|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
فوز حمزة
2024 / 6 / 30
بعد مضي أشهر قليلة على زواجنا، بدأتْ النزاعات بيني وبين زوجتي.
لقد تشاجرنا حول قنوات التّلفاز ورنة هاتفي المزعجة، ومجفف شعرها العاطل، وجارتنا الأرملة الجميلة، التي ما تزال في مقتبل العمر!.
تشاجرنا حول أخواتها الفضوليات، والعقربات أخواتي.
سأكتب عن المؤامرات التي حاكتها أمي لإفشال هذا الزواج، لأنني عزمتُ على تخصيص فصل طويل عن ذلك حينما اكتشفت أن لزوجتي خيالًا في ربط خيوط غير مرئية للأحداث لتنتهي إلى أنها مؤامرة كتلك التي تحيكها أميركا ضد الشرق الأوسط.
سأذكر كل شيء في كتابي القادم، سأسميه (مذكرات زوج أحمق) يمكنكم اقتنائه من المكتبات، لعلكم تتجنبون حفرة وقعتُ فيها،مع إيماني أن الحمق صفة متأصلة في جنس الرجال، توارثوها جيلًا بعد آخر!.
صوت شخيري كانت له الكلمة الفصل في إحلال هدنة مؤقتة، حينما قررنا النوم في غرفتين منفصلتين.
لقد تم الاتفاق على ذلك في الأيام التي لا نمارس الجنس فيها، وهي بالتقادم أمستْ أيامًا قلائل في الشهر نؤديها كمهمة يطالب بِها الجسد كما تطالب المعدة بالأكل.
ظننتُ أن قدوم الأطفال قد يخفف من حدة التوتر بيننا. أدركت أن هذه الحيلة ما هي إلّا فخ لإنجاب المزيد من الأغبياء.
بعد مرور سنوات طويلة، فقدتْ لغة الكلام بيننا أي معنى لينتهى الأمر إلى عدم إصدار أية إشارة لئلا يتم تفسيرها من الطرف الآخر على نحو خاطئ.
لم نعد نتبادل النظرات عند تبادل الأحاديث.
لقد تحولتُ بمرور الوقت إلى كتلة صلدة من المشاعر، أما هي، لم يعد يشكل وجودي من عدمه فارق لديها وكأنها تقول لي: لا ترتقِ لتصبح عدوي!.
وجدت في الطلاق حلًا مناسبًا، لكن للمرة الثانية يحشر القدر نفسه في حياتي عندما توفي والدها، ارتأيت تأجيل الموضوع، صدمتان في وقت واحد، قد تؤثر عليها سلبًا، في النهاية نحن بشر!.
الهدوء النسبي الممنوح لنا من الأيام سرعان ما تحول إلى صمت مطبق، وسكون يشبه سبات الغابات شتاءً. وجدت نفسي أمام لافتة تحذرني الاقتراب من الموت ولا درب أمامي سواه!.
حدث ذلك عندما أصيبتْ زوجتي بفايروس كورونا!.
لقد كتبت عن هذا المرض، ولم يخطر على بالي أن الجرأة ستبلغ به دخول بيتي!.
نظرت إليها ..
اندهشت لحظتها لمعرفتي بوجود ما يجبر زوجتي على الصمت، رأيت الخوف يبتلع الكلمات من فوق لسانها، والدموع تتزحلق بغزارة على خديها، بينما عيناها خيم فيهما حزن يشبه لحظة المغيب!.
كل شيء في البيت اختار الصمت لأجلها، الأبواب، والجدران بينما الوقت يمضي على ساق واحدة، ولا شاطئ أمامي!.
كل شيء في المنزل يريد التهامي. فكرت في إشغال نفسي بالكتابة، لكني فشلت.
على حين غفلة، بدأت خلايا جسدي تستيقظ الواحدة تلو الأخرى.
لقد أذابتْ حرارة جسمها صقيع الحرب الباردة بيننا، لقد غطى الحب على المشهد كله!.
المرض تمكن منها، لكنه أيقظ حبي لها ليخبرني بحقيقتي. لم أكنْ الزوج المثالي الذي تتمناه أيّة امرأة!.
وأنا أنظر إليها، راح الألم يعتصرني من الداخل، بينما من الخارج يحيطني الشغف كأنها نهضتْ برفق لتنفذ إلى داخلي بصمت.
وضعت الكمامة على وجهي لأقترب منها، يدها ساخنة ولسانها يهذي.
سرقت بعض لحظات من إنسانيتي لأقنع نفسي بأنها غير موجودة.
كنت قاسيًا على نفسي في تخيل تلك اللحظة!.
نظرت إلى الزاوية التي تقبع فيها جبروتها وأنانيتي. كانا ضعيفين أمام فايروس متناهي الصغر، لكنه يملك من الحكايات ما يمكنه من ولادة ذاكرة جديدة.
استمعت إلى عِنادها، وقسوتي وهما يترجيان الحياة في فرصة أخرى!.
وأنا أقبل يدها من وراء الكمامة، ابتسمتْ عيناها كأنها تقول لي: لم نكن يومًا ما إلى هذا الحد معًا!.
بعد أيام، لم تكن عدوى الحب فقط ما أصابني، بل عدوى الكورونا أيضًا!.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |