|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
فوز حمزة
2024 / 6 / 14
ارتفع بهم المصعد إلى الدور الثاني، ثم فجأة توقف،التفتَ الروائي المغربي الذي كان يتصفح جواله إلى اللوحة الإلكترونية خلف ظهره، وبدأ يضغط على الزر رقم ستة، وهو الدور الذي سيتم فيه عقد جلسة التكريم لأن روايته الرابعة حصلتْ على الجائزة الأولى في مهرجان عربي كبير.
عاد المصعد بعد دقائق يعمل ثانية بعد اهتزازه هزة خفيفة، هبط بعدها إلى الدور الأرضي.
أما الشاعر الجزائري الذي نالتْ قصيدته المرتبة الأولى في المسابقة لغة، وبيانًا، وبلاغةً ... كانت أبياتها تمجد بالعرب وبطولاتهِم. حاول جاهدًا فتح باب المصعد، لكنه كان محكم الغلق فقال بلهجة تهكم وسخرية:
- أعرف أن الرجال مجانين، لكن لم أسمع من قبل بمصعد مجنون، يا إلهي!
التفتتْ صوبه القاصة اليمانية التي نالت قصتها الجرذان، أفضل قصة قصيرة في المسابقة، واضعة كفها الصغيرة على فمها الكبير لتخفي منظر أسنانها المتفرقة ولثتها البنفسجية لتطلق ضحكة فيها الكثير من الإثارة والدلع.
ظنَّ الروائي للحظات أنها مجنونة، الوحيد الذي لم يهتم للأمر، كاتب الأغاني التونسي، إذ كان منشغلًا بإخراج لسانه، وتمريرِه على شفتيه الغليظتين واستغل انشغال الاثنين عنه بينما عيناه تحدقان بشهوة في صدرِ الشاعرة التي استمرت بالضحك على الروائي الذي كان يتحدث بكلمات فرنسية بدت غير مفهومة لها على الأرجح كانت شتائم لبواب العمارة المسن لأنه كان يشير بأصبعه تجاهه.
راح البواب بكل جهده يحاول أن يهدئ من روعهِم قائلًا: إن هذه المشكلة تحدث باستمرار وحلها بسيط، لن يستغرق سوى عشر دقائق.
بعد مرور ساعتين،خلعتْ القاصة شالها الأخضر، لم تعد تحتمل الحر الشديد في المصعد الذي ارتفع فجأة إلى الدور الثالث ثم هبط إلى الدور الثاني ليستقر في السابع، استغل كاتب الأغاني حالة الإرباك واقترب من القاصة التي أصابها دوار خفيف لأنها - كما ادعت - لم تمر من قبل بما تمر به الآن وألصق كتفه بكتفها، فالمكان ضيق والحر أنهك قواها، فلا شيء يدعو للشك. اكتفى بهذا المنجز ترقبًا لما سيحدث مستقبلاً.
صوت البواب وهو يَعدهم بحل المشكلة سريعًا، زاد من توتر الشاعر، فلعنَ وهو يمسُ ويهز بقوة قضبان المصعد الحديدية، المؤتمر والجائزة ولعنَ اليوم الذي كتب فيه الشعر، مع ذلك، استجاب برحابة صدر مفتعلة لطلب الروائي في منحه بضع دقائق من وقته ليسجل الخطوط العريضة لأحداث روايته القادمة المستلهم موضوعها من الحدث، ثم طلب منهم اقتراحًا لعدة عناوين سيختار المناسب منها.
- الدور السابع! صرخ الشاعر وكأنه عثر على كنز عظيم.
ضحكتْ القاصة وقالت:
- عنوان جميل، لم يسبقك إليه أحد، وبدأت تردد: الدور السابع .. الدور السابع .. أمممم!
لاحظ كاتب الأغاني العاطفية، انشغال القاصة، فوضع يده على مؤخرتها يتحسسها فيما يحاول إدخال يده الأخرى في جيب بنطاله فبدا كأنه في عالم آخر. هبت نسمات باردة بددتْ المشاعر السلبية التي كانت تسيطر عليهم عندما تحرك المصعد فجأة ليهبط بهم إلى الدور الثالث. رفعتْ القاصة ذراعيها عاليًا ليتسنى للهواء التسلل إلى جسدها وينشف عرقها الذي ترك آثار دوائر بيضاء على عباءتها السوداء. قالت: سأوثق ما يحصل الآن في قصة قصيرة عنوانها، في الدور الثالث.
- مارأيك؟
التفتتْ إلى كاتب الأغاني تسأله، فأخرج يده بسرعة من جيب بنطاله، وافقها في الحال حتى إنه تأكيدًا لما تقول، وعدهم بكتابة أغنية عاطفية عنوانها الدور الخامس .. الدور الخامس .. قالها بشكل مسرحي ثم أطلق ضحكة هستيرية قصيرة.
انقضتْ ثلاث ساعات، المصعد ما زال مستمرًا في الصعود والهبوط ، جلسوا على الأرض بعد أن تمكن التعب منهم وسيطر اليأس عليهم، فيما أسندت القاصة رأسها على كتف كاتب الأغاني فمنحته بذلك الحق في احتضانها دون أن يثير عمله هذا استنكار أحد. أخذ الروائي والشاعر يتناقشان في كيفية إيجاد الحلول وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وأبدوا في النهاية أسفهم لأن أحدًا من المشاركين في المؤتمر لم يفتقدهم، بعد دقائق، ساد الصمت، لا شيء سوى صوت أنفاسهم الحارة تملأ المكان.
لم يعد يعنيهم شيء في هذا العالم، سوى رائحة الشاي بنكهة النعناع القادمة من غرفة البواب.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |