السبب الحقيقي وراء العنوسة في العراق

محمد رضا عباس
2024 / 5 / 2

يختصر بعض المحققين وكتاب العمود مشكلة العنوسة في العراق على انها قضية اقتصادية او بسبب العنف الاسري او طلبات الزوجة بعد الزواج . ولو اخذنا بهذه الآراء ما بقى رجل يروم الزواج في العالم . بعض دول افريقيا وامريكا اللاتينية و جنوب شرق اسيا اكثر فقرا من العراق , ولكن ما زالوا يتزاوجون وينجبون الذرية . العراق قبل مائة عام لم يكن من الدول الغنية , وانما كان محسوبا على الدول الفقيرة , ولكن تزاوج الناس وانجبوا البنين والبنات . وانا من اهل قضاء مهم من اقضية بغداد أتذكر كان البقال متزوج , وكذلك النجار والخباز والحداد وعامل البناء . بل كان الزواج امرا ملزما حيث تزوج الصحيح والسقيم او أصحاب العاهات والذين نسميهم هذه الأيام أصحاب الحاجات الخاصة . نعم , لم يكن مستوى معيشتهم كمستوانا المعاشي الان , ولكن قبلوا بما قسم الله لهم .
كما وان رمي العنف الاسري بالمسؤول عن العنوسة هو الاخر مبرر لا ينهضم . مرة أخرى , حيث كانت عائلتي تسكن منطقة شعبية و لا يمر يوم لا نسمع به شجار بين زوجة وزوج , ولكن في الأخير لم يتأثر الأبناء والبنات بجو العائلة وتزوجوا وانجبوا الذرية . لا اعتقد ان طفل سيحمل معاناة والدته مع الاب او معاناة الاب مع والدته الى الابد ويقرر عدم الزواج حتى لا تمر عليه نفس التجربة المريرة.
وحتى طلبات الزوجة بعد الزواج ليس من الضروري ان تشكل عائق او درس يمنع الشباب من الزواج . في اليوم الأول من الزواج تعرف الزوجة قدرة زوجها المالية . صحيح ان كل زوجة تطمح بان تكون بأحسن حال , ولكن هناك مثل عراقي تعرفه كل نساء العراق وهو " مدد على قدر لحافك ", أي لا تطلب اكثر من الموجود . لقد شاهدت في حارتي الكثير من الفقراء ولكنهم سعداء بما لديهم , وهذه حقيقة اعتقد كل من يقرأ هذه الكلمات يتفق معي , وانا شخصيا لم اتربى في بيت مليونير ولكن الوالد والوالدة اتحدوا وتفانوا من اجل ان اكمل دراستي الجامعية وكذلك جميع اخواني واخواتي .
احد الكتاب فسر ظاهرة العنوسة في العراق الى النظام الجديد ! هذا الأخ يقول ان تسلط الأحزاب الإسلامية على السلطة منع الاختلاط بين الشباب والشابات الامر الذي حرم على الفتاة اختيار فارس احلامها . وكأن ابي تعرف على الوالدة رحمها الله في احد بارت بغداد او في كافيتريا الجامعة . المرأة العراقية ما زالت حرة بدخول الجامعات والمخالطة مع اخيها الرجل والعمل سوية , حيث لم نقرأ ان فتاة غير محجبة اهينت وهي في طريقها الى مول المنصور , او اعتدى عليها وهي تجلس في احد مطاعم الكرادة .
اذن , اين الخلل ؟ لماذا نسبة العنوسة في العراق الان تصل الى 70% , الثاني بعد لبنان وبالغة 85.5% , وهو قد يفسر بالظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد , حيث ان البلد معروف بتصديره الايدي العاملة الى الخارج , ولكن النسبة العالية من العنوسة في العراق لا يمكن أعزاءها الى الاقتصاد . باعتقادي هو العرض والطلب . كيف؟
لم تكن العنوسة تشكل مشكلة في العراق قبل حرب ايران – العراق . كان كل من يملك عمل او راتب حكومي يستطع الزواج . وحتى الحاجة الى المال كان تنتهي اذا كان الزوجان يعملان .
مشكلة العنوسة ظهرت بعد حروب صدام حسين ضد شعبه , ضد الاكراد , ضد ايران , حرب الخليج الأولى والثانية , والحصار العالمي الذي قتل نصف مليون عراقي , ومن ثم الهجمة الإرهابية التي قادها تنظيم القاعدة وداعش ضد العراقيين. هذه الحروب الخارجية والداخلية قضت على مئات الالاف من شباب عمر الزواج , فكانت الضحية هي الشابة العراقية . تذكر انه عندما يستشهد مائة الف من الشباب على جبهات القتال او عن طريق السيارات المفخخة , انما تخسر مائة الف من الشابات في عمر الزواج فرصة زواجها. واذا كان عدد الشهداء هو 200 الف , فان عدد الفتيات التي سيحرمن من الامومة هو 200 فتاة . فكيف اذا تجاوز العدد المليون ضحية ؟ اذن , هناك نقص في عدد الشباب في العراق هو سبب العنوسة في هذا الوقت , وما على المحققين ان يدرسوا تأثير الفترات الزمنية التي مرت بالعراق قبل ابداء آرائهم حول المشكلة . لقد قرأت في احد البحوث الامريكية ان الحرب العالمية الثانية كانت سبب مهم في العنوسة وسبب مهم في انتشار ظاهرة السحاق في الولايات المتحدة الامريكية .لماذا ؟ لأنه بسبب نقص الرجال .
ستستمر مسالة العنوسة قائمة للفتيات التي ولدن بين عام 1960حتى عام 2017 . ولكن المشكلة سوف لن تبقى الى الابد , لان التوازن سيعود مرة أخرى ربما من بداية عام 2040 , على فرض ام معدل عمر الزوجة هو 20 عاما وعمر الزوج هو 25 عاما , وان القتل قد انتهى بعد القضاء على تنظيم داعش عام 2018 .
سيعود التوازن الى العراق وسيعود الزواج المتوازن , وسوف يتزوج الرجل من فئته من النساء , أي كلا حسب قدرته ومؤهلاته و درجته الاجتماعية , خاصة وان لا سبب معقول ببقاء ازمة السكن بلا حل الى ذلك الوقت .
حالة أخرى يشاهدها العراق الان وضحيتها المرأة أيضا, وهي ارتفاع نسب الطلاق بين المتزوجين . صحيح ان من حق الاهل ان يكون لهم احفاد من حولهم يلعبون والاطمئنان على مستقبل بناتهم , ولكن في بعض الأحيان اصبح قرار قبول الاهل بالزوج مستعجلا بعض الشيء , أي تتم الموافقة قبل دراسة مؤهلات الزوج . وهو احد اهم أسباب الطلاق.
وحتى اكون صريحا , ان المشكلة هي الهجرة الريفية الى المدن وخاصة الى بغداد. المواطن الريفي يدخل المدينة وهو يحمل نفس العادات والتقاليد التي تربى عليها , وخاصة في التعامل مع المرأة حتى وان كان هذا المواطن يحمل اعلى الشهادات الاكاديمية ." الطبع في البدن لا يغيره الا الكفن " على قول المواطن العراقي , وهنا من اجل ان يتحول المواطن الريفي الى مدني يحتاج الى عقود وربما الى أجيال . تذكر , ان الدين الإسلامي لم يثبت في قلوب الرجال الا بعد قرون , وكذلك التغيير. البناء ليس مثل الهدم . ربما لا تحتاج عمارة من خمسة طوابق اكثر من يوم لتهديمها بالكامل ولكن من اجل بناءها مجددا تتطلب شهور.
ولهذا السبب , اصبح الكثير من العوائل المدنية تتردد من زواج ابنتهم برجل من غير اهل المدينة خوفا عليها من سوء المعاملة , ومع الأسف هناك قصص كثيرة على هذا المنوال , وما على المهتم الا زيارة المحاكم المختصة ليوم واحد.
طبعا , اني لا اعني ان كل أبناء المدن ملائكة كرام مطهرين , لكل قاعدة شواذ , فمنهم الصالح ومنهم الطالح , ولكن على العموم فان الزواج من نفس الطبقة الاجتماعية اكثر استقرارا من غيره .
وعليه , فان وصيتي هو ان لا يستعجل الإباء والامهات بقرار زواج ابنتهم الا بعد الدراسة والتمهل ومعرفة الرجل ومؤهلاته وتاريخ عائلته . ونصيحتي الى اهل البنات هو التشديد عليهم في اكمال دراستهم , لان الثقافة هو جواز سفر للفتاة تسمح لها الطيران اينما تريد .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي