الترنسفير القسري والطوعي!

توفيق أبو شومر
2024 / 7 / 10

إلى كل الذين فاجأهم وصدمهم مصطلح الترانسفير، أو الترحيل في زمن حربُ الإبادة في غزة، إلى كل الذين اكتشفوا متأخرين بأن الهدف الاستراتيجي لأي معركة ضد الفلسطينيين هو ترحيلهم من وطنهم، أسرد إليكم في هذا المقال بعض اللقطات المقتبسة من الأرشيف الإسرائيلي نفسه، وكنتُ قد خصصتُ له فصلا كاملا في كتابي، الصراع في إسرائيل الصادر عام 2003م، كل ما سأذكره في هذا المقال ليس تحليلا سياسيا، أو رؤيا استشرافية، بل وثائق من الأرشيف الإسرائيلي الذي فُتح خطأً للباحثين في بداية الألفية الثالثة، ثم جرى إغلاقه بأمرٍ من نتنياهو شخصيا إلى أجلٍ غير مسمى!
سأبدأ أولا بمفهوم الترنسفير عند تيار الحارديم الديني الأصولي، "الترنسفير أي ترحيل الفلسطينيين، عقيدة يهودية دينية يجب العمل على تحقيقها، عقيدة مستمدة من التوراة، تشبه ما حدث في معركة، يوشع بن نون التوراتية، عندما دخل أريحا، فإنه بدأ خطة الترنسفير بترحيل غير اليهود، إن عقيدة الترانسفير تحظى باهتمام المتدينين، منهم حاخام صفد، شموئيل إلياهو من التيار الديني الوطني، والحاخام يوفال شيرلو، رئيس المعهد الديني في بتاح تكفا، يتساءل بعض المتدينين: هل يعقل أن يعتقد اليهود المتدينون أن الترانسفير ليس أخلاقيا؟! فقد عرض، يوشع بن نون على الشعوب السبعة، السلام، أو الحرب، أو الرحيل، الترانسفير، فكل غويمي لا يعترف بحقنا في أرضنا، أو لا يدفع لنا الجزية، بشرط أن يلتزم بوصايا نوح السبعة، يجب أن يرحل كذلك، كتب الحاخام، إلياهو في موقع الإنترنت، كيفا، ردا على أحد السائلين اليهود ممن يرفضون فكرة الترانسفير ويعتبرونها فكرة نازية ألمانية، قال له: أنت تسأل أم تقرر؟ هل يوجد حلٌ أفضل؟ هل تريد تفجير وقتل اليهود كل يوم، وأن تعطي الغوييم جبل الهيكل، وحق العودة، ورقابنا، لكي يذبحونا؟ لماذا لا تعتقد بأن ترحيل اليهود من وطنهم هو النازية؟ يجدر بك إذا آمنت بذلك أن تتضامن مع العرب أكثر مما تتضامن مع شعبك؟ إن الشريعة التوراتية تسمح فقط لليهود بالبقاء، أما غير اليهود فليس مسموحا لهم البقاء، هذه هي الوسيلة الرحيمة لحل المشكلة، فالتوراة لا تتغير، إن سبب عدم طرح الترانسفير في أوساط الجمهور الديني علنا، هو ابتعادنا عن طريق الرب، إن الجمهور الديني أيضا مصاب بلوثة الأخلاق الغربية، فقد تشبَّعنا في الشتات بأخلاقيات تلك الحضارة اللعينة، ولكن الوضع قد تحسن الآن" (الاقتباس السابق من صحيفة هارتس، 25-3-2002م)
أما الترنسفير عند غير المتدينين الحارديم أي عند اليساريين أبرزه الصحفي ميرون بنفنستي، مع ملاحظة أن اليساريين تمكنوا من تخفيف وطأة تعبير الترانسفير العنصري، وخففوا من وقعه على الرأي العام وأضافوا له صفتين ليصبح سهل البلع، أسموه الترنسفير (الطوعي) أو (الزاحف)! نقل الصحفي عن عضو الكنيست ورئيس الحزب اليساري، إسرائيل بيتنا المهاجر الروسي، أفيغدور ليبرمان قوله: "الترانسفير، هو عملية جراحية للإشفاء، إن ما فعله الجنود في المدن الفلسطينية في (الانتقاضة) أمر لا بد منه حتى تصبح الحياة لا تُطاق بالنسبة للفلسطينيين، مع تأسيس مناطق فصل، ومعازل، ثم يأتي الترحيل الطوعي، في ظل الاحترام والمساواة! هناك شكل آخر من الترانسفير، يأخذ شكل فرض الطوق على المدن الإسرائيلية، لتظل نظيفة من العرب" (صحيفة هارتس 18-4-2002م)
بدأ الترنسفير مبكرا جدا قبل تأسيس إسرائيل، وكان يُتداول سرا في المؤتمرات الصهيونية، وما إن أُسست إسرائيل حتى بدأ يظهر مصطلح الترنسفير والترحيل علنا، بدأته عصابات الهاغاناه وشتيرن والليحي وبيتار والأراغون، وتمثل في كم المجازر التي نُفذت ضد الفلسطينيين وهي سلسلة من المجازر، للأسف لم نحفظ منها سوى مجزرة دير ياسين، مع أن هناك مجاز أفظع وقعت في الطنطورة واللد والدوايمة وغيرها، هذه المجازر جرى تنفيذها على أهلنا الصامدين في أرضهم قبل عام 1948 كذلك نفذ الجيش الإسرائيلي عام 1956 أبشع مجزرة في بلدة كفر قاسم حين قتل الجيش أكثر من خمسين فلاحا عادوا من حقولهم وهم لم يسمعوا أن هناك حظرا للتجول فُرض على القرية دون علمهم!
رصد الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي، توم سيغف في كتابه (الإسرائيليون الأوائل عام 1949م) لقطة من الأرشيف الإسرائيل جاء فيها:
"بعد أسابيع من صدور قرار التقسيم، قال بن غريون: ستحدث تغييرات كبيرة في التركيب السكاني، كان يقصد تهجير الفلسطينيين، نحن مدينون للمفتي، الحاج أمين الحسيني، فمدينة، تل أبيب هدية المفتي، فلو لم يُعلن المفتي موقفه المتصلب القاضي بإزالة إسرائيل، لما وافقت خمسٌ وثلاثون دولة على ما وافقت عليه" (كتاب (الإسرائيليون الأوائل عام 1949م صفحة 35)
نشر الكاتب توم سيغف أيضا موقف خليفة بن غريون، وهو موشيه شاريت الذي تولى رئاسة الوزراء عام 1953-1956 نشر الكاتبُ رسالة منه موجهة إلى ناحوم غولدمان رئيس المؤتمر الصهيوني: "إن إجلاء العرب حدثٌ رائعٌ في تاريخنا، بل هو الأكثر روعة من إقامة إسرائيل" (كتاب الإسرائيليون الأوائل عام 1949 صفحة 39)
إذن فإن الترانسفير والترحيل من غزة ومن الضفة ليست استراتيجية حديثة، بل هي استراتيجية سياسية ودينية وعقدية تدخل في صلب العقيدة المركزية لتأسيس إسرائيل، ظلت إسرائيل طوال تاريخها تبحث عن مبررات ووسائل لتنفيذ المخطط، تضع الخطط لتحقيق هدف التهجير القسري والطوعي والزاحف، مثل خطة دالت 1948م.
أخيرا تمكنت إسرائيل من إيجاد مبرر الترحيل أو الترنسفير في حرب الإبادة في غزة! أو التهجير الطوعي والزاحف، شرعت في تنفيذه على كل الفلسطينيين وأولهم الصامدون في أرضهم منذ عام 1948، تمثلت سياسة الترنسفير والترحيل في سن قوانين عنصرية في الكنيست لتحقيق التهجير، مثل قانون القومية، ومشروع قانون مصادرة النقب، قانون برافر، وغزو وتفريغ وحصار الفلسطينيين في القدس، مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، تدمير القرى والمدن وتغريم سكان القرى الفلسطينيين ومالكيها بجعلهم يدفعون ثمن إزالة قراهم وبيوتهم، فأصدروا لهم قانون كمينتس، وكذلك سخروا لهم عصابات المستوطنين، عصابة لهفا، ولافاميليا، ودفع فاتورة الثمن، زعران التلال، وأخيرا جرى تقنين حركة كاخ العنصرية وقبول ممثلها في الكنيست إيتمار بن عفير، وهو حامل شعار( يجب أن يُرحَّل كل العرب) وهو شعار العنصري، مائير كاهانا أستاذ بن غفير!
بدأ الترحيل الزاحف منذ زمن بعيد، بدأ بمنع جمع شمل الفلسطينيين، وبمصادرة الهويات، والسجن والنفي وسلب آبار مياه الفلسطينيين، وكان جدار الفصل العنصري الذي نسيه كثيرون من الخبراء والمعلقين وفقهاء السياسة هو بداية خطة الترنسفير الكبرى!
وما تزال خطة الترنسفير المتمثلة في الغزوات الليلية والصباحية لغرض تدمير المدن وقتل الأبرياء، تطبق كل ساعة في كل المدن والقرى الفلسطينية، في الضفة العربية على وجه الخصوص!

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي