ ذَاكَ يَتَبَيَّنُ لِي مَدَى ظُلْمِ الْكُتَّابِ الَّذِينَ أَقْصَوْا الْكَثِيرَ مِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُمْ وَهُنَاكَ أَمْثِلَةٌ عَدِيدَةٌ ذَهَبَ أَصْحَاب
مِنْ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ أَوِتلك الْعَشِيرَةِ مِنْ خِلَالِ مَا يُرْوَى عَنْهُمْ لَدَى الْقَبَائِلِ الْأُخْرَى كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعِيشَ مَعَ الْقَبِيلَةِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ وَيَرَى حَالَتَهَا لِيَسْتَنْتِجَ مِنْ تِلْكَ الْمُشَاهَدَاتِ وَالْإِنْطِبَاعَاتِ مَا يَنْطَبِقُ عَلَى أَقْوَالِ الشَّيْخِ أَوِ الْعَارِفَةِ أَوِ الْمَجْلِسِ الَّذِي شَكَّلَهُ الشَّيْخُ. وَلِهَذَا عَلَيْنَا أَنْ نُخْضِعَ التَّارِيخَ الْمَكْتُوبَ لِقِرَاءَاتٍ نَقْدِيَّةٍ حَدِيثَةٍ تَسْتَنِيرُ بِمَنَاهِجَ بَحْثِيَّةٍ حَدِيثَةٍ وَيَقُومُ جُزْءٌ مِنْهَا عَلَى ضَوْءِ الْمُكْتَشَفَاتِ وَالتَّنْقِيبَاتِ الْأَثَرِيَّةِ أَوِ الْقِرَاءَاتِ النَّقْدِيَّةِ الَّتِي تَأْتِي مِنْ أَهْلِ الْقَبِيلَةِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ قَبِيلَتِهِمْ وَنَقْدِهِمْ لِسُلُوكِيَّاتِهَا وَتَارِيخِهَا وَبَعْضِ سَلْبِيَّاتِهَا وَإِيجَابِيَّاتِهَا سِيَّمَا الْيَوْمَ نَحْنُ أَمَامَ تَحَوُّلٍ كَبِيرٍ فِي مَا كَانَتْ تَحْرِصُ عَلَيْهِ الْقَبِيلَةُ وَالْعَشِيرَةُ مِنِ احْتِرَامٍ كَانَ يَصِلُ حَدَّ التَّقْدِيسِ لِلشَّيْخِ أَوِ الْأَمِيرِ. وَلِهَذَا نُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ الْمُورُوثَ التَّارِيخِيَّ الْمَوْجُودَ فِي الْكُتُبِ كَانَ يَوْمًا مَا فِي الصُّدُورِ أَوْ جَاءَ نَتِيجَةَ التَّنْقِيبَاتِ الْأَثَرِيَّةِ فَلَا ضَيْرَ إِنْ جَمَعْنَا الْيَوْمَ مَا حَفِظَهُ لَنَا الْكِبَارُ شَرِيطَةَ عَرْضِهِ عَلَى مَنَاهِجِ النَّقْدِ الْمَوْضُوعِيِّ وَالْعِلْمِيِّ مَعَ مُرَاعَاتِنَا الْأَكِيدَةِ لِلظُّرُوفِ وَالزَّمَانِ وَالْحَالَةِ الْإِجْتِمَاعِيَّةِ وَالْمَادِيَّةِ وَالْأَمْنِيَّةِ وَالْمَعِيشِيَّةِ وَالْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ وَالْقِيَمِ لِتِلْكَ الْمُجْتَمَعَاتِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُسْقِطَ آرَاءَنَا الَّتِي نَحْمِلُهَا الْيَوْمَ وَلَا مُتَطَلَّبَاتِ الْمَنَاهِجِ الْعِلْمِيَّةِ لِلنَّقْدِ عَلَى مَوَاضِيعَ كَانَتْ مِنْ قَبْلِ مِئَةِ عَامٍ. أَمَّا قِرَاءَةُ الْوَثَائِقِ التَّارِيخِيَّةِ يَلْزَمُهَا الْعَدِيدُ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْمَهَارَاتِ وَالْمَعْرِفَةِ. فَلَيْسَ كُلُّ وَثِيقَةٍ هِيَ حَقِيقِيَّةٌ. فَهُنَاكَ وَثَائِقُ مُزَوَّرَةٌ وَقَدْ أَخَذَهَا الْبَاحِثُونَ الْقُدَامَى عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَقَلَّ خِبْرَةً فِي مَعْرِفَةِ التَّدْقِيقِ وَالتَّمْحِيصِ. وَخَيْرُ الْكَلَامِ مَا قَلَّ وَدَلَّ. مَدِينَةُ الْحَسَكَةِ وَمُدُنُ الْجَزِيرَةِ وَالْفُرَاتِ لِكَوْنِهَا مُدُنًا حَدِيثَةَ الْعَهْدِ ـ نَقْصِدُ مَا هُوَ فَوْقَ الْأَرْضِ ـ فَإِنَّ الْبَاحِثَ الْمَوْضُوعِيَّ لَا يَسْتَعْجِلُ بِأَحْكَامِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ وَقَفَ عَلَى وَثِيقَةٍ مِنَ الْخَارِجِيَّةِ الْفَرَنْسِيَّةِ ـ أَوْ فِي إِسْتَنْبُولَ. فَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْوَثِيقَةُ قَدْ أَخَذَهَا الْكَاتِبُ عَنْ أُنَاسٍ مُغْرِضِينَ غَايَتُهُمْ إِلْغَاءُ الْآخَرِ فَذَكَرَتِ الْوَثِيقَةُ فُلَانَ وَفُلَانَ وَغَيَّبَتْ فُلَانًا. نَحْنُ أَمَامَ عَمَلٍ شَاقٍّ عَلَيْنَا عَدَمُ التَّصْدِيقِ الْفَوْرِيِّ وَعَلَيْنَا التَّرَيُّثُ وَعَدَمُ اسْتِصْدَارِ آرَاءٍ قَطْعِيَّةٍ لِأَنَّ الْمُنْجَزَ التَّارِيخِيَّ لَا يُمْكِنُ الْبَتُّ النِّهَائِيُّ فِيهِ. وَأُرِيدُ أَنْ أُسَجِّلَ هُنَا تَجْرِبَتِي فَمُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ عَامًا وَأَنَا أُنَقِّبُ وَأَبْحَثُ وَقَدْ قَرَأْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ وَثِيقَةٍ. وَعِنْدَ مُقَارَنَةِ بَعْضِهَا بِمَا حَفِظَتْهُ ذَاكِرَتِي مِنْ قِرَاءَةٍ لِلْكُتُبِ الَّتِي تَمَكَّنْتُ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي هَذَا الْمَجَالِ أَوْ ذَاكَ يَتَبَيَّنُ لِي مَدَى ظُلْمِ الْكُتَّابِ الَّذِينَ أَقْصَوْا الْكَثِيرَ مِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُمْ وَهُنَاكَ أَمْثِلَةٌ عَدِيدَةٌ ذَهَبَ أَصْحَابُهَا مَذَاهِبَ عَدِيدَةً. سَنَأْتِي عَلَيْهَا فِي قِرَاءَةٍ ثَانِيَةٍ. فِي الْخِتَامِ نُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ الْكِبَارُ فِي السِّنِّ عَنْ مَدِينَةِ الْحَسَكَةِ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَلَوَّثَ بِجَرَاثِيمِ السِّيَاسَةِ وَلَا الطَّائِفِيَّةِ وَلَا الدِّينِيَّةِ رَغْمَ أَنِّي لَا يُمْكِنُ أَنْ أَعْتَبِرَهُمْ مِنَ الْقِدِّيسِينَ أَيَّامَ زَمَانٍ وَلَيْسَ قِدِّيسِينَ وَقَدَاسَاتِ الْيَوْمِ، بَلْ مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهُمْ مِثْلُنَا مِنَ الْبَشَرِ لَكِنَّهُمْ حَقًّا كَانُوا أَكْثَرَ مِنَّا دِبْلُومَاسِيَّةً وَيَقْرَأُونَ الْوَاقِعَ قِرَاءَاتٍ حَقِيقِيَّةً وَكَانُوا حُكَمَاءَ كَمَا كَانُوا عَلَى صَفَاءِ الذَّاكِرَةِ وَمُحْتَوَيَاتِهَا. مَا أُودُّ قَوْلَهُ: لِلْمُهْتَمِّينَ بِالتَّوْثِيقِ. الرَّجَاءُ وَثِّقُوا يَوْمِيًّا مَا يَحْدُثُ هُنَا أَوْ هُنَاكَ مِمَّا تُرِيدُونَ تَوْثِيقَهُ وَلَا تَتَعَامَلُوا مَعَ مَوَاضِيعِكُمْ بِرُوحِ الْأَنَانِيَّةِ وَالْإِقْصَائِيَّةِ وَالشُّوفِينِيَّةِ بَلْ بِكُلِّ رُوحِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْمَوْضُوعِيَّةِ وَإِلَّا فَنَحْنُ وَالْأَجْيَالُ الْقَادِمَةُ سَوْفَ لَا نَمْلِكُ سِوَى أَكَاذِيبَ وَأَحَادِيثَ نَجْمَعُهَا حَيْثُ لَا تَقُومُ عَلَى حَقَائِقَ بَلْ مَجْمُوعَةِ أَوْهَامٍ وَخُرَافَاتٍ مَحْشُوَّةٍ بِرُوحِ الْعَصَبِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ أَوِ الدِّينِيَّةِ وَهَذَا يُعَدُّ خِيَانَةً تَارِيخِيَّةً لَا يُمْكِنُ أَنْ تُغْفَرَ لِأَصْحَابِهَا. التَّوْثِيقُ لَيْسَ أَمَانَةً وَحَسْبُ بَلْ هُوَ الْإِنْسَانِيَّةُ الَّتِي تَدَّعِيهَا كَمَا أَنَّهُ يُشْبِهُ حَجَرَةً كَبِيرَةً أَنْتَ تَحْتَهَا إِلَى الْأَبَدِ وَعَلَيْكَ أَنْ تَرْسُمَ مَعَالِمَ مِهْنِيَّتِكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ وَطْأَةِ ثِقَلِهَا. كُنْ حَكِيمًا وَتَسَلَّحْ بِالْمَوْضُوعِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ وَقُلِ الْحَقِيقَةَ وَلَا تَخَفْ
وَخَيْرُ مَا أَكْتُبُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَحْثِ الْقَصِيرِ هُوَ رُسُوخُ قِنَاعَتِي وَإِيمَانِي وَثِقَتِي بِنَفْسِي وَبِمَا اسْتَنْتَجْتُهُ مِنْ قِرَاءَاتٍ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي تَعُودُ إِلَى مُنْتَصَفِ سِتِّيْنَاتِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ الْمَاضِي وَحَتَّى الْيَوْمِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا قَرَأْتُهُ سَمَاعِيًّا لِأَنَّ هُنَاكَ الْكَثِيرَ مِنْ يَظُنُّ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَقَطْ بِالْعُيُونِ بَلْ هُنَاكَ قِرَاءَةُ الْأُذُنِ أَيْضًا أُخْلِصُ إِلَى نَتَائِجَ هَامَّةٍ كَتَبْتُ عَنْهَا مِرَارًا وَأُسَجِّلُهَا فِي نِهَايَةِ هَذَا الْبَحْثِ.
قَرِيبًا سَيَنْهَارُ النِّظَامُ الْعَالَمِيُّ الْجَدِيدُ (الْقُطْبُ الْوَاحِدُ) وَقَبْلَ حُدُوثِ هَذَا وَنَحْنُ نَعِيشُ الْحَرْبَ الْأُكْرَانِيَّةَ وَالرُّوسِيَّةَ وَالتَّحَالُفَاتِ الْجَدِيدَةِ وَتَرَنُّحَ أُورُوبَّا الْغَرْبِيَّةَ أَمَامَ ثِقَلِ الْمُتَطَلَّبَاتِ الْأَمْرِيكِيَّةِ وَالْحَرْبِ عَلَى غَزَّةَ مِنْ جَرَاءِ مَا سُمِّيَ بِطُوفَانِ الْأَقْصَى أَقُولُ نَحْنُ نَعِيشُ الْحَرْبَ الْعَالَمِيَّةَ الثَّالِثَةَ بِحَرْفِيَّتِهَا وَلَكِنْ كُلُّ مَا أَسْتَطِيعُ قَوْلَهُ هُوَ أَنَّنِي أَرَى عَلَى الْمُثَقَّفِينَ الْمُتَنَوِّرِينَ وَلَيْسَ الْمُؤَدْلَجِينَ بِشُوفِينِيَّتِهِمْ وَعُنْصُرِيَّتِهِمْ وَتَمَسُّكِهِمْ بِقُشُورِ خُرَافَاتِهِمْ هُوَ أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى الْحِفَاظِ الْحَقِيقِيِّ لِلسِّلْمِ الْأَهْلِيِّ وَالْعَالَمِيِّ لِأَنَّ السَّلَامَ مَطْلَبٌ إِنْسَانِيٌّ وَحَاجَةٌ مُلِحَّةٌ وَيَدْعُونَ لِتَشْكِيلِ لِجَانٍ وَطَنِيَّةٍ تَقُومُ عَلَى رَسْمِ خَارِطَةِ الدَّوْلَةِ الْإِدَارِيَّةِ الْجَدِيدَةِ وَلْيَكُنِ الْأُسْلُوبُ الْفِدْرَالِيُّ الَّذِي يَتَضَمَّنُ مَا تَرْغَبُ بِهِ كُلُّ جَمَاعَةٍ قَوْمِيَّةٍ وَلِمَ لَا؟!!
بَلْ أَرَى أَنَّ مُهِمَّةَ هَؤُلَاءِ أَنْ تَكُونَ فِي تَأْسِيسِ مَرَاكِزِ بُحُوثٍ وَدِرَاسَاتٍ إِسْتِرَاتِيجِيَّةٍ عَمَلُهَا الْأَسَاسِيُّ فِي صِيَاغَةِ مَنَاهِجَ تَرْبَوِيَّةٍ وَتَعْلِيمِيَّةٍ جَدِيدَةٍ وَإِعَادَةِ تَأْهِيلِ الْمُنْتَجِ التَّارِيخِيِّ فِي سِيَاقِ حَرَكَتِهِ الَّتِي تَمْتَدُّ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ 1500 عَامٍ مَضَتْ عَلَى أُسُسِ مَنَاهِجِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَالْمَوْضُوعِيِّ حَتَّى نَتَخَلَّصَ مِنْ ظُلْمٍ وَقَعَ عَلَى مُكَوِّنَاتٍ وَنَتَخَلَّصَ مِنَ الشُّوفِينِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ الدِّينِيَّةِ وَالْقَوْمِيَّةِ وَالْمَذْهَبِيَّةِ وَذَلِكَ بِغَيَةِ بِنَاءِ الْإِنْسَانِ الْمُواطِنِ (الْوَطَنِيِّ) وَلَيْسَ عَلَى أَسَاسِ الْعِرْقِ أَوِ الدِّينِ أَوِ الْمَذْهَبِ.
إِسْحَقُ قَوْمِيٌّ. أَلْمَانِيَا فِي 11/7/2024م

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي