رحلة مرهقة وخطرة للغاية قام بها المخرج الإيراني محمد رسولوف للهروب من ايران

سمير حنا خمورو
2024 / 5 / 21

بعد أن تم تأكيد سجنه من قبل ملالي ايران في محاكمة الاستئناف اضطر المخرج الإيراني للخروج من ايران. أما كيف هرب مخرج فيلم بذرة التين المقدس The Seed of the Sacred Fig الذي اختير للمنافسة في المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي واستطاع التخلص من الأجهزة الإلكترونية، والتي يمكن للمخابرات تتبعها ومعرفة في كل لحظة أين يكون. هرب عبر الجبال سيرا على الأقدام بعد أن حكمت السلطات الإيرانية عليه بالسجن لمدة ثمانية سنوات، والجلد ومصادرة كل ما يمتلكه. وبذلك نجا المخرج الإيراني روسولوف من السجن الوشيك في إيران والمشي عبر المناطق الجبلية الوعرة سيرا على الأقدام. وفي حديث المخرج لصحيفة (الكارديان البريطانية) قال بالرغم من أنه وجد مأوى أمن في ألمانيا ومتفائل في مسألة حضور العرض الأول للفيلم في مهرجان كان بعد أيام واضاف أنه لا يزال يتوقع العودة إلى وطنه "قريبا جدا" واستكمال مدة عقوبته؟! وأضاف المخرج المستقل أن وضعه القانوني لم يترك له "أي خيار"، وأنه ترك الجمهورية الإسلامية الثيوقراطية لانه كان مصمما على الاستمرار في رواية قصة شعبها في الأفلام. "مهمتي هي أن أكون قادرا على نقل روايات ما يجري في إيران والوضع الذي نحن عالقون فيه كإيرانيين. وتحدث رسولوف في مكالمة فيديو من مكان مجهول في ألمانيا " هذا شيء لا استطيع القيام به في السجن". يعد المخرج رسولوف احد أبرز مخرجي الأفلام الأحياء في إيران، رسولوف كان قد سبق وان قضى فترتين في السجون الجمهورية الإسلامية. وبعضها في الحبس الانفرادي. وكان قد حكم عليه بتهمة التصوير بدون تصريح في عام 2010، ومرة ثانية عام 2020 بسبب فيلمه رجل النزاهة A Man of Integrity الذي قالت السلطات الإيرانية أنه يرقى إلى مستوى "التجمع والتواطؤ ضد الأمن القومي والدعاية ضد النظام". وقد منع من السفر وسحب جواز سفره عام 2017، وحصل فيلمه أثناء غيابه القسري على الجائزة الكبرى في مهرجان برلين السينمائي الدولي عن فيلمه "لا يوجد شيطان" There Is No Evil.
ويروي أحدث أفلام روسولوف والذي من المقرر أن يعرض لأول مرة في مدينة كان يوم 24 آيار/مايو، قصة قاضي تحقيق يعاني من جنون العظمة وسط الاضطرابات السياسية في طهران. وكانت مدن الجمهورية الإسلامية قد شهدت احجاجات واسعة النطاق ضد المؤسسة الدينية التي تحكم إيران منذ عام 1979 بعد وفاة الشابة الكردية التي كانت تبلغ من العمر 22 عاما بعد احتجازها بتهمة عدم ارتدائها الحجاب الاسلامي بشكل صحيح. ومن خلال تحريك وتركيز محور أفلامه الأخيرة عن النظام الاجتماعي الإيراني بشكل عام إلى الأشخاص الذين يشددون قيود القمع، قال رسولوف إنه كان يعلم أنه من المقرر أن يتلقى حكمًا عقابيًا أكثر من الأفلام السابقة. وقال محاميه باباك باكنيا في رسالة بالبريد الإلكتروني إن سلطات الادعاء اتهمته بتصوير فيلمه دون الحصول على ترخيص من السلطات المختصة، إلى جانب اتهامات بأن الممثلات لم يلبسن الحجاب بشكل صحيح وايضا تم تصويرهن بدون حجاب. وينطوي الحكم على السجن وغرامة مالية ومصادرة الممتلكات بالإضافة إلى عقوبة الجلد بسبب زجاجات النبيذ التي اكتشفتها الشرطة أثناء مداهمة شقته، وهذا الحكم هو الأشد قسوة الذي تم إصداره على مخرج في إيران. وقال رسولوف: "لقد كتبت العديد من المشاريع السينمائية عندما كنت في السجن، ولطالما شعرت أنه إذا بقيت في سجينا لسنوات، فلن أمتلك القوة أو القدرة على صنع هذه الأفلام، لذا يجب عليّ أولاً أن أصنعها، وبعد ذلك، يحين دائمًا وقت العودة والذهاب إلى السجن".
وأضاف: " تدور في ذهني فكرة أنني ساعود قريبا جدا، لكنني أعتقد أن هذا هو حال جميع الإيرانيين الذين غادروا البلاد، جميعهم لديهم حقيبة جاهزة." وعلى الرغم من أنه كان هناك انتظار لمدة أربعة أشهر بين إعلان محكمة طهران لأول مرة حكمها بالسجن في كانون الثاني/ يناير، وإرساله لتنفيذ الحكم هذا الشهر، إلا أن رسولوف قال إنه لم يكن لديه سوى ساعتين فقط، ليقرر خلالها ما إذا كان عليه أن يقرر فيها، سواء البقاء في إيران أو المغادرة. وبناء على نصيحة أحد الأصدقاء، قام بقطع كافة الاتصالات عبر الهواتف المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر وتوجه إلى الحدود وعبرها سيرا على الأقدام عبر طريق سري.

يتذكر رسولوف، وهو يتحدث بمساعدة مترجم: "لقد كانت مسيرة استغرقت عدة ساعات ومرهقة وخطيرة للغاية، وكان علي أن أقوم بها بصحبة دليل". وبعد الرحلة اختبأ في منزل آمن. "اضطررت إلى البقاء هناك لفترة طويلة قبل أن يتمكنوا من نقلي إلى إحدى المدن، ومن هناك إلى مكان أخر حيث يمكنني التواصل مع السلطات الألمانية".
وقامت السلطات الثقافية في ألمانيا في التأكد من هوية المخرج، وزودته وزارة الخارجية الألمانية بالأوراق التي مكنته من مواصلة الرحلة إلى أوروبا. ولم يعلن محاميه عن هروب رسولوف إلا عند وصوله إلى ألمانيا. وردا على سؤال عما إذا كانت وزارة الخارجية الألمانية ساعدت رسولوف في رحلة إلى أوروبا، قال إنه لا يستطيع التعليق على الحالات الفردية، مضيفا: “الحكومة الفيدرالية لن تترك أي جهد لدعم ومساعدة المجتمع المدني الشجاع في إيران”. وعلى الرغم من أنه لا يزال بدون جواز سفر، إلا أنه قال إن السلطات الألمانية والفرنسية تجري حاليًا محادثات للسماح له بالسفر إلى مدينة كان لحضور مهرجان كان سينمائي قبل العرض الأول لفيلم بذرة التين المقدس The Seed of the Sacred Fig يوم الجمعة المقبل، والذي يتم عرضه في المنافسة على السعفة الذهبية.
وقال إن السبب وراء بذل الدولة الإيرانية كل هذه الجهود لقمع أفلامه هو أنهم "مثل أي ديكتاتورية أو نظام شمولي آخر، يريدون السيطرة المطلقة على السينما التي لا يحبونها والتي تواجه حقيقة وجودهم ونظامهم الخاص". وقال رسولوف: "إنهم يحاولون فقط تخويف الجميع وإبعاد الجميع عن أي محاولة لإنتاج واخراج أفلام أو التعبير عن أنفسهم أو استخدام حريتهم فقط بسبب وهم السيطرة هذا". واختتم رسولوف حديثه "ولذا فإن رسالتي إلى زملائي وإلى صانعي الأفلام الآخرين هي: هناك طرق".

عن المخرج رسولوف
درس محمد رسولوف (ولد في مدينة شيراز عام 1972) علم الاجتماع في جامعة شيراز، ثم مونتاج الأفلام في معهد سوره Sooreh للدراسات العليا في طهران. بعد عدة أفلام قصيرة، أخرج فيلمه الطويل الأول "الشفق" The Twilight في عام 2002. وحصل على جائزة عن فيلمه "جزيرة أهاني" Jazireh ahani عام 2005 في مهرجان مونتريال السينمائي العالمي. في كانون الأول/ ديسمبر 2010، ألقي القبض على رسولوف مع جعفر بناهي، الذي شارك معه في إخراج فيلم، بتهمة "القيام بأعمال عدائية ودعاية ضد جمهورية إيران الإسلامية"، حُكم على رسولوف بالسجن لمدة عام وعلى المخرج بناهي بالسجن لمدة ست سنوات. عرض اول فيلم له "وداعا" Au revoir بمهرجان كان السينمائي عام 2011، في قسم (نظرة خاصة)، وفاز بجائزة أفضل اخراج.
وعاد إلى كان بفيلم
"المخطوطات لا تحترق" Les manuscrits ne brûlent pas وايضا في قسم "نظرة خاصة" عام 2013، وفاز بجائزة (الاتحاد الدولي للنقاد. السينمائيين) FIPRESCI.
وللمرة الثالثة أٌختير فيلم رسولوف "رجل النزاهة" Un homme intègre، للمشاركة في قسم نظرة خاصة عام 2017 بفيلم "، وفاز عنه بجائزة هذه الفيئة. هذا الفيلم أوقعه في مشاكل مع السلطات الامنية للجمهورية الإسلامية في ايران (مصادرة جواز السفر، الاستدعاء للاستجواب) التي اتهمته بالقيام بأنشطة ضد الأمن القومي والدعاية ضد النظام وحُكم عليه بالسجن لمدة عام 23 تموز/ يوليو عام 2019. فاز فيلمه "الشيطان غير موجود" Le diable n existe pas، المناهض لعقوبة الإعدام والتفكير في الإرادة الحرة وواجب العصيان، بجائزة الدب الذهبي في برلينالة 2020. وقد مُنع رسولوف من مغادرة البلاد، ولم يتمكن من استلام جائزته. في تموز/ يوليو 2022، تم القبض على محمد رسولوف والمخرج مصطفى الأحمد بعد نشر مقال ينتقد موقف الشرطة أثناء المظاهرات. ثم تم القبض على المخرج جعفر بناهي بعد طلب معلومات حول هذه الاعتقالات، أُطلق سراحه بكفالة في شباط/ فبرلير 2023. كما انتقدت السلطات الإيرانية رسولوف بسبب اخراجه فيلم وثائقي "جريمة متعمدة" Intentional crime عن الشاعر والمخرج بكتاش أبتين Baktash Abtin، حيث يتهم النظام بحرمان الشاعر المسجون في طهران عمداً من الرعاية الطبية، ولم تعتني بحالته الصحة. تم إطلاق سراحه مؤقتًا لأسباب صحية في كانون الثاني/ يناير 2023. وفي نفس سنة تم دعوته ليكون عضوا في لجنة التحكيم في مهرجان كان، ولكنه لم يستطيع تلبية الدعوة لانه ممنوع من مغادرة البلاد. في 8 أيار/ مايو 2024، حُكم على رسولوف بالسجن ثماني سنوات، خمس منها قابلة للتطبيق، بتهمة "التواطؤ ضد الأمن القومي". وبعد اختيار كان لفيلم روسولوف للمشاركة في المسابقة الرئيسية قامت السلطات باستدعاء أفراد طاقم الفيلم للاستجواب، والضغط عليهم لسحب الفيلم من المسابقات الدولية.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي