جحيم الفكر

الهيموت عبدالسلام
2024 / 5 / 15

في الوقت القصير جدًا الذي نقضيه على الأرض يجب أن نتساءل لماذا يضع بعض البشر أنفسهم فوق الآخرين ويعتقدون أنهم متفوقون عليهم، ويشعرون دائمًا بأن الآخرين مضطرون لسماع أوامرهم وإرشاداتهم ونصائحهم وقناعاتهم ولا يشكون ولو للحظة واحدة فيما يقومون به؟ لماذا تغيرت الحيوانات حين اقتربت من البشر ولم يتغير بعض البشر؟

نحن جميعا متشابهون، مسلمون، يهود، مسيحيون، هندوس، بوذيون، مؤمنون، غير مؤمنين، أغنياء، فقراء، سود، بيض، صفر، رجال، نساء، أطفال، كلنا من نفس الأصل، وٌهبنا نفس العقل، الشيء الوحيد الذي يجعلنا مختلفين معتقداتنا وأحكامنا وأطماعنا وتسلطنا وجشعنا وتملكنا، وإذا لم نتعلم العيش بشكل جماعي سنموت جميعا كمخبولين كما يقول "مارتن لوثر كينغ"

العيش بشكل جماعي ليس أن يعيش الناس مثل قطيع بل أن يعملوا جماعيا في ظل اختلافهم العرقي والإيديولوجي والثقافي والديني والمذهبي والطائفي ضمن المبدأ الكوني لنا الحق في أن نكون ومتساوين في الحقوق والحريات ومختلفين في كل شيء.
حين نتقبل اختلافاتنا فإننا نخلق قوة إنسانية مبدعة ومتكاملة لأن الآخر يلعب دوره التلقائي دون أن نفرض عليه نمط تفكيرنا وقناعاتنا وطرق عيشنا، ينقصنا فقط أن نعترف لكل واحد فينا له شيء خاص ومميز يمكن أن يضيفه لهذا العالم، وألا ننسى أن الآليات الأساسية لجميع الكائنات الحية على وجه الأرض أنه ليس الأقوى الذي يفوز لوحده بل الذين يساعدون بعضهم بعضا.
حين لا نتقبل هذا الاختلاف ننحدر لبعض الحيوانات فالدجاج مثلا إذا فقس فرخا مختلفا فإن الدجاج يقتله، نفس الشيء تمارسه أنواع أخرى من الحيوانات وحتى الإنسان في العصور القديمة كانوا يقتلون الأطفال المشوهين أو استعمالهم في طقوس التضحية والقرابين، وهناك حيوانات تتقاسم عطفها وحزنها فالحيتان القاتلة والفيلة والذئاب لها روابط عائلية مدى الحياة وتحزن كثيرا على موتاها وقد شوهدت الأفيال وهي تزور بقايا رفاقها الموتى.
حتى البناء الاجتماعي يفرض هذا التنوع لأن الفرد الواحد لا يمكن أن يكون نجارا وطبيبا وفلاحا وطبيبا ومعلما وممرضا وخياطا إننا نحن البشر مرتبطون ببعضنا البعض ونخدم بعضنا البعض وإن لم نشعر بذلك.

السلم الموسيقي يتكون من سبعة نوتات ولكن هذه النوتات السبعة تنتج ما لا يحصى من الألحان التي لا يستطيع الإنسان سماعها كلها خلال حياته القصيرة، وتوجد فقط خمسة ألوان أساسية: الأزرق والأحمر والأصفر والأبيض والأسود ولكنها مجتمعة تنتج مئات الألوان، وتوجد فقط خمس أذواق أساسية وتنتج عنها الكثير من النكهات، وتوجد فقط تسعة أرقام ولكن تعصينا أرقام فلكية وربما لا نهائية ، وفي مجال الحروف نفس الشيء فاللغة العربية تتوفر على 28 حرفا فكم نتج عن هذا العدد من الحروف من المجلدات والكتب والمتون في جميع المجالات ناهيك عن اللغات الأخرى.
الإنسان هو الإنسان، والاختلاف يكمن فقط في فكرنا ورواسبنا وأحكامنا، بنفس الدماغ يمكن أن نخلق السعادة والفرح والأمل ويمكن أن نخلق الشقاء والبؤس والخيبة، ما يخلقه الإنسان في الأرض قد وجد تعبيره في دماغه لذلك نجد أن الإنسان قد خلق العجائب السبعة مثل هرم الجيزة، حدائق بابل المعلقة، سور الصين العظيم، بوابة عشتار، تاج محل الهندي وهو نفس الدماغ الذي فجر حربين عالميتين وأحرق هيروشيما وناجا زاكي بالنووي، واقترف جرائم العبودية وحروب الإبادة في أمريكا وأستراليا وكندا والحروب الدينية وغيرها.
يبدو أن العلة في فكرنا لأن الإنسان يرى العالم بفكره وأن الروح تتصبغ بلون أفكارها، وأن الفكرة المريضة قد تلتهم الجسد أكثر من الحمى والسل، إن تفكيرنا الماضي هو الذي يحدد وضعنا الحالي وتفكيرنا الحالي سيحدد وضعنا المستقبلي.
إن هذا العالم مجرد مكان نتعلم فيه أننا نحتاج لبعضنا البعض وأننا لم نولد لأنفسنا وحدنا وأنه يلزم الكثير من العمل لنتحررأولا من الأفكار التي وضعناه أو وضعوها في رؤوسنا.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي