من ذاكرة التاريخ : لماذا لا تناسب السلفية الجهادية ذوق العراقيين

محمد رضا عباس
2024 / 6 / 28

حسب ما طرحه الأستاذ يحيى الكبيسي , ان اول ظهور للسلفية كان في العراق , وبالتحديد مدينة الموصل في القرن الحادي عشر للهجرة , الا انها رفضت من قبل علماء السنة فضلا عن محاربة الدولة العثمانية . وهكذا بقى الفكر السلفي في العراق يراوح في مكانه يعتنقه افراد وليس جماعات , وبذلك لم يكن ظاهرة مجتمعية الا بعد نهاية الحرب العراقية – الإيرانية لثلاث أسباب كما ذكرها الأستاذ الكبيسي .
السبب الأول , الانتفاضة الشعبية في جنوب العراق ضد النظام السابق , حيث ان هذه الانتفاضة وان تمددت من الجنوب حتى وسط العراق , الا ان المكون السني لم يدعمها , واعتبرها على انها انتفاضة شيعية ضد نظام صدام حسين , وانها مدعومة من ايران ضد نظام شرعي ومعترف به عالميا.
السبب الثاني , هو تحول النظام من العلمانية الى تبنى التدين , وهو ما عرف بالحملة الايمانية التي بدء بإدخال بعض التوجهات الدينية في المناهج الدراسية , محاربة تجارة الخمور , والتشجيع على بناء المساجد.
السبب الثالث, هو تأثير الوضع الاقتصادي على أبناء المجتمع , حيث من المعلوم ان الانسان يتوجه الى الله في وقت الشدة , مثل المرض والفقر, وطالما ان الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق وما نتج عنه من تضخم مالي لم تشهده منطقة الشرق الأوسط من قبل و اثر سلبا على جميع طبقات المجتمع العراقي واضطرهم الى بيع كل ما سهل حمله , فان في هذه الحالة لا يبقى على المؤمنين الا التوجه الى الله .
ومع توجه المجتمع العراقي نحو الله , الا ان الفكر السلفي ظل محصورا في مناطق معينة من المدن ذات الأكثرية السنية . وللأسباب التالية :
1. ان معظم أبناء المكون السني في العراق يتبعون المذهب الحنفي والشافعي , الا مدينة الزبير وهي في اقصى جنوب العراق , فهم يدينون بالمذهب الحنبلي.
2. العراقيون سنة وشيعة لديهم عداوة تاريخية مع الفكر الوهابي . القبائل السعودية كانت تهاجم وتقتل السني والشيعي من اجل السرقة وتخريب مراقد الاولياء والصالحين في طريقهم.
3. وحتى الافراد الذين تبنوا الفكر السلفي , فانهم كانوا على خلاف مع الفكر السفلي الوهابي . ففي الوقت الذي يكفر السلفي الوهابي الاشاعرة والمتصوفة والشيعة و يخربون قبور الاولياء والصالحين , فان السلفي العراقي قد انفتح على جميع المذاهب ولم يدعو الى تخريب القبور .
4. وعلى الرغم من ولادة معظم الأفكار والتوجهات الدينية في العراق , الا ان الأحزاب العلمانية هي التي استحوذت على الساحة العراقية . جميع الأحزاب العلمانية استطاعت الانتشار افقيا . الأحزاب الدينية لم تستطع ذلك وظلت محصورة ضمن مناطق محددة . على سبيل المثال , ان انصار الحزب الشيوعي العراقي كانوا منتشرين من اقصى جنوب العراق حتى اقصى مدنه , فيما ان مساحة حزب الدعوة الإسلامي كانت ضمن المناطق الشيعية , فيما بقى الحزب الإسلامي العراقي ضمن المساحة السنية.
اذن , ان العراقيون ليس لهم المعدة لهضم الأفكار السلفية وخاصة الوهابية منها , والسبب ان العراق ليس بلدا متجانسا , وانما متعدد الأديان والمذاهب والقوميات , وما ينتشر بين قوم معين ليس من الضروري الرحيل الى قوم اخر. هذه الجماعات والكتل البشرية عاشت متحابة ومتواصلة منذ عشرات القرون , وبذلك لا يسمحوا لأفراد محسوبين على فكر معين تخريب هذه العلاقة . وفي حالة الفكر السلفي الوهابي , فان دخوله العراق قد خلق مشاكل جمة ليس للمواطنين الغير مسلمين فحسب , وانما خلق مشاكل بين الشيعة والسنة , ومشاكل بين السنة والسنة , خاصة في مدينة الموصل . عندما دخل داعش الموصل استخدم شباب من اهل السنة لقيادتهم الى السكان غير المسلمين , وبعد ان انتهى منهم , توجه الى المواطنون السنة للاقتصاص منهم بحجة دعم التغيير او بحجة التعاون مع المحتل .
العراقيون , مسلمون وغير مسلمون , معروفون باحترام تقاليدهم وتراثهم و عظمائهم احياء وامواتا , وهو امر لا يستوعبه الفكر السلفي الوهابي. انهم ينظرون الى التاريخ على انه محطات سادت ثم بادت , ولا حاجة للإنسان الاعتبار منها . فعندما دخل تنظيم داعش المدن العراقية المزدهرة بتراثها , كان من ضمن واجباته هو تدميرها , فدمر مسجد الحدباء , اثار تدمر , قبور الصالحين من كل الملل والنحل , حتى عرج لتدمير مراقد الائمة في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة , لولا وقفة رجال العشائر فيها .
الفكر السلفي الوهابي يعادي بشدة اهل القبور وينصح بتدميرها بحجة انها شرك , ولو استطاعوا تدمير القبة الخضراء للنبي محمد لفعلوها . السلفية الوهابية هجرت زيارة القبور بالتمام , معتبرين ان زيارتها تعد شركا والصلاة في حضرتها باطلة . السلفية الوهابية قسموا زيارة الى أنواع منها محرمة و بدعية وشركية .
أ - الزيارة المحرمة: وهي التي تتضمن شيئاً من المناهي الشرعية، ولم تصل إلى درجة البدعة وإن كانت من كبائر الذنوب، كالنياحة والجزع، ولطم الخدود، وكثير من الأفعال التي يفعلها العامة مما يوحي بالسخط على قدر الله،
ب - الزيارة البدعية: وهي أن يزور قبراً من أجل أن يصلي عنده، أو يدعو الله عنده، أو يقرأ القرآن عنده.
ج - الزيارة الشركية: وهي التي يدعى فيها المقبور من دون الله، ويطلب منه قضاء الحوائج، ودفع المكروه وتفريج الكرب أو يصلي له أو يذبح له أو ينذر له او التعبير عن حبهم للميت .
يلاحظ القارئ ان تقسيم زيارات المتوفي الى محرمة و بدعة او شركية لا تلائم معتقدات العراقيين سنة وشيعة . لا تخلوا مدينة صغيرة او كبيرة في العراق من مزار , وان هذه المزارات محل رعاية واهتمام محبيها , والبعض منها موجوده من مئات السنين , ولم تتعرض الى الجفاء او الهدم , مثل ما تعرضت قبور الاولياء والصالحين في المملكة العربية السعودية , والتي جلبت عليها انتقادات لاذعة من جميع المذاهب الإسلامية .
القارئ يلاحظ أيضا وهن منع او تحريم زيارة القبور. أولا , لا يحتاج مشرك او كافر او غير مؤمن زيارة قبور الأنبياء والاولياء والصالحين . اذا كان لا يؤمن بالله فمن غير المعقول ان يصرف وقته بزيارة مرقد امام او نبي . اذن , لا يزور قبور الصالحين الا المؤمنين الموحدين الذين يؤمنون بالله وحده وان محمدا رسولا الله , وخير دليل هو إصرار حجاج بيت الله زيارة مقبرة البقيع بجانب المسجد النبوي , وهم من جميع طوائف المسلمين .
ثانيا , عندما يزور المؤمنين قبور احبائهم و اولياءهم وانبيائهم , انما هو رد جميل لهم . محمد هدى المسلمين الى الطريق المستقيم , فمن واجب كل مسلم تقديم الشكر والثناء له .
ثالثا, ان التواصل مع اهل القبور يعد باب من أبواب التواضع والرحمة والقلوب اللينة.
رابعا , وعلى الرغم من ظهور الإسلام منذ اكثر من 1400 عام وانتشار قبور الاولياء والصالحين على امتداد الدول الإسلامية , لم يظهر مواطن يدعي انه يعبد فلان الامام او فلان النبي . نعم ظهر هناك من يدعوا الى النبوة , الا انه لم يظهر شخص يدعي بانه يعبد الامام علي بن ابي طالب او الامام أبو حنيفة او الامام جعفر الصادق .
خامسا, ان قبور الاولياء والصالحين أصبحت مواقع جذب المؤمنين ولا تسمع من افواههم الا تلاوات آيات القران والصلاة على محمد وال محمد والدعاء بالرحمة الى الاحياء والاموات .
سادسا, وفي العراق أصبحت زيارة قبور الاولياء والصالحين متنفسا لهموم و معاناة المؤمنين وهي كثيرة . فعندما يذهب زائر الى قبر الامام الحسين , فهو يتأسى بمصاب اهل بيته في يوم عاشوراء .
سابعا, ان هناك إشارات كثيرة من القران والسنة تذهب بمشروعية زيارة القبور والتبرك فيها . لقد أورد الشيخ صالح الكرباسي جملة من الاحاديث المعتبرة والآيات القرآنية . يقول الشيخ , إن علماء الإسلام أفتوا بجواز و مشروعية زيارة القبور ـ خاصة قبور الصالحين ـ استناداً إلى عدد من الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة ، بل أنهم أفتوا باستحبابها و أفضليتها .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي