نتنياهو يزرع ألغاما في اقتراح الصفقة

نهاد ابو غوش
2024 / 7 / 10

نهاد أبو غوش
وسط كم هائل من المواقف والتصريحات المتناقضة بشأن الصفقة والمفاوضات وموقف إسرائيل الفعلي منها، يحتاج المرء وخاصة المتابع إلى أدوات قياس فعالة ومتطورة لمعرفة الموقف الحقيقي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يقول الشيء وعكسه حتى في الجلسة الواحدة واليوم الواحد، ويطلق تصريحات تارة باسمه شخصيا، أو بإحاطات وتصريحات تصدر عن مكتبه، أو عبر مستشاريه والمقربين منه، أما حين يرغب في قول ما يريد دون أن يتعرض لهجمات كبيرة فهو يُصدر مواقفه باسم "مسؤول سياسي رفيع المستوى" وبحكم هيمنته ونفوذه الكبير على وسائل الإعلام، فهي تتلقف الخبر وتنشره وكأنه صادر عن كل الطبقة السياسية الإسرائيلية، لكن الجميع بات يعرف أن وراء هذه الصفة يقف رجل واحد هو نتنياهو.
ولمتابعة موقف نتنياهو الدقيق من الصفقة، يجدر العودة إلى "الألغام" والعبارات الملتبسة التي زرعها نتنياهو عامدا متعمدا في الاقتراح الذي تبنته الإدارة الأميركية، ومن بينها:
- ربط استئناف وقف إطلاق النار باستمرار المفاوضات، وعبارة "طالما" الإشكالية. ما يعني رخصة لإسرائيل في العودة للقتال متى شاءت، وهي يمكنها وقف المفاوضات لأي سبب كان حتى لو تعلق الأمر بعملية صغيرة في الضفة.
- الحديث عن الانسحاب من المناطق المأهولة، وليس كل المناطق التي احتلتها إسرائيل بعد 8 أوكتوبر، وبالتالي فهذه الصيغة تستثني شريطا على امتداد القطاع لا يقل عرضه عن كيلومتر ويشمل بلدات مثل بيت حانون وبيت لاهيا وأحياء شرق مدينة غزة، وقرى بني سهيلا وخزاعة وعبسان شرق خانيونسن فضلا عن الشريطين العرضيين في محوري نيتساريم وسط القطاع، وصلاح الدين على الحدود المصرية.
- الحديث عن عودة النازحين "غير المسلحين" وهذه العبارة تريد اسرائيل استخدامها لتفتيش العائدين لغزة والشمال – حوالي مليون- بكل ما تنطوي عليه هذه العملية من تنكيل وإذلال واحتمالات الاغتيال والاعتقال والإخفاء القسري كما جرى مع النازحين من جباليا والشمال في بداية الحرب.
- الحديث عن "عدد يتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين" وهذا بند ترى فيه إسرائيل فرصة للتحكم في أعداد الأسرى وهوياتهم وإمكانية وضع فيتو على بعض الأسماء واشتراط إبعادهم.
- الحديث الغامض عن ترتيبات الانتقال من مرحلة للمرحلة التالية، تستغله إسرائيل لاشتراط نزع سلاح حماس والمقاومة قبل الانتقال لمرحلة إعادة الإعمار.
على الرغم من كل ما سبق ثمة عوامل كثيرة ضاغطة على نتنياهو تدفعه للتعاطي الايجابي مع الصفقة وجهود المفاوضات، ومن هذه العوامل:
- زيارته المقررة لواشنطن وخطابه المقرر أمام الكونغرس واحتمالات لقاء الرئيس بايدن، من الصعب أن يذهب نتنياهو إلى أميركا خالي الوفاض وبصورة من يتعمد تعطيل الصفقة، خصوصا مع وجود نحو 5-6 أسرى يحملون الجنسية الأميركية، وخذلانه المستمر لإدارة بايدنن وتصرفه كناكر للجميل، بحرمانها من اي انجاز حتى لو كان محدودا وظاهريا.
- اتساع الخلاف بين الحكومة والقيادات العسكرية، لم يعد الأمر يتعلق بخلافات محدودة أو عابرة، بل بات الخلاف يعبر عن نفسه يوميا في تصريحات ومواقف إزاء قضايا جوهرية تتصل بالحرب.
- الصدوع والخلافات داخل الحكومة بسبب قانون التجنيد وقانون الحاخامات، والتجاذبات بين بعض مكونات الاتئلاف خاصة بين بن جفير وشاس، وهذه الخلافات تعكس نفسها على الموقف من الصفقة والمفاوضات وسط تهديدات مستمرة من سموتريتش وبن جفير بحل الحكومة
- استمرار الحرب والخسائر البشرية في صفوف الجيش دون انجازات ملموسة.
- التصعيد على الجبهة الشمالية وخطر الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة وسط قناعة دولية وإقليمية متزايدة بتلازم الحرب في الشمال مع الحرب في غزة.
- استمرار المشاكل والصعوبات الاقتصادية التي تنذر بنتائج وخيمة استراتيجيا حال استمرار الحرب او توسعها.
- استمرار حركة الاحتجاجات الداخلية وتصاعدها، والفرص القوية لانضمام قطاعات وشرائح جديدة للاحتجاجات كما ظهر في سماح شركات التقنية لموظفيها بالمشاركة في الاحتجاجات مع دفع اجورهم.
- التراجع المستمر في مكانة إسرائيل الدولية والملاحقات القضائية لقادتها.
في مواجهة كل هذه العوامل التي تضغط مجتمعة ، يبدو واضحا للجميع أن أداة القياس الرئيسية لدى نتنياهو هي مصلحته السياسية، وبقاؤه في الحكم، وبقاء الائتلاف الحكومي متماسكا، لذلك فإن ابرز الخيارات أمامه هي:
- شراء الوقت وتقطيعه من خلال إظهار التجاوب الشكلي مع المفاوضات والصفقة، ومواصلة ارسال الوفود دون منحها صلاحيات حقيقية، والادعاء أن المفاوضات تحتاج عدة اسابيع، بعدها سيجتاز الأسابيع التي تفصله عن زيارة واشنطن، ثم بعد ذلك تدخل إجازة الكنيست لثلاثة شهور، ثم الانتخابات الأميركية التي ستحرر نتنياهو من كثير من الضغوط، اي باختصار تأييد المفاوضات لأجل صورة المفاوضات ومظهرها دون الوصول لاتفاق حقيقي.
- الاكتفاء بإنجاز محدود للمرحلة الأولى ثم مواصلة الحرب، حيث تكون حماس قد سلمت جزءا من الأسرى، ويكون قد نجح في احتواء وتنفيس كثير من الضغوط التي يتعرض لها.
- مواصلة المماطلة والتسويف أملا في إطالة امد الحرب قدر الإمكان، وهنا تكون الأولوية القصوى لبقاء ائتلافه الحكومي وبرنامج حسم الصراع في الضفة وغزة، هنا ايضا يراهن نتنياهو وحكومته على ضعف المعارضة وعدم انسجامها.
- الخيار الرابع هو الأضعف وهو القبول بالصفقة كما هي وكما يريدها الأميركيون والمعارضة، وهذا اضعف الخيارات وأبعدها عن رغبة نتنياهو ومصالحه.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي