ضدّ الكتابة حينما تجعل من اللغة زنزانة لِلفكر !

حمّودان عبدالواحد
2024 / 7 / 10

أحيانًا يحالف القارىءَ حظٌّ نادر بالعثور على مقالٍ صحفي يتميّز عن المقالات الأخرى بطريقة تناول موضوعه، وإضفاء جديدٍ عليه.
وهذا ما نلمسه، على سبيل المثال، في مقال الكاتب السوري صبحي حديدي، المعنوَن بِ " كوارث بلا حدود، سياسات بامتياز"، والمنشور في جريدة القدس العربي بتاريخ 17 شتمبر 2023.
المقال رائع جدًا لإنّه يمدّ القارىء بمعلومات دقيقة للغاية عن محور thème الموضوع sujet ، ويزوّده بأفكار تسمح له بالوقوف على فروقات ومستويات موضوعية لها علاقة باللامفكر فيه من جهة، وبالبنية التحتية أو الضمنية لمعنى الموضوع من جهة اخرى.
من نافلة القول إنّ المقال النادر المتميّز يكون أصيلا. لكن، وللفائدة أو للتذكير، لا تنفصل أصالتُه عن جدّتِه أو الجديد فيه. إنّ صبحي حديدي يحلّل الكوارث الطبيعية من زاوية قلما ننتبه إليها. وهذا هو الجديد الذي يتطلع إليه القرّاء. فبعد تقديمٍ يلخص فيه المقاربات المعروفة والمعتادة (المتكاسلة) للكوارث الطبيعية :
" المقاربات الأسهل بصدد الكوارث الطبيعية، الزلازل في المغرب والسيول وإعصار دانيال في ليبيا على سبيل الأمثلة الراهنة، هي تلك التي تبدأ من مشاعر التعاضد الإنساني والتضامن الإغاثي، وتنتقل إلى نمط من التسليم القدري بأنّ الطبيعة غاشمة ولا رادّ لتقلباتها العاتية، وتمرّ بتلك العوامل التي تستفزّ الطبيعة أو تُفسد موازينها وقوانينها جراء سوء استغلال الموارد الطبيعية ومضاعفة الاحتباس الحراري؛ وقد تنتهي، وإنْ على استحياء غالباً، عند مسؤولية الأنظمة الحاكمة في صيانة البنى التحتية واتخاذ الإجراءات الضرورية لاستباق وقوع الكوارث."، يدعو القارىءَ إلى الوقوف على رؤية نادرة لتناول هذه الكوارث واكتشاف جذورها وأسبابها الخفية. وهذه الرؤية يمكن تلخيصها في كون ثورات الطبيعة و"غضبها" هي حوادث سياسية بامتياز :
" وأمّا النادر، المطلوب والضروري والأقلّ تكاسلاً، فإنه خيار تصنيف الكوارث الطبيعية ضمن نسق أوسع نطاقاً وأعمق توجهاً نحو الجذور؛ تعتبر الحرائق والزلازل والسيول والفيضانات، وكلّ وأيّ «غضبة» للطبيعة، بمثابة جزء لا يتجزأ من فشل سيرورات التنمية على اختلاف ميادينها وجغرافياتها ومستوياتها، وبمثابة تكديس (عن سابق إهمال وتقصير، أو فساد واستبداد) لعوامل الأخطار المحدقة.".
ثمّ يبيّن ذلك من خلال أمثلة ملموسة تحيل القارىء على مواقف المنظمات المدنية والحكومات .. الخ.
أكيد أنه إذا لم تكن هناك فائدة أو متعة أو إضافة قيمة إلى موضوع مقالٍ فلا جدوى من كتابته وقراءته. بل فيه مضيعة للوقت وإثقال ذهن القارىء والتضييق على نفسيته بتكرار أشياء معروفة… فثمة، للأسف الشديد، أوراق ومقالات وخواطر ينغلق فيها الفكر لغويًا. والفكر عندما تكون منطلقاته وغاياته، تدور على نفسها في فلك شكلي للغة هو فكر سجين كما تؤكد ذلك سيمون فييْ. حذار من جعل اللغة زنزانة. لغة لا تستطيع أن توصل إلى القارىء ما تريد أن تقوله، هي لغة مصابة بأعراض مرضية أهمها هشاشة العلاقة التي تربطها بالفكر.
  لنتذكر إحدى قواعد الكتابة الأساسية التي تسجل نفسها في إطار عملية التواصل بين الكاتب والقارىء: ما يتصوره الفكر بوضوح يكون التعبير عنه واضحا، ويسهل العثور على الكلمات المختارة لهذا الغرض. (نيكولا بوالو). 
   بعيدا عن الشعر واللغة الشعرية وأساليب هذه اللغة المتعدّدة. يفتقر الفكر. في الكثير من المقالات المنشورة في الصحافة التقليدية والالكترونية على السواء. بشكل صادم إلى الوضوح. يصيب القارئ عجزٌ عن فهم النصوص المكتوبة ومتابعة أفكارها. ويمكن إرجاع هذا العجز إلى صياغة المواضيع بأساليب تعتمد على تراكيب معقّدة. تبتعد بالمعنى عن الوضوح. وتوغل في الغموض. ممّا يثير في القارئ الشعور بأنّه مُقصى من الاقتراب من عتبات النصوص والخطابات. فبالأحرى الدخول إلى خصوصياتها الداخلية والإشكاليات المثارة فيها. وهذا معناه إقصاء القارىء والاكتفاء بنوع من المونولوغ أو الحوار الذاتي في بعض الحالات. وحتّى هذا المونولوغ  يبدو هو الآخر غير موجود أصلا!
لمن نكتب؟ هذا هو السؤال هنا لأنّ الأمر يتعلق بالصحافة ووسائل التواصل والإخبار. هل نكتب تلبية لرغبة ذاتية غايتها تحقيق متعة الكتابة؟ أم نكتب لأنّ بين أصحاب الكتابات والقرّاء نوع من العقد الاجتماعي والإنساني. والديونطولوجي يجب احترامه والقيام به بوعي ومسؤولية؟

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي