|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عبدالامير الركابي
2024 / 5 / 15
مع الانقلاب الالي تدخل اليشرية زمن التحدي الاعقالي الاعظم في التاريخ، فلايكتمل الطور الانتقالي من اليدوية الى الالية الا بمغادرة والتخلص من وطاة الوعي والادراكية الموروثة الارضوية الاحادوية الانسايوانيه، الامر المناط لابالغرب الذي فيه تنبجس الالة، بل في الموضع الاصل التاسيسي المجتمعي الازدواجي اللاارضوي، حيث مفاعيل الانقطاع التاريخي الثاني مابعد العباسي، ماتزال سارية وفاعلة ابتداء، وبالاخص ابان وصول الغرب ممثلا بالحملة البريطانية ارض مابين النهرين عن طريق الفاو عام 1914، وهو الحدث اللازم والضروري لاجل ايقاظ وتحفيز اسباب الانقلاب الادراكي الاعظم، الذي لااكتمال للانقلاب آلالي من دونه.
واول مناحي الانقلاب التصوري المفوت والملغى من الوعي، الانتباه الى كون الكيانيه الوطنية القومية بصيغها الابتدائية الاولى والاخيرة الاكمل العليا، ومعها الدولة باشكالها المواكبه، هي صيغ ليست مقصودة بذاتها بقدر ماهي محطات موجودة قيد التجاوز، انتظارا لاشتراطات النضج واكتمال الظاهرة المجتمعية التي هي بالاصل بلا حدود ولاكينونه حدودية، ومن دون تمايزية سلطوية، أوعلى مستوى التملك، تنتج تفارقا في المواقع والادوار، فالتعبيرية الاعلى النهائية، كونية لاتحدها حدود الجغرافيا، متعدية للارضوية، بلا نخبة، لان هذه تظل على مدى التاريخ التفاعلي محكومة لاشتراطات الادنى، وبالذات لقوة الاعقالية الانسايوانيه غير القابلة لادراك المنطوى المجتمعي الابعد.
ان ابراهيم ممثل التعبيرية اللاارضوية الكونية الاول، هو فرد بذاته مطرود من ارضه، لااحد معه او يشاركه ماهو عازم عليه، فاذا شبه لهذه الجهه بالفلاسفة ابناء المكان الذي هم منه على المنقلب المتوسطي الاخر،صرنا امام ارضوية عقلية نخبوية، مقابل امه لاامة تتناسل بلا ظهير، سلاله مكرسة مثلا تتراكم وتتكامل، الى ان تتوفر الاسباب الانصبابية ووطاتها، شرقا وغربا، من روما وفارس، وتصير الاسس المبدئية بنية كتابية عملية على يد انبياء الابراهيمية الاخيرين الختاميين، المسيح ومحمد المنفردان( عيسى كان ليس من هذا العالم، ومحمد كان فردا وحيدا عالمه العزلة وغار حراء) فاذا بنا ومعهما، امام الاختراق الاكبر الى الغرب والشرق، والى تبدل وانقلاب صيغه المجتمعات في اوربا، ووصولا الى الصين، من الاحادية الى الازدواج.
كتاب وجهد افرادي خارج ارضه، تلك هي مجتمعية اللاامة اللاارضوية بلا دولة ولانخبة، حين تتحقق بلا ارض، ارضها كينونة الانسان وازدواجه التكويني غير المنظور، هو الاخر مجتمعية اخرى غير معترف بها، ولا مماط عنها اللثام، ترحل باصرار الى عالم خارج من نطاق الارض باعتبار الاخيرة هي المجتمعية وما يرافقها من الامم والدول، من دون منازع ولامنافس.
الا ان الكائن البشري وذلك سر الاسرار الذي لايوعى الى اليوم، ليس بالساكن الابدي لكوكب الارض، المحطة واللزوم الواجب المفضي الى الاكوان الاخرى اللامرئية، ومن يعتمد هذا اساسا ومنطلقا لمروية الوجود والصيرورة، يباين ويخالف حتما بما لايقاس، من يعتمد المروية الارضوية التي بلا افق ولامخرج، تلك التي قد ترى من دون سبب غير تعاظم التوهمية، ان التاريخ مرشح "للانتهاء" والتوقف(1)، لمجرد ان نموذج امريكا قد صار متفردا، وقوة كبرى اثر انهيارمنظومة الانتقال الالي الاشتراكي التوهمي السوفيتي مع معسكره، في الوقت عينه الذي تكون فيه الولايات المتحده على مشارف الزوال كامبراطورية وكنمط(2)، مع العولمه الانتاجية الالية الاجبارية طبيعة، وتحول الشركات المتعددة الجنسية الى قاظم لسيادة "الدولة" المحلية الوطنيه، والامبراطورية المتحولة الى العصر "التكنتروني"(3) الموافق لتحول الالة الى التكنولوجيا الانتاجية، بعد طورها الاول الاوربي المصنعي المنتهي، الموافق لما يعرف بالدولة /الامه الليبرالية.
كل هذا بالاحرى هو مسار الاقتراب من الكيانيه مابعد الارضوية وقد غدت ضرورة موضوعيه، متوقعا ان تتعزز بقوة حلول واقع متجاوز للقدرة المتاحة والمعتمدة على الضبط او الادارة، واقعا سياسيا ومجتمعيا، وبالعلاقة بالبيئة المتزايدة الاختلال، في الوقت الذي تكون فيه ارض اللاارضوية قد دخلت هي بالذات طور استحالة التحقق المادي وطنيا كبداهة، والاهم امبراطوريا ازدواجيا كما كان يحصل ابان الدورتين، الاولى السومرية البابلية الابراهيمه، والثانية العباسية القرمطية الانتظارية، وبعد عملية الافناء التدميري الممارس على يد الامبراطورية الامريكيه بين 1990/ 2003، يكون العراق قد صار ساحة للركام، تتجمع على ارضه متبقيات ميتة من الفترات المتعاقبة على تاريخة النشوئي الحديث، المستمر من القرن السادس عشر: فاذا بالقبلية، والانتظارية النجفية، والوطنية الحداثية الزائفة، الحزبية الايديلوجية، ثلاثية خربه بلا آليات، تضاف الى كل متبقيات ولقى تاريخ هذا المكان، المشحونه ارضه بعبق التاريخ النائم تحت التراب واليشن.
هذا بينما يغلب على الارض الاولى حال من "فك الازدواج"، اذ يتوحد المدى الرافديني تحت طائلة اللاازدواج، فلا تعود احتمالية، فضلا عن امكانية قيام "دولة" المجال الاعلى الارضوية، في وقت يخضع فيه المجال المذكور لاشتراطات العيش على حافة الفناء الثانية مع الجنوبيه التاريخيه، فيتوحدان اشتراطات وديناميات على مدى يزيد على نصف قرن، ابتداء من الحرب العراقية الايرانيه 1980/ 1988اطول حرب بين دولتين بعد الحرب العالمية الثانيه، وماتبعها من سلسلة حروب كونية، وحصارات هي الاقسى المفروضة على كيان في التاريخ، واحتراب داخلي متعدد الاصناف، متواصل، اضيف له، حال من حكم الحثالة، ولصوصية الركام الثلاثي الميت، مع تعطيل لابل ايقاف كلي للعملية الانتاجية، ماصار ياخذالى، لابل يحتم، بزوغ التعبيرية العظمى المنتظرة بما هي الاطار الوحيد المطابق للاشتراطات الموروثة والراهنه، وتلك الحاصلة بعيدا عن معزوفات العصر والايديلوجيات مدعية الاصلاح، والمكرسه بعجزها التصوري المتكرر،للحال القائم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معروفة معزوفة "نهاية التاريخ" لفوكوياما التي عاد لاحقا واعترف هو نفسه بتهافتها.
(2) مع تفرد الولايات المتحدة الامريكيه بموقع القوة عالميا، تزايدت الاراء التي تقول بقرب انهيارها كامبراطورية، يراجع كتاب ايمانويل تود/ مابعد الامبراطورية.. دراسة في تفكك النظام الامريكي/ دار الساقي ـ واميركا التوتاليتارية الولايات المتحدة والعالم الى اين؟/ ميشال بوغنون ـ موردان/ دار الساقي، ووضع بريجنسكي كتابا بعنوان / الفرصة الضائعه/ عن فشل الولايات المتحدة كقوة عظمى متفرده.
(3) بين عصرين : امريكا والعصر التكنتروني / زبيغنيو بريجنسكي/ دار الطليعة بيروت/ ترجمة محجوب عمر.