|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عزيز باكوش
2024 / 5 / 14
فجأة، نزلت فكرة تجزيء القراءة العاشقة المزمع تقديمها لقصة " حادث مؤسف للغاية " للكبير دوتسويفسكي إلى بضع حلقات ،وكنت قد أنهيت قراءة هذا المنجز الأدبي الفائق الروعة للمرة الثالثة . لا غرو، فالأدب الرفيع يفرض إيقاعا وموسيقى بنكهة طويلة الأمد . ويرحل بالذات على صهوة اللذة عبر شرفة من الدرجة الممتازة حيث الرؤيا ساطعة والقمرة مخصصة للاستكشاف المريح والاطلاع بأريحية على الحقب السردية الثلاثية الأضلاع للمنجز الأدبي. هناك فقط تنهض الإطلالة على شساعة التأمل وعمق التركيز ونشوة بالغة المتعة والحميمية الشخصية على فضاءاته وشخوصه . ولا تندثر المتعة للتو ،بل تعمر طويلا طويلا في الذاكرة مثل آية قرآنية .
في الجزء الأول من القصة ،نتعرف عما حدث ذات ليلة صافية كثيرة الصقيع من ليالي الشتاء. كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلا بدقائق ، حيث جلس ثلاثة من علية السادة العسكريين بطرسبورغ بقصر فخم مشيد من طابقين في حجرة فاخرة الأثاث. الأول هو مالك القصر المستشار ستيبان نيكيفورفتش نيكيفوروف،حالته المدنية أعزب يطل على الخامسة والستين من عمره. أما المناسبة فلم تكن سوى احتفاليين في ليلة واحدة ،فهي مناسبة انتقاله إلى المسكن الجديد الذي اقتناه مؤخرا. الثانية يحتفل في الوقت نفسه بعيد مولده ولم يسبق له احتفل به من قبل. ولسبب لا يعلمه إلا هو والشيطان، لم يدع لهذه المناسبة إلا ضيفيه وهما زميلين سابقين له، ومرؤوس له حاليا. يدعى الأول سيميون إيفانوفيتش شيبولنكو. والثاني ايفان ايليتش برالينسكي.
ربما وجب التذكير إلى أن كل واحد من هؤلاء السادة الثلاثة حائز على رتبة جنرال. لذلك كانوا جالسين في أبهة عسكرية حول مائدة صغير مستغرقين في نقاش يبدو حساسا رفيع المستوى. لنقل صراحة أنه حديث في المجمل يدور حول موضوع سياسي راهن وآخر اجتماعي مثير للاهتمام وشيق للغاية. قد يتعلق الأمر بالرغبة الشديدة لشباب روسيا في مصير جديد وآمال جديدة اشتعلت به عقول جميع أبنائها الميامين. إنها تلك الوثبة المتحمسة الساذجة المؤثرة لإنهاض الوطن العزيز .كان الجنرالات الثلاثة مستريحين على مقاعد وثيرة، يحتسون الشمبانيا في هدوء وهم يتسامرون ويتناقشون وكانت الزجاجة على المائدة في دلو فضي مملوء إلى نصفه بالثلج.
نحن هنا لا نضيف شيئا إلى كون البناء القصصي لروايتنا " حادث مؤسف للغاية " نمط فريد في التحليل النفسي، ونموذج متفرد في التصوير الساخر للذات في علاقتها بالمحيط. وأسلوب مبتكر ولا يضاهى في التماهي السردي الثلاثي الأبعاد . بل أن محاولتنا بالدرجة الأولى تقوم بالتوازي مع تصور المؤلف على استجلاء أسباب ذلك التناقض الفظيع الذي وقع فيه شاب من وسط أرستقراطي الذي أراد أن يغير واقعا ما مقتنعا بقوته في الخطابة والتأثير . لكن ما حصل جعل القدر في ذات الليلة حول تلك الدوافع المبنية على الفضول والرغبة الشديدة نحو التغيير إلى مأساة حقيقية. كان المسكين يمارس ما اعتقد أنه تنوير وإشعاع للفكر التحرري الصاعد في روسيا، ولابد من أن تكون هذه البلدة منطلقا حقيقيا للدعوة إلى المسار الديموقراطي في البلدة كأفق مشرق وجديد . لكن تداعي الإكراهات وطفو تجاذبات ورغبات طائشة على السطح وأخرى من صنع القدر كلها مطبات وأدت الحلم في مقتل .وعصفت بالطموح إلى عكس التيار . فكان لذلك أسوء العواقب . لقد حدثت مواقف وشبهات غاية في الغرابة والذهول لم تكن تخطر على بال أحد.
تدق الساعة منتصف الثانية عشرة ليلا ،ويهم سعادة الجنرال ايفان إيليتش بالانصراف. لف معطفه الثمين المبطن بالفراء حول جسمه وخرج رفقة سيميون ،لكنه لم يجد عربته الخاصة في انتظاره . كانت هناك فقط عربة سيميون التي يجرها حصان واحد . وصاح غاضبا مزمجرا " بحق الشيطان أين ذهب تريفون بعربتي؟ يتبع
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |