|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
فوز حمزة
2024 / 7 / 2
اتصلتْ صديقتي حنان تبلغني بزيارتها لي عصرًا، لم يكن الوقت مناسبًا وقد لاحت نظرة مني لأكوام الثياب التي كنت أنوي غسلها، وكذلك كان عليّ تغيير ديكور الصالة، لكني لم أتمكن من الاعتذار، خاصة وأن عمر صداقتنا لم يمضِ عليه وقت طويل.
جلست بصمتٍ أنظر إليها تنفث أنفاس سيجارتها في الهواء، وعيناها تحدقان في سقف الغرفة.
قالت بعد إطفاء السيجارة الرابعة، وقد بدتْ شاحبة الوجه منهكة القوى:
- من أجل الحب حاربت الجميع ورضيت العيش وحيدة في صومعة حبه مكتفية بما أرى عبر النوافذ وما أسمع من خلف الأبواب.
قلت لها مستغربة:
- ما الجديد الذي حصل؟!.
تابعتْ وكأنها لم تسمع سؤالي.
- قلت لنفسي: الوصول إلى السعادة يتطلب نصر الحب، بهذا النصر خسرت عائلتي مقتنعة أن الانتصارات تسبقها التّضحيات!.
ضحكت في سرّي لأني من قال لها هذه العبارة ذات يوم قريب حين كانت تشكو لي من بعض تصرفات زوجها. قلت لها كمحاولة للتخفيف عنها:
- الذي أعرفه أن ثلاث سنوات مرتْ على الزواج كنتما سعيدين، ولم تقف اختلافاتكما عائقًا أمام سير العلاقة!.
أجابتني بتهكم:
- أنا أيضًا كنت أظن أننا بالحب سنتمكن من مد الجسور لنصل إلى بر الأمان، فذهبت بيّ الأحلام بعيدًا فتصورت سأذيب بهذا الحب الفوارق بيني وبينه. ثمة معارك في الحياة لا نخوضها إلّا مع أنفسنا!.
فوجئتُ بها وهي تضحك بقهقهة عالية حتى ظننت للحظة أنها جُنّتْ، فاعترضتني بالقول:
- أوتدرين لِمَ ضحكت؟.
- كدتُ أسألكِ!.
- لأن هذه واحدة من كلماتكِ حينما كنت تروينَ لي شيئًا من ذكرياتكِ.
- أتذكر ذلك، لكني لم أشأ مقاطعتك.
- أنتِ لطيفة جدًا!.
- لا عليكِ مني وأكملي.
- السنة الأولى كانت من أجمل سني حياتي، ففي اللحظة التي نطقت بها نعم، لم أندم بعدها.
- هه، ما الذي حدث بعد ذلك؟ يبدو أن سفري فوّتَ عليّ الكثير!.
- بعد انقضاء عدة شهور على زواجنا، اختفت الهالة وبان جلده الحقيقي، فقلتُ: إنها الاختلافات التي تصيب المتزوجين، حتى مر عام!.
وأنا أضعُ أمامها فنجان القهوة، استأنفتْ حديثها بينما شعرتُ بغصةٍ في داخلي وأنا أفكر باللحظة، التي سيدخل بها ابني ويجد غرفته كما هي، ثم تلك الأعمال الراكدة، التي تناديني، فشعرت بصخبٍ في رأسي وضجرٍ في صدري، لكنها تستحق أن أصغي لها فقد لجأتْ إليّ وما باليد حيلة!.
أبدتْ إعجابها بمذاق القهوة لتقول بعدها:
- بدأ زوجي يُضيّق عليّ الخناق، ينتقي لي صديقاتي، يتجسس على هاتفي وقد وصل به الأمر في فرض شكل الملابس، التي عليّ ارتداءها.
فقلت لها بدهشة:
- لا تقولي أنكِ تطلقتِ من أجل الثياب؟!.
- ليستْ هناك زوجة تهدمُ عش الحب من أجل مشكلة تستطيع تجاوزها. بدأت بتنفيذ كل ما يطلبه مني، أبدي الموافقة على قراراته لأحمي الحب الذي من أجله تخليتُ عن أحلامي، لكنَّ المشكلة كانت أعقد.
- لقد اكتشفت نفاقه وغموضه، الذي يفاجئني به كلما حاولت معرفة أمر يخصه، له قدرة على التلون لم أرَ لها مثيلًا، رجل لديه من الأقنعة بعدد قمصانه، يرتدي ويخلع كلما شاءت له الفرص.
نهضتُ لأفتح نافذة الصالة التي امتلأت بالدخان فسألتها:
- لم أفهم ما تقولين!.
- سكتتْ لحظات تحاول العثور على كلمات تنجيها من الاختناق، الذي تشعر به.
- زوجي، أقصد من كان زوجي، رجل ليس له درب محدد، اختياره للطريق كما تقولين أنتِ في كتاباتكِ لا تحدده النهاية التي يبغي الوصول إليها، يندفع كالسّهم الأعمى من أجل تحقيق غايته ولا يهمه إن نفذ هذا السّهم في صدر أحدهم، ثم أتدرين؟. لا يهتم بمن يجالس إن كان في تلك المجالسة ما يعود إليه بالمنفعة. أتيه مع نفسي أحيانًا كثيرة وأنا أفكر في شخصية هذا الرجل!.
- ربما لم ترينه جيدًا!.
- هل أبدو غبية لهذا الحد؟.
- لا يا عزيزتي .. ذلك كثيرًا ما يحدث، ربما سيدة غيرك ترحب بهذا ممن ترغب بالمال في معزل عن مصدره.
- نعم. هذا ما ذكرته لي إحداهن من اللواتي صادفتها في ذلك المنتجع الذي اصطحبني إليه.
- غريب ما تقولينه، ألم تلاحظي ذلك قبل الاقتران به؟!.
- كان ذكيًا في إخفاء ما يريد إخفاءه. كل يوم يفاجئني ببشاعة وجهه الحقيقي، من أجل مصالحه قد يساند اللص ويجد المبررات للقاتل أو يحمي الفاسد، مرة يطلق لحيته فهو المؤمن التقي وفي اليوم التالي يلعن هذا الفكر ويعادي أصحابه، وفي اتصال هاتفي مع صديق له سمعته يقول: العالم يسير نحو التغيير وعلينا مواكبته.
وأنا أرى ارتعاش يدها وإحمرار وجهها، عرضت عليها الخروج إلى الشرفة، لعل منظر الشمس القرمزية الرائع وهي تودع النهار ناشرة ظلالًا خفيفة على المدينة تنسيها مأساتها، لكنها لم تهتم لذلك فواصلت:
- تخيلي، بالصدفة عثرت على أوراق تؤكد وشايته ببعض زملائه في العمل تسبب في فصلهم وقطع أرزاقهم وأخرى تثبت تورطه في عملية اختلاس كبيرة من المؤسسة التي يعمل فيها.
بنبرة يملأها الاستغراب سألتها:
- ماذا فعلتِ حين عرفتِ بالأمر؟!.
- واجهته، ظننت بفعلتي هذه قد أتمكن من ردعه، أو جعله يتوقف ليحاسب نفسه، فإذا به يدافع عن كل ما فعله بضراوة!.
- ما هي تبريراته؟!.
- في البداية أنكر واتهمني بالخيانة، لكن حين وجد نفسه محاصرًا في زاوية ضيقة، اعترف وقال بالحرف الواحد: من أجل مصلحتي أتسلق أي شيء.
لم أجد ردًا مناسبًا حين رأيت دمعتين سقطتا من عينيها وبصوت حزين بائس استأنفت حديثها:
- لكِ أن تتخيلي صدمتي حينما اكتشفت ما أخبرني به عن حياته الماضية، كلها كانت محض أكاذيب. يتملكني الخوف حينما أفكر بالليل الذي سيجمعني به على سرير واحد. صدقيني حين أقول لك لا تمر عليّ لحظات أقسى منها. هل هناك أقسى من مراقبة الحب وهو يحتضر داخل خيمة القلب؟!. لا تضحكي.. أدري أنها جملة قرأتها لكِ في إحدى قصصك المثيرة.
بدأ الليل ينشر ببطء عتمته على المدينة التي بدت صامتة مثلي لأني لم أجد الكلمات المناسبة لتلك اللحظات بينما راحت تتحدث وعيناها نحو السماء:
- لم يتبق سِوى خيط واحد يربط بيني وبينه. كان عليّ التأكد من قوة هذا الخيط فتأكد لي من سؤالي له: لِمَ تزوجتَ امرأةً من غير دينك؟!. قال بعد أن أخذ يلتف حول نفسه: في وقت ما اقتضت مصالحي أن أبدو منفتحًا!.
ربما كانت لحظة الصدق الوحيدة، التي نطق بها لسانه!.
أدركت وقتها أن خيط العنكبوت، الذي يربط بيننا آن له أن ينقطع.
يا إلهي!. أظنها ستطيل المكوث، لم يبقَ لي متسع من الوقت، الدقائق تحاصرني والساعات تهرب.
إنها ترفع حقيبتها ، لقد نهضت، الحمد لله، كنت أتمنى لو أنها جاءت في وقت آخر!.
رافقتها لغاية الباب وصرت أراقبها، حتى اختفت من بصري. اتجهت نحو النوافذ لأفتحها وبدلًا من الانصراف لإتمام ما ينتظرني من أعمال، جلست أكتب قصة غير متوقعة!.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |