الفن العربي ليس في خدمة المعركة

محمد رضا عباس
2024 / 7 / 8

من يقارب عمره عمري يتذكر جيدا كيف ان الاغنية الوطنية كانت تلهب حماس المستمعين على اختلاف ثقافاتهم واعمارهم مع كل منازلة عربية مع إسرائيل . أتذكر كيف ان اغنية " امجاد يا عرب امجاد " للمطرب كارم محمود و " لبيك يا علم العروبة كلنا نفدي الحمى " للمطرب محمد سلمان , " دع سمائي فسمائي محرقة " لفايدة كامل , واغنية " اخي جاوز الظالمون المدى " للمطرب محمد عبد الوهاب .
رحلوا كلهم ولكن بقيت اغانيهم حية في الوجدان العربي وذكراهم عطره . هؤلاء لم يخلقوا ليتخصصوا بالأغاني الوطنية والحماسية , وانما كانوا مطربين أصواتهم العذبة عشقها الملايين من العرب , ولكن عندما دعا داعي الوطن انخرطوا بسرعة الى الدعوة , فأهدوا للقضية العربية , فلسطين , اعلى ما تجود به حناجرهم فنتج منها اغاني حماسية سطرت في سجل الخلود وسجلت اساميهم في سجل الخالدين , فمن الذي لا يسمع اغنية " امجاد يا عرب امجاد " ولم تلهب مشاعره الوطنية والقومية ؟ الشاعر الوطني مثل المقاتل على جبهات القتال , فهذا يلهب جبهات القتال , وذلك يلهب مشاعر الشارع , والذي يمثل الساتر القوى لجبهات القتال.
الاغنية الوطنية والحماسية هي جزء من الثناء والتقدير والدعم للمقاتلين . انها تقول لهم شكرا على جهودكم وتضحياتكم من اجل الوطن والأمة , انتم ليس وحدكم في ميدان القتال ,نحن خلفكم ونناصركم ونعيش انتصاراتكم وانتكاساتكم , وان هذه الاشعار والاغاني ما هي الا جزء من رد الجميل لتضحياتكم.
الاغنية الوطنية التي تدعم القضية الفلسطينية اختفت من الاعلام العربي بمرور الزمن , وحل محلها أفكار غريبة على القضية الفلسطينية , أفكار تدعم التطبيع علنا , واصبح من يقاتل من اجل الأرض والشرف العربي مرفوض و ذيل ولا يجوز حتى التوجه الى الله الدعاء لنصره !
المطرب العربي , وقع في هذا الفخ وابتعد شيآ فشيا عن هموم الوطن والأمة العربية ودنا شيآ فشيا الى الشهرة والمال وارضاء الحكام . المطرب العربي ترك فلسطين والتزم بالطرب. لماذا يعرض سمعته وشطارته والصبايا من حوله لقضية لا تجلب له الا الفقر ؟ بعض المطربين العرب اصبحوا من أصحاب الملايين ويريدون المزيد , وان أي اغنية عن فلسطينيين و بطولة أبناء فلسطين , وهم يقارعون محتل غاصب , قد تؤدي الى افلاسهم وعدم دعوتهم الى احياء الحفلات القادمة , لقد رضوا بالحياة الدنيا وزخرفتها وبهجتها. لقد ظهر منهم " القيصر" و " ملك الرومانسية " و " سلطان الطرب العربي" , وهي القاب لا تقف امام بطل من ابطال فلسطين حافي القدمين يحارب دبابة صهيونية ويفجرها.
والا بربكم , هل من المعقول ان يقاتل شعب اعزل قوة مدعومة من ثلاث دول عظمى و أروبا بكاملها وقدم لحد الان اكثر من 40 الف شهيد واكثر من 80 الف جريح ولا احد من المطربين هزته منظر امرأة فقدت طفلها واب فقد ابناءه و فتاة تقطع اوصالها ؟ واكثر من ذلك , اين الحس الإنساني وهو يشاهد بطل من ابطال المقاومة الوطنية في غزة وهو يحمل سلاحه غير مكترث بالدمار الذي أصاب مدينته ولكنه مصر على محاربة المحتل حتى الشهادة او النصر ؟ ماذا جرى لشعراء العرب ؟ وماذا جرى لمحلن الاغنية ؟ و اين المطربين الذين لم تغب أسماءهم عن حفلات الطرب ؟ وهل اصبح الدولار فوق الفكر الإنساني ؟ هل ماتت الوطنية والإنسانية ؟ هل من العدل والانصاف ان يخرج مطربون من بريطانيا و فرنسا و أمريكا وامريكا اللاتينية وهم يدينون الجرائم الصهيونية في فلسطين ضد أبناء غزة ولا يخرج مغني عربي واحد يغني لفلسطين ؟
أيها المطربون : المال ليس كل شيء . ليس من الضرورة ان تموت وتخلف عشرين مليون دولار , ولكن من المهم ان تموت وانت مرفوع الراس . المرحوم فؤاد سالم , مغني عراقي, كان يستطع ان يعيش في رغد من العيش لو غنى اغنية واحدة لصدام حسين , ولكنه رفض وجاع واعتقل واضطر الهجرة الى بلاد الله العريضة , ولكن بوقفته ضد طاغية كتب اسمه في سجل الخالدين . العالم لا ينظر الى المتوفي كم ترك من المال بقدر ما ترك من ذكريات و وقفات وطنية . ابطال ثورة العشرين في العراق ماتوا فقراء , ولكن ذكراهم بقيت خالدة.
المطرب ليس مثل الكاتب , يكتب وللناس الحرية الاطلاع عليها . صوت المطرب يسمعه كل أبناء المجتمع باختلاف دياناتهم و قومياتهم وتوجهاتهم الأيدولوجية . صوته يدخل الى المقهى والبيت و الدكان , وفي هذه الأيام الشارع بعد ان دخلت الشاشات الكبيرة لها . وعندما يصدح صوته بأغنية تمجد نضال الشعب الغزاوي , فان هذه الاغنية ستذكر سامعها بماسات هذا الشعب الابي , ويتغنى ببطولاتهم , وتصبح جزء من التوعية الوطنية والقومية, ورفض للاحتلال واهانة البشر. انها تنمي عند المواطن روح التضحية , كره المحتل , وحبه للوطن.
الحسين بن علي استشهد على يد عبيد الله بن زياد في كربلاء عام 61 هجرية , أي قبل 14 قرنا , ولكن ذكرى استشهاد هذا الامام الثائر ما زال حيا ويتجدد كل محرم من كل عام في العراق وبعض الدول الإسلامية . لماذا؟ لان الشعراء و قراء القصائد الحسينية ( في لغة الفن المطربين) كانوا السبب في إبقاء هذه الذكرى في عقول اتباع اهل بيت النبوة , فخرجت من بيوتهم جميع الثورات التي كان بمجملها رفض ظلم وجور الحكام .
غياب الاغنية الوطنية أصبحت غصة في قلب الكاتبة الجزائرية المحترمة أحلام مستغانمي . هذه الكاتبة افزعها انشغال الشارع العربي بالأغاني الهابطة وترك التغني بالمناسبات الوطنية وابطال المقاومة , فتقول عن هذه الحالة " و قلت في نفسي مازحة , لو عادت إسرائيل اليوم اجتياح لبنان او غزو مصر , لما وجدنا امامنا من سبيل لتعبئة الشباب واستنفار مشاعرهم الوطنية , سوى بث نداءات و رسائل على الفضائيات الغنائية , ان دافعوا عن وطن هيفاء وهبي واليس ونانسي عجرم . فلا أرى أسماء غير هذه لشحذ الهمم ولم الحشود ".

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي