من ذاكرة التاريخ :لماذا لم تستطع العقوبات الاقتصادية اسقاط نظام صدام حسين ؟

محمد رضا عباس
2024 / 6 / 9

اجمع المحللين السياسيين والاقتصاديين من ان العقوبات الاقتصادية ضد العراق التي فرضتها الأمم المتحدة وبدعم من الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا سوف تضعف النظام ومن ثم اسقاطه خلال فترة زمنية قصيرة . فالعراق كان محاصر جوا و برا وبحرا , منع عنه اي شكل من اشكال التعامل الدولي , إضافة الى وجود معارضة داخلية تشمل جميع المحافظات العراقية . حرم على العراق تصدير موارده الطبيعية , الاستيراد عدا الغذاء والتجهيزات الطبية , تجميد جميع ارصدته المالية في العالم , إضافة الى حرمانه من انشاء أي عقود جديدة تخص التنمية الاقتصادية والاجتماعية . هذا الحصار الشامل كان كفيل بأسقاط أي دولة سواء منها صغيرة او كبيرة . الكل يتذكر كيف سقط نظام جنوب افريقيا العنصري من جراء حصار كان اقل بكثير صرامة من الحصار العراقي , وكيف ان الاقتصاد العالمي قد تأثر سلبا من مقاطعة العرب تصدير النفط الى الولايات المتحدة وأوروبا في عام 1972 على الرغم من ان الحصار كان فقط يتركز على وقف بيع سلعة واحدة , النفط, والذي لم يطول الا أيام قليلة.
لم تسقط المقاطعة النظام العراقي على الرغم من قساوة المقاطعة العالمية له. بالحقيقة , ان معظم المراقبون اتفقوا من ان النظام العراقي ازداد قوة كل يوم ولاسيما على الجبهة الداخلية .المراقبون الدوليون اتفقوا من ان القهر السياسي التي تستخدمه سلطة حزب البعث ضد المواطن العراقي ما زال على صرامته , الحياة المعيشية للناس تزداد صعوبة , بينما كان أعضاء النظام وانصاره ينعمون بترف الحياة. القصور العملاقة للرئيس العراقي تزداد اعدادها الى 21 قصرا , احدهم في بغداد يبلغ سعته 500 هكتار والأخر في الموصل بمساحة مليون و 400 الف متر مربع , يضم ثلاث من البحيرات الاصطناعية , فيما كان المواطن العراقي لا يجد ما يغطي تكاليف دفع ايجار شهري لغرفة واحدة .
بعض المحللين عزا استمرار النظام ورفاهه الى ظلم العقوبات . لقد بين هؤلاء ان المقاطعة الاقتصادية لم تعطي للمواطن العراقي الوقت للتفكير بالسياسة . فكيف نتوقع من رب عائلة تتكون من 5 أطفال ان ينغمس في السياسة وكلفة معيشته اليومية يعادل ال 12,000 دينار؟ وهو دخل قد لا يمكنه الحصول عليه في شهرا كامل . الراي الاخر , هو ليس المقاطعة وانما الطبقة السياسية للنظام الحاكم في بغداد والذي يعد من النظم الديكتاتورية القلية في العالم اثبتت جدارتها في مقاومة العقوبات . لقد توصل هذا الفريق الى القول بان العقوبات الاقتصادية لا تعد من الوسائل الفعالة لتغيير نظام ديكتاتوري , فالنظام ومن خلال جهازه العسكري والأمني القمعيان, يستطيع اسكات افواه مواطنيه المتضررة من العقوبات .
وفي الأخير اجمع المراقبون من ان فشل المقاطعة الاقتصادية بأسقاط النظام الحاكم في بغداد كان يعود الى الأسباب التالية:
1. فلسفة النظام السياسي القائم. لقد استخدم النظام شعار الحزب القائد وهو شعار سهل عليه السيطرة على جميع مرافق الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وبدون منازع. النظام قضى تدريجيا وبشتى أنواع الوسائل على جميع أنواع المعارضة المنظمة العلنية منها والسرية . لقد حارب الحزب الشيوعي العراقي حتى هرب اخر انصاره, استخدم جميع أنواع الأسلحة بما فيها الكيماوي ضد الحركة الكردية . وفي الأخير خلا العراق من أي صوت معارض لحزب البعث الحاكم واصبح الحزب الوحيد في البلاد يتصرف كيفما شاء بالعراق ارضا وشعبا . لقد اصبح الامر , بان يكون شقاء ورفاه المواطن العراقي مرهون بحجم ولائه للسلطة . فمن انتمى للحزب تتفتح له أبواب العمل ولاطمئنانيه , ومن لم ينتمي تحرم عليه حتى الدخول الى احدى الجامعات العراقية , حتى ولو كان معدل درجاته الأعلى . وفي مثل هذا النظام يصبح الموالون للسلطة , وما كان اكثرهم , العين الساهرة لحماية النظام من " الأعداء" .
2. سحب الاستقلالية الاقتصادية من المواطن العراقي . لقد جاء حزب البعث بشعار " الاشتراكية ", وهو واحد من شعاره ( وحدة وحرية واشتراكية) . الا ان النظام العراقي جعل من الاشتراكية اداة سيطرة على العراقيون من خلال ارزاقهم . ففي بداية الأعوام الأولى لمجيئه الى السلطة قام الحزب بكل الوسائل اضعاف القطاع الخاص وانعاش القطاع العام , وقد نجح نجاحا كبيرا في هذا المجال . ففي بداية حربه مع ايران ( أواخر عام 1979) كان القطاع العام يمثل ما يقارب 80% من الدخل القومي العراقي , مستخدما ما لا يقل عن 70% من الايدي العاملة . وبذلك استطاع النظام التحكم بأرزاق 70% من شعبه , وبنفس الوقت نجح في تقليص فرص العمل خارج القطاع العام . القطاع التجاري الأهلي اختفى في " زمن الثورة " واخذ محله " مصلحة المبايعات الحكومية " , وأصبحت هذه المؤسسة هي التي تقرر لمن تبيع ولمن لا تبيع . هذا الحديث ينطبق على قطاع الصناعة والزراعة والخدمات . فمن كان مع القائد والثورة يامن على رزقه ورزق عائلته ومن كان من المعارضين يخسر , ربما حتى حياته.
3. استخدام العنف ضد المعارضين . النظام الحاكم في بغداد كان اكثر النظم وحشية ودموية في تاريخ العراق الحديث والقديم . النظام استعمل ومنذ مجيئه الى السلطة سياسة " الجزرة والعصى". أعضاء الحزب بإمكانهم ان ينعموا بالحياة والمال والجاه اذا أعطوا الولاء الكامل لشخص السيد الرئيس . ومن عارض السيد الرئيس فيكون مصيره القتل بأشنع صوره . قصص كثيرة ومرعبه تخزنها ذاكرة العراقيين . على سبيل المثال , صدام عاقب عائلة السيد محسن الحكيم , المرجع الأعلى لشيعة العراق والعالم , بسبب معارضة احد أولاده , السيد محمد باقر الحكيم لحكمه , فما كان من النظام الا اعدام 22 عضوا من عائلته , البعض منهم في اعمار اقل من 15 عاما , وبقى منهم 50 رهينة رهن التوقيف ولكن عثر عليهم قتلى بعد التغيير . في مقابلة صحفية مع احد أعضاء عائلة الحكيم في لندن صرح " صدام يريد يقول للناس , هذه العائلة ( الحكيم ) من اشهر العوائل الإسلامية في العالم وانا اذللتهم ", و أضاف قائلا " صدام عاقبنا حتى يجعل من كل فرد عراقي عادي خائفا .. لكن مثل هذه الحالة قد تحدث لهم".
4. احتكار وسائل الاعلام المسموعة والمرئية . لعب الاعلام العراقي دورا مضللا في اسكات الشعب العراقي مما كان يعانيه من فقر وحرمان أيام المقاطعة الاقتصادية . الحزب الحاكم لم يسمح لقوة سياسية تنافسه وبذلك فرغت الساحة العراقية من أي اعلام ينافس الإعلامي الرسمي الحاكم . فعلى الرغم من ان الجميع يعلم ان أساس المقاطعة كانت احتلال العراق للكويت , ومن ثم اتهام الغرب بان في حوزة النظام الحاكم أسلحة دمار شامل , الا ان الاعلام العراقي الموجه كان يسوق الى ان ماسي الشعب العراقي هو ليس قادته وانما يعود لقرار خارج إرادة القيادة العراقية , انه قرار امريكي وبريطاني. لم يقتنع معظم العراقيين بهذا التفسير , ومع هذا كانوا يتطلعون الى يوم اعلان الغاء العقوبات الاقتصادية من قبل أمريكا وبريطانيا , لكون كانوا يعلمون جيدا ان القيادة العراقية سوف لن تتنازل عن السلطة . لقد انكشف خداع الاعلام العراقي عندما كان يسوق للعالم التفاف الشعب العراقي حول قيادته , حينما خرج هذا الشعب الى شوارع المدن محتفلا بأسقاط النظام , وبحثا عن أولاده الذين غيبهم .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي