معطف الغياب

فوز حمزة
2024 / 7 / 8

سأخبركَ عمّا فعلته الأسبوع الماضي أثناء حفل تخرج عمار من الجامعة، كنت على وشك البكاء، لكنَّي أخفيت دموعي لئلا أفسد اللحظات السعيدة، فأنا دائمًا ما أفعل ذلك حسب ما تقول نهى.
نسيت أن أحدثك عن خطيب نهى، إنه وليد ابن جارنا لطفي، الذي مات في انفجار السوق. نهى فضلت تأجيل الزواج بعد حصولها على الماجستير، قالت لي بالحرف الواحد: أستطيع الزواج في أي وقت، لكن الدراسة لا ترضى لها شريكًا. تذكرني بك وبحكمتك في تسيير الأمور،على العكس من أختها مريم الفوضوية الصامتة التي حققت حلمها لتصبح طالبة في كلية الفنون الجميلة. لقد فاجأتني وهي تخبرني برسمها لك لوحة زيتية في ذكرى مولدكَ وهي ذاتها ستكون مشروع التخرج.
علّقتُ اللوحة وسط الصالة، عيناك فيها تبدو حزينة، حينما أخبرتها بذلك، لم ترد وظهرت عليها الحيرة!. عيناك حزينتان على ما كان يجري في الوطن. كنتَ تستغرب حينما أخبرك: أن حبي لك يفوق حب وطن يسرقك مني، وطن لم يحترم هيّبة حزني وانكساري.
قبل أيام، كنت في زيارة إلى بيت أبيك، ما زالت الأرجوحة تتوسط الحديقة، حينما رأتني والدتك أجلس عليها، ابتسمتْ، ربما تذكّرت أوقاتنا معًا ونحن نشرب شاي العصر.
الحزن تمكن منها بعد وفاة والدك وانشغال أخوتك بحياتهم الجديدة، أنت كنت حزنها الأكبر، قالت لي: ليت عينيَّ تتكحلان برؤيته ثانية قبل أن أموت!.
سأخبرك عن الليالي، التي كانت تمر عليّ طويلة باردة، وأنا مستيقظة خشية أن تأتي ليلًا فلا أسمع طرقاتك على الباب، وفي النهار أترك النوافذ عارية ليتسنى لي رؤيتك وأنت قادم من بعيد، تتبدد وحشة روحي حينما تمر على ذاكرتي رنة صوتك الهادئة وابتسامتك العذبة، وبيدك، التي تجعل من جسمي ينابيع بهجة وفرح.
في الرسالة السابقة، لم أخبرك بالخيوط البيضاء التي بدأت تهاجم الليل في شعري، صدقني، لم أحزن لذلك، لكن كنت أمني نفسي أن نشهد ذلك معًا كما كنا نشهد بزوغ الفجر، وسماع الأذان، وفيروز التي قاسمتنا الصباحات، ما زلت أستمع إليها، وأمامي فنجانان من القهوة.
سألتني البائعة في المكتبة وهي تبتسم: هل تفضلين اللون الأزرق مثل كل مرة؟!.
قلت لها: نعم. به ستكتمل مجموعة الألوان لدفاتر مذكراتي، التي لي منها عشرون نسخة!.
لقد دونت لك فيها كل ما حصل لحظة خروجك ملتحفا بمعطف الغياب حتى هذه اللحظة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي