قصص قصيرة جداً أنا الذي رأى طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن
2024 / 5 / 31

قصص قصيرة جداً



أنا الذي رأى




طلال حسن



" 1 "
طفل
منذ أن وعيت ، وظلي طفل ، يركض وراء الفراشات والكلمات والجمال ، وها إني كبرت ، وشخت ، لكن ظلي مازال طفلاً يركض وراء الفراشات والكلمات والجمال .

" 2 "
فوق المصطبة
جلست ، أنا وظلي العجوز ، فوق مصطبة في الحديقة .وعند الغروب ، نهض ظلي العجوز ، ومضى كالعادة إلى البيت ، أما أنا فقد بقيت جثة هامدة فوق المصطبة .


"3 "
الأرض كروية
صاح ظلي ، وسط الأطفال : الأرض كروية ؟
أمسكوا بي ، وأمام أنظار الأطفال ، ألقوا بي في النار .
ووسط النار ، وأمام عيون الأطفال المدهوشة ، راح ظلي يصيح : الأرض كروية .. الأرض كروية .


" 4 "
حب
رغماً عني ، تقدم ظلي منها ، وقال : أحبك .
نظرت إليّ ، وعيناها العسليتان تقولان : اخجل ، أنت كهل .
ووقفت حائراً ، لا أدري كيف أفهم عينيها العسليتين ، أنّ ظلي لم يكتهل ، وأنه مازال يستطيع أن يحبّ .

" 5 "
الحرب
أصاب قناص ظليّ بإطلاقة ، فأرداني قتيلاً .
وحفر رفاقي حفرة ، وسجوا ظلي فيها ، وألقى كلّ منهم فوقي زهرة برية . وقبل أن يردموا الحفرة ، انتفضت من بين رفاقي ، وأسرعت لأرقد إلى جانب ظلي .


"6 "
الظلال الأربعة
أربعة كنّا ، وظلالنا كانت أربعة ، أنا وأخي وأمي وأبي .
اختفى ظلّ أبي ، واختطفت الحرب ظلّ أخي ، وها نحن ، أنا وأمي ، ظلان أنثويان قاتمان ، نحنّ إلى ظلالنا ، التي كانت يوماً أربعة .

" 7 "
الظل العجوز
نهضا معاً عن مقعدهما ، ونهض معهما ظلاهما العجوزان .
لوح الأول للثاني : غداً نلتقي .
فردّ الثاني مازحاً : إذا أشرقت الشمس .
وفي الغد أشرقت الشمس ، كما تشرق كلّ يوم ، لكن الثاني لم يأت ، وظلّ الأول فوق المقعد ، وحيداً مع ظلّه العجوز ؟

" 8 "
ظلان بإتجاه الشمس
أقبل فتى وظلّه من اليسار ، وأقبلت فتاة وظلّها من اليمين ، وتبادل الفتى وظلّه ، نظرة خاطفة ، مع الفتاة وظلّها .لم يتوقف الفتى ، ولم تتوقف الفتاة ، لكن ظلّيهما توقفا ، ثمّ سارا معاً باتجاه الشمس ، وسرعان ما توقف الفتى والفتاة ، ولحقا بظليهما .




" 9 "
الظلّ الفرح
نمت صبيرة وسط الصحراء ، ولم يكن حولها سوى الرمال والرياح. وذات ظهيرة ، مرّ بها طائر صغير ، يلهث من الحرّ ، وما إن رآها ، حتى أسرع يلوذ بها ، وابتسمت الصبيرة ، ونشرت ظلّها الفرح ، فوق الطائر الصغير .

" 10 "
التنين
بالأزهار وأغصان الغار ، استقبل الناس بطلهم المنتصر ، عند سور المدينة .ووقف الحكيم وابنه يتأملان البطل ، وسط مستقبليه .
قال الحكيم : حقاً إنه بطل ، ستذكره الأجيال القادمة طويلاً ، فقد قتل التنين.
قال الابن : لكن التنين وهم .
فردّ الحكيم قائلاً : وهل أصعب من قتل هذا .. التنين ؟


" 11 "
أنا الذي رأى
رأيت ، ويا لهول ما رأيت ، ورغم رعبي ، صرخت بي : أنت إنسان ، قل .. لا .

" 2 1 "
إنسان من هذا العصر
أشعلت شمعة ، وعلى ضوئها ، لمحت في هوة الليل ، إنساناً يلوح لي، طالباً النجدة ، فهجمت على الشمعة ، وأطفأتها .


" 3 1 "
البئر
من أعماق بئري ، تطلعت إلى أعلى ، فلم أر غير بقعة صغيرة مضببة من السماء ، فصحت مستنجداً بأعلى صوتي : أنا هنا .
فأجابني الصدى : .. هنا .. هنا .. هنا .

" 4 1 "
المطر وهي
منذ المساء ، والمطر يهمي ، قطرات صغير ، دافئة ، وبدت أشجار الحديقة ، تقف قي العتمة تحت المطر . ووقفت " هي " ، خلف النافذة ، وحيدة ، عارية ، تحت بجامتها ، متمنية لو تقف كشجرة ، تحت قطرات المطر الدافئة .

" 5 1 "
الرمال المتحركة
فجأة وجدتني ، وسط رمال مدومة ، متحركة ، تتناهشني أوجاع لا حدود لها . ومن الليل ، إنبثق طفل ، لم أر منه سوى عينيه ، وشفتيه المبللتين ، وبأعلى صوتي هتفت : النجدة .
لم يسمعني الطفل ، وكيف يسمعني ، وأنا لم أسمع نفسي ؟
وتحرك الطفل ، وسرعان ما تلاشى في الليل .


" 6 1 "
غفوة
عاد أبي ليلاً ، وأوى إلى فراشه ، وأغفى .
وعند الفجر ، لم ينهض كعادته ، ويذهب إلى العمل .
والتمّ حوله الرجال والنساء يندبون ، فتقدمت من أبي ، وغطيت وجهه ، وقلت : كفى رجاء ، دعوا بابا في غفوته ، لقد أتعبته اليقظة ؟

" 7 1 "
يوم ممطر
نزلت المرأة من الباص ، في الساحة المكتضة بالسيارات . وسارت تحت المطر ، عبر ممرات مليئة بالنفايات والأوحال . وفي أحد الممرات، تراءى لها رجل يخنق صبياً ، فسارعت بالخروج من الساحة ، وهي تقول في نفسها : لابد أنه أبوه .
وعلى الطوار ، رأت رجلاً يستجدي ، فوضعت في يده الممدودة مبلغاً من المال ، ومضت تسير تحت المطر .

" 8 1 "
لماذا الـ .. لا
وقف الرجل أمام ببغائه متحيراً ، وقال : عجباً ، إنني أوفر لك ، في القفص ، الطعام والشراب والأمن ، ومع ذلك فأنت حزين .
ولاذ بالصمت لحظة ، تم هتف : وجدتها ، أنت تريد رفيقة ، حسن ، سأذهب غداً إلى الغابة وأصطاد لك ..
فهبّ الببغاء صارخاً : لا .

" 9 1 "
هذه الكلمة الحلوة
جاءني من مجرة بعيدة ، وتجول معي بين الناس ، ثم قال لي : الحرية ، هذه الكلمة أسمعها عندكم في كلّ مكان ؟
فابتسمت قائلا : هذه الكلمة الحلوة ، الحرية ، ستبقى معنا دوماً ، فقد حنطناها بأحدث الطرق ، وحفظناها في صندوق زجاجي مفرغ من الهواء ، فنحن هنا نقدس .. الحرية .


" 20 "
التنين
بالأزهار ، وأغصان الغار ، استقبل الناس بطلهم المنتصر .
ووقف الحكيم وابنه يتأملان البطل ، يختال وسط مستقبليه .
قال الحكيم : حقاً إنه بطل ، ستذكره الأجيال القادمة بالفخر واعتزاز ، فقد قتل التنين .
قال الابن : لكن التنين وهم .
فردّ الحكيم : وهل أصعب من قتل مثل هذا .. التنين ؟

" 1 2 "
اللغم
زرعوا جسده بأجهزة إنصات ، وأنصتوا .. تك .. تك .. تك .
قال الخبير : اصغوا ، أسمع شيئاً يتكتك .
أصغوا ، وأصغوا ، وخناجرهم في أيديهم ، فقال الخبير : هذا لغم .
وهبّ الحاكم صارخاً : أبطلوه وإلا نسف العالم .
وانهالت الخناجر على الجسد ، تفتش كلّ زاوية فيه . وفي القفص الصدري ، تحت الثدي الأيسر ، عثروا عليه يتكتك ، وبكل هدوء، وبأصابع متمرسة ، انتزعه الخبير ، و.. أنقذ العالم .




" 22 "
الكابوس
مددت يدي في العتمة ، والحمى تشويني ، لم أجده إلى جانبي، يا إلهي ، إنني وحيد ة.
طرق الباب ، اعتدلت مترددة ، فقد قال لي : لا تفتحي الباب لأحد .
طرق الباب ثانية ، إنهم هم ، لعله وقع في أيديهم ، و صرخت : لا .
دفعوا الباب ، حتى تهاوى ، واندفعوا نحوي ، وقبل أن يمسكوا بي ، حاولت أن أستيقظ ، لكن دون جدوى .

" 23 "
الغراب
نعب الغراب بأعلى صوته : هجوووووم .
فهبّ الأموات من خنادقهم ، شاكي السلاح ، وإندفعوا معولين كالريح : إلى الحرب .
وتوقف واحد منهم ، وسط العويل ، واستدار بهدوء شديد ، وبهدوء أشد ، سدد بندقيته نحو الغراب ، ثم ضغط على الزناد .





" 4 2 "
الكبش
منذ أن وقع يحيى في الأسر ، لم تنم مرة بعمق ، كما كانت تنام بين ذراعيه ، فذهبت إلى النبي يونس ، ونذرت أن تذبح كبشاً عند مرقده ، إذا عاد يحيى .
وعاد يحيى ، بعد ثماني عشرة سنة ونيف ، قضاها في الأسر ، لكنه لم يكن يحيى ، فأخذته إلى النبي يونس ، وذبحته عند مرقده، وعندئذ نامت بعمق .

" 5 2 "
الخروج
أوقفوه عند الحدود ، وسأله الضابط : ماذا تحمل ؟
فأجاب : لا شيء .
وحدق الضابط في ملف كان أمامه ، ثم رفع عينيه إلى مساعده ، وقال : خذه .
وأخذه المساعد إلى غرفة داخلية ، وفتح جمجمته ، وأفرغ ما فيها ، ثم عاد به إلى الضابط ، وقال : سيدي ، أجرينا اللازم .
وأغلق الضابط الملف ، وقال دون أن ينظر إليه : الآن يمكنك .. الخروج.




" 26 "
قطرة الماء
أخذت الصخرة على قطرة الماء ، أنها صغيرة وضعيفة ، فقالت قطرة الماء : نعم ، لعل هذا صحيح ، لكن باتحادي مع رفيقاتي نصنع الأنهار والبحار والبحيرات .

" 27 "
الغيمة والفلاح العجوز
رأت الغيمة فلاحاً عجوزاً يزرع ، فطلبت من الريح أن تمهلها ، حتى ينتهي الفلاح العجوز من عمله ، لتمطر وتروي ما زرعه .

" 28 "
وطن السنونو
سأل العصفور صديقه السنونو : لماذا تهاجر ؟
فأجاب السنونو : لأني لا أستطيع أن أحيا بدون الدفء .
وقال العصفور : ووطنك ؟
ردّ السنونو : الدفء وطني .




" 29 "
حب !
عجب الذئب ، حينما اتهمته الحمامة ، بأنه لا يحب الحمل ، فاحتد قائلاً : هذا كذب ، إنني أحب الحمل ، ولا أحبّ أن آكل أحداً سواه.

" 30 "
أنت شبل
نادت اللبوة صغيرها قائلة : تعال ، يا بنيّ ، وتناول غداءك .
فأجابها صغيرها : إنني شبع ، يا ماما ، لقد تناولت بقايا أيل مع صديقي .
فهبّ الأسد غاضباً ، وقال : لا تصادق الضبع ، يا بنيّ ، أنت شبل .

" 31 "
الصفصافة المزهرة
هتفت شجرة الصفصاف فرحة : آه هذا هو الربيع .
فقالت العوسجة : أي ربيع هذا ، وأنت مثلي ، لا تحملين زهرة واحدة .
وردت شجرة الصفصاف قائلة : لا يا عزيزتي ، نحن مزهرتان، مادام كلّ ما حولنا مزهر .

" 32 "
وعمّ السلام الغابة
دار صراع بين ذئبين ، وإنحاز الحمل للذئب الأول ،وطال الصراع ، فقرر الذئبان الجنوح للسلام ، فذبح الذئب الأول الحمل ، وأولمه للذئب الثاني ، وهكذا عمّ السلام الغابة ؟

" 33 "
حيرة
قالت أمي ، وهي عصفورة حكيمة باعتراف الجميع : الأرانب أكثر طيبة من الثعالب .
لكني سمعت أرنباً يقول : يا إلهي ، اقض على الثعالب .
وسمعت ثعلباً يقول : يا إلهي ، أكثر من الأرانب .
أيمكن أن تكون أمي مخطئة؟ يا للحيرة .


" 34 "
الثعلب
ـ كوكو .. ريكو .
نهضت ، إنه ديك ، وإتجهت نحو مصدر الصوت ، إنني جائع ..
ـ عووووو .
توقفت ،إنه كلب ، الحق .. لست جائعاً جداً ، لقد أكلت عصفوراً، منذ .. ثلاثة أيام .

" 35 "
الحاكم
أراد الأسد ، ملك الغابة ، أن يكرم الثعلب ، فأرسل في طلبه، ولما مثل بين يديه ، قال له : لقد خدمتني طويلاً ، سأجعلك حاكماً على الضباع ..
فانحنى الثعلب للأسد ، وقال : عفو مولاي ، ليتك تجعلني حاكماً على الأرانب.

"6 3 "
الحمار يتظلم
دخل الحمار على الأسد ، وقال بصوت حزين : مولاي ، أنصفني ، لقد افترس نجلك صغيري .
التمعت عينا الأسد ، وهو يعاين الحمار ، ثم قال : اغلق الباب ، وتعال ، سأنسيك حزنك على صغيرك .




" 37 "
إنها أفعى
رأى عصفور صغير ، أفعى صغيرة ، تزحف قرب الشجرة، فنزل من العش ليلعب معها ، فصاحت به أمه : بنيّ ، ابتعد ، هذه أفعى .
ردّ العصفور الصغير : لكنها صغيرة .
فقالت أمه : إنها أفعى ، يا بنيّ ، مهما كانت صغيرة .

" 38 "
الأيل وقرونه الضخمة
اختطف الذئب أيلاً صغيرا ، فوقف كبير الأيائل ، وصرح أمام الجميع قائلاً : الخزي والعار لهذا الذئب المتعطش للدماء .
ولم تكد تمضي عدة أيام ،حتى اختطف الذئب أيلاً صغيراً آخر .

" 39 "
العقاب
اغتاظ القمر ، عندما سمع البومة تقول للخفاش : ضوء الشمس أقوى من ضوء القمر .
وصاح بالبومة : سأحتجب عقاباً لك ، وأتركك تتخبطين في الظلام .
فتطلعت البومة إلى الخفاش ، ثم انفجرا بالضحك ؟

" 40 "
الأفعى والبلبل
كلما سمعت الأفعى ، البلبل يغرد ، التفت حول نفسها ، وراحت تصغي إلى تغريده ، حتى تنام .
وذات يوم ، لم تجد الأفعى ما تأكله ، فأكلت البلبل ، والتفت حول نفسها ، تريد أن تنام ، لكنها لم تستطع .

" 41 "
رأي آخر
وقف العصفور والزرزور على غصن شجرة ، وأقبل الثعلب مختالاً بفرائه ، فقال الزرزور : آه ما أجمل فراء هذا الثعلب .
وابتسم الثعلب فرحاً ، فقال العصفور : ليت أعماله بهذا الجمال .
فقهقه الثعلب ، وقال : للثعالب رأي آخر .

" 42 "
الغيمة الجميلة
توقفت الغيمة مختالة ، فوق حقل عطشان ، وهتفت بفرح : أنظر ، ما أجملني .
فقال الحقل : ستكونين أجمل إذا أمطرت .


" 43 "
جمال دسم
سار الطاؤوس ، وسط الغابة ، يختال بجماله ، ورأى الثعلب، فقال متباهياً : يقال أنكم ، أنتم الثعالب ، خير من يقدر الجمال .
وابتسم الثعلب ، وقال : وخاصة .. الجمال الدسم .

" 44 "
الليل والقمر
يقول القمر ، حيثما يذهب : لولاي لبقي القمر أسير عتمته .
وعندما سمع الليل ما يقوله القمر ، ردّ قائلاً : ولولاي لما رأى أحد ضوء القمر الشاحب .

" 45 "
ما أطيبه
أفاق أرنوب والأفعى ، على بلبل يغرد .
تأوه أرنوب محموماً ، وقال : آه ما أطيبه .
وانسلت الأفعى ، وقالت : آه ما أطيبه .
وعند المساء ، أغفى أرنوب محموماً ، وفي أعماقه بلبل يغرد.
وأغفت الأفعى، وفي جوفها ، بلبل صامت .

" 46 "
أرنب لا
وقف الأسد ، أمام أرانب البرية ، وصاح متوعداً : أنا ملككم، منذ الآن ، أتوافقون أم لا .
فصاح الجميع : نوافق .
عدا أرنب ، فتح فمه ، وتراءى للأرانب ، أنه قد يقول .. لا ، فانقضوا عليه ، وقتلوه .

" 47 "
البلبل والغراب
كلما نعب الغراب ، قال مستمعوه : البلبل تغريده أفضل .
واستبد الغضب بالغراب ، فقتل البلبل ، وتخلص منه ، لكنه وكلما نعب ، قال مستمعوه من الطيور : البلبل كان تغريده أفضل.

" 48 "
أزهار الحزن
مع الربيع ، غدت شجرة التفاح العجوز ، باقة كبيرة من الأزهار .
وذات ليلة سمعتها الفسيلة تئن حزينة ، فتساءلت : ما بالها ، يا ماما ؟
فأجابتها النخلة : شجرة التفاح تزهر هكذا ، يا بنيتي ، إذا أشرفت على النهاية.

" 49 "
قمر فوق الغابة
بدراً أضاء القمر ، عندما حلّ الليل ، وخيم بعتمته فوق الغابة.
وأقبلت العاصفة ، تدفع أمامها غيمة ضخمة ، حجبت بها القمر . وحزنت الغيمة ، وراحت تبكي ، حتى انتهت ، وعندها أطل القمر ثانية ، وبدد الليل عن الغابة .

" 50 "
عقاب
فاجأت الريح الباردة ، خلال إحدى جولاتها ، في أقصى الشمال ، غيمة تلهو بعيداً عن الحقول ، فانقضت عليها غاضبة ، وصفعتها ببرودتها ، وجعلتها تتهاوى ، فوق القمم العالية ، ندفاً صغيرة من الثلج .

" 51 "
قلق
أفاق الأسد على عواء مرتفع ، فصاح : أسكتوه .
قالت اللبوة : هذا ذئب .
قال الأسد : ليلقوا إليه بعض الفضلات .
ردت اللبوة : إنه ذئب ، وليس ضبعاً .
وتلفت الأسد حوله ، ثم قال : لن أنام مادام هذا الذئب حياً .

" 52 "
دبدوب والنحلة
أقبلت نحلة على دبدوب ، وقالت : تعال ، سأدلك على خلية مليئة بالعسل.
فقال دبدوب مذهولاً : لكنك نحلة .
قالت النحلة : طردوني من الخلية ، وقالوا لي ، أنت لست نحلة .
وعبس دبدوب ، وقال : إنهم محقون ، أنت لست نحلة .

" 53 "
الملك
قالت الأم أرنبة : أبشر ، يا أرنوب ، تخلصنا من الثعلب .
تساءل أرنوب : مات ؟
فردت الأم : سيموت ، لقد اعتقله الأسد ، عندما أراد اليوم أن يختطف أرنباً .
وقال أرنوب : لكن الأسد نفسه ، اختطف البارحة أيلاً .
فنهرته أمه خائفة : صه ، أيها الأحمق ، إن الأسد .. ملك .


" 54 "
الديك والثعلب
حاول الديك أن لا يمكن الثعلب منه ، فامتنع عن الخروج من القن ليلاً ونهاراً ، وأحاط نفسه بالكلاب .
لكن الثعلب ، رغم ذلك ، تمكن منه ، فقد انقض عليه في الحلم ، وأمسك بخناقه ، و .. وفزّ الديك مذعوراً ، وقرر أن لا ينام أبداً .

" 55 "
البلبل والأسد
غضب الأسد على البلبل ، ربما بسبب أغاريده ، فألقى القبض عليه ، ونفاه إلى جزيرة واق واق ، لكن الأسد لم يهدأ غضبه ، فقد ظلت أغاريد البلبل تصدح في صمت الغابة .

" 56 "
يحيا الملك
دعا الأسد ، ملك الغابة ، الأرانب ، إلى اجتماع أمام عرينه ، وخاطبهم قائلاً : أيها الأرانب ، أنتم أتباعي ، وأريدكم أن تتحرروا من الخوف ، وتعبروا عن رأيكم بشجاعة ، والويل لمن يجبن .
وبكل شجاعة ، تقدم أرنب عجوز من الأسد ، وهتف بأعلى صوته : يحيا الملك .

" 57 "
زهرة التفاح
قالت زهرة من أزهار شجرة التفاح للعاصفة : لا .
ولكي تعاقب العاصفة زهرة التفاح هذه ، اجتاحت الشجرة كلها ، وحاولت أن تقتلعها من جذورها .

" 58 "
بعد المعركة
جلس الضبع وزوجته وصغيراه ، يراقبون خلسة غزالين يقتتلان . وبعد انتهاء المعركة ، تقدم الضبع من المنتصر ، وافترسه ، وترك المنهزم لزوجته وصغيريه .

" 59 "
البلبل
قال الوقواق للبوم : مات البلبل اليوم .
بدا الإرتياح على البوم ، فتابع الوقواق قائلاً : قتلته الحدأة .
ومن بعيد ، ارتفع صوت بلبل يغرد ، فتعكرت عينا البوم ، وقال : يبدو أن هذا البلبل لن يموت أبداً .




" 60 "
بشرى !
مع دمدمة الريح ، حلق الغراب ، فوق الغابة ، ونعيبه يملأ الآفاق : أيها الطيور ، ابشروا ، ابشروا ، لقد فقس اليوم بيض .. الحدأة.

" 61 "
أسد نباتي
أعلن الأسد لمن حوله من الثعالب والنسور والضباع ، أنه سيكون نباتياً ، ودعاهم لأن يكونوا مثله .. نباتيين . وفي الحال ، انقضت عليه الثعالب والنسور والضباع ، وقتلته .

" 62 "
العصفورة
اختطفت الحدأة أحد صغار العصفورة ، ووقفت العصفورة ، فوق غصن من أغصان الشجرة ، وقد غرقت عيناها بالدموع . وتملكتها الدهشة ، حين وجدت الشمس مازالت تشرق ، والربيع مازال يملأ الغابة أزهاراً وحمامات و أغاريد .


" 63 "
الأسد والحمل
التقى أسد ، وسط الغابة ، بحمل صغير. وقد أعجب بجماله وبراءته ، وراح يلعب معه ، حتى المساء ، وعندها شعر الأسد بالجوع ، فافترس الحمل ، ونام .

" 64 "
لا تلوميني
لامت الريح قطرة الماء ، لأنها لا تبقى على حال ، فهي مرة صلبة ، ومرة سائلة ، ومرة غازية ، فقالت قطرة الماء : لا تلوميني ، فالأمر لا يعود لي وحدي .

" 65 "
الفراشة والنار
نظرت النار إلى الفراشة ، وقالت : آه ما أجملك .
فردت الفراشة قائلة : أنت أيضاً جميلة ، وقد نكون أجمل لو اتحدنا .
وبلهفة قالت النار : تعالي إذن نتحد .
وعلى الفور اندفعت الفراشة إلى النار .



" 66 "
رأي الدب
أراد الأسد أن يعرف رأي الدب في قضية ، فقال : بنى القندس عشه فوق إحدى الأشجار،ولما فقست بيضه ، خرج الخلد من البحيرة ، وتسلق الشجرة ، وأكل الصغار ، وقد رأيت أن أسجن الخلد داخل نفق في الأرض ، فماذا ترى أنت ؟
لاذ الدب بالصمت لحظة ، ثم قال : أرى ، يا مولاي ، أن ترسل الشبل ، ملك المستقبل ، إلى المدرسة .

" 67 "
خطيئة الحمل الأولى
رغم تحذير الأسد ، أكل الحمل حزمة من الحشيش ، فطرده من الغابة ، وأمر الذئب أن يتربص به ، ويفترسه .

" 68 "
نحن أرانب
قال الأسد ، ذات ليلة ، أمام رعيته : عندما كنت شبلاً ، تصدى لي عشرة ثيران ، فقتلتهم جميعاً .
وفي طريق العودة ، قال أرنوب لأمه : ماما ، هل صدقت الأسد؟
فتوقفت الأم مصعوقة ، ثم قالت : طبعاً صدقته ، وعلينا جميعاً أن نصدقه ، فنحن أرانب .

" 69 "
المنفى
دفعوه أمامي ، في عريني ، مثخناً بالجراح ، وقد تلوثت لبدته بالدم ، إنه آخر أعدائي ، وآن لي أن أرتاح ، ورمقته بنظرة حادة ، وقلت : لن أقتلك ، لكني لن أبقيك في الغابة ، أنت منفي ، اذهب .
لم ينطق بحرف ، بل رفع عينيه ، وحدق فيمن حولي ، من ذئاب وضباع وثعالب وكلاب برية ، ولأول مرة في حياتي ، شعرت بأني وحيد ، منفي ، فوق عرشي .

" 70 "
أغرودة أبي
لذت بالبلبل العجوز ، وعيناي غارقتان بالدموع ، وقلت : لقد قتلوا أبي .
ومن أعماق الغابة ، انبثقت أغرودة عذبة ، فنظر البلبل العجوز إليّ ، وقال : إصغ ِ يا بنيّ .
فأصغيت لحظة ، ثم قلت : هذه أغرودة أبي .
وابتسم البلبل العجوز ، وقال : لا تصدق ، يا بنيّ ، أن أحداً يستطيع أن يقتل أباك .


" 71 "
الكلاب الوحشية
عند منتصف الليل ، هزّ الغابة نباح غريب ، ففزّ الأسد من نومه متسائلاً : ما هذا !
فردّ الضبع : إنهما كلبان وحشيان ، لجآ إلى غابتنا .
وقبل أن يعود الأسد إلى النوم ، قال : أتركوهما هنا حتى يشيخا ويموتا .
وترك الكلبان الوحشيان في الغابة ، لكنهما لم يموتا ، حتى تركا وراءهما ، أكثر من عشرين كلباً وحشياً .

" 72 "
الثمن
وقع الأرنب في شرك ، فصاح : النجدة .
وعلى الفور ، أقبل أسد ، وخلصه من الشرك ، ثم قال : والآن أريد الثمن .
ومدّ يديه ، وأمسك بالأرنب ، وقال : والثمن .. هو أنت .

" 73 "
الشرارة
أوت البستان شرارة ، أعجبها منها دفأها وضياؤها ، وسرعان ما استعرت الشرارة ، وصارت شعلة نار ، راحت تأكل أشجار البستان الواحدة بعد الأخرى ، حتى أتت عليها جميعاً ، ثم .. ماتت .


" 74 "
إجماع
حطّ الغراب ، وسط حشد من الغربان ، ينصتون إلى البلبل ، وهو يغرد إحدى أغاريده .
وما إن انتهى البلبل من أغرودته ، حتى أشاح الغراب عنه ، وقال : إن أنكر صوت في الغابة صوت البلبل .
وبالإجماع نعب الغربان : صدقت .


" 75 "
الغابة الأولى
خرج الأيل يوماً من الغابة ، وطاف طويلاً في الغابات البعيدة ، وحين تقدم به العمر ، عاد إلى غابته .
لم يعرف الأيل أحداً ، ولم يعرفه أحد ، فعاد يطوف من جديد ، في الغابات البعيدة ، لعله يعثر يوماً على غابته الأولى .



" 76 "
الأسد
تمدد الأسد ، تحت الشجرة ، يغالب النعاس ، وأقبل الشبل قائلاً : أبتي ، إنني جائع ، هيا نصطد .
وتثاءب الأسد ، وقال : أجلس ، يا بنيّ ، فالصيد من واجب اللبوة والذئب وابن آوى .
وجلس الشبل إلى جانب أبيه ، وتساءل : ونحن ، ماذا نفعل ؟
فأغمض الأسد عينيه ، وقال : نحن ، يا بنيّ ، نأكل ونشرب و.. نحكم .

" 77 "
الكلاب
طارد الأسد والشبل حماراً ، وكادا يطبقان عليه ، حينما برز عدد من الكلاب الوحشية ، فتوقف الأسد ، ومعه توقف الشبل .
ونبحت الكلاب الوحشية ، وتراجع الأسد ، فقال الشبل : أبتي ، إنهم مجرد كلاب .
فقال الأسد ، وهو يمضي مبتعداً : لا أريد أت يقال ، أنني قاتلت كلاباً ، هيا يا بنيّ ، هيا .





" 78 "
عدالة الأسد
ذهبت الأفعى إلى الأسد ، وقالت متظلمة : مولاي ، أكاد أموت من الجوع.
فردّ الأسد قائلاً : الطعام كثير في الغابة ، اذهبي وكلي ما تشائين.
وقالت الأفعى : لكن القنفذ يمنعني من الوصول إلى طعامي .
فغضب الأسد ، وأمر بقتل القنفذ .


" 79 "
الثور
فوجئت الدودة بثور ضخم يصيح بها :أيتها الدودة ، يقال أن في هذا الحقل وردة حمراء ، دليني عليها ، فأنا كما تعرفين ، لا أميز الألوان .
وتحينت الدودة فرصة ، وهربت متوارية تحت الأرض ، فجن الثور غضباً ، وصاح : فلآكل الورود جميعاً ، مادام بينها وردة حمراء .



" 80 "
الأسد والضبع
أقبل الشبل فرحاً على أبيه ، وقال : سمعت الضبع اليوم يمتدحك ، يا أبتي.
وبدل أن يفرح الأسد ، عبّس ، وقال : الضبع يمتدحني ! لابد أن أراجع نفسي ، لعلي أخطأت مؤخراً .

" 81"
الجائزة الأولى
جرت مسابقة للأغنية في الغابة ، فغنى الكروان عن الربيع ، وغنى البلبل عن الحب ، وغني الغراب عن الأسد ، وغنت الحمامة عن السلام ، و .. و .. وبإجماع المحكمين الرسميين ، فاز الغراب بالجائزة الأولى .

" 82 "
الاستعراض
وقف الأسد يستعرض قطعان غابته ، وفجأة صاح : قف .
ووقف الجميع ، فصاح الأسد ثانية : إلى الوراء در .
وبحركة واحدة ، دار الجميع إلى الوراء ، فصاح الأسد : عادة سر ..يمين .. يمين .. يمين .

" 83 "
برونز
من البرونز ، أبدع الفنان فتاة ، ورغم جمال الفتاة ، ظلت برونز .

" 84 "
هولاكو
أراد هولاكو أن يذكره التاريخ ، وقد ذكره التاريخ ، وسيذكره دوماً ، بأنه هو من أغرق الكتب في نهر دجلة .

" 85 "
أنت حرّ
عمل حمار في خدمة بائع متجول مدة طويلة ، وحينما هرم ، وأصبح عاجزاً عن حمل الأثقال ، فكّ البائع المتجول قيوده ، وقال : سامحني إذ استعبدتك هذه المدة ، أنت حرّ الآن ، ويمكنك أن تمضي حيثما تشاء .

" 86 "
نصيحة
رأيت ميما يرى النائم اليوم ، رفيقي الراحل جمعة ، قال لي : أريد أن أعود إلى الحياة .
ولأني أعرف ما لم يعرفه ، نصحته قائلاً : لا يا رفيقي ، ابق ميتاً؟


" 87 "
الحرب
أصاب قناص ظلي بإطلاقة ، فأرداه قتيلاً ، وحفر رفاقي حفرة ، وسجوا ظلي فيها ، وألقى كلّ منهم فوقه زهرة برية، وقبل أن يردموا الحفرة ، أسرعت ورقدت إلى جانب ظلي .

" 88 "
شمعة لأبي
ضمتني أمي في العتمة ، وهمست مذعورة : بنيّ ، لا تشعل شمعة في الليل ، فقد يراك جند هولاكو ، ويقتلونك ، مثلما قتلوا أباك .
وحالما أغفت أمي ، تسللت إلى ميدان المدينة ، تحت جنح الظلام، وأشعلت شمعة لأبي .

" 89 "
حب
رغماً عني ، تقدم ظلي منها ، وقال : أحبك .
نظرت إليّ ، وعيناها العسليتان تقولان : اخجل ، أنت كهل .
ووقفت حائزاً ، لا أدري كيف أفهم عينيها العسليتين ، بأن ظلي لم يكتهل ، وأنه مازال يستطيع أن يحب .



" 90 "
شجرة التوت
نمت شجرة توت ، وسط باحة السجن ، وسرعان ما جاء عصفور ، وبنى عشه بين أغصانها .
ولاحظ مدير السجن ، أن سجيناً عجوزاً ، يطل من نافذة زنزانته، كلّ يو

" 91 "
ليل الغابة
في الليل ، جلسا متلاصقين ، يلفهما الصمت والظلام . ومن بعيد ، وعبر الأحراش الملتفة ، إلتمع للحظة ، شعاع من الضوء.
فزّت قائلة : ارأيت ؟
إلتمعت عيناه ، وقال : ضوء .
قالت بانكسار : هذا يعني ، إننا في ظلام مطبق .
فردّ قائلاً : لا ، بل يعني ، أنّ هناك ضوء


" 92 "
الملك يبني
استدعى الملك الجديد الحكيم ، وقال : أريد بنّاء .
انحنى الحكيم للملك ، وقال : يبدو أنك ، يا مولاي ، ستبني مكتبة.
فردّ الملك قائلاً : سأبنيها ، لكن ليس الآن .
وانحنى الحكيم ثانية ، وقال : آه .. المستشفى .
قال الملك : سأبني المستشفى ، لكن ليس الآن .
ولاذ الحكيم بالصمت ، فقال الملك : أنا لي أعداء ، وأعدائي هم أعداء الوطن ، استدع البنّاء ، لابد أن أبدأ فوراً ببناء .. السجن .

" 93 "
الزهرة
على حافة الطريق ، رأى الرجل العجوز صباحاً ، زهرة صغيرة ، تفتحت مع الفجر ، فتوقف يتأملها فرحاً ، مبهوراً .
وتناهت إليه أصوات أطفال ، مقبلين من بعيد ، وخاف أن يرى أحدهم الزهرة ، ويقطفها ، فمد يده إلى الزهرة ، وقطفها ، وواصل طريقه .
وقبل منتصف النهار ، ذبلت الزهرة ، فرماها الرجل العجوز ، دون أن يتوقف ، فوق كومة من الأعشاب الميتة .


" 94 "
النباح
أفاق الملك منزعجاً ، فخف إليه رئيس الحرس ، وقائد الجند، والمستشار .
قال الملك : أسمع نباحاً .
فرد رئيس الحرس : ذلك عبد ، يا مولاي .
وقال المستشار : إنه ينبح قائلاً : أنا إنسان .
فنظر الملك إلى قائد جنده ، وقال : هذه سابقة خطيرة ، أسكتوه .
وفي طول البلاد وعرضها ، لم يعد أحد يسمع ، ذلك النباح مرة أخرى .


" 95 "
التفاحة
عاد الحطاب العجوز من الغابة ، يحمل حزمة من الحطب. وعلى جانب الطريق ، رأى شجرة تفاح ، تتوهج في أعلاها تفاحة كبيرة ، ناضجة .وتمنى لو يحصل على هذه التفاحة ، ليأخذها إلى حفيده .
وعلى الفور ، وضع الفلاح العجوز حزمة الحطب جانباً ، وبكلّ ما يملك من قوة ، هزّ الشجرة ، فلم تسقط التفاحة . ورجم الشجرة بالحجارة ، ومرة أخرى لم تسقط التفاحة ، فأخذ فأسه ، وقطع الشجرة ، وحصل على التفاحة، وسرعان ما حمل حزمة الحطب ، ومضى فرحاً إلى حفيده .

" 96 "
ليلى والتفاحة
قبيل المساء ، عاد الأطفال إلى بيتهم ، عدا ليلى التي بقيت تلعب وحدها في الزقاق .
وأقبل رجل عجوز ، يحمل كيساً صغيراً ، مليئاً بالتفاح .وتوقف على مقربة من ليلى ، وقد جحظت عيناه ، ثم تهاوى بصمت على الأرض . وتناثر التفاح هنا وهناك ، فأسرعت ليلى ، وجمعت التفاح في الكيس ، ووضعته برفق قرب الرجل العجوز. ومن بين التفاح ، أطلت تفاحة نصفها أصفر ، ونصفها الآخر أحمر ، فمدت ليلى يدها ، وأخذت التفاحة ، ومضت بها إلى البيت .


" 97 "
الباب
عند منتصف الليل ، سمعت طرقاً على الباب ، اعتدلت في فراشها ، لعله هو ، نعم قد يكون هو . وكالعادة هبّت من مكانها ، وانطلقت متوكئة على شيخوختها ، وفتحت الباب ، وكالعادة لم تجد غير العتمة .
وعادت إلى فراشها ، وعيناها غارقتان بالدموع ، وقررت أن لا تفتح الباب مرة أخرى ، حين تسمعه يطرق ، فحفيدها ذهب ، ولن يعود .
ولم تكد تضع رأسها المتعب على الوسادة ، وتغفو قليلاً ، حتى سمعت من جديد طرقاً على الباب ، وبدون تردد ، هبّت من مكانها ، وانطلقت متوكئة على شيخوختها ، نحو الباب .

" 98 "
الخاتم
رحب الصائغ العجوز بي على عادته قائلاً : أهلاً ابنتي .
وقدمت له الخاتم مترددة ، ثم قلت : هذا آخر قطعة .
وحدق الصائغ العجوز في الخاتم ، وقال : خاتم الزواج .
فهززت رأسي ، دون أن أتفوه بكلمة . ووضع الصائغ العجوز الخاتم في الميزان ، وهو يتساءل : ما أخباره ؟ زوجك .
أجبته : لا جديد .
وتراءى لي ، وهو يضع الخاتم في إصبعي ، كنت وقتها في حدود الثلاثين ، وها إني أتجاوز الثالثة والأربعين .ورفع الصائغ العجوز الخاتم من الميزان ، ثم قال : ثمنه يا ابنتي ..
وقبل أن ينطق بثمنه ، مددت يدي إليه ، وقلت : أرجوك ، أعطنيه ، الخاتم .
ونظر الصائغ العجوز إليّ مندهشاً ، فقلت : لا أستطيع بيعه .
أخذت الخاتم من الصائغ العجوز ، وعدت إلى البيت ، يا لحمقي، كدت أبيعه ، كدت أبيع الخاتم ، ترى ماذا يمكن أن أقول له ، حين يعود يوماً من الأسر ولا يجد خاتمه في إصبعي ؟


" 99 "
تيمورلنك
عند منتصف الليل ، هزّ تيمرلنك القصر بصياحه : أيها الحرس .
وفي لمح البصر ، كان الحرس يركعون أمامه ، فصاح بهم ، وجلاده يقف كالصنم خلفه : هاتوا جحا حالاً .
وأسرع الحرس ، وأتوا بجحا ، وألقوه عند قدمي تيمرلنك ، فحدق فيه ، ثم قال متسائلاً : ما إسمي يا جحا ؟
وفغر جحا فاه ، ثم قال : مو.. مو .. لاي .. اسمك .. تيمرلنك .
فقال تيمرلنك : ليس اسمي عندك إذن .. أعوذ بالله .
وندت عن جحا شهقة رعب ، وصاح : مولاي ، إنني لا أجرؤ على مجرد التفكير في أمر كهذا .
وحدق تيمرلنك فيه ، وقال : أعرف .
وأشاح بوجهه عنه ، وصاح : أيها الجلاد .
وتقدم الجلاد ، وقال : مولاي .
فقال تيمرلنك : اقطع رأسه .


" 100 "
موندراما
يا للناس ، لقد تغيروا تماماً ، وكاد يتلاشى ما توارثوه من قيم ومثل وأخلاق ، إن الأعداء يتحدون ، في كلّ لحظة ، مشاعرنا ، والكلّ مخدرون ، نيام .
هذا ما تحدثت به .. وتحدثت .. وتحدثت .. إلى زوجتي ، دون أن تلتفت إليّ ، أو تنبس بكلمة ، وأخيراً نهضت ، واندست في الفراش .
ونهضت بدوري ، واندسست إلى جانبها ، وأنا مازلت أتحدث .. وأتحدث .. وأتحدث ، وأخيراً التفتت زوجتي ، وحدقت فيّ ، فصحت بها منفعلاً : لم أتناول حبة الدواء ، ولن أتناولها .
ونهضت زوجتي ، وجاءتني بحبة الدواء ، فأخذت الحبة منها ، دون أن أنبس بكلمة ، وبلعتها .
ووضعت رأسي على الوسادة ، وقد كففت عن الحديث ، وشيئاً فشيئاً نسيت الأعداء ، وتحديهم لمشاعرنا ، و .. استغرقت في نوم عميق .

" 101 "
الرقم خطأ
على جمر الأرق ، أتلوى وحيداً ، في حلكة هذا الليل ، وكلّ ما حولي ، وكلّ ما في داخلي ،صحراء لا نهاية لعا ، يلفها صمت القبور .
وكما تتوق الصحراء إلى قطرة ندى ، تقت إلى صوت إنسان ، يبلل صمت صحرائي ، لعل بذرة حيّة تستيقظ في داخلي ، وأغفوا على إيقاع تنفسها ، وأرتاح ولو للحظات .
ومددت يدي الموات ، ورفعت سماعة التلفون ، وأدرت رقماً لا على التعيين .ومن بعيد ، ربما من مجرة أخرى ، جاءني صوت فتاة ، يخاطبني برقة : الرقم خطأ ، يرجى إعادة الطلب ..
واستيقظت في داخلي أكثر من بذرة ،فوضعت سماعة التلفون على وسادتي ، وأغمضت عينيّ . وسرعان ما غفوت ، وصوت الفتاة يخاطبني برقة : الرقم خطأ يرجى إعادة الطلب ، الرقم خطأ يرجى إعادة الطلب ، الرقم خطأ ..

" 102 "
الموبايل
كلّ صباح ، يخرج من البيت ، حاملاً كتبه ، متوجهاً إلى الكلية ، وتجلس في فراشها ، كلّ صباح ، وإلى جانبها الموبايل .
وعند كلّ انفجار ، قريب أو بعيد ، يخفق قلبها في صدرها كالعصفور الذبيح ، فتأخذ الموبايل ، وبيدين مرتعشتين ، ترمّش له ، وتنتظر على أحر من الجمر.
ويهدأ العصفور في صدرها ، عندما تسمع صوته في الموبايل : ماما ،اطمئني ، الانفجار بعيد .
واليوم ، صباحاً ، فزّت على انفجار هزّ المدينة ، وانتفض العصفور الذبيح في صدرها ، ومدت يديها المرتعشتين إلى الموبايل ، الويل لي ، كيف غفوت هذه المرة ؟ ورمّشت له ، وانتظرت ، ورمّشت ثانية وثالثة و .. لكن الموبايل ظلّ صامتاً .
ليبق الموبايل بعيداً عنها ، وصامتاً ، فلن ترمّش به مرة أخرى ، مهما دوّت الانفجارات في أرجاء المدينة .



" 103 "
الصورة
فزّت حين هتفت عريفة الحفل باسمها ، تدعوها للصعود إلى المنصة ، وهبت واقفة ، وقد تراءى لها ، أنه يهتف باسمها ، عبر ركام السنين المنصرمة .وصعدت المنصة ، تنوء بأكثر من خمس وستين سنة من سني الصبر والجفاف . ووضعت عريفة الحفل " الباج " على صدرها ، ومعه وضعت على خدها ، قبلة منداة بالحب والدموع .
شكرتها المرأة بكلمات فرحة دامعة ، وبدل أن تنزل ، عائدة إلى مكانها ، اتجهت إلى صور الشهداء ، المعلقة في صدر المنصة ، متأملة إياها الواحدة بعد الأخرى .
فتطلع إليها ، وسألها بصوت هامس : عمن تبحثين ؟ ابنك ، حفيدك ؟
أجابت ، وهي مازالت تتأمل الصور : لا .
وأضافت : زوجي .
وتوقفت أمام إحدى الصور ، وقالت : تعال أنظر .
واقترب منها ، ونظر حيث تنظر ، وإذا شاب لم يتجاوز العشرين إلا بقليل ، ينظر إليها عبر زجاج الصورة ، وتنهدت المرأة ، وقالت : عندما اغتيل ، في بداية الستينيات ، كان عمري عشرين سنة ، ولم نكن قد عشنا معاً أكثر من سنتين .
لاذ بالصمت ، والمرأة مازالت تتأمل الصورة ، لقد مرت أكثر من أربعة عقود ، تعبت خلالها ، وشاخت ، لكن زوجها مازال يعيش في داخلها شاباً ، كما في الصورة


" 104 "
ليل

دقّ الجرس ، فنهضتُ من فراشي ، وأسرعتُ إلى الباب ، وفتحته ، لكني لم أجد غير الليل ، فعدتُ إلى فراشي ، وقاومتُ النوم حتى الصباح ، أنتظر أن يدق الجرس ثانية ، رغم أني أعرف ، أنني لن أجد وراء الباب ، غير الليل .

" 105 "
الخروج
أوقفوه عند الحدود ، وسأله الضابط : ماذا تحمل ؟
فأجاب : لا شيء .
وحدق الضابط في ملف كان أمامه ، ثم رفع عينيه إلى مساعده ، وقال : خذه .
وأخذه المساعد إلى غرفة داخلية ، وفتح جمجمته ، وأفرغ ما فيها ، ثم عاد به إلى الضابط ، وقال : سيدي ، أجرينا اللازم .
وأغلق الضابط الملف ، وقال دون أن ينظر إليه : الآن يمكنك .. الخروج .

" 106 "
البلبل يعلن الحرب
أعلن البلبل ، في إحدى أغاريده ، الحرب على البومة، لإغاراتها الليلية المستمرة على العصافير والبلابل والطيور الصغيرة الأخرى .
وهزّت بعض الطيور رؤوسها ، وقهقه البعض ساخراً ، وصاح الوقواق : جُنّ البلبل .
لكن البومة لم تهز رأسها ، ولم تقهقه ساخرة ، بل قطبت، وقالت : البلبل خطر على الغابة ، لابدّ أن أسكته، وأسكت أغاريده .

" 107 "
ما فائدة القرون
التقى أيل عجوز بأيل فتيّ ، يسير متباهياً بقرونه المتشابكة القوية ، فسأله : بنيّ ، ما فائدة هذه القرون ؟
فردّ الأيل الفتيّ قائلاً : لأدافع بها عن نفسي وعن الآخرين .
وهنا ارتفع صوت أيّلة تستغيث : النجدة ، الذئب .
جمد الأيل الفتيّ ، وقال الأيل العجوز : هذه أيلة في خطر .
وهبّ الأيل الفتيّ ، وقرونه تشمخ فوق رأسه ، وانطلق مبتعداً عن مصدر الاستغاثة .

" 108 "
الضبع
تهالك الضبع العجوز ، في طرف المرج ، وقد تدلى رأسه المتعب ، بين قدميه الأماميتين . وأغمض عينيه ، وغشيه ما يشبه الإغماء . ومن أعماقه نهض شيئاً فشيئاً، مرج واسع ، أخضر ، مندّى ، مليء بالغزلان والحمر الوحشية والأسود ، وضباع تضجّ بالحيوية والحياة .
وداهمته ضجة عالية ، لم يدر ِ أهي قادمة من أعماقه ، أم من مكان ما من .. مرج الشيخوخة .
ورفع رأسه المتعب ، وقبل أن يعرف الحقيقة ، سحقه وحيد قرن ضخم ، كان يهرب مما لا يدريه ، إلى مكان لا تبصره عيناه الكليلتان .




" 109 "
الجندي
عاد من الحرب ، فارغاً ، مهلهلاً ، مهزوماً ، تاركاً جثته وسلاحه المهان ، في أرض المعركة . وفي ساحة المدينة ، رأى عسكرياً ضخماً ، تتدلى الأوسمة فوق صدره ، يحيط به حرسه المدججون بالسلاح ، فانتفض حربة ماضية ، وانقض عليه ، مخترقاً منه .. القلب .

" 110 "
النهر
دقّ جرس الهاتف ، في آخر الليل ، رفعتُ السماعة ، وقلتُ :
ـ ألو .
ـ مرحباً .
ـ أهلاً خالد .
ـ البقية في حياتك .
ـ من ؟
ـ سالم .
ـ لا ، يا يوسف .
ـ انتحر قبل أيام .
ـ انتحر !
ـ وجدوه في قاع النهر ، بعد أن خفّ الفيضان .
ـ آه ، قال لي ، قبل أيام ، إنه يصاب بالرعب ، حين يعبر الجسر ، وخاصة عند فيضان النهر .



" 111 "
الهاتف
أفقتُ عليه ، بعد منتصف الليل ، يهبّ من الفراش ، متمتماً : الهاتف .
واعتدلتُ لأعلمه ، أنّ الهاتف مازال عاطلاً ، لكنه فتح الباب ، وهبط مسرعاً إلى الطابق الأول .
عاد بعد قليل ، وعيناه تتقادحان في العتمة . هربتُ بعيني من عينيه ، دون أن أجرؤ على النطق بكلمة ، فقال : لم تسأليني من كان على الهاتف .
نظرتُ إليه صامتة ، وقد أخرستني نبرته المتهمة ، فتابع قائلاً : زيد .
وتدفقت بكلمات تخنقها الدموع : أقسم لك للمرة الألف ، إنني لم أعرف زيد هذا يوماً .
واندس في الفراش ، إلى جانبي ، وقال : كان خطيبك .
وقلتُ وكأني أقسم له : لم يكن خطيبي ، لقد خطبني ، ورفضه أبي .
وقال مؤكداً : رفضه أبوك .
وأكدت له قائلة : ما يرفضه أبي أرفضه أنا .
وتمدد متوجعاً ، وسحب الفراش فوق وجهه ، وهو يتمتم : أعرفه .. هذا اللعين .. شاب .. وسيم .. جذاب .. ساحر .. آه .
مرت دقائق ، انقطعت خلالها أنفاسه ، يبدو أنه نام ، نعم، لقد نام .
انسللتُ من الفراش ، ونزلتُ إلى الطابق الأول ، وبهدوء رفعتُ السماعة ، وأنصتّ ُ ، كان التلفون ما زال عاطلاً.
ندت حركة خلفي ، فالتفتُ مرعوبة ، وإذا هو يقف في مدخل الغرفة ، وعيناه تتقادحان : آه ، أرعبتني .
تقدم نحوي ، دون أن ينطق بكلمة ، ويداه المتشنجتان تمتدان إلى عنقي .

" 112 "
الرصاصة
استيقظ مبكراً ككل يوم ، وككل يوم تناول فطوره ، وارتدى ملابسه ، وحمل سلاحه ، وخرج نشيطاً ، معطراً ، ممتلئاً بالثقة والحيوية .
وعند الباب الخارجي توقف ، فقد تناهى إليه صوت يحذره : أيها القاتل ، لا تخرج ، وإلا قتلت .
تلفت حوله ، وأصاخ السمع ، إنه وهم ، نعم ، وهم .وهمّ أن يواصل سيره ، لكنه تسمر في مكانه ، فقد سمع الفحيح ثانية : أيها القاتل ، حذار .
لم يخرج ، في ذلك اليوم ، ورغم إلحاح مسؤوليه وأصدقائه وأهله ، بقي في البيت ، لا يبرحه . ووقف ليلاً عند النافذة ، يحدق في النجوم ، وإذا رصاصة ، تنطلق من الظلام ، وتخترق رأسه .
في اليوم التالي ، وجدوه متكوماً عند النافذة ، وليس في جسده خدش واحد .

" 113 "
زياد
أيقظتني ، عند منتصف الليل ، نقرات خافتة على الباب . فاعتدلت منصتة ، لا شيء سوى البرد ، والصمت ، والظلام . وعبثاً حاولت أن أعرف ، إذا كان ما سمعته في الحلم أم في الواقع .
نهضت حائرة ، ونزلت السلم متسللة إلى الباب . ووقفت منصتة ، وإذا زياد يهمس لي عبر الباب : نادية .
وفتحتُ الباب ، فرأيته بملابسه العسكرية ، يقف مرتجفاً في الظلام ، فهتفتُ : زياد
ومرق إلى الداخل مغمغماً : ما أبرد الجو اليوم .
وأغلقتُ الباب ، ولحقت به هاتفة بصوت خافت : مهلاً ، سأوقظ والداك ، إنهما ينتظراك .. مثلي .
وقاطعني قائلاً ، وهو يرتقي السلم إلى غرفتنا : إنني متعب ، تعالي ، أريد أن أرتاح إلى جانبك .
وتوقفت لحظة ، يا إلهي ، أهذا حلم ؟ لقد قُتل زياد في الجبهة ، أو فُقد ، هذا ما قالوه لنا . ولحقتُ به إلى غرفتنا، ففتح يديه لي هامساً : ناديه .
لم أشعر بيديه تطوقاني ، فحدقتُ فيه ، وقلتُ : زياد ، قالوا لنا إنك قتلت في الجبهة أو ..
ودفعني كالعادة إلى الفراش ، وقال : دعك منهم ، إنني مشتاق إليك .
أفقتُ صباحاً على أم زياد ، تناديني بصوتها الشائخ الحزين : نادية ، الفطور جاهز .
وأيقظته هامسة : زياد ، انهض ، فطورك جاهز .
فأجابني ، وهو يضمني إلى صدره : إنني لا أحتاج الفطور ، وإنما أحتاجك أنت ، ابقي إلى جانبي .
ونادتني أم زياد ثانية : نادية ، انزلي يا بنيتي ، الفطور سيبرد .
ودفنتُ وجهي في صدره ، ليبرد الفطور ، لن أنزل ، وسأبقى حتى النهاية إلى جانب .. زياد .

" 114 "
الرسالة
أفاق الأسد ، والجوع ينهش معدته ، وفوجيء بغزالة فتية ، مكتنزة ، مطروحة على مقربة منه . ونظر إلى لبوته متسائلاً ، فقالت : جاء بها ذئب من الذئاب ، الذين حلوا في طرف الغابة .
ومن بعيد ارتفع عواء ذئب ، وسرعان ما تردد صداه في أرجاء الغابة . وقطب الأسد قائلاً : هذه رسالة ، يريدون موطيء قدم في غابتي ، لكن هيهات .
ووقف الأسد على مرتفع ، ورفع رأسه ، وزأر بأعلى صوته : آآآآآ .
ولابد أنّ الذئاب فهموا الردّ على رسالتهم ، فقد ولوا الأدبار ، دون أن يلووا على شيء .





" 115 "
الخروج إلى الليل
نامت زوجتي ، ونامت ابنتي ، وكذلك ولداي . لقد انتصف الليل ، وبقيتُ كالعادة أنتظره ، متوجعاً ، وإن كنت في أعماقي ، آمل أن يؤجل مجيئه ، ولو يوماً آخر.
ودُفع الباب ، ربما قبيل الفجر ، ورغم عتمة الغرفة ، عرفته . وتوقف قرب سريري ، وقال : انهض .
ورفعتُ عينيّ المتعبتين إليه ، وأجبته : لا أستطيع ، إنني كما تعرف ..
ومال عليّ ، وقال : جئتُ لآخذك ، انهض .
نهضتُ ، كأني لم أرقد في فراشي ، طوال أشهر عديدة ، وخرجتُ معه إلى الليل .

" 116 "
ملك الغابة
رافق ملك الغابة ، في أرذل عمره ، حماراً عجوزاً. وأعطاه كلمة ملك ، أن لا يؤذيه ، مهما كانت الظروف . واشتدت الظروف على ملك الغابة ، فقد مرت عليه أيام عديدة ، لم يستطع خلالها ، أن يصطاد ما يسدّ به جوعه.
وأوشك على الهلاك جوعاً ، وهو يرى رفيقه الحمار ، الذي يعيش في حمايته ، يرعى طول النهار ، وينام ليلاً ملء جفونه .
وذات ليلة ، أيقظ ملك الغابة رفيقه الحمار العجوز ، وقال له : أيها الرفيق العزيز ، أنجدني ، أكاد أموت من الجوع .
وردّ الحمار مندهشاً : عجباً ، الغابة مليئة بالطرائد ، اصطد غداً طريدة ، وكل منها حتى تشبع .
واعتدل ملك الغابة قليلاً ، وقال : لكني يا رفيقي ، لم أعد أقوى على الصيد .
وحدق الحمار فيه ، وتساءل بشيء من الخوف : ماذا تعني ؟ آه ، فهمت ، تريد أن تأكلني ،لكنك رفيقي ..
ولم يكمل الحمار كلامه ، فقد لطمه ملك الغابة لطمة قوية ، طرحته على الأرض . وفي اليوم التالي ، أفاق الحمار العجوز ، وتلفت حوله مذهولاً ، ثم مضى إلى الخارج ، لكنه لم يعثر للأسد على أثر .







الفهرست
ــــــــــــــــــ
1 ـ طفل
2 ـ فوق المصطبة
3 ـ الأرض تدور
4 ـ حب
5 ـ الحرب
6 ـ الظلال الأربعة
7 ـ الظل العجوز
8 ـ ظلان باتجاه الشمس
9 ـ الظل المرح
10 ـ التنين
11 ـ أنا الذي أرى
12 ـ إنسان من هذا العصر
13 ـ البئر
14 ـ المطر وهي
15 ـ الرمال المتحركة
16 ـ غفوة
17 ـ يوم ممطر
18 ـ لماذا ال .. لا ؟
19 ـ هذه الكلمة الحلوة
20 ـ اللغم
21 ـ الكابوس
22 ـ الغراب
23 ـ الكبش
24 ـ الخروج
25 ـ قطرة ماء
26 ـ الغيمة والفلاح
27 ـ وطن السنونو
28 ـ حب !
29 ـ أنت شبل
30 ـ الصفصافة المزهرة
31 ـ وعمّ السلام الغابة
32 ـ حيرة
33 ـ الثعلب
34 ـ الحاكم
35 ـ الحمار يتظلم
36 ـ إنها أفعى
37 ـ الأيل وقرونه الضخمة
38 ـ العقاب
39 ـ الأفعى والبلبل
40 ـ رأي آخر
41 ـ الغيمة الجميلة
42 ـ جمال دسم
43 ـ البلبل والقمر
44 ـ ما أطيبه
45 ـ ارنب لا
46 ـ البلبل والغراب
47 ـ أزهار الحزن
48 ـ قمر فوق الغابة
49 ـ عقاب
50 ـ قلق
51ـ دبدوب والنحلة
52 ـ الملك
53 ـ الديك والثعلب
54 ـ البلبل و الأسد
55 ـ يحيا الملك
56 ـ زهرة التفاح
57 ـ بعد المعركة
58 ـ البلبل
59 ـ بشرى !
60 ـ أسد نباتي
61 ـ العصفور
62 ـ الأسد والحمل
63 ـ لا تلوميني
64 ـ الفراشة والنار
65 ـ رأي الدب
66 ـ خطيئة الحمل الأولى
67 ـ نحن ارانب
68 ـ المنتظر
69 ـ أغرودة أبي
70 ـ الكلاب الوحشية
71 ـ الثمن
72 ـ الشرارة
73 ـ إجماع
74 ـ الغابة الأولى
75 ـ الأسد
76 ـ الكلاب
77 ـ عدالة الأسد
78 ـ الثور
79 ـ الأسد والضبع
80 ـ الجائزة الأولى
81 ـ الاستعراض
82 ـ برونز
83 ـ هولاكو
84 ـ أنت حر
85 ـ نصيحة
86 ـ الأرض كروية
87 ـ شمعة لأبي
88 ـ شجرة التوت
89 ـ غفوة
90 ـ ليل الغابة
91 ـ الملك يبني
92 ـ الزهرة
93 ـ النباح
94 ـ التفاحة
95 ـ ليلى والتفاحة
96 ـ الباب
97 ـ الخاتم
98 ـ تيمورلنك
99ـ مونودراما
100 ـ الرقم خطأ
102 ـ موبايل
103 ـ الصورة
104 ـ ليل
105 ـ الخروج
106 ـ البلبل يعلن الحرب
107 ـ ما فائدة القرون ؟
108 ـ الضبع
109 ـ الجندي
110 ـ النهر
111 ـ الهاتف
112 ـ الرصاصة
113 ـ زياد
114 ـ الرسالة
115 ـ الخروج إلى الليل
116 ـ ملك الغابة

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي