جولة تاريخية حول -معاداة السامية- المنشأ و المنبع.

عبير سويكت
2024 / 5 / 11

عبير المجمر (سويكت)


إسرائيل في الأيام الماضية كانت قد احتفلت باليوم الوطني لذكرى الهلوكوست ، و ما ان تُذكر الهلوكوست إلا و تفتح صفحات التاريخ المظلمة "معاداة السامية"، يسمع الكثيرون عن مصطلح "معاداة السامية" و لكل شخص تفسيره لهذا المصطلح ، و لأهمية الموضوع قررت طرحه و البحث فيه لأنه أصبح مترددًا بصورة كبيرة خاصةً في ظل احتدام الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.

ما هي "معاداة السامية "؟ أو بالأحرى دعونا نبدأ بتعريف ما هي السامية؟ هل هي لغة، دين، عرق، ثقافة…أم ماذا ؟

من خلال عملية البحث يبدو ان مصطلح "سامية" يستخدم في المقام الأول للإشارة إلى عائلة لغوية وليس إلى عرق أو مجموعة عرقية معينة. و سُميت اللغات السامية بهذا الاسم نسبةً إلى الشعوب السامية التي سكنت المنطقة السامية تاريخياً. حيث تشمل الشعوب السامية الأكاديين القدماء والآشوريين والبابليين والعبرانيين والعرب والمجموعات العرقية الأخرى التي لعبت أدوارًا مهمة في تاريخ المنطقة.
ظهرت اللغات السامية منذ عدة آلاف من السنين، تقريبًا في الألفية الثالثة قبل الميلاد . و أرتبطت اللغات السامية ارتباطًا وثيقًا بعائلة اللغات الأفروآسيوية، والتي تضم أيضًا عائلات لغوية فرعية أخرى مثل اللغات الشامية السامية، واللغات البربرية، واللغات الكوشية.

يُشار الى ان اللغات السامية هي عائلة من اللغات المستخدمة بشكل رئيسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن أشهر اللغات السامية: العربية، والعبرية، والأمهرية، والتغرينية، والآرامية، والمالطية. ولهذه اللغات خصائص مشتركة وتشترك في أصل مشترك يعود تاريخه إلى اللغات السامية القديمة.

حيث تأخذ اللغة السامية اسمها من المنطقة التي نشأت فيها وهي المنطقة السامية. تشمل المنطقة السامية جزءًا من الشرق الأوسط، بما في ذلك بلاد ما بين النهرين القديمة وشبه الجزيرة العربية.

و يتم تحديد المنطقة السامية على أنها تشمل مجموعة من عدة مناطق في الشرق الأوسط وأفريقيا. على النحو الأتي :
1. بلاد ما بين النهرين توصف بأنها منطقة تقع بين نهري دجلة والفرات، وتضم بابل القديمة وحضارات بلاد ما بين النهرين الأخرى.

2. شبه الجزيرة العربية تُعرف على أنها منطقة واسعة تضم دولاً مثل المملكة العربية السعودية واليمن وعمان والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين.

3. بلاد الشام يتم تحديدها بأنها منطقة من الشرق الأوسط تضم سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل.

4. إثيوبيا الواقعة في شرق أفريقية و تُعرف على ان لها تاريخ طويل من الوجود السامي، خاصة مع الشعب الإثيوبي واللغة الأمهرية.

5. إريتريا وجيبوتي، دولتان في القرن الأفريقي تتحدثان باللغة السامية التيجرينا.

النقطة المشتركة بين مختلف هذه المناطق أنها تُعرف على أنهل مهدًا للعديد من الحضارات والثقافات القديمة التي أثرت في تطور اللغات السامية.

و بما ان اللغات السامية موجودة بشكل رئيسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تعتبر منتشرة في دول مثل المملكة العربية السعودية، العراق، سوريا، لبنان، إسرائيل، فلسطين، الأردن، اليمن، السودان، إريتريا، إثيوبيا وجيبوتي.

حسنًا، هل "معاداة السامية" تعني معاداة جميع هذه المناطق و الدول الناطقة باللغات السامية او هذه الشعوب السامية؟ لا، مصطلح "معاداة السامية" يخص اليهود فقط العبرانيين حيث يرمز المصطلح للإشارة إلى الكراهية والتمييز الموجه على وجه التحديد ضد اليهود. فقد ظهر مصطلح "معاداة السامية" في القرن التاسع عشر، وبالتحديد في أوروبا في ألمانيا بصفة خاصة . حينها صاغه فيلهلم مار، وهو صحفي وسياسي ألماني، في عام 1879. و كان مار قد نشر كتيبًا بعنوان "انتصار اليهودية على الألمانية"، والذي استخدم فيه مصطلح "معاداة السامية" لأول مرة. ومنذ ذلك الحين، تم استخدام هذا المصطلح على نطاق واسع لوصف الكراهية والتمييز ضد اليهود.

و تحكي صفحات التاريخ ان كراهية اليهود و معاداتهم كانت موجودة تاريخيًا منذ زمن بعيد قبل عام 1879, ألمانيا كانت قد سنت قوانين معادية للسامية قيدت حقوق وحريات اليهود. خلال فترة الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية. و نظام فيشي الفرنسي ، هو الآخر كان قد قبل بالتعاون مع ألمانيا النازية، و سن قوانين معادية للسامية ابتداءً من عام 1940، مما أدى إلى تقييد حقوق وحريات اليهود الفرنسيين. وشملت هذه الإجراءات ترحيل وإبادة اليهود خلال الهولوكوست. و بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كانت قد تمت أدانة تلك القوانين المعادية للسامية و تم إلغائها ، و لكن يظل تاريخ معاداة السامية الذي مُورس في أوروبا صفحة مظلمة من صفحات التاريخ.

و السؤال المهم الذي يطرح نفسه ما هي أسباب معاداة السامية في أوروبا آنذاك ؟ حينما نتصفح صفحات التاريخ يتضح لنا ان دوافع معاداة السامية كانت كثيرة ومتنوعة أدت لعزل اليهود وتهميشهم واضطهادهم وحتى القضاء عليهم كمجموعة عرقية ودينية. حتى بلغت أعمال التمييز والعنف ذروتها في أوروبا مع المحرقة خلال الحرب العالمية الثانية، عندما تمت إبادة ستة ملايين يهودي بشكل منهجي على يد النظام النازي الأوروبي .
في المجتمعات الدينية المسيحية كانت معاداة السامية قاسية خاصة في العصور الوسطى. غالبًا ما اتُهم اليهود بقتل الإله (قتل يسوع) وكان اليهود يعتبرون هم "الشعب القاتل". وقد ساهمت هذه الاتهامات الدينية في انتشار الصور النمطية السلبية وتهميش المجتمعات اليهودية.

عندما واجهت المجتمعات الأوروبية بعض الأزمات الاقتصادية أعتبرت مجموعات كبيرة منهم ان الأزمة الاقتصادية مرتبطة بأنشطة اليهود المالية، بما في ذلك إقراض الأموال، وكثيراً ما تم إتهام اليهود بممارسات اقتصادية مسيئة. وقد غذت هذه الاتهامات الصور النمطية السلبية وأدت إلى التمييز الاقتصادي ضد اليهود.

كما إتُهم اليهود بانهم متلاعبين يسعون للسيطرة على العالم و التحكم في مواقع القرار و القوى ، و تارةً أخري أعتبروا ان اليهود أجانب، أو أعداء للدولة، أو عملاء لقوى أجنبية، مما أدى إلى تهميشهم واضطهادهم.

كما تم وصف اليهود بالجشع و البخل والذكاء المتلاعب والسيطرة السرية على العالم. و صور نمطية آخرى أنتشرت عن اليهود تربطهم بشرب الدم الكاثوليكي في عيد الفصح أو ممارسة السحر الأسود للكابالا، و وصفوا بالمجتمع المنغلق على ذاته غير مندمج مع الاخر، إلا انه قد تكون جميع هذه الصور النمطية لا أساس لها من الصحة ولا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد. و لكنها للآسف شجعت في عزل اليهود مجتمعيًا و اضطهادهم و ممارسة العنف و العنصرية ضدهم.

نواصل للحديث بقية

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي