|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد رضا عباس
2024 / 6 / 23
رغم ما صيت الاعلام العربي , فان معركة الفلوجة الثانية لم تكن معركة طائفية بين السنة والشيعة , ولم يكن في خلد من اشترك من العراقيين في هذه المعركة انه يقاتل من اجل حماية مذهبه , وانما كل من شارك من العراقيين الشيعة كانوا جنودا يـأتمرون بأوامر وزارة الدفاع وقادتهم الميدانيين , وهو امر تكرر في معركتي مدينة النجف وكربلاء حيث اشترك جنود الشيعة مع الامريكان لمجابهة التيار الصدري فيهما , وفي حينها لم يتهم التيار الصدري الجنود الشيعة المشاركين في العملية العسكرية خونه او خارجون عن الملة او أعداء السيد مقتدى الصدر, رغم محاولات الاعلام العربي تصويرها على انها حرب شيعية – شيعية .و في صولة الفرسان التي قادها السيد نوري كامل المالكي ضد قوات جيش المهدي في البصرة , لم يتهم التيار الصدري جنود الشيعة الذين شاركوا في العملية , وانما وجه اللوم والاستنكار الى شخص السيد المالكي والذي ما زال الكره بينهما قائما الى يومنا هذا .
شارك جنود عراقيون القوات الامريكية في الهجوم على مدينة الفلوجة في المعركة الثانية في 8 تشرين الثاني 2004 , من اجل تحريرها من المسلحين والذين اصبحوا يشكلون خطرا جسيما على النظام العام متبعين قرار القائد العام للقوات المسلحة العراقية والذي يعتبر من القوى العلمانية في البلد ولم يكن يوما محسوبا على حزب شيعي وكذلك وزير دفاعه السيد حازم الشعلان الذي كان غير صديق للقوى السياسية الشيعية ووزير الداخلية السيد فلاح النقيب ,وهو الاخر محسوب على القوى العلمانية . وعلى الرغم من قلة عدد الجنود العراقيين الذين شاركوا في معركة الفلوجة , وذلك لحداثة تشكيل القوات المسلحة العراقية بعد ان قرر بول بريمر الحاكم المدني في العراق الغاء وزارة الداخلية والدفاع وتسريح جميع منتسبيها , ولكن خبر مشاركتهم في المعركة ازعج بعض رجال الدين في بعض المدن العراقية , الامر الذي دعاهم الى كتابة رسالة غير لائقة برجال دين الى المرجع الديني الشيعي السيد على السيستاني يطالبون فيها إصدار فتوى تحرم القوات العراقية المشاركة في المعركة , على أساس ان المعركة معركة اسلام وصليبيين .
ان معركة الفلوجة الأولى والثانية لم يكونا لحماية الإسلام من الصليبين او كان هناك خطر على الدين الإسلامي او على المذهب السني في العراق . القوات الامريكية التي دخلت الفلوجة كانت قوات ليس هدفها تخريب مساجدها وقيمها الدينية , وانما دخلوها في المرة الأولى من اجل القاء القبض على قتلة المقاولين الأربعة . وفي الثانية من اجل تحريرها من المسلحين الذين اصبحوا يشكلون خطرا على العملية السياسية وعلى امن المواطنين .
ولهذا السبب لو اصدر المرجع الديني السيد السيستاني فتوى تمنع مشاركة القوات المسلحة العراقية في معركة الفلوجة لما استجاب احد من العراقيين للفتوى . الدين لم يكن في خطر والمذهب السني لم يعتدي عليه احد . الفتوى سوف تترك ولا يتبناها احد , خاصة وان التغيير الجديد انتظره العراقيون بكل مكوناتهم , وكل واحد يقف ضد النظام الجديد سيعد غير مرغوب به . العملية السياسية الجديدة جاءت على اعقاب نظام ديكتاتوري شمولي فرض القوة في تعامله مع شعبه فكانت ضحاياه مئات الالاف . لهذا السبب استقبل اغلب الشعب العراقي التغيير السياسي بالترحاب , خاصة وان من اهداف النظام الجديد هي الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان والتي غابت عن العراق فترة طويلة جدا. الأهداف لم تتحقق بالكامل كما بشرت بها نظريات السياسة والعلاقات الدولية , الا ان الوقت كفيل بتحقيقها . التطبيقات الديمقراطية ليست سهلة وتحتاج الى وقت طويل , كما شاهدته جميع الديمقراطيات في العالم .
الاعلام العربي صور للعالم بان المقاومة في العراق هي مقاومة وطنية تريد اخراج المحتل من العراق ومعاقبة كل من وافق ودعم التغيير . ولكن لا يوجد عراقي واحد يقبل باحتلال بلاده وجنوده يجوبون شوارعه . وهذا ما جرى في العراق . القوات المحتلة لم تستقبل بالورود والزغاريد , وانما استقبل النظام الجديد بالورود والزغاريد , لان العراقيون سأموا من ممارسات النظام القديم وتعامل أنصاره معهم . والعراقيون سأموا اكثر من التفجيرات العشوائية ضدهم والتي صبغت شوارع المدن بالدماء باسم " محاربة المحتل". في هذه الاثناء أي شخصية تدعوا الى التساهل مع المسلحين تعد دعوة ضد بقاء الحياة في العراق. وبذلك كان من حق المرجعية الدينية في النجف تجاهل رسالة رجال الدين وعدم الاخذ بها , على الرغم من تطاولها الضمني على المرجعية .
نحن نعلم انه كان هناك مجموعة من المسلحين قد خرج من اجل الجهاد ضد المحتل ولا يروم الا وجه الله وجناته , ولكن الحركة المسلحة في العراق غلب عليها التطرف والغلو بأبشع صوره , حتى وصل الامر الحكم بقتل كل من يزور كربلاء والنجف وهو قادم من بغداد . بل ان القتل شمل حتى الموتى , حيث كان المسلحون بعد ان يقتلوا أصحاب الجنائز , يرمون الجنائز في النهر. واكثر من ذلك , خرجت من النافق أبو مصعب الزرقاوي فتوى تحلل قتل ومال الشيعة , وتصف زعيم الملة السيد علي السيستاني ب " راس الكفر". فهل من المعقول ان يطلب من " راس الكفر" فتوى تحرم قتال الزرقاوي و أنصاره ؟
الغريب , كان الاعلام الغربي يضع اللوم على أبناء المكون الشيعي على ما كان يجري في العراق , ويترك جانب المسلحين الذين اوغلوا بدماء العراقيين الأبرياء . واصبح الاعلام يتحدث عن قتلى أبناء المكون السني , ولا يتحدث عن قتلى المكون الشيعي . لقد قتل الشيعة وهم في مواكب عزاء الحسين , في مجالس الفاتحة , وحتى في حفلات زواجهم .
زعماء المسلحين وقادتهم نظروا الى جميع المكونات العراقية نظرة شك وكراهية , وبذلك لم ينجى مكون واحد من ارهابهم . لقد قتلوا الكرد وهم يتبادلون التهاني في يوم عيد الأضحى , وقتلوا الشيعة وهم يشاركون رسول الله بذكرى استشهاد ولده الحسين , وقتلوا التركمان في تلعفر , وفجروا الكنائس على رؤوس المصلين فيها . ولو كان مركز للصابئة في بغداد لما تركوهم احياء . وبذلك فان من كان يطالب حماية الوحدة الوطنية العراقية وعدم ترك الساحة العراقية ساحة للقتال الطائفي من قبل بعض الكتاب العرب , انما كان بعيدا جدا عن حقيقة ما كان يجري في العراق .
المسلحون او قادتهم اخذوا قرار اما نحنو او هم , ولم يتركوا منطقة رمادية للحوار . قادة المقاومة كسبت قليل من الأصدقاء وكثيرا من الأعداء داخل البلد , والسبب هو غياب الخطاب الوحدوي الذي يتبنى القواسم المشتركة بين جميع مكونات الشعب العراقي. ولو اختاروا الحوار لكان خيرا لهم وللعراق. اقل تقديرات قتلى معركة الفلوجة الثانية هو 1200 قتيل من اهل الفلوجة , تلك المدينة التي لا يزيد عدد سكانها 300 الف نسمه. وبعد هذا القتل هرب احد ابرز قياداتهم عبد الله الجنابي وقتل علي حديد , فيما ترك الزرقاوي الفلوجة قبل المعركة. بالمختصر الشديد , لا دخل للطائفية في معركة الفلوجة الثانية , ومن دخل الفلوجة هي قوات امريكية وما كانت مشاركة افراد من القوات العراقية معهم الا بأوامر الحكومة العلمانية التي كان يقودها الدكتور اياد علاوي.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |