تفسير راديكالي لظاهرة التضخم المالي

محمد رضا عباس
2024 / 6 / 21

تفسر النظرية الاقتصادية المعاصرة , الليبرالية ,ظاهرة التضخم المالي الى واحدة من ثلاث : زيادة الطلب العام على السلع والخدمات , زيادة كلف الإنتاج, و الشحة في الأسواق.
طلاب الصف الأول لكليات الاقتصاد تدربوا على ان زيادة الطلب العام على السلع والخدمات يؤدي الى ارتفاع عام في الأسعار . هذه الظاهرة تعرفها الدول الصناعية وغير الصناعية . تاريخيا , يظهر هذا النوع من التضخم في الولايات المتحدة الامريكية مع زيادة المصاريف العسكرية والتحضير للحرب.
بالنسبة الى السبب الثاني , زيادة كلف الإنتاج تعود عادة الى زيادة في أسعار المواد الأولية او أجور العمال. على سبيل المثال , صعد التضخم المالي الى اكثر من 10% عام 1972 بعد رفض دول اوبيك تصدير النفط الى الولايات المتحدة الامريكية لدعمها العدوان الإسرائيلي.
الشحة في وفرة مادة معينة مهمة في الاقتصاد الوطني , وهي عنصر اخر لظاهرة التضخم المالي . شتاء بارد وجو غير ملائم يقتل محصول القهوة في كولمبيا يؤدي الى شحة الإنتاج وقلة صادراتها , مما يعرض البلد الى قلة العملات الأجنبية وعدم قدرته على شراء ما يحتاجه البلد من خارج البلاد.
في الآونة الأخيرة , ظهرت نظرية أخرى تفسر ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة الامريكية , وهو الاحتكار . أصحاب هذه النظرية لا ينكرون ان ظاهرة التضخم المالي ظاهرة تاريخية , وانها ليست من اختراع النظام الرأسمالي , لان التضخم المالي كان قبل ظهور الرأسمالية . ولكن هذه المجوعة من الاقتصاديين يفسرون ظاهرة التضخم المالي في الولايات المتحدة الامريكية على انها ظاهرة لا يمكن تجنبها بسبب سيطرة الاحتكار على المجتمع الأمريكي , على الرغم من ان البعض يبررون التضخم المالي الى أسباب أخرى .
كيف ان الاحتكار يؤدي الى ارتفاع الأسعار؟
يجيب أصحاب هذه النظرية بالقول من ان هناك علاقة ما بين التضخم المالي و احتكار الإنتاج بيد القلة (Oligopoly). الاحتكاري يستطع رفع اسعار انتاجه بغض النظر عن حجم العرض و الطلب , حيث ان النظرية الاقتصادية تصرح بان سعر السلع المنتجة عن طريق الاحتكار عادة اعلى من أسعار السلع التي تنتج عن طريق المنافسة الحرة. في الأولى المحتكر من يثبت الأسعار (price maker), فيما ان في الحالة الثانية المنتج يقبل بأسعار السوق (price taker). على سبيل المثال , عندما يكون كيلو الطماطم هو دولارا في السوق , لا يستطع بائع طماطم اخر ان يعرض بضاعته بسعر دولارين . هذا البائع سينتهي الامر به الى بيعها بدولار والا ستفسد بضاعته ويخسر كل شيء.
أصحاب هذه النظرية يعطون مثلا حيا . في عام 1973 و 1976 كانتا سنين جيدتين لصناع السيارات في الولايات المتحدة , وبسبب الطلب العالي ارتفعت اسعار السيارات الى 3.5% و 5.5% على التوالي . ولكن في عام 1974 , انخفض الطلب على السيارات اكثر من 20% ( من 9.7 مليون الى 7.4مليون سيارة) , ولكن أسعار السيارات ازدادت بنسبة 9%. وعندما انخفض الطلب مرة أخرى على السيارات عام 1975 بنسبة 6% , ارتفعت أسعار السيارات بنسبة 8.6% مقارنة بالنسبة السابقة. هذه الظاهرة ليست خاصة بشركات صناعة السيارات وانما تظهر في صناعة الالمنيوم , الزجاج, المطاط , والحديد.
طبعا , لا يوجد هناك احتكار بالمعنى المفهوم او الدارج هذه الأيام في بريطانيا او الولايات المتحدة الامريكية , لان هناك عوامل كثيرة قللت من قوته ومنها رفض المجتمع له , المنافسة العالمية , الضغوطات من قبل أصحاب الاعمال الأخرى , والخوف من القوانين التي تحرم التعامل بالاحتكار . وعليه فان أسعار الاحتكار لا يمكنها ان تكون خارجة عن المألوف في أي وقت , ولكن شيآ فشيا , تبدء الأسعار تنزف المستهلكين. بكلام اخر , بدلا من رفع الأسعار بنسبة 20% دفعة واحدة , ترفع على مراحل .
المحتكر سوف يبرر زيادة الأسعار الى ارتفاع الأجور او ارتفاع أسعار الطاقة , او حتى بسبب قوانين حماية البيئة , وما هي لا تبريرات كاذبة , لان المحتكرين يقررون حجم ارباحهم دون النظر بكلفة الإنتاج. في الكثير من الأوقات ترتفع أسعار منتجاتهم فيما ان أجور عمالهم باقية ثابته او حتى في تراجع.
هذه العصبة من الاقتصاديين , الراديكاليين , تذهب بالقول , ان الاقتصاديين من المذهب الليبرالي و السياسيين يعرفون علاقة الاحتكار بالأرباح , ولكنهم من عادتهم يأشرون الأصابع نحو كلفة رأسمال و الأجور المرتفعة في هذ القطاع . انهم يفسرون ارتفاع أسعار انتاج المحتكرين بارتفاع أسعار الفائدة والمطالب المتكررة للعمال على زيادة اجورهم , وهذا اخفاق اخر لتفسير الاقتصاديين اللبراليين لظاهرة التضخم المالي. و طالما وان الدولة لا تستطع فرض ارادتها على المحتكرين وتخلص من التضخم المالي , فما عليها الا طريق المساعدات النقدية والعينية لشريحة الفقراء من المجتمع حتى تضمن أرباح الشركات الاحتكارية وبنفس الوقت السيطرة على الشارع من الغليان والثورة .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي