|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعيد الكحل
2024 / 5 / 27
خطر نهب ثروات إفريقيا.
إن الثروات الطبيعية والمعدنية التي تزخر بها قارة إفريقيا خلقت تنافسا قويا بين القوى الدولية على نهبها واستغلالها في تحقيق الغنى والرفاه لشعوب تلك الدول، مقابل الفقر والتخلف والمجاعة لشعوب الدول الإفريقية التي لم تتحرر بعدُ، من التبعية والخضوع للاستغلال. يقول كوامي نكروما في كتابه "الاستعمار الجديد: المرحلة الأخيرة من الإمبريالية"، والذي صدر عام 1965: "إن رأس المال الأجنبي يستخدم للاستغلال وليس لتنمية الأجزاء الأقل نموًا من العالم". وهذا ما ينطبق على إفريقيا. فعلى سبيل المثال يورانيوم النيجر يجعل فرنسا المنتج الرئيسي للطاقة في أوروبا بنسبة 17.1% من مجوع الإنتاج في أوروبا، متقدمة على ألمانيا (15.3 %) وبريطانيا (13.9 %). وأن 80 % من كل الموارد والثروات المعدنية التي يتم استخراجها من إفريقيا تصنع خارجها. كما تسهم الكونغو الديمقراطية بنحو 70% من الإنتاج العالمي للكوبالت و80% من الكولتان، مما يجعلها ساحة ذات أهمية إستراتيجية لا يستهان بها. ومن مظاهر الاستغلال أن شركة أريفا الفرنسية التي تحتكر شراء اليورانيوم وتصديره تدفع لحكومة النيجر5,5% فقط من قيمته في السوق العالمية. فإفريقيا التي بلغت في سنة 2010، صادراتها من البترول والمعادن333 مليار دولار، أي ما يساوي سبعة أضعاف قيمة المعونات التي تلقتها القارة، لم تستفد من فرص التنمية والاستثمار؛ بل ظلت تعاني الفقر والمجاعة «يعاني حوالي 146 مليون شخص من انعدام حاد للأمن الغذائي، وهم بحاجة إلى مساعدة إنسانية طارئة» بحسب الصليب الأحمر والهلال الأحمر. ومن نتائج نهب الثروات الإفريقية أن من بين 54 دولة إفريقية، توجد 23 دولة منها تعتبر، وفق التقارير الدولية في موضوع التنمية، من أكثر دول العالم فقرا. وأزيد من 60 في المائة من بين سكان إفريقيا يعيشون حالة أدنى من مستوى الفقر المعتمد عالميا من المؤسسات التنموية. وبحسب تقرير لقناة RT فإن خسائر ليبيا من النفط بلغت سنويا 750 مليون دولار ما بين 2011 و 2018. وفي السودان بعد التقسيم خسرت البلاد 75 % من عائداتها السنوية من النفط. كما حصل مرتزقة "بلاك ووتر" على 55 % من موارد النفط والحديد والذهب. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من النهب من طرف الدول الأوربية، بل تجاوزه إلى حد أن البنك الدولي اتخذ، في عام 2007، قرار مصادرة حق دولة مالي بالتصرف في ثرواتها من الذهب بحجة عدم امتلاك البلاد وسائل التنقيب. وبعد 7 سنوات من الاستغلال والنهب، بلغت نسبة صادرات الذهب 70% لكن حكومة باماكو لم تحصل الا على 25% من العائدات. إلى جانب نهب الثروات تواجه أفريقيا معضلة التهرب الضريبي من طرف الشركات العالمية المستغلة للمعادن، حيث تقدر المبالغ المنهوبة بأكثر من 100 مليار دولار سنويًا. يضاف إلى نهب الشركات، تهريبُ الأموال وفساد النخب السياسية. في هذا الإطار ذكرت مجلة فوربس الأمريكية ذات الاهتمام بشئون المال والاقتصاد أن “إيزابيل” ابنة جوزيه إدواردو دوي سانتوس، وهي أول مليارديرة أفريقية، عندما قام صندوق النقد الدولي بمراجعة حسابات الحكومة الوطنية في أنغولا اكتشف خبراء الصندوق أنه بين سنوات2007 وحتى2010 اختفى32 مليار دولار من خزينة البلاد وهو مبلغ يساوي ربع عائدات الحكومة سنويا من إنتاجها من النفط والمعادن.
ولعل أفظع نموذج للنهب والهيمنة، اتفاق CFA بين فرنسا و14 دولة من غرب ووسط إفريقيا، هي «بينين وتوغو وبوركينا فاسو ومالي والسنغال وساحل العاج والنيجر وغينيا بيساو وتشاد والكاميرون وجمهورية وسط إفريقيا وغينيا الاستوائية والغابون»، إذ بمقتضاه تُودِع هذه الدول نصف احتياطاتها من العملة الصعبة في البنك المركزي الفرنسي. الأمر الذي يمكّن فرنسا من الحصول على قرابة 500 مليار دولار سنوياً من الدول الإفريقية التي تجمعها بها اتفاقية CFA. ومن شروط هذه الاتفاقية، أن الدول الإفريقية صاحبة تلك الأموال ليس لديها الحق في الوصول إليها والاستفادة منها كلما أرادت. بل تسمح لها فرنسا باسترداد فقط 15 % من تلك الأموال. وفي حال احتاجت تلك الدول مبالغ أكثر فليس أمامها سوى الاقتراض من فرنسا بمعدلات فائدة تجارية. فاقتصاد فرنسا ورفاهية شعبها قائمان على نهب ثروات إفريقيا. إذ «دون إفريقيا، ستنزلق فرنسا إلى مرتبة دول العالم الثالث» على حد قول الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك. أو كما قال فرانسوا ميتران: «دون إفريقيا، لن يكون لفرنسا تاريخ في القرن الحادي والعشرين». وكشف تقرير لمنظمة اليونيسيف عام 2019، عن وجود 16 دولة إفريقية من بين 25 دولة في العالم تنفق على سداد ديونها أكثر ممّا تنفقه على التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
ويرى رئيس مجموعة النزاهة المالية العالمية -ومقرها واشنطن، ريموند بيكر، أن التدفقات المالية غير المشروعة أكبر مشكل اقتصادي تواجهه أفريقيا، ويساعد على استمرار هذا النزيف الملاذات الضريبية والشركات الوهمية، مضيفاً أن دول أفريقيا جنوب الصحراء خسرت بين عامي 2001 و2010 جراء تلك التدفقات نحو 385 مليار دولار.
خطر الانقلاب والاغتيال.
من المخاطر التي تتهدد استقرار إفريقيا وتعوق نموها وازدهارها، الاغتيالات والانقلابات العسكرية المدعومة خارجيا لتكريس الهيمنة على مقدرات الدول المستهدَفة (اثنان وعشرون رئيسا إفريقيا تم اغتيالهم، منذ العام 1963 إلى 2016). من ضمن المغتالين: اثنين من رؤساء جزر القمر والإطاحة باثنين آخرين من قبل المرتزق الفرنسي بوب دينارد على غرار اغتيال رئيس النيجر حماني دييوري حين قرر بيع اليورانيوم إلى دولة أخرى وذلك بانقلاب عسكري.
ومن الأمثلة البارزة في هندسة أنظمة الحكم بإفريقيا، “جاك فوكار”، أمين عام الإليزيه للشؤون الأفريقية ورجل فرنسا الأول في أفريقيا الذي كان يتحرك بأوامر مباشرة من الرئيس الفرنسي “شارل ديجول” الذي أناط به مهمة هندسة أنظمة الحكم في دول أفريقيا، إما بتثبيت الحكام أو الإطاحة بهم بما يخدم مصالح فرنسا. فكانت البداية من غينيا تحت حكم الرئيس “أحمد سيكوتوري” الذي قرَّر الاستقلال من جانب واحد عن فرنسا، وسرعان ما قرَّرت باريس معاقبته عبر حرمانه من امتيازاتها الاستعمارية. فصدرت، على الفور، أوامر لثلاثة آلاف فرنسي بمغادرة غينيا، وحمل أموالهم وأملاكهم وتدمير كل ما لا يستطيعون حمله، كالمدارس وحضانات الأطفال، والمباني الإدارية والسيارات والمعدات؛ بل أحرقوا مخازن الغذاء وقتلوا الماشية والأبقار. لم تكتفِ فرنسا بذلك، بل عمدت إلى تدمير العُملة الغينية الجديدة من خلال إغراق السوق بالعُملات المُزوَّرة التي طُبعت في فرنسا، وسلَّحت مُعارضين غينيين من أجل الإطاحة بـ “سيكوتوري”. ومن أجل الحفاظ على مصالح فرنسا في الكاميرون، فقد دبّرت عملية اغتيال المعارض الكاميروني “فليكس مونيه”، في فيينا، بجرعة من التاليوم شديد السُّمية من أجل تثبيت حكم الرئيس “أحجو” الذي كان مواليا لفرنسا. كما اتُهمت فرنسا بالتورط، مباشرة أو بصفة غير مباشرة، في مقتل ما لا يقل عن 21 رئيسًا أفريقيًا منذ عام 1963 ، بما في ذلك توماس سانكارا في بوركينا فاسو.
إن اعتماد أسلوب الانقلابات العسكرية من أجل تقويض الاستقرار السياسي في إفريقيا لضمان المصالح الخارجية لم يكن نهج فرنسا لوحدها، بل اعتمدته دول أخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا. فعلى سبيل المثال، تلقت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) مساعدة من بريطانيا للإطاحة بكوامي نكروما في عام 1966 لأنهم اعتبروه أكبر تهديد لمصالحهم. لهذا لم يعد مفاجئا أن تشهد أفريقيا أكثر من 200 عملية انقلاب عسكري بين 1960 و 2012.
إن وضعية معظم دول إفريقيا جنوب الصحراء تسمح بتصنيفها بأنها "مستعمرات جديدة" لاعتمادها الكبير على الدعم العسكري والاقتصادي الخارجي من أجل بقائها. لهذا ستظل تعمل القوى الخارجية على تأجيج المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ودعم الانقلابات والتواطؤ مع التنظيمات الإرهابية لزعزعة استقرار تلك الدول حتى يزداد الاعتماد عليها وتبرير تدخلاتها الأمنية والعسكرية، ومن ثم ضمان مصالحها وتأمين نهب الثروات.
لقد بات واضحا أن الصراعات بالوكالة، والمنافسة على الموارد، وحرب المعلومات، والمناورات الدبلوماسية بين بعض القوى العالمية، قد أدت جميعها إلى تفاقم الهشاشة السياسية والعسكرية لبعض الدول الإفريقية. ففي منطقة الساحل والصحراء يظهر جليا الارتباط المباشر بين تنامي الإرهاب والفشل في مواجهته والسخط الشعبي الذي يُعدّ المبرر الرئيسي لكثير من الانقلابات. كل هذه العوامل تقوي التنظيمات الإرهابية وتعطي فرصا أكبر للتدخلات الخارجية. من هنا يعتقد مايكل كلير مؤلف كتاب " الحروب على الموارد" "أن إفريقيا ستكون هي الهدف، وستكون مسرحًا للحروب القادمة بين القوى المتصارعة".
لائحة الرؤساء الأفارقة (21) الذين اغتالتهم فرنسا وفق موقع "آفريكا 365"، والذين عُرفوا بمناهضة القوى الاستعمارية الغربية عامة وفرنسا خاصة. وقد نفذت تلك الاغتيالات من طرف ثلاث مصالح معروفة هي: الإدارة العامة للأمن الخارجي، ادارة أمن الدولة وادارة الرقابة الترابية .
-1963 سلفيانو أولومبيو،رئيس جمهورية التوغو.
-1966 جون آغيي أورونسي،رئيس جمهورية نايجيريا.
-1969 عبد الراشد شرماك،رئيس جمهورية الصومال.
1972- عبيد آماني كاورومي،رئيس جمهورية زيجيبار
1975- زيشار راتسيماندرافا، رئيس جمهورية ماداغاشقار.
1975 -فرانسوا انغارتا تومبالباي،رئيس جهورية اتشاد.
1976 - مارتالا رامات محمد،رئيس جمهورية نايجيريا.
1977 -ماريان انغوابي، رئيس جمهورية الكونغو ابرازافيل.
1977 -تفري بانتي، رئيس الجمهورية الإثيوبية.
1981 - وليام ريتشار تولبير، رئيس جمهورية ليبيريا.
1987 -توماس سانكارا، رئيس جمهورية بوركينافاسو.
1989 -أحمد عبد الله، رئيس جمهورية القمر.
1989 - ساميال كانيون دو، رئيس جمهورية ليبيريا.
1992ـ محمد بوضياف،رئيس جمهورية الجزائر.
1993- مالشيور اندادايي،رئيس جمهورية بوروندي.
1994- سيبرانانتارياميرا، رئيس جمهورية بوروندي.
1994-جيفنال هابياريمانا، رئيس جمهورية رواندا.
1999-ابراهيم بارا ميناسارا، رئيس جمهورية النيجر.
2001- لوران ديزيري كابلا، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية.
2009-جواو برناردو افييرا، رئيس جمهورية غينيا بساو.
2011- معمر القذافي رئيس الجماهيرية العربية الليبية.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |