من ذاكرة التاريخ : نظام العقوبات الذكية ضد العراق

محمد رضا عباس
2024 / 6 / 11

حاولت الولايات المتحدة الامريكية و بريطانية تحسين الوجه القبيح لنظام العقوبات الاقتصادية الشاملة على العراق وذلك عن طريق طرح مشروع جديد يسمى بنظام العقوبات الذكية . هذا المشروع مات قبل ولادته في أروقة الأمم المتحدة وذلك بعد ان لوحت روسيا باستعمال حق النقض الذي تتمتع به . ما هي الأسباب ؟
مشروع نظام العقوبات الذكية يستهدف عقوبة الافراد والحكومات , لا الشعوب كما هو المعمول به في نظام العقوبات الشاملة , والذي يشكل خطرا على السلام العالمي و حقوق الانسان. هذا النظام ربح استحسان المنظمات الإنسانية والاقتصادية , العالمية منها والمحلية , لان هذا النظام سوف يحمي الافراد العاديين والضعفاء في المجتمع الدولة المستهدفة من التعسف والفقر والحرمان الذي يفرضه نظام العقوبات الشاملة , لأنها تركز على :
1. تجميد رؤوس الأموال المودعة في الخارج العائدة الى قادة النظام المستهدف و موالية.
2. منع الدول والمنظمات المالية العالمية منح القروض والمعونات الاقتصادية للدولة المستهدفة .
3. منع النظم المستهدفة ومواليها من التعامل في أسواق المال العالمية.
4. التركيز على تحريم بعض السلع والخدمات والتي تعتبر مهمة للنظام واعوانه , مثل قطع الغيار او تصدير المواد الكمالية والتي يتمتع بها أعضاء النظام وأصدقائه.
5. قطع العلاقات الدبلوماسية وسحب الاعتراف بالنظم المستهدفة.
6. منع أعضاء النظام ومواليه من السفر خارج البلد سواء كان لغرض السياحة او الدراسة او العلاج.
لا يوجد نظام عقوبة بدون تأثير مباشر او غير مباشر على أحوال ومعيشة الناس العاديين . حتى ابسط أنواع العقوبات لها تأثيرها على بعض من افراد المجتمع قد يكون هذا التأثير اقتصادي او نفسي او كلاهما . فمثلا عندما تقرر الولايات المتحدة منع التعامل مع بعض الشركات الصينية المتعاملة مع ايران او شمال كوريا , فان بعض عمال هذه الشركة سوف يخسرون أعمالهم إضافة الى تأثيرها على أرباح الشركات و وارادات الدولة الضريبية . هذا التأثير قد يكون بسيط بنسبة الى حجم العمالة في الصين , ولكن عندما تكون المقاطعة ضد التعامل مع القهوة الكولومبية والتي تمثل 90% من اجمالي صادرات هذا البلد , فان تأثير هذه المقاطعة سوف يعم جميع مفردات الاقتصاد الوطني الكولومبي . ان فرض عقوبات على تصدير هذا البلد من القهوة يعني توقف 90% من الفعاليات الاقتصادية , بما فيها ارسال اطفاله الى المدارس او التوسع في استعمال الماء والكهرباء. ومع هذا ,فان نظام العقوبات الذكية يعتبر اقل ضررا من أختها نظام المقاطعة الشاملة من عدة وجوه :
1. هذا النظام مقبول أخلاقيا لكون ان هذا النظام يستهدف التأثير السلبي على اقطاب النظام و مؤيديه وليس الناس العزل.
2. هذا النظام يحفظ ماء وجه الأمم المتحدة و ينقذ سمعتها والتي سودها نظام العقوبات الشاملة.
3. استعمال هذا النظام يقلل التعاطف الدولي والمحلي مع الدول المستهدفة . فمثلا حجب السلع الكمالية من دخول البلد المستهدف سوف لن يواكبه احتجاج دولي و محلي يوازي موجة الاحتجاجات والشجب الذي صاحبت استمرار العقوبات الشاملة ضد العراق والذي سبب بموت مئات الالاف من الناس.
4. كما وان هذا النظام سوف يقضي على ظاهرة التحايل وتهريب السلع من الدول المجاورة للدولة المستهدفة بنظام العقوبات الشاملة . فالنظام يسمح بالدخول السلع الضرورية بدون مراقبة من قبل الجيران او من قبل منظمات الدولية كما هو الحال مع العقوبات التي كانت مفروضة على العراق.
5. كما وان هذا النظام سوف لن يعطي المجال لأعضاء النظام المستهدف واعوانه في المتاجرة والاثراء على حساب الشعب طالما وان رجال اعمال النظام المستهدف احرار في استيراد ما يحتاجه مواطنو بلدهم.
6. السماح بتدفق السلع الضرورية الى البلد المستهدف سوف لن يعطي السبب الكافي لنظام ذللك البلد من التدخل في معيشة مواطنيه كما كان الحال في العراق : ففي العراق مثلا كان النظام يستخدم نظام التموين بالبطاقة , الكثير من المحللين السياسيين اعتقد ان النظام استطاع السيطرة على الشارع العراقي ومعارضيه من خلال هذه البطاقة.
7. كما وان نظام المقاطعة الذكية يكون بعيدا عن تأثيرات المقاطعة الشاملة على البنية التحتية للبلد مثل التعليم والصحة و خدمات الدولة الأخرى.
هناك سببن رئيسيين فرضت على الولايات المتحدة وبريطانيا التحول الى نظام العقوبات الذكية وهي :
اولا. النظرة الجديدة الى نظام العقوبات من قبل الغرب وبالتحديد إدارة الرئيس بوش الابن . كبار مسؤولي الإدارة اعتبر ان نظام العقوبات الشاملة غير عادل وانه يؤذي الشعب العراقي وانه يحتوي على كثيرا من الثغرات.
ثانيا . التحول جاء لتخفيف الاثار المدمرة التي فرضتها العقوبات الشاملة ومات على اثرها مئات الالاف من العراقيين و مغادرة الالاف العراقيين بحثا عن عمل يكفي سد حاجتهم في دول الجوار وغير الجوار, بينما لم يؤثر على استمرارية النظام في بغداد. وزير الخارجية الفرنسي اعتبر في حديث له في شهر اب عام 2000 بان نظام العقوبات " قبيح , لأنه العقوبات اثرت على العراقيين ولاسيما الضعفاء منهم ", وانها " غير مؤثرة طالما لم تضر النظام".
وعلى ضوء ما توصل الغرب من قناعة بان العقوبات الشاملة غدت أداة قاتلة للشعب العراقي , طرح ممثل بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة في 20 من حزيران عام 2001, نظام العقوبات الذكية من اجل " تخفيف معاناة الشعب العراقي ... الوضع الراهن للعقوبات غير مقبول".

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي