|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
شوقية عروق منصور
2024 / 5 / 29
" خيمة عن خيمة تفرق "
في قصة الكاتب الفلسطيني " غسان كنفاني " أم سعد " تقول بطلة القصة " أم سعد" :
" خيمة عن خيمة تفرق " عندما قرأت القصة قبل سنوات طويلة لم أستوعب المعنى العميق وراء هذه العبارة ، ولكن بعد ذلك بدأ وتد الخيمة الفلسطينية يرتفع والقماش الذي تصنع منه الخيمة يختلف بين زمن وزمن ومنطقة و منطقة ، حتى أصبحت الخيام عناوين و درجات ونجوم ، ولكن خيام النازحين في غزة أرجعتنا إلى تفاصيل الوطن المحاصر وأحزانه وظلام ليله وأحلامه، خيام غزة المذعورة المرفوعة على ثقوب الجماجم تحولت إلى طوابع بريد ملتصقة على أوراق قضية شعب أطلق حمائم السلام وصنع من أغصان السلام جسوراً للفجر ، لكن الفجر خذلهم وسحب أحلامهم إلى الوراء.
تعددت أشكال والوان الخيام في غزة، حتى أن أحدهم استغل أقمشة المناطيد التي تحمل المساعدات القليلة وصنع منها الخيام ، وبعض النساء في غياب الفوط الوقائية للدورة الشهرية قامت باستعمال اقمشة الخيام .. و بين الخيام المتراصة غابت خصوصية الفرد ، وهدمت آخر أسوار حياة الانسان، وأصبح عالم الخيام الغزية المنتشرة والموزعة على أراضي الدمار والخراب والشاطئ المثقل بوجع الانتظار ، الممزوج بجمالية البحر الذي أفرغ حزنه على ليالي القهر والقصف ، أصبح بوصلة تدل على مأساة شعب يركض وراء الحياة ، والحياة لا تقدم له سوى الخوف والركض و التشويه والموت غدراً .
وعلى ذكر الخيام هناك خيمة لا يذكرها التاريخ ولكن كانت سبباً في الترهل العربي - المصري - الخيمة التي أقامتها الأمم المتحدة التي نصبت على الكيلو 101 على طريق القاهرة السويس عام 1973 في أعقاب " حرب تشرين" لبحث ترتيبات وقف اطلاق النار وكان الوفد المصري برئاسة الفريق " محمد عبد الغني الجمسي " والوفد الإسرائيلي برئاسة الجنرال - أهارون باريف -. مع العلم أن " الجمسي " قال للسادات أنه لا يرغب في تنفيذ هذه المهمة حيث أنه أمضى حياته العسكرية في حرب ضد إسرائيل ، إلا أن السادات أجبره على ذلك وبعد تقاعده أبدى المشير" الجمسي" ندمه على اشتراكه في التفاوض مع اليهود - .
ومن هذه الخيمة بدأت الخطوات تحاك وراء الأبواب حتى وصلت إلى زيارة السادات إلى إسرائيل ثم اتفاقية " كامب ديفيد" .
الجدير بالذكر أن الكاتب الأردني " تيسير سبول " قد وضع حداً لحياته منتحراً بإطلاق الرصاص على رأسه بعد أن رأى - لقاء المصريين والإسرائيليين عند خيمة " الكيلو 101 " .
" خيمة عن خيمة تفرق " والفرق الآن الخيمة في غزة وفي رفح وفي كل القطاع لم تعد مجرد القماش الآمن الذي يستر العائلة من العراء ، بل هي في نظر بعض السياسيين القماش الذي يجب أن ينزع من مكانه والهرب إلى اللا مكان ... المهم أن لا تبقى الخيام .. !! لأن الخيام الفلسطينية ما زالت في نظر الأيديولوجيا الصهيونية هي محطة انتظار لقطار الغد وليس العنوان .
تل السلطان
يأتي الصياح من رفح
تهرع الخيام المشتعلة حول " تل السلطان "
تحضن الصرخات
تجمع الأرواح التي خرجت من دفاتر الحياة
تسجل غيابها في أروقة السياسة
كأرقام مشاغبة
في ملعب العدل الضائع
المزين بقهر السنوات
نام السلطان
بعد أن تقيأ وجبة الشعارات
آه يا عبد الودود
عندما سمعت باستشهاد الجندي المصري " عبد الله رمضان " - ثم استشهد الجندي الثاني اسلام إبراهيم - على معبر رفح بيد جنود إسرائيليين ، تذكرت " الشيخ أمام " ذلك المغني الكفيف الذي كان وما زال ظاهرة فنية سطعت في سماء الأغنية السياسية العربية مع رفيق دربه الشاعر " أحمد فؤاد نجم " وتحولت هذه الظاهرة إلى رمز للتحدي والصمود ورفض الذل والانحناء .
عندما التقيت بالشيخ أمام أول مرة في بيته المتواضع جدا في حي الغورية في منطقة السيدة زينب طلبت منه في آخر اللقاء أن يغني لي اغنية " يا فلسطينية" ثم " آه يا عبد الودود" الأغنية التي كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم على لسان الأب الصعيدي قبل حرب أكتوبر عام 1973 .. ضحك عندها الشيخ " أمام" وقال : " ما زلت تتذكري الجندي عبد الودود .. أخذ الحشيش ونام " ... !! .
لكن مع اصراري قام " الشيخ امام " بالغناء وهو يغرق في عتمة عينيه وعتمة الواقع المصري والعربي ، ومع الحرب على غزة التي ستكون غداً ميداناً للمؤرخين والباحثين وفي مناهج الكليات العسكرية ودراسات العلوم السياسية ، " غزة" التي نزعت آخر أوراق التوت عن وجه الأنظمة العربية و العالمية القبيحة والشعارات البلاستيكية التي تنثني وتذوب حسب المصالح السياسية والشعوب. " غزة " ما زالت تنتظر " عبد الودود " ..!!
كأنني أسمع صوت الشيخ " أمام " وهو يغني على لسان الصعيدي والد عبد الودود :
( واه يا عبد الودود
واه يا عبد الودود يا رابض على الحدود
ومحافظ على النظام
عسى الله تكون مليح )
حتى يصل في نهاية الأغنية الشيخ امام الى نهاية الاغنية
لسة دم خيك
ما شربش التراب
حسك عينك تزحزح
يدك عن الزناد
خليك يا عبده راصد لساعة الحساب ) .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |