|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
حسام الدين فياض
2024 / 7 / 7
يندرج تحت مفهوم علم الاجتماع التأويلي مجموعة متنوعة من المناهج التي ترى أنه على علم الاجتماع أن يبدأ من العمل الإنساني، وليس من البناءات الاجتماعية، وأن هذه الأعمال يجب أن تدرس من خلال تفسير معناها الموضوعي للفاعل الفردي (سكوت، 2009: 421).
يهتم علم الاجتماع التأويلي بالدرجة الأولى بكيفية قيام الأفراد والجماعات بتأسيس المجتمع وإضفاء معنى عليه ومعايشة الحياة فيه، بدلاً من الاهتمام بكيفية تأثير المجتمع على الأفراد والجماعات (عبد الجواد، 2011: 63). بمعنى آخر تمثل المعاني التي ينتجها الأفراد في تفاعلاتهم جوهر الأطروحة الأساسية لعلم الاجتماع التأويلي فيمكن اعتباره اتجاهاً في تأويل المعنى أساساً (الحوراني، 2008: 25).
يركز هذا التحليل السوسيولوجي (قصير المدى) على الأنساق الاجتماعية باعتبارها نتاجاً إنسانياً يتشكل عملياً بموجب تفاعلات الأفراد مع بعضهم البعض وهذه الفكرة تقف على الجانب الآخر من الوجود الاجتماعي الذي ركز عليه علم الاجتماع البنائي (الحوراني، 2008: 25). وفي هذا الصدد نجد أن علم الاجتماع التأويلي يشتمل على أربع مكونات أساسية، وهي كالآتي: (الحوراني، 2008: 25)
- الأول: التركيز على تفاعلات الوجه لوجه الفاعلين الاجتماعيين والتواصل البين ذاتي أكثر من التركيز على الوحدات الاجتماعية الكبرى المجردة كالطبقات.
- الثاني: التركيز على المعاني أكثر من الوظائف ولذلك يحاول تفسير وتأويل المعاني التي يلصقها الأفراد بأفعالهم.
- الثالث: يركز على الخبرة المعاشة أكثر من المفاهيم المجردة مثل المجتمع والمؤسسات.
- الرابع: السلوك الإنساني ليس حتمياً أو مكتسباً، بل هو عملية اختيارية، ويتحدد السلوك في ضوء المواقف التي تواجه أفراد المجتمع وتفسيرهم للمعاني التي تحملها أفعال الكائنات الأخرى (جونز، 2010: 153-154).
وفي حقيقة الأمر، يسعى هذا الاتجاه النظري نحو الابتعاد عن أي نظرة ترى المجتمع كياناً قائماً بذاته مستقلاً عن الأفراد المكونين له والتركيز بدلاً من ذلك تركيزاً فجاً على الأساليب التي يخلق بواسطتها البشر عالمهم الاجتماعي (الحوراني، 2008: 25). بمعنى آخر، في علم الاجتماع التأويلي يتم التنكر لكل القوى الخارجية التي يمكنها أن تمارس تأثيراً على الأفراد وتوجه سياقات المعنى في تفاعلاتهم باعتبارهم هم من يشكلون الحقيقة الاجتماعية (الحوراني، 2008: 25-26). أي الناس يتجهون في حياتهم من الذات إلى خارجها مؤكدين أن الأفراد هم الذين يشكلون المجتمع، من خلال التأكيد على أهمية المعاني للاتصال بما يشمله من لغة وإيماءات وإشارات، بالإضافة إلى التوقعات التي تكون لدى الآخرين عن سلوكنا في ظروف مواقف معينة خلال عملية التفاعل الاجتماعي (جونز، 2010: 154-156). يعتمد علم الاجتماع التأويلي على منهجية فهم الفعل الاجتماعي وتأويله، مع تفسير هذا الفعل المرصود سببياً بربطه بالآثار والنتائج. ويقصد بالفعل سلوك الفرد أو الإنسان داخل المجتمع، مهما كان ذلك السلوك ظاهراً أو مضمراً، صادراً عن إرادة حرة أو كان نتاجاً لأمر خارجي. ومن ثم، يتخذ هذا الفعل - أثناء التواصل والتفاعل - معنى ذاتياً لدى الآخر أو الآخرين، مادام هذا الفعل الاجتماعي مرتبطاً بالذات والمقصدية (حمداوي، 2017: 56). وهنا ينتقل علم الاجتماع التأويلي من عالم الأشياء الموضوعية إلى الأفعال الإنسانية. أي انتقل من الموضوع إلى الذات، أو من الشيء إلى الإنسان. كما تجاوز المقاربة الوضعية نحو المقاربة الهيرمونيطيقية التي تقوم على الفهم والتأويل الذاتي الإنساني. وبهذا قد أحدث قطيعة ابستمولوجية، ضمن مسار علم الاجتماع، بتأسيس مدرسة الفعل الاجتماعي أو المدرسة التأويلية (حمداوي، 2017: 56-57).
ومن أهم منظورات هذا الاتجاه: نظرية الفعل الاجتماعي يمثلها ماكس فيبر. التفاعلية الرمزية يمثلها: جورج هربرت ميد، جورج بلومر. الاثنوميثودولوجيا يمثلها: هارولد جارفنكل، الفينومينولوجيا يمثلها: أدموند هوسرل، ألفرد شوتز، التبادل الاجتماعي يمثلها: جورج هومانز، بيتر بلاو. نظرية الفعل التواصلي يمثلها: يورغن هابرماس. وفي النهاية نلاحظ أن ثمة منهجين مهيمنين في علم الاجتماع: منهجاً علمياً موضوعياً يتكئ على التفسير السببي والعلّي، ومنهجاً ذاتياً إنشائياً تأملياً وأخلاقياً وتأويلياً يقوم على الفهم. ويعني هذا أن ثنائية الذاتية والموضوعية حاضرة في مجال دراسة علم الاجتماع العام (فياض، 2021: 364).
------------------------------------------------
- مراجع المقال:
- عبد الجواد، مصطفى خلف (2011). قراءات معاصرة في نظرية علم الاجتماع. ط2. دار المسيرة. عمان.
- الحوراني، محمد عبد الكريم. (2008). النظرية المعاصرة في علم الاجتماع – التوازن التفاضلي صيغة توليفية بين الوظيفية والصراع. ط1. دار مجدلاوي. عمان.
- جونز، فيليب. (2010). النظريات الاجتماعية والممارسة البحثية. ط1. (ترجمة: محمد ياسر الخواجة). مصر العربية للنشر والتوزيع. القاهرة.
- حمداوي، جميل. (2017). نظريات علم الاجتماع. ط1. الوراق. عمان.
- سكوت، جون. (2009). علم الاجتماع المفاهيم الأساسية. ط1. (ترجمة: محمد عثمان). الشبكة العربية للأبحاث والنشر. بيروت
- فياض، حسام الدين. (2021). المدخل إلى علم الاجتماع – من مرحلة تأصيل المفاهيم إلى مرحلة التأسيس. ط1. سلسلة نحو علم اجتماع تنويري. الكتاب: الأول. الجزء: الأول. مكتبة الأسرة العربية. إسطنبول.
- فياض، حسام الدين. (2024). منهجية الفهم والـتأويل عند ماكس ڨيبر ”إنك تدرس لكي تفهم“ (دراسة تحليلية – تطبيقية). مجلة ريحان للنشر العلمي. المجلد: 7. العدد: 48. سوريا. ص(292-325).
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |