تآكل هيبة الإسلاميين / الجزء الأول : اوهام وضلالات

اسماعيل شاكر الرفاعي
2024 / 6 / 6

‎تآكل هيبة الاسلاميين
‎الجزء الاول
‎اوهام وضلالات
1 )
‎تشير النسبة المتدنية جداً من المشاركين  في انتخابات مجالس المحافظات ك1 - 2023 ، الى فقدان ثقة الناخب بالمرشح وفقدان ثقة المرشح بالناخب . وقد سبقت هذه النتيجة فترة طويلة من الشك المتبادل بينهما ، كان فيها السياسي يشك بصدق ايمان ناخبيه بالعملية السياسية . ويبادله الناخبون : بشك عميق باهلية النظام السياسي ، عبروا عنه ( بمظاهرات واحتجاجات متكررة ) . وخلال هذه الفترة الملبدة بغيوم الريبة والشك : تكونت لدى كل طرف ذاكرة عن سيرة حياة الآخر ، تبدّى فيها السياسي كاذباً ، فما وعد بتحقيقه في الدورات الانتخابية السابقة كان مجرد اوهام . وتبدّى الناخب في ذاكرة السياسي منافقاً : فهو لم يدلِ بصوته لصالح المرشح طائعاً ، انما سحبته الى مركز الانتخابات قوةٌ : اشترت منه صوته في اتفاق سابق .
‎لقد تم فقدان الثقة هذا بين الحركات الاسلامية وغالبية العراقيين بسرعة فاقت سرعة فقدان العراقيين للثقة بالتيارات القومية التي حكمتهم منذ  8 شباط 1963 حتى الغزو الامريكي في 2003 : وهي فترة على طوالها لم يتم فيها بناء مؤسسة واحدة ناجحة. وذلك بسبب من كون قوميو العراق ، طوال حكمهم الذي امتد لاربعين عاماً : ينظرون الى عشائرهم على انها هي الدولة ، ويرفعون انفسهم ورؤساء قبائلهم محلاً اعلى من حكم قانون الدولة ، وكانوا يؤولون بنود الدستور انطلاقاً  من امزجتهم المتقلبة بتقلب مصالحهم ، ويعدونها : التفسير الحقيقي لبنود الدستور …
2 )
‎وهذه واحدة من اشكاليات السياسة في العالم العربي : حيث يسعى السياسيون الى بناء احزاب تتبنى فكرة ما ، من غير ان تكون الفكرة واضحة في اذهان المؤسسين ، واذهان قواعدهم الحزبية ، فمثلاً كانت جماهير احزاب القومية العربية تتظاهر هاتفة باسم الوحدة والقومية العربية : لكن وعيها السياسي يخلو تماماً من دلالة المفردات التاريخية التي هتفت باسمها : فهي لا تعرف اي نوع من الوحدة تهتف لها : وحدة زعامات الدول في زعامة واحدة ، أم وحدة شعوب هذه الدول ؟ والفارق ضخم بين توحيد الزعامات الدكتاتورية في زعامة ديكتاتورية واحدة ، وسعي الشعوب العربية الى الاتحاد والوحدة في علاقة جديدة ذات مضمون يعترف بالاختلاف وحرية التعبير عن الرأي .ولو عرفت الجماهير العربية ذلك : لما زجت نفسها في اتون مظاهرات : تصب في التحليل الاخير لصالح انظمة استبدادية ، يجلس على عروشها طغاة مرعبين من امثال . القذافي وصدام حسين . وهي انظمة حكم مناطقي طائفي عائلي تخطط لان تقلب انظمة الحكم الجمهورية الى انظمة وراثية ، فكيف تعمل على بناءً وحدة : اول ما يطالب به الشروع ببنائها : التخلي عن تفرد الاحزاب الحاكمة بالسلطة ، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية في الحكم  ، والاخذ بالعلاقة الفيدرالية بين الدول العربية الداخلة في الوحدة ، وليس الدخول بعلاقة من المركزية الشديدة في الحكم : تمَّ فيها سحب صلاحيات مراكز القوى في سوريا ، وجعل الصلاحيات في يد زعيم واحد هو عبد الناصر فقط ، واسكات كل صوت لقوة حزبية او نقابية او اقلية دينية او قومية في سوريا . وذلك بحل جميع الاحزاب والنقابات والاتحادات . لم يجر في الوحدة المصرية السورية احترام خصوصية الاقليات الدينية والقومية . وربما نجد في تلك المرحلة من المركزية الشديدة وطغيان شخصية جمال عبد الناصر : ما ستتطور اليه الأوضاع السياسية في سوريا من حصر صلاحيات الحكم بيد المحارب الجديد ؛ حافظ الاسد الذي سوف لا يقوم بانقلاب عسكري على رئيس الجمهورية والحلول محله في رئاسة البلاد بل وتوسيع الانقلاب ليصبح بمثابة رؤية سياسية جديدة للحكم . تقوم على قلب النظام السياسي الجمهوري برمته والعودة الى النظام الملكي الوراثي : وهي نتيجة منطقية لحكم الاستبداد الفردي ومصادرة الحريات : كاد ان يترسمها صدام حسين لولا هزيمته في الحرب الاخيرة مع الولايات المتحدة الامريكية ، وكاد ان يقتفي اثرها : معمر القدافي في ليبيا لولا ثورة الربيع العربي هناك ، وكان رفض التوريث من قبل الشعب المصري احد الافكار الرئيسية التي تحولت الى قوة مادية قاهرة اطاحت بالرئيس حسني مبارك ..
3 )
‎الاشكالية الثانية ) ان الانطمة السياسية العربية التي نادت بالوحدة وبالقومية العربية : بناها مؤسسوها على اسسٍ مضادة في تركيبتها البنيوية ، وفي طريقة اشتغال آليات عملها ، للفكرة القومية وللتوحيد القومي : اللذين اثبت تاريخ اوربا بانهما لم تترسخا في المانيا وفي ايطاليا - الًا بعد اسقاط غلافيهما الآيدلوجي  العنصري ، وامتلائهما بمضمون ديمقراطي . لقد ولد نموذج دولة القومية الاوربية بعد بعد اتفاقية وستفاليا 1648 ، وتكامل بعد الثورة الصناعية 1760 ، وتطورها من خلال الصراع الاستعماري على الاسواق والثروات الخارجية ، فهو نموذج لا يمكن - بالنسبة للعرب الذين للآن يفضلون المهارات الجسدية على السلاح التكنولوجي المتطور ، ربما لانهم لم يلجوا بعد بوابة الثورة الصناعية - محاكاة حروبه البينية او الخارجية [ وهو ما سقطت فيه تجربة القوميين العرب ، ومن بعدهم الاسلاميين ] ، ولكن يمكن الاستفادة مما توصل اليه نموذج القومية الاوربية من نضوج عقلي باكتشافه لاهمية الانتخابات الدورية كبديل عن العنف والحروب الاهلية في الوصول الى السلطة السياسية . وبالمقارنة يكون نموذج السلطة الجديد في اوربا : اكثر عقلانية - وهو يدير صراعاته الاجتماعية سلمياً - من النماذج العربية في الحكم : فهو اكثر عقلانية من نظام " الخلافة " في الحكم الذي يولد مسبوقاً بعاصفة من الحروب الاهلية ، ويسقط بعواصف من قعقعة السيوف والدم وصهيل  الخيول ، وهو اكثر عقلانية من انظمة مجالس قيادة الثورات العربية التي جاءت بها الانقلابات العسكرية ، وقد القى نظام القومية السياسي على الملكية في بعض بلدان اوربا ، لكن جردها من قداسة الدم وانهى وراثتها للسلطة ، ونقل جميع صلاحيات السيادة الى البرلمانات الشعبية : مفتتحاً عصراً جديداً هو عصر الشعوب : وقد تبلور هذا المسار بعد الثورة البرطانيه المجيدة 1688  ، وكان مساراً تحررياً نالت فيه المرأة مساواتها التامة مع الرجل  وتمتع فيه الجنسان بمساواة تامة مع رجال الكنيسة وملوك القصور العالية ورؤساء الاحزاب والحكومات والبرلمانات ؛ امام القضاء ، وبعد 400 سنة من تاريخ تحرر الانسان الاوربي ، يخرج علينا ولي العهد السعودي بانجاز السماح للمرأة بقيادة السيارة …

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي