|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد رضا عباس
2024 / 6 / 14
كان تصدير النفط , وما زال ,العمود الفقري للاقتصاد العراقي , ولهذا السبب اختارت دول الغرب وعلى راسها الولايات المتحدة وبريطانيا بمحاصرة قطاع النفط كأول قطاع على قائمة مفردات المقاطعة او الحصار الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1991 . لقد اختاروا قطاع النفط لان تأثيره سيكون مباشرا على جميع مرافق الاقتصاد العراقي , خاصة على المصاريف الحكومية , وقدرة البلد على استيراد البضائع والخدمات والتي يحتاجها المواطن العراقي , فكان اول ضحايا المقاطعة الاقتصادية هو انحدار دخل المواطن العراقي و ارتفاع أسعار السلع والخدمات بدرجة غير معهوده من قبل لا في العراق ولا في منطقة الشرق الأوسط . المقاطعة جعلت من المواطن العراقي افقر من أي فقير يعيش في غابات افريقيا , فيما ان ارتفاع الأسعار ( التضخم ) وصلت نسبته ما يقارب8000% سنويا.
منع العراق الاستيراد , خلق نوع من الشحة في الأسواق العراقية , وأصبحت الكثير من المواد التي يحتاجها العراقي بعيدة عن المنال لارتفاع أسعارها , فقد ارتفع سعر كيلو من الطحين من 0.05 دينار عام 1990 الى 325 دينار عام 1998 , وكيلو الحليب الجاف من 0.75 دينار الى 1500 دينار و رغيف الخبز من 0.01 دينار الى 50 دينار, و كيلو السكر من 0.20 دينار الى 450 دينار لنفس الفترة.
وطالما وان هناك علاقة عكسية بين الأسعار المحلية وسعر العملة المحلية , فقد انحدرت قيمة الدينار العراقي نسبة الى الدولار الأمريكي بدرجة ذهبت رونقه المعروف . فبعد ان كانت قيمة الدينار العراقي قبل حرب الخليج الأولى تساوي 2.8 دولار , اصبح الدولار يساوي 50 دينارا في شباط 1994 , ثم الى 500 دينار للدولار الواحد عام 1996 , وقبل وثيقة التفاهم ( النفط مقابل الغذاء) وصل الدولار يساوي 1000 دينار , ولكن بعد تصديق وثيقة التفاهم من قبل الحكومة العراقية انخفض الدولار الى ما يساوي 450 دينار لفترة وجيزة , وبعدها الى 1000 دينار مرة ثانية , وفي الأخير وصل الى 3000 دينار للدولار الواحد .
لم ينجو احد من تأثير حرارة التضخم المالي في العراق , الكل اكتوى بها , العامل والمتقاعد على حدا سواء. . النظرية الاقتصادية القائلة بتساوي ارتفاع الأجور مع نسبة التضخم لم تتبع في العراق . فعلى الرغم من استمرار زيادة الأسعار وبنسب عالية الا ان رواتب الموظفين لم تزداد الا بشكل بسيط . فمثلا , كانت الكلفة المعيشة الشهرية لعائلة من اربع افراد عام 2000 , تساوي 70,000 دينار عراقي , الا ان دخل رب العائلة كان لا يزيد على 14,000 دينار شهريا , وهو راتب لا يكفي لشراء كيلوين من لحم البقر و طبقتين من بيض المائدة.
هذ الحالة الكارثية جعلت أبناء العراق فقراء في ليلة وضحاها , خاصة وان المواطن العراقي مثل بقية المواطنين العرب في الأردن ومصر وسوريا ليس لديهم فرص استثمارية مثل المواطن الغربي والتي من خلالها يستطيع الحفاظ على مستواه المعاشي . المواطن العراقي الغير منتسب الى قطاع الدولة كان يدخر أمواله ليوم عجزة عن العمل . ولكن هذه الشريحة من المجتمع , وهي الأكبر , أصبحت مدخراتهم المالية لا تساوي سعر علبة من السكائر . فالمواطن الذي ادخر 5,000 دينار , وهو مبلغ محترم قبل المقاطعة , اصبح لا يغطي كلفة معيشة يوم واحد . حالة كانت تدمي القلوب وتبكي العيون وانت ترى شيخ كبير يفترش الأرض يتسول والاخر يبيع بعض أدوات البيت لسد رمق جوع عائلته. الكثير منهم استقبلوا الموت لصدور رحبة رافضين العيش الذليل. بعض العوائل لم يستطيعوا دفع نفقات تجهيز موتاهم , لولا مساعدة اقربائهم و فاعلوا الخير. في هذا الوقت شطب العرب اسم العراق ولم يعد طقس جو العراق الصيفي يظهر على شاشة فضائياتهم .
موظفو الدولة العاملون منهم والمتقاعدون اصبح راتبهم الشهري لا يساوي سعر كيلو لحم , مما اضطروا الى البحث عن عمل إضافي من اجل سد حاجات عوائلهم الضرورية . فمثلا , كان راتب معلم مدرسة يتراوح بين 5,000 و 7,000 دينار في الشهر بينما كان سعر كيلو لحم الغنم 2500 دينار وطبقة بيض المائدة 3000 دينار .
الاعمال الإضافية التي اضطر الموظفون العمل فيها لم تكن اعمال تعود الى اختصاصاتهم او مهنتهم , وانما كانت اعمال بسيطة , فمن لم يعمل سائق سيارة , تجده يبيع اسلاك حديدية , أدوات وتجهيزات كهربائية قديمة , انابيب توصيل مياه مستعملة , أدوات نجارة واخشاب مستعملة , وحتى الطابوق المستعمل . هؤلاء الناس باعوا كل ما يملكون قبل ان يصلوا الى هذه المرحلة من الفقر . القسم منهم اضطر الى اجبار أولاده بترك مقاعدهم الدراسية والتوجه الى الاعمال الحرفية او تجارة المفرد على قارعة الطرق . هؤلاء الناس كانوا ليس من العاديين , كان منهم الطبيب والمهندس واستاذ الجامعة والمدرسين والمحاميين. في هذه الاثناء , هرب الكثير منهم الى بلاد الله العريضة واصبح لهم تجمعات في استراليا , الدنمارك , هولندا , لندن , تكساس الامريكية , وتورنتو الكندية. لقد كانت التقديرات الرسمية لهم هي 23 الف اختصاصي.
لست من يدافع عن عمليات نهب دوائر الدولة وقصور صدام حسين ( قصور الشعب) التي رافقت دخول قوات التحالف الدولي الى بغداد في ربيع 2003 , ولكن البعض منهم سرق سقوف مارب السيارات من اجل استخدامها سقف لبيته الذي لم يجد شيء يحمي افراد عائلته من حر الصيف و برد الشتاء , اخرون سرقوا اثاث دوائر الدولة من اجل بيعها وتوفير الدواء والطعام الى عائلته . ولكن في الأخير , يعم الفساد البلاد عندما يقودها شلة من الفاسدين , ولا تلد الحية الا حية .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |