العنف ضد الأطفال: الأسباب، والآثار، والحلول

حسام الدين فياض
2024 / 5 / 22

” الطفولة صفحة بيضاء، وحياة صفاء ثغر باسم وقلب نقي وروح براءة. يعيشون اليوم بيومه بل الساعة بساعتها، لا يأخذهم التفكير، ولا التخطيط لغد، ولا يفكرون كيف سيكون وماذا سيفعلون... “.
في حقيقة الأمر، يتعرض الأطفال حول العالم لجميع أنواع العنف، فهناك بعض الأسر التي تمارس العنف ضد الطفل، وكذلك يتعرض العديد من الأطفال للعنف في المدرسة سواء من قبل معلميهم أو زملائهم فضلاً عن العنف الذي يتعرضون له من قبل المجتمع خاصة الأطفال الذين بلا مأوى (أطفال الشوارع، الأيتام).
أولاً- تعريف العنف ضد الأطفال: هو الأذى الذي يمارس ضد الطفل بأي طريقة، سواء كان إيذاءاً بدنياً أو نفسياً أو جنسياً. كما يعرف بأنه استعمال للقوة الجسدية عن سبق إصرار ضد الأطفال، بالتهديد أو بالفعل من قِبَل فردٍ أو مجموعة من الأفراد، والتي تؤدي بدورها إلى ضرر بصحة الطفل، أو التأثير في تطوره النمائي، أو تهديد حياته في بعض الأحيان. وفي النهاية نجد العنف ضد الأطفال يخترق الحدود الثقافية والطبقية والتعليمية وحدود الدخل والأصل الإثني، ويحدث في سياقات مختلفة كثيرة.
- دلائل ومعطيات: يشمل العنف ضد الأطفال جميع أشكال العنف ضد الأشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، سواء كانت تُرتكَب من الأبوين أو غيرهما من مقدّمي الرعاية أو الأقران أو الشركاء العاطفيين. كما تشير التقديرات على الصعيد العالمي، إلى أن عدداً يصل إلى مليار طفل في المرحلة العمرية (2-17) عاماً تعرضوا لعنف بدني أو جنسي أو وجداني أو عانوا من الإهمال في شكل عام. ويؤثر التعرض للعنف في مرحلة الطفولة على عدم التمتع بالصحة والعافية طوال العمر. كما تنص جميع القوانين والأنظمة في الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية على " إنهاء إساءة معاملة الأطفال واستغلالهم والاتجار بهم وممارسة جميع أشكال العنف ضدهم وتعذيبهم ".
ثانياً- أنواع العنف ضد الأطفال: تنطوي معظم أشكال العنف ضد الأطفال على واحد على الأقل من ستة أنواع رئيسية من العنف الشخصي تحدث عادةً في مراحل مختلفة من نمو الطفل.
• ينطوي سوء المعاملة (بما في ذلك العقاب العنيف) على عنف بدني وجنسي ونفسي/ وجداني، وإهمال الرضع والأطفال والمراهقين من قِبَل الأبوين ومقدمي الرعاية والأشخاص الآخرين ذوي السلطة، داخل المنزل في أغلب الأحيان ولكن أيضاً في سياقات أخرى مثل المدارس ودُور الأيتام.
• التسلط (بما في ذلك التسلط الإلكتروني) هو سلوك عدواني غير مرغوب فيه من جانب طفل آخر أو مجموعة أطفال من غير أشقاء الضحية أو ممن لا تربطهم علاقة عاطفية بها. وينطوي على إيذاء جسدي أو نفسي أو اجتماعي متكرر، ويحدث غالباً في المدارس والسياقات الأخرى التي يتجمع فيها الأطفال، وعلى المواقع الإلكترونية.
• يتركز عنف الشباب في أوساط الأطفال وصغار البالغين في المرحلة العمرية 10-29 عاماً، ويحدث غالباً في السياقات المجتمعية بين المعارف والغرباء، ويشمل التسلط والاعتداء الجسدي باستخدام أو بدون استخدام أسلحة (البنادق والأسلحة البيضاء مثلاً)، وقد ينطوي على عنف جماعي.
• ينطوي عنف الشريك الحميم (أو العنف المنزلي الممارس مثلاً من قبل الزوج) على عنف بدني وجنسي وعاطفي من قِبَل شريك حميم أو شريك سابق. ورغم أن الذكور يمكن أن يكونوا ضحايا أيضاً، فإن عنف الشريك الحميم يؤثّر على الإناث بشكل غير متناسب. ويشيع حدوثه ضد الفتيات في نطاق زيجات الأطفال والزيجات المبكرة -القسرية. وفي أوساط المراهقين المرتبطين عاطفياً لكن بلا زواج يدعى أحياناً " عنف المواعدة ".
• تعرف المعاملة السيئة أو العنف خلال فترة المواعدة كانتهاك أو تهديد باستخدام العنف من قبل فرد واحد على الأقل من شخصين غير متزوجين على الشخص الآخر ضمن سياق المواعدة أو الغزل. كما يستخدم المصطلح عندما يحاول أحد الأطراف التحكم وفرض سيطرته على الآخر من خلال الإساءة أو العنف.
يمكن أن يتخذ هذا الاعتداء أو العنف عدة أشكال: الاعتداء الجنسي أو التحرش الجنسي أو التهديدات أو العنف الجسدي أو الإساءة اللفظية أو الفكرية أو العاطفية أو تخريب العلاقات الاجتماعية أو المطاردة. ويمكن أن يشمل الإساءة النفسية أو الابتزاز العاطفي أو الاعتداء الجنسي أو الاعتداء الجسدي أو التلاعب النفسي. يحدث العنف خلال فترة المواعدة ضمن جميع الأنواع العرقية والفترات العمرية والمستويات الاقتصادية والاجتماعية. يصف مركز التوعية بالعنف في العلاقات العنف خلال فترة المواعدة بأنه: " نمط سلوكي مسيء يُستخدم للحفاظ على السلطة والتحكم في الشريك السابق أو الحالي ".
• يشمل العنف الجنسي ضد الأطفال المعاشرة الجنسية الكاملة أو محاولة المعاشرة الجنسية غير الرضائية والأفعال ذات الطابع الجنسي التي لا تنطوي على معاشرة (مثل التلصص أو التحرش الجنسي)، وأعمال الاتجار الجنسي التي تُرتكَب ضد شخص عاجز عن إبداء الموافقة أو الرفض، والاستغلال الإلكتروني
• يشمل العنف الوجداني أو النفسي تقييد تحركات الطفل، والتوبيخ، والسخرية، والتهديدات والترهيب، والتمييز، والنبذ وغير ذلك من الأشكال غير الجسدية للمعاملة العدائية.
وعند توجيه أي نوع من أنواع العنف هذه ضد الفتيات أو الفتيان بسبب نوعهم البيولوجي أو هويتهم الجنسانية، فإنه يمكن أيضاً أن يشكل عنفاً قائماً على نوع الجنس.
- يمكن لنا تقسيم أشكال العنف الموجه ضد الأطفال، من خلال ما يلي:
1- العنف اللفظي ضد الأطفال: يعتبر العنف اللفظي من أخطر المشاكل الاجتماعية التي قد تعاني منها الأسرة، ويتمثل العنف اللفظي تجاه الأطفال في سبهم والتلفظ بالألفاظ النابية والشتائم ضدهم ووصفهم بالنعوت والصفات ذات الدلالات السلبية، كذلك يعتبر عنفاً تحقير أفعال الأطفال وأفكارهم والتعامل معهم على أنهم أغبياء والتنمر عليهم.
ويعتبر العنف اللفظي من أبشع الإساءات التي قد يتعرض لها طفلك، فأنت عندما تسيء إلى طفلك بغرض تصحيح سلوكه فإنك لا تدري كم الآثار النفسية والمعنوية السلبية التي تسببها لطفلك، فالعنف اللفظي من شأنه أن يؤثر على الاتزان النفسي للأطفال ويفقدهم ثقتهم بأنفسهم، فعندما يخطئ طفلك وتقول له " أنت أخطأت ولكني أحبك كثيراً " فهذا الأسلوب له اَثار إيجابية على نفسية طفلك، وسيصبح الطفل أكثر حرصاً على عدم تكرار تلك الأخطاء من دافع خوفه على حزنك وحبه لك.
2- العنف الجسدي ضد الأطفال: ينحصر بتعرض الطفل للتعذيب والضرب والإساءة الجسدية كنوع من أنواع العقوبة، وكلما زاد مدى استخدام العنف الجسدي وحدته زادت خطورته، وخطورة العنف الجسدي تنعكس على صحة الطفل من حيث تعرضه للجروح والكدمات وحتى الكسور والعاهات المزمنة وربما الموت كما حصل مع الأب الذي انهال على ابنته ضرباً بالشاكوش حتى الموت، كما يترك العنف الجسدي أثراً عميقاً في نفسية الطفل.
3- العنف الجنسي ضد الأطفال: يعتبر من أخطر أنواع العنف التي تتم ممارسته على الأطفال، فهو الأكثر تأثيراً على نفسية الطفل ومستقبله، فضلاً عن كونه يجمع بين العنف اللفظي والجسدي معاً، ويتعرض الأطفال للعنف والاعتداء الجنسي من خلال:
- الاتصال الجنسي مع الطفل بأي شكل من الأشكال سواء من الأقارب أو الغرباء.
- التحرش الجنسي بالأطفال عن طريق تسميعهم للكلام الجنسي والألفاظ البذيئة، وعن طريق القيام ببعض الأفعال الجنسية دون الوصول إلى مرحلة الاتصال الجنسي الكامل، أو عن طريق إجبارهم على مشاهدة الصور والأفلام الإباحية.
- يتعرض الأطفال أحياناً إلى عقوبات جسدية من المربين أو الأهل تحتوي على إساءات جنسية مثل ضربهم على المناطق الحساسة أو إجبارهم على التعري أو إيذاء أعضائهم الجنسية بطريقة أو بأخرى.
4- التنمر الواقعي والإلكتروني: الذي يهدف لإحداث ضرر اجتماعي، ونفسي، وجسدي للطفل، وعادةً ما يُمارس من قِبل أطفال وأشخاص آخرين سواء في البيئة المدرسية أو المجتمعية.
5- العنف الأسري من قِبل الأزواج، وحالات زواج القاصرات والزواج القسري، والذي يتضمن كلاً من: الإساءة الجسدية، والنفسية، والجنسية.
ثالثاً- الأسباب والدوافع للممارسة العنف ضد الأطفال: إن النظر في الأسباب التي قد تدفع الأهل والمربين لتعنيف الأطفال أمر بالغ التعقيد بسبب تحكم السمات الشخصية إلى حد بعيد في استخدام العنف، واختلاف تأثير العوامل الخارجية على الأشخاص، هذا ما يجعلنا غير قادرين على وضع أسباب قاطعة تدفع الأبوين إلى تعنيف الأطفال، لكن يمكن النظر في جملة من الأسباب التي تعتبر عوامل مؤثرة في ميل الأهل لاستخدام العنف في تربية أطفالهم:
* العصبية وفرط الغضب عند الأهل: فالآباء غير القادرين على التحكم بانفعالاتهم هم أكثر من يتلفظ بالإساءة تجاه الأطفال وأكثر من يقوم باستخدام العقوبات الجسدية القاسية.
* مشاكل الحياة المختلفة: مشاكل الحياة بكافة أنواعها مثل مشاكل العمل ومشاكل العلاقات الزوجية وغلاء المعيشة ومشاكل البطالة ومصاريف الأطفال وضيق الحالة المادية للوالدين؛ كل ذلك يمثل ضغط عصبي على الوالدين يجعلهم يستخدمون العنف اللفظي ضد أطفالهم ويعاملونهم بمنتهى العنف، ويتلفظون تجاههم بالألفاظ النابية، لكن هذا لا يعني أن كل من يعاني من مثل هذه الضغوطات سيستخدم العنف بالضرورة.
* إعادة إنتاج الذات: يبدو أن الوالدان ممن تعرضوا للإساءات أثناء طفولتهم أكثر ميلاً لممارسة العنف على أبنائهم، فالآباء الذين تعرضوا لتلك التربية الخاطئة يفعلون ذلك مع أولادهم من تلقاء نفسهم، إما لقناعتهم أن العنف هو أسلوب التربية الصحيح، وإما كردة فعل على ما تعرضوا له من العنف في طفولتهم مع إدراكهم لخطورة هذا الأسلوب.
* العادات والتقاليد: تلعب دوراً محورياً في ترسيخ السلوك العنيف عند الأهل، فبعض المجتمعات تنظر إلى أساليب التربية الحديثة بعين السخرية، وتعتقد أن الخيزرانة والعصا من الجنة، وأن الطفل الذي لا يعاقب بالنهر والضرب لا يمكن أن يتعلم تحمل المسؤولية.
* غياب التشريعات والقوانين: غياب العقوبات الرادعة، وعدم وجود عقوبات صارمة وقوانين لردع الآباء الذين يستخدمون العنف اللفظي تجاه أطفالهم يجعلهم يستسهلون ذلك ويتمادون فيه.
رابعاً- الآثار السلبية للعنف ضد الأطفال: في حقيقة الأمر يؤثر العنف ضد الأطفال على تمتع الأطفال والأسر والمجتمعات المحلية والدول بالصحة والعافية طيلة العمر. فالعنف ضد الأطفال قد يؤدي إلى آثار سلبية وبالغة لا تعد ولا تحصى على الصعيد الجسدي (الصحي) أو النفسي أو الاجتماعي، منها ما يلي:
1. يؤدي إلى الوفاة. القتل الخطأ، الذي غالباً ما ينطوي على أسلحة كالأسلحة البيضاء والأسلحة النارية مثلاً، من بين أعلى ثلاثة أسباب للوفاة لدى المراهقين، حيث يشكل الفتيان أكثر من 80% من الضحايا والجُناة.
2. يُفضي إلى إصابات وخيمة. في كل حالة قتل خطأ، يتعرض مئات من ضحايا عنف الشباب وغالبيتهم من الذكور لإصابات بسبب المشاحنات والاعتداءات الجسدية.
3. يُضعِف النمو العقلي ونمو الجهاز العصبي. التعرض للعنف في مرحلة عمريّة مبكرة يمكن أن يُضعِف النمو العقلي وأن يضر بأجزاء أخرى من الجهاز العصبي، فضلاً عن الغدد الصماء، والدورة الدموية، والنسيج العضلي الهيكلي، والأجهزة التناسلية والتنفّسية والمناعيّة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب ممتدّة طيلة العمر. وعليه فإن العنف ضد الأطفال يمكن أن يؤثّر سلباً على النمو الإدراكي وأن يؤدي إلى ضعف مستوى التحصيل الدراسي والإنجاز المهني.
4. يؤدي إلى تكيف سلبي وسلوكيات تنطوي على مخاطر صحية. من الأرجح كثيراً أن يتجه الأطفال المعرضون للعنف والأعمال العدائية الأخرى إلى التدخين، وإساءة استعمال الكحول والمخدرات، والانخراط في سلوك جنسي شديد الخطورة. كما ترتفع لديهم معدلات القلق والاكتئاب والمشاكل الصحية النفسية الأخرى والانتحار.
5. يفضي إلى حالات حمل غير مقصودة، وعمليات إجهاض مستحدثّة، ومشاكل تتعلق بأمراض النساء، وحالات عدوى منقولة جنسياً، بما في ذلك الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري على سبيل المثال.
6. يسهم في الإصابة بطائفة عريضة من الأمراض غير السارية مع تقدم الأطفال في العمر. وتُعزى المخاطر المتزايدة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والداء السكري وغيرها من الأوضاع الصحية بدرجة كبيرة إلى التكيف السلبي والسلوكيات المنطوية على مخاطر صحية والتي ترتبط بالعنف.
7. يؤثر على الفرص السانحة والأجيال المقبلة. من الأرجح أن يتسرب الأطفال المعرضون للعنف والأعمال العدائية الأخرى من المدارس، كما يواجهون صعوبات في إيجاد فرص عمل والحفاظ عليها، ويتعرضون لمخاطر متصاعدة بالوقوع ضحايا للإيذاء أو ارتكاب عنف شخصي وموجّه للذات لاحقاً، وبذلك يمكن أن يؤثر العنف ضد الأطفال على الجيل التالي.
خامساً- دور الإرشاد الأسري والاجتماعي في مساعدة الأطفال الذين يتعرضون للعنف: يشير مفهوم الإرشاد الأسري والاجتماعي إلى مجموعة من الخدمات الإرشادية التي يقدمها المرشد (الإخصائي الاجتماعي) لأفراد الأسرة والمجتمع لمساندتهم والوصول لحل مشاكلهم عبر تقديم النماذج الصحيحة التي تساعدهم على التكيف النفسي والاجتماعي من أجل بناء أسرة متماسكة ينشأ فيها أفراد صالحين وفاعلين في المجتمع. وتنحصر عملية الإرشاد للحد من تفاقم هذه المشكلة في عدة مجالات، منها ما يلي:
1- المجال الأسري: يمكن للأسرة مساعدة أطفالها الذين تعرضوا للعنف عن طريق:
- مساعدتهم على الشعور بالأمان، فالأطفال الذين تعرضوا للعنف يحتاجون إلى أن يشعروا بالأمان أكثر ليتمكنوا من تجاوز آثار التعنيف.
- التحدث معهم عن مخاوفهم، فذلك يبني الثقة المتبادلة بين الوالدين والأطفال.
- التحدث معهم حول العلاقات السليمة، ونساعدهم على التعلم من أخطاء التجربة المسيئة عن طريق التحدث عن علاقات صحية، فهذا سيساعدهم على معرفة ما هو صحي عندما يبدؤون علاقات عاطفية أو اجتماعية خاصة بهم.
- التحدث معهم عن الحدود في التعامل، أخبر طفلك بأنه لا يحق لأحد أن يلمسه ويجعله يشعر بعدم الارتياح بما فيهم أفراد العائلة والمدرسة والأصدقاء، واشرح له أيضاً أنه لا يحق لأحد أن يلمس جسم شخص أخر.
- بالإضافة إلى دور الأب والأم لا بد من وجود شخص آخر موثوق به ويكون هو مصدر الدعم لطفلك ومستشار خاص به، يعطي له النصائح ويتحدث معه عن مخاوفه، ومعرفة ما يدور برأسه ويقدم له الدعم المستمر للخروج من تلك الأزمة.
- التوجه إلى طبيب نفسي متخصص في التعامل مع الأطفال الذين تعرضوا للعنف.
2- المجال الفردي: وكل طفل يختلف عن الآخر من حيث الاستجابة للإساءة والعنف، بعض الأطفال أكثر مرونة وبعضهم أكثر حساسية تجاه تلك الإساءة ويعتمد مدى نجاح الطفل على التعافي من الإساءة والعنف الذي تعرض لها على عدة أمور:
أ‌- القضاء على مصادر العنف.
ب‌- تقدير الذات.
ت‌- نظام دعم جيد وعلاقات جيدة مع بالغين موثوق بهم.
ث‌- صداقات جيدة وصحية.
3- المجال الاجتماعي (حماية الأطفال من العنف): إن العنف ضد الأطفال لا يهدد بقائهم وصحتهم فقط بل يهدد أيضاً سلامة علاقاتهم العاطفية وآفاقهم المستقبلية، ولذلك فلا بد من إيجاد الحلول لحماية الأطفال من العنف، وذلك لتربية أطفال أسوياء نفسياً، وذلك من خلال:
- خلق بيئة مناسبة لحماية الطفل وذلك عن طريق انتقاء الأشخاص المحيطين ببيئة الطفل، فيجب علينا أن نختار الأشخاص المتواجدين حولنا حتى لا يؤثر أي أحد منهم على أطفالنا بصورة سيئة.
- الحفاظ على خطوط التواصل مع الطفل وذلك لبناء الثقة بين الوالدين والطفل حتى يتمكن الطفل من إخبارهم بأي خطر قد يتعرض له.
- ضرورة ضبط النفس وتمالك أعصابنا في تعاملنا مع أطفالنا، فعندما يخطئ الطفل لا مانع من عقابه ولكن بحدود ويجب أن نبتعد كل البعد عن استخدام وسائل الضرب في تصحيح أخطاء الأطفال.
- يجب علينا أن نبعد أطفالنا عن مشاكلنا المادية والاجتماعية وأن نتعامل معهم بكل حكمة، فهم لا ذنب لهم في تلك المشاكل.
- لا بد من وجود بعض القوانين الصارمة في عقاب الآباء الذين يعاملون أطفالهم بقسوة وعنف جسدي أو لفظي.
- الحلول والمقترحات: تنحصر بما يلي:
1) تنفيذ وإنفاذ القوانين (حظر السلوك العنيف وتقييد إتاحة الكحول والأسلحة النارية على سبيل المثال).
2) تغيير القواعد والقيم (تغيير القواعد التي تتغاضى عن الانتهاك الجنسي للفتيات أو السلوك العنيف بين الفتيان).
3) تهيئة بيئات اجتماعية آمنة (تحديد " البؤر الساخنة " للعنف في الأحياء ثم التصدي للأسباب المحلية عبر ضبط الأمن الموجه لحل المشاكل وتدخّلات أخرى).
4) دعم الأبوين ومقدمي الرعاية (توفير تدريب للأبوين خاصةً صغار السن والذين أنجبوا لأول مرة). بمعنى أوسع دعم الأسر بما يمكنها من رعاية أطفالها على الوجه الأكمل. فمن شأن هذا التدبير أن يساعد في منع التخلي عن الأطفال ووقف إيداعهم في مؤسسات الرعاية الداخلية حيث تزداد مخاطر تعرضهم للعنف. وينفرد هذا الأمر بأهميته بالنسبة للأطفال دون سن الثالثة الذين يمكن أن يصبح نموهم عرضة لخطر شديد بسبب إيداعهم في مؤسسات. ولذلك يتعين إعطاء الأولوية وتوفير التمويل للاستثمار في تنشئة الأطفال الإيجابية، ونظم الحماية الاجتماعية، والرعاية والنمو في مرحلة الطفولة المبكرة.
5) تعزيز الدخول والأوضاع الاقتصادية (تمويل المشروعات المتناهية الصغر والتدريب في مجال الإنصاف بين الجنسين مثلاً).
6) تقديم خدمات الاستجابة (ضمان تمكين الأطفال المعرضين للعنف من الحصول على رعاية طارئة فعالة وتلقّي دعم نفسي ملائم).
7) تنمية المهارات التعليمية والحياتية (ضمان التحاق الأطفال بالمدارس وتوفير التدريب لتنمية المهارات الحياتية والاجتماعية).
8) إحداث تغيير في المواقف وأنماط السلوك العنيف والمترسخ الذي يعتبره المجتمع أمراً مقبولاً، لا سيما كشكل من أشكال التأديب ضمن الأسرة وفي المدارس والمؤسسات. فمن شأن حشد جميع الجهات صاحبة المصلحة، بما فيها المجتمع المحلي والأخصائيون الاجتماعيون ورجال الدين، لزيادة الوعي والاستناد إلى المعايير الاجتماعية الإيجابية السائدة يمكن أن يسهم في إزالة المعتقدات الراسخة التي يتغاضى أصحابها عن العنف.
9) تعزيز حماية الطفل في العمل الإنساني من خلال توسيع نطاق برامج الصحة النفسية والخدمات المتخصصة لجميع الأطفال ومانحي الرعاية، بما في ذلك التصدي لمشاكل العنف القائم على النوع الاجتماعي، وخاصة في النزاعات الشديدة حيث يقع الأثر الأكبر المترتب عليها على الأطفال.
10) تعزيز عملية الرصد والإبلاغ عن الانتهاكات الخطيرة ضد الأطفال وتصعيد أعمال المناصرة مع جميع الأطراف - على المستوى الإقليمي والقطري - لتحسين مستوى الامتثال للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي ومعايير حماية الطفل ولتكريس مستوى مساءلة أكبر.
11) تنفيذ البرامج التوعوية التي تشجع الأطفال والأسر والمجتمعات على تبني سلوكيات خالية من العنف.
خلاصة القول، تبقى التشريعات والمواثيق الدولية مجرد نصوص نظرية لا قيمة لها ما لم يتم تطبيقها على أرض الواقع الاجتماعي (أي انفصال النظرية عن الممارسة)، فالهدف من إقرار حقوق الطفل والعمل بها هو حصول الطفل على حقوقه وتأطير الممارسات المجتمعية خلال التعامل معه وليس مجرد إدراجها في الدساتير والمواثيق واللوائح المحلية والدولية.
كما أن تجسيد حقوق الطفل واحترامها وحمايتها تؤكد مصداقية تلك القوانين والتشريعات وبالأخص في ظل الأزمات والكوارث المجتمعية، كما يجب العمل على سن القوانين التي تحمي الأطفال لا سيما داخل الأسر التي تعاني من التفكك الاجتماعي والعنف الأسري والزواجي، ... إلخ. وأخيراً يجب السعي إلى تفعيل قوانين حماية الطفل في المجتمعات التي تعاني من ويلات الحروب الأهلية بهدف منع الأطفال من الانخراط في الأعمال المسلحة التي تنهك حقوق الطفل والإنسان.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي