ما هو السوبر دولار ؟

محمد رضا عباس
2024 / 6 / 2

مثلما يحب العراقيون استخدام كلمة " طكه " في الكثير من اوصافهم للأشياء الخارقة , فان الامريكان أيضا يحبون استخدام كلمة سوبر " SUPER" في وصفهم لأشياء. لقد احصيت معنى كلمة " طكه " باللهجة العراقية فوجدت ان لها اكثر من 30 معنى , منها " طكه العباس ابو فاضل ", أي ضربه , ومنها " طك من الضحك ", أي انفجر من الضحك , ومنها " طك التاير", أي انفجر اطار السيارة , ومنها " طكه لطكك ", وهي دعوة بالموت للأعداء.
في أمريكا توصف الكثير من الفعاليات بالسوبر (خارق), SUPER MARKET, و SUPER MAN , SUPER WAMAN , SUPER BALL, SUPER FAMILY , وعند اطراء الاب لأولاده يصفهم SUPER CHILDREN , وعند اطراء الأستاذ بتلاميذه يدعوهم SUPER STUDENTS , وفي النصف الأول من ثمانيات القرن الماضي سموا الدولار ب سوبر دولار SUPER DOLLAR . لماذا؟
لان قيمة الدولار في تلك الفترة صعدت الى نسبة غير معهودة , الا في فترة إعادة بناء أروبا في أعوام الخمسينيات من القرن الماضي. في النصف الأول من الثمانيات القرن الماضي صعدت قيمة الدور الى 47% قياسا بعملات شركاء الولايات المتحدة التجاريين .
في تلك الفترة , حاول البنك المركزي الألماني ان يقلل من صعود الدولار وذلك عن طريق ضخ الدولارات في أسواقها , ولكن المحاولة قد فشلت , حيث ان السوق قد اختار الدولار على بقية العملات العالمية . وحتى بعد ان عاد انتاج اروبا واليابان الى عافيته واصبح منافسا عنيدا للإنتاج الأمريكي , فانهم لم يستطيعوا من اضعاف الدولار , والسبب كان تدفق الاستثمارات الأجنبية الى هذا البلد.
في تلك الحقبة الزمنية , كان تأثير السوبر دولار واضحا على العالم بأجمعه , ومنها:
ارتفاع سعر صرف الدولار أدى الى تراجع التضخم المالي في الولايات المتحدة.
التضخم اصبح مشكلة كبيرة لأوروبا , بعد ان زادت صادراتها الى العالم بعد الحرب.
تحول الاقتصاد الياباني من اقتصاد متعلعل ووجعان الى اقتصاد مزدهر بسبب زيادة صادراتها.
ولكن زيادة سعر الصرف انهكت دول العالم الثالث المقترضة بالدولار.
صعود الدولار جعل من الولايات المتحدة ليس بلدا بدون تضخم فحسب , وانما جعل من رجال الاعمال لا يقدرون رفع أسعار منتجاتهم المحلية . في هذا الوقت , اصبح الاقتصاد الأمريكي مزدهرا بدون تضخم , وليكون محطة لاستقبال الاستثمارات الخارجية . فقد ازدادت الاستثمارات الخارجية الى 715 مليار دولار عام 1984 , بعد ان كانت 597 مليار دولار في عام 1983, و 533 مليار دولار عام 1982.
ولكن العيش مع صعود قيمة الدولار لم يكن بدون مشاكل , ومن اعظمها هو انخفاض الصادرات الامريكية والذي كان السبب في عجز تجاري للبلد وصل الى 120 مليار دولار عام 1984 , وخسر المنتجون الامريكان اسواقهم الداخلية والخارجية .
ولكن على الجانب الإيجابي من صعود الدولار في الأسواق العالمية قد أدى الى تدفق الاستثمارات الخارجية , وعن طريقها استطاع البلد تحديث طرق الإنتاج , حيث ذكر احد الاقتصاديون بان بقاء الدولار قويا سوف يؤدي الى المزيد من تدفق الاستثمارات الخارجية , ويرفع من أرباح وقيمة اسهم الشركات المحلية.
السوبر دولار لم يقف الى هذا الحد , بل ذهب ابعد من ذلك , عندما اجبر المنتجين المحليين لتحديث أدوات وطرق الإنتاج من اجل تحسين قدرتهم على المنافسة بوجه المنتوجات الأجنبية , خاصة وان المنتجين كانوا يستطيعون شراء المواد الأولية من الأسواق الخارجية بأسعار ارخص من غرمائهم الاوربيون واليابانيون.
بالحقيقة كانت هناك إشارات إيجابية من السوبر دولار حيث كان له تأثيرات قوية على الصادرات الامريكية , اكثر من أعوام 1975 -1976 و 1980- 1981, على الرغم من بطئ تعافي الاقتصاد الأوروبي ودول العالم الثالث .
بطبيعة الحال فان التدفق الكبير للاستثمارات الخارجية من اروبا الى الولايات المتحدة اقلق المسؤولون الاوربيون وأصحاب الاعمال فيها , لاعتقادهم ان الأموال التي ترسل الى الولايات المتحدة الامريكية يمكن استخدامها محليا لإعادة بناء اقتصادهم .
وعلى الرغم من خسارة اروبا بسبب انتقال رؤوس أموال كثيرة الى الولايات المتحدة الامريكية , الا ان الخاسر الأكبر من الدولار الخارق او السوبر هي دول العالم الثالث , وخاصة الدول المصدرة للمواد الأولية مثل البرازيل وشيلي . الدول المصدرة للمواد الأولية يجب عليها دفع قيمة استيراداتها من النفط بالدولار الامر الذي أدى الى ارتفاع نسبة التضخم المالي فيها , وأدى الى الكثير منها الى تخفيض قيمة عملاتها المحلية والتي بدورها صعدت من كلف الاستيرادات .
لقد نظر المستثمرون الى الولايات لمتحدة الأمريكية على انه بلدا شابا , مرن , ومتحرك , وأوروبا عجوز وغير مرنة . ان وراء أي عملة وطنية عنصرين : اقتصادي وغير اقتصادي . في قضية السوبر دولار , كان وراءه الاستقرار السياسي المتميز , و تصاعد الثقة بالإجراءات الداخلية , كلاهما غطت على المشاكل الاقتصادية التي كان يعني منها الاقتصاد الأمريكي وهي العجز التجاري والمالي .
لم يبقى الدولار سوبر , وكل قوي للزمان يلين . منذ ثمانينيات القرن الماضي مئات من الشركات العملاقة تلاشت وأصبحت في اعداد الموتى , بطل فلم SUPER MAN , Christopher REEVEمات عام 2004 , بطلة فلم SUPER WAMAN LYNDA JEAN CARTER ,أصبحت عجوز 73 سنة , فيما ان بطل SUPER BALL هذه السنة ليس من المؤكد ان يكون بطل العام القادم . انها سنة الحياة .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي