|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد رضا عباس
2024 / 5 / 9
التوافقية هي التي انجبت المحاصصة السياسية في العراق . الأكثرية وافقت على التنازل من بعض حقوقها من اجل ضم الأقليات في العملية السياسية بعد عام 2003. الا ان بعد شهور قليلة تبين للعراقيين عيوب هذا النهج الذي يسمى , النظام التوافقي او الحكومة التوافقية . بموجب التوافق وزعت الرئاسات الثلاث بين مكونات الشعب العراقي , فاخذ الكرد منصب رئيس الجمهورية والمكون السني منصب رئاسة البرلمان و الشيعة منصب رئيس الوزراء . الوزارات هي الأخرى وزعت على المكونات فاخذ السنة منصب وزير الدفاع والشيعة منصب وزيرة الداخلية والكرد وزارة الخارجية واصبح هذا الترتيب هو الدارج في البلاد مع تشكيل كل حكومة على الرغم من عدم وجود فقرة دستورية تحدد توزيع المناصب الرفيعة على المكونات.
العملية لا تخلوا من تأخيرات في تشكيل الحكومة , حيث شكلت حكومة السيد نوري كامل المالكي بعد اكثر من سنة على اعلان نتائج الانتخابات , لأنه يجب ان يتفق الشيعة على اختيار رئيس الوزراء الشيعي , والانتظار على اتفاق السنة لاختيار رئيس مجلس النواب السني , والانتظار على اتفاق الكرد لاختيار رئيس الجمهورية , الكردي .
في بعض السنوات صار الاختيار مشكلة بين أبناء المكون الواحد . على سبيل المثال , مازال منصب رئيس البرلمان العراقي شاغرا منذ كانون الثاني ولحد الان والسبب هو عدم اتفاق الأحزاب السنية على شخصية سنية تقود البرلمان. وفي الانتخابات السابقة طافت على السطح اختلاف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الوطني الكردستاني على تحديد اسم كردي لمنصب رئيس الجمهورية . وعليه يمكن الاستنتاج من ان توزيع المناصب الرفيعة بين الفائزين بالانتخابات ليس من اجل خدمة المواطن العراقي وانما مرهونة بخدمة حزب الموظف أولا.
هذه الظاهرة كانت على اوجها في زمن حكومة بول بريمر المؤقتة , وحكومة الدكتور اياد علاوي , وحكومة السيد نوري المالكي الأولى . كانت الوزارات عبارة عن مستعمرات مغلوقه لمكون الوزير . فالوزارة التي كان يقودها وزير كردي تكون مستعمرة كردية , والوزارة التي كان يقودها الشيعي , تكون مستعمرة شيعية , وكذلك الوزارة التي كان يقودها السني.
النتيجة كانت كارثية . التوافقية سمحت بوضع الرجل الغير مناسب في المكان الغير مناسب , حيث انحدرت الخدمات الحكومية , وظهر الفساد المالي والإداري بدون حدود , وتدهور الامن وأصبحت بغداد والمدن المحيطة بها ساحة حرب طيلة ثمان سنوات راح ضحيتها مئات الالاف من العراقيين بين شهيد وجريح وتعثر الاقتصاد ودمرت مدن .
لا حل للمشكلة العراقية الا الرجوع الى الدستور , وبمقتضاه تستلم السلطة الجهة التي تكسب اكثر الأصوات . وفي الحالة العراقية يكون مجلس البرلمان الجهة المسؤولة بتعيين رئيسا له , ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ,والوزراء . وتختبر وطينة المسؤول من اخلال انجازاته مع ضمان تطبيق القوانين بدون تحيز الى جهة او أخرى , والا يصاب المجتمع ب " المرض الأمريكي", كما اسميه.
ما هو المرض الأمريكي ؟ هو التنازل عن بعض الشروط الإدارية من اجل رفاهية مجموعة سكانية . فعلى الرغم من قدم الديمقراطية الامريكية واستقرارها السياسي و الأمني و قيادتها للاقتصاد العالمي , الا انها ما زالت تعاني من مشكلة الانقسام المجتمعي , اسود وابيض.
يشكل المكون الافريقي 13% من مجموع سكان الولايات المتحدة الامريكية . ونظرا لما عاناه هذا المكون من تهميش واقصاء على مر سنوات طويله , فان ابناءه تخلفوا عن الالتحاق بالتقدم الاقتصادي والعلمي في هذا البلد , وأصبحت معظم المعاهد والمؤسسات العلمية شبه مغلوقه للمكون الأبيض. هذه الحالة سميت "racial disparity" او " التباين العنصري" . حيث اعتبر مختبر الأورام السرطانية الذي لا يستخدم 13% من اعضاءه من المكون الأسود , مختبر عنصري . والخطوط الجوية التي لا تستخدم 13% من قادة الطائرات من الجنس الأسود تعد شركة طيران عنصرية , والسجن الذي يحتوي على اكثر من 13% من السجناء السود , يصبح سجن عنصري.
وهكذا اصبح " التباين العنصري" مؤشر لوجود " تميز عنصري" و صدقت به الجامعات الامريكية , الاعلام الأمريكي , المؤسسات المالية , الشركات الكبيرة , مكاتب المحاماة الكبيرة , حتى وصل الامر الى المتاحف و فرق الأوركسترا .
كان من المعتقد ان تبقى المعاهد العلمية والمهنية الامريكية على رصانتها , وخاصة الاختصاصات العلمية , التكنلوجية , الهندسية , الرياضيات , وانها سوف لن تكن جزء من موضوع " التباين العنصري" , على أساس ان هذه الاختصاصات تتطلب قدرة ذهنية قد لا تتوفر عند كل البشر . لكن هذه الاختصاصات هي الأخرى أصبحت ضحية " التباين العنصري" , بعد ان اتخذ قيادات هذه المؤسسات قرارا بتخفيض شروط الانضمام لها.
الكليات الطبية الغت نظام التنافس على أساس درجات الامتحان العالية واكتفت بنظام مقبول وغير مقبول fail-pass” "والسبب هو ان معظم الطلاب السود لا يستطيعون الحصول على درجات عالية تمكنهم في المنافسة . كليات القانون هي الأخرى أصبحت تفكر جديا بتخفيض درجات القبول حتى تمكن الطلاب السود الدخول لها , فيما يحاول أجهزة الشرطة عدم القاء القبض على أصحاب الجرائم الخفيفة , السرقة , المخالفات المرورية , و المشاجرة , من السود خوفا من اكتظاظ السجون بهم وبالتالي رمي جهاز الشرطة ب " العنصرية"!
الحقيقة ان المشكلة ليست بصعوبة الاختبارات التي تسمح للطلاب الدخول الى الكليات المهنية , وانما المشكلة مع الذين يأخذون الامتحان . في عام 2020 وفي ولاية كاليفورنيا , فقط 5% من طلاب القانون السود استطاع اجتياز امتحان إجازة العمل , يقابل ذلك 52% من البيض , و 42% من الأسيويين . يتخرج الطالب الأسود من الإعدادية واغلبهم لا يستطع القراءة والكتابة او التعامل مع الرياضيات . وهذا يفسر لماذا التباين في مهنة الطب او القانون او العلوم والتكنلوجيا.
المفكرون الامريكان لا ينكرون الظلم الذي وقع على المجتمع الأمريكي من الأصول الافريقية , ولكن يخشون على تدهور المكانة العلمية للولايات المتحدة في سماحها للطلاب الغير المؤهلين المشاركة في المؤسسات العلمية , خاصة وان المنافسة الحالية بين الدول هي على أساس الاختراعات العلمية , وان الصين تتقدم على الولايات المتحدة في الكثير من المجالات العلمية.
المفكرون الامريكان يرفضون القول بان وضع شروط صعبة وتنافسية للدخول الى المعاهد العلمية والمهنية شكل من اشكال " العنصرية" , وان لا يكون الجنس البشري , جنس المتقدم , او الدين والاعتقاد باب من أبواب التساهل للدخول الى الحقول العلمية . المفكرون اصبحوا يطالبون مجلس النواب الأمريكي بتشريع قانون يحرم التساهل في شروط القبول "standard" . لان تخفيض الشروط لا يخدم احد طالما ان الكفاءات تخلق الابداع و الانجازات.
وفي القضية العراقية , ومن اجل القضاء على المحاصصة يحتاج الى تشريع يلغيها , ويعتمد على قانون المنافسة , لان في نظام المنافسة لا يصح الا الصحيح .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |